المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب إفراد الحج - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب كيف التكشُّف عند الحاجة

- ‌ باب الخاتم يكون فيه ذِكْر الله يدخل به الخلاء

- ‌ باب فَرْض الوضوء

- ‌الحكم الأول:

- ‌فصلالحكم الثاني:

- ‌فصلالحكم الثالث:

- ‌ باب ما يُنَجّس الماءَ

- ‌ باب الإسراف في الماء

- ‌ باب صفة وضوء النبي

- ‌ باب تخليل اللحية

- ‌ باب المسح على العمامة

- ‌ باب التوقيت في المسح

- ‌ باب المسح على الجورَبَين

- ‌ باب كيف المسح

- ‌ باب تفريق الوضوء

- ‌ باب في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌ باب في المَذْي

- ‌ باب الجُنُب يؤخِّر الغسل

- ‌ باب في الجُنُب يدخل المسجد

- ‌ باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌ باب إتيان الحائض

- ‌ بابٌ يصيب منها (أي: من الحائض) دون الجماع

- ‌ بابٌ المرأة تُسْتَحاض

- ‌ باب ما رُوي أن المستحاضة تغتسل لكلّ صلاة

- ‌ باب ما جاء في وقت النُّفَساء

- ‌ باب الجُنُب يتيمم

- ‌ باب المجدور(1)يتيمم

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ بابٌ في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌ باب المرأة تصلي بغير خِمار

- ‌ باب الرجل يصلي وحدَه خلفَ الصفّ

- ‌ باب الدُّنّوِ من السُّتْرة

- ‌ باب ما يُؤمَر المصلِّي أن يدرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌ باب ما يقطعُ الصلاةَ

- ‌تفريع استفتاح الصلاة

- ‌ باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌ باب افتتاح الصلاة

- ‌ باب مَن لم يذكر الرفعَ عند الركوع

- ‌ باب ما يُستفتحُ به الصلاة من الدعاء

- ‌ باب(2)الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ باب مَن ترك القراءةَ في صلاته

- ‌ باب مَن رأى القراءةَ إذا لم يجهر

- ‌ باب ما يُجزئ [الأميَّ](4)والأعجميَّ من القراءة

- ‌ باب صلاة مَن لا يقيم صُلْبَه في الركوع والسجود

- ‌ باب مقدار الركوع والسجود

- ‌ باب التأمين وراء الإمام

- ‌ باب مَن تجبُ عليه الجُمُعة

- ‌ باب ما يقرأ في الأضحى [والفطر]

- ‌ باب من قال: يصلي بكلِّ طائفةٍ ركعتين

- ‌ باب في صلاة الليل

- ‌ باب مَن لم يَرَ السجودَ في المُفَصَّل

- ‌ بابٌ في الوتر قبل النوم

- ‌ باب في الاستغفار

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب في زكاة السائمة

- ‌ باب رضا المصدِّق

- ‌ باب مَن روى نصفَ صاعٍ مِن قَمْح

- ‌ بابٌ في تعجيل الزكاة

- ‌ بابٌ في الاستعفاف

- ‌كتابُ اللُّقَطَة

- ‌كتاب الحج

- ‌ باب في المواقيت

- ‌ باب في هدي البقرة

- ‌ باب تبديل الهدي

- ‌ باب في الهدي إذا عَطِب قبل أن يبلغ

- ‌ باب إفراد الحجِّ

- ‌ بابٌ في القِرَان

- ‌ بابُ الرجلِ يحُجُّ عن غيره

- ‌ اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:

- ‌ باب ما يلبسُ المُحْرِم

- ‌الحكم الأول:

- ‌الحكم الثاني:

- ‌الحكم الثالث:

- ‌الحكم الرابع:

- ‌ باب المحرم يَنْكِح

- ‌ باب لَحْم الصيد للمحْرِم

- ‌ بابُ الإحْصَارِ

- ‌ بابُ استلامِ الأركان

- ‌ باب الطواف بعد العصر

- ‌ بابُ طوافِ القارِن

- ‌ باب المُلْتَزَم

- ‌ باب الصلاة بِجَمْعٍ

- ‌ باب التعجيل مِن جَمْع

- ‌ باب يوم الحجِّ الأكبر

- ‌ بابُ مَنْ لم يُدْرِك عرفةَ

- ‌ باب الصلاة بمنى

- ‌ باب(3)رَمْي الجِمار

- ‌ باب العمرة

- ‌ باب الإفاضَةِ في الحجِّ

- ‌ بابُ تحريمِ مكة

- ‌ بابٌ في تحريم المدينة

- ‌كتاب النكاح

- ‌ باب فيمن(1)حَرَّم به ــ يعني رضاع الكبير

- ‌ باب ما يُكرَه الجمع(1)بينهنّ من النساء

- ‌ باب نكاح(1)المُتْعة

- ‌ باب [في](3)الشِّغار

- ‌ باب التحليل

- ‌ باب في(5)كراهية أن يَخْطِب الرجلُ على خِطْبَةِ أخيه

- ‌ باب الرجلِ ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

- ‌ باب لا نكاح إلا بوليّ

- ‌ باب قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}

- ‌ باب في البِكْر يزوِّجها أبوها

- ‌ باب في الثيِّب

- ‌ باب في التزويج على العمل يُعْمَل

- ‌ باب فيمن تزوَّج ولم يسمِّ لها صَدَاقًا [حتى مات]

- ‌ باب في خُطْبة النكاح

- ‌ باب تزويج الصِّغار

- ‌ باب ما يُقال للمتزوِّج

- ‌ باب في الرجل يتزوّج المرأةَ فيجدها حُبْلَى

- ‌ باب في حقِّ الزوج على المرأة

- ‌ بابُ ما يُؤمَر به مِن غضّ البَصَر

- ‌ باب في جامع النِّكاح

- ‌ باب إتيان الحائض ومباشرتها

- ‌ باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

- ‌ باب ما جاء في العَزْل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ باب كراهية الطلاق

- ‌ باب في طلاق السنة

- ‌ بابٌ في نسخ المراجعة

- ‌ بابٌ في سُنّة طلاق العبد

- ‌ باب في الطلاق على غلط

- ‌ باب في الطلاق على الهَزْل

- ‌ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

- ‌ باب في أمرك بِيَدِك

- ‌ باب في البتة

- ‌ باب الرجل يقول لامرأته: يا أُختي

- ‌ باب في عِدّة المختلعة

- ‌ بابٌ في الظِّهار

- ‌ باب في المملوكة تحت الحرّ أو العبد

- ‌ باب في المملوكين يُعْتَقان معًا

- ‌ بابٌ إلى متى تُرَدّ عليه امرأتُه إذا أسلم

- ‌ باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع

- ‌ باب في ادّعاء ولد الزنا

- ‌ باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد

- ‌ باب الولد للفراش

- ‌ باب من أنكر ذلك على فاطمة

- ‌ باب من رأى التحول

- ‌ باب في عدة الحامل

- ‌ باب في عدة أم الولد

الفصل: ‌ باب إفراد الحج

قال ابن القيم رحمه الله: وفيه

(1)

دليل على أن يوم النحر أفضل الأيام، وذهبت جماعةٌ من العلماء إلى أن يوم الجمعة أفضل الأيام، واحتجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم:«خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة» وهو حديث صحيح رواه ابن حبان

(2)

وغيره.

وفَصْل النزاع: أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، فيوم النحر مُفضَّل على الأيام كلِّها التي فيها الجمعة وغيرها، ويوم الجمعة مفضَّل على أيام الأسبوع، فإن اجتمعا في يومٍ تظاهرت الفضيلتان، وإن تباينا، فيوم النحر أفضل وأعظم لهذا الحديث. والله أعلم

(3)

.

5 -

‌ باب إفراد الحجِّ

98/ 1704 - وعن [عائشة] أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوَافِين هلالَ ذي الحِجّة، فلما كان بذي الحُلَيفة قال: «مَن شاءَ أن يُهِلّ بِحَجٍّ

(4)

فليُهِلَّ، ومن شاء أن يهلّ بعمرة فليُهِلّ بعمرة. قال موسى ــ يعني ابن إسماعيل ــ في حديث وُهيب: فإني لولا أني أهْدَيْتُ لأهللت بعمرة ــ. وقال في حديث حماد بن

(1)

كتب فوقها بخط أصغر: «أي في الحديث» .

(2)

(2772)، وأخرج مسلم (854) طرفًا منه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

وانظر «زاد المعاد» : (1/ 60 - 64)، و «بدائع الفوائد»:(3/ 1103 - 1104)، و «مجموع الفتاوى»:(25/ 288 - 289).

(4)

سقطت من (خ- المختصر).

ص: 286

سلمة: وأما أنا فأُهِلُّ بالحج، فإنّ معي الهدي ــ ثم اتفقوا

(1)

ــ فكنتُ فيمن أهلَّ بعمرة، فلما كان في بعض الطريق حِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يُبكيك؟ قلت: وَدِدْتُ أني لم أكن خرجتُ العامَ، قال: ارفضي عمرتَك، وانقُضي رأسك، وامتَشِطي ــ قال موسى: وأهلِّي بالحج، وقال سليمان، يعني ابن حرب: واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم، فلما كان ليلة الصَّدَرَ أمر ــ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ عبدَ الرحمن فذهب بها إلى التنعيم. زاد موسى: فأهلَّتْ بعمرة مكان عمرتها، وطافت بالبيت، فقضى الله تعالى عمرتها وحَجَّها ــ قال هشام، يعني ابن عروة: ولم يكن في شيء من ذلك هَديٌ. زاد موسى في حديث حماد بن سلمة: فلما كانت لَيْلَةُ البَطْحَاءِ طَهرت عائشة».

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

.

قال ابن القيم رحمه الله: والأحاديث الصحيحة صريحة بأنها أهلَّتْ أولًا بعمرة، ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاضت أن تُهِلّ بالحجِّ، فصارت قارنة. ولهذا قال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«يكفيكِ طوافُكِ بالبيت وبين الصفا والمروة لحجّك وعمرتك» متفق عليه

(3)

، وهو صريح في ردِّ قول من قال: إنها رفضت إحرام العمرة رأسًا وانتقلت إلى الإفراد، وإنما أُمِرت برفض أعمال العمرة من الطواف والسعي حتى تطهُر، لا برفض إحرامها.

(1)

«ثم اتفقوا» سقطت من (خ- المختصر).

(2)

أخرجه أبو داود (1778)، والبخاري (1786)، ومسلم (1211)، والنسائي (2717)، وابن ماجه (3000). وساق المنذري ألفاظًا وروايات أخرى لحديث عائشة رضي الله عنها (1704 - 1710).

(3)

أخرجه مسلم (1211/ 132)، ولم أجده في البخاري. وأخرجه أبو داود (1897)، وأحمد (24932).

ص: 287

وأما قوله: «ولم يكن في شيء من ذلك هديٌ» فهو مُدرَج من كلام هشام، كما بيَّنه وكيعٌ وغيرُه عنه، حيث فَصَل كلامَ عائشة من كلام هشام، وأما ابن نُمَير وعَبْدة فأدرجاه في حديثها ولم يميِّزاه، والذي ميَّزه معه زيادةُ عِلْم، ولم يعارضه غيرُه، فابن نُمَير وعَبْدة لم [ق 56] يقولا:«قالت عائشة: ولم يكن في شيء من ذلك هدي» بل أدرجاه وميَّزَه غيرُهما

(1)

.

وأما قول من قال: إنها أحرمت بحجٍّ ثم نوت فسخَه بعمرة، ثم رجعت إلى حجٍّ مفرد، فهو خلاف ما أخبرَتْ به عن نفسها، وخلاف ما دلَّ عليه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها:«يسعُك طوافُك لحجِّك وعمرتك»

(2)

، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أمرها أن تُهِلَّ بالحجِّ لمّا حاضت، كما أخبرت بذلك عن نفسها، وأمرها أن تدعَ العمرةَ وتهِلَّ بالحجِّ. وهذا كان بِسَرِف

(3)

، قبل أن يأمر أصحابه بفسخ حَجِّهم إلى العمرة، فإنه إنما أمرهم بذلك على المروة.

وقوله: إنها أشارت بقولها: «فكنتُ فيمن أهلَّ بعمرة» إلى الوقت الذي نَوَت فيه الفسخ= في غاية الفساد، فإن صريح الحديث يشهد ببطلانه، فإنها قالت:«فكنتُ فيمن أهلَّ بعمرةٍ، فلما كان في بعض الطريق حضت» فهذا صريح في أنها حاضت بعد إهلالها بعمرة.

(1)

ينظر ما سبق في الحديث السالف (ص 283 - 284).

(2)

أخرجه مسلم (1211/ 132).

(3)

سَرِف: بفتح السين وكسر الراء وآخره فاء، وادٍ كبير قريب من مكة على بعد 12 كيلًا، ويسمى الآن «النوارية» وفيه بنى النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين ميمونة، وتوفيت بعد ذلك به، وبه قبرها. ينظر «معجم البلدان»:(3/ 212)، و «معالم مكة التاريخية» (ص 132 - 133) للبلادي. وانظر «صحيح البخاري» (305 و 1788)، ومسلم (1211/ 120).

ص: 288

ومَن تأمَّل أحاديثها علم أنها أحرمت أوّلًا بعمرة، ثم أدْخَلَتْ عليها الحجَّ فصارت قارنة، ثم اعتمرت من التنعيم عمرةً مستقلّة تطييبًا لقلبها.

وقد غَلِط في قصة عائشة من قال: إنها كانت مفردة، فإن عمرَتَها من التنعيم هي عمرة الإسلام الواجبة.

وغلط مَن قال: إنها كانت متمتِّعة، ثم فسخت المتعةَ إلى إفراد، وكأنّ عمرةَ التنعيم قضاءٌ لتلك العمرة.

وغلط مَن قال: إنها كانت قارِنةً، ولم يكن عليها دم ولا صوم، وأن ذلك إنما يجب على المتمتِّع. ومن تأمل أحاديثها علم ذلك، وتبيَّن له أن الصواب ما ذكرنا. والله أعلم.

99/ 1707 - وعنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوداع، فأهْلَلْنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَن كان معه هديٌ فَلْيُهِلَّ بالحج مع العمرة، ثم لا يَحِلّ حتى يحلّ منهما جميعًا، فقدمت مكةَ وأنا حائض، فلم أطُف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة، قالت: ففعلت، فلما قضينا الحجَّ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: هذه مكانَ عمرتك، قالت: فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر، بعد أن رجعوا من منًى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحجَّ والعمرةَ، فإنما طافوا طوافًا واحدًا» .

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي

(1)

.

(1)

أخرجه أبو داود (1781)، والبخاري (1556)، ومسلم (1211/ 111)، والنسائي (2764).

تنبيه: نقل المجرّد عبارة للمنذري وهي: (ولم تتمكن من فعلها للحيض) لم أجدها في «المختصر» المخطوط والمطبوع.

ص: 289

قال ابن القيم رحمه الله: وقد احتجَّ به ابنُ حزم

(1)

على أن المُحْرِم لا يحرُم عليه الامتشاط، ولم يأت بتحريمه نصٌّ، وحَمَله الأكثرون على امتشاطٍ رفيقٍ لا يقطع الشعر.

ومَن قال: كان بعد جمرة العقبة، فسياق الحديث يبطل قولَه.

ومَن قال: هو التمشُّط بالأصابع، فقد أبْعَدَ في التأويل.

ومَن قال: إنها أُمِرت بترك العمرة رأسًا، فقوله باطل لما تقدم، فإنها لو تركَتْها رأسًا لكان قضاؤها واجبًا، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أخبرها أنه لا عمرة عليها، وأن طوافها يكفي عنهما.

وقوله: «أهلِّي بالحجّ» صريحٌ في أن إحرامها الأول كان بعمرة، كما أخبرَتْ به عن نفسها، وهو يُبطل قولَ مَن قال: كانت مفرِدَةً، فأُمِرَت باستدامة الإفراد.

وفي الحديث دليل على تعدُّد السعي على المتمتِّع، فإن قولها:«ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا مِن منى لحجِّهم» تريد به الطواف بين الصفا والمروة، ولهذا نفَتْه عن القارِنِين، ولو كان المراد به الطواف بالبيت لكان الجميع فيه سواء، فإن طواف الإفاضة لا يفترق فيه القارن والمتمتِّع.

وقد خالفها جابر في ذلك، ففي «صحيح مسلم»

(2)

عنه أنه قال: «لم يطف النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافَه اللأول» .

(1)

في «المحلى» : (7/ 178).

(2)

(1215/ 140).

ص: 290

وأخَذَ الإمام أحمد بحديث جابرٍ هذا في رواية ابنه عبد الله

(1)

، والمشهور عنه أنه لا بدّ من طوافَين على حديث عائشة، ولكن هذه اللفظة وهي «فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت» إلى آخره قد قيل: إنها مدرجة في الحديث من كلام عروة

(2)

.

100/ 1710 - وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سُقْتُ الهديَ، قال محمد ــ وهو ابن يحيى الذُّهْلي ــ: أحسبه قال: ولحللتُ مع الذين أحلّوا مِن العمرة، قال: أراد أن يكون أمر الناس واحدًا» .

وأخرجه البخاري بنحوه

(3)

. وليس فيه «أراد أن يكون أمرُ الناسِ واحدًا» .

قال بعضهم: إنه يدل على أن التمتع أفضل، إذ لا يتمنى صلى الله عليه وسلم إلا ما هو أفضل. ويحتمل أن يريد بذلك الفسخ، كما ذكر في هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«ولحللت مع الناس حين حلُّوا» أخرجه البخاري كذلك؛ أراد أن يطيّب قلوبهم بموافقته لهم، وكره ما ظهر منهم من إشفاقهم لمخالفتهم له في الحلّ

(4)

.

(1)

(2/ 686)، وهي في رواية «إسحاق الكوسج» (5/ 2124)، ورجحها شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى»:(26/ 26، 38 - 39)، و «شرح العمدة»: (4/ 293 - 296 - ط عالم الفوائد».

وللروايات الأولى ينظر «التعليقة» : (2/ 63) لأبي يعلى، و «الفروع»:(3/ 516)، و «الإنصاف»:(4/ 44).

(2)

ينظر «التمهيد» : (19/ 264)، و «مجموع الفتاوى»:(26/ 41)، و «المغني»:(5/ 370). قال ابن عبد البر: «وأما قوله: «انقضي رأسك وامتشطي» فهذا لم يقله أحدٌ عن عائشة غير عروة لا القاسم ولا غيره» وقال: (8/ 217): «هو غلط ووهم لم يُتابِع عروةَ على ذلك أحدٌ من أصحاب عائشة

».

(3)

أخرجه أبو داود (1784)، والبخاري (7229)، ومسلم (1211/ 130).

(4)

تعليق المنذري ساقط من مطبوعة «المختصر» ، وهوفي المخطوط (النسخة البريطانية). ونقل المجرّد طرفه الأخير من قوله: «أراد أن يطيب

» إلخ وفيه تصرّف يسير عمّا في مخطوطة «المختصر» .

ص: 291

قال ابن القيم رحمه الله: والصوابُ أن ما أحرم به صلى الله عليه وسلم،كان أفضل، وهو القِران، ولكن أخبر أنه لو استقبل مِن أمره ما استدبر لأحرم بعمرة، وكان حينئذٍ موافقةً لهم في المفضول، تأليفًا لهم وتطييبًا لقلوبهم، كما ترك بناءَ الكعبة على قواعد إبراهيم، وإدخال الحِجْر فيها، وإلصاق بابها بالأرض، تأليفًا لقلوب الصحابة الحديثي العهد بالإسلام، خشيةً أن تنفر قلوبُهم.

وعلى هذا فيكون الله تعالى قد جمع له الأمرين: النُّسُك الأفضل الذي أحرم به، وموافقته لأصحابه بقوله:«لو استقبلت» فهذا بفعله، وهذا بتبيينه

(1)

وقوله، وهذا الألْيَق بحاله صلوات الله وسلامه عليه.

101/ 1713 - وعن عطاء بن أبي رَباح قال: حدثني جابر بن عبد الله قال: «أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصًا، لا يُخالطه شيء، فقدمنا مكة لأربع ليالٍ خَلَوْنَ من ذي الحجة، فطُفنا وسعينا، ثم أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نَحلّ، وقال: لولا هَدْيِي لحللتُ، ثم قام سُراقة بن مالك فقال: يا رسول الله، أرأيتَ مُتْعتَنا هذه، لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي للأبد» .

وأخرجه البخاريُّ ومسلم والنسائيُّ وابن ماجه

(2)

.

(1)

كذا في الأصل و (ش، هـ)، وفي ط. الفقي:«بنيته» ، ولعلها أقرب؛ لأن تبيينه هو فعله، والنية والقول هو ما يدل عليه قوله: «لو استقبلت

»، ويؤيده ما في «بدائع الفوائد»:(3/ 1171) للمؤلف وفيه: «

وعلى هذا فيكون الله تعالى قد اختار له أفضل الأنساك بفعله وأعطاه ما تمناه من موافقة أصحابه وتآلف قلوبهم بنيته ومناه فجمع له بين الأمرين».

(2)

أخرجه أبو داود (1787)، والبخاري (2505)، ومسلم (1216)، والنسائي في الكبرى (3773)، وابن ماجه (2980).

ص: 292

قال ابن القيم رحمه الله: وعند النسائي

(1)

عن سُراقة: «تمتَّعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتمتَّعْنا معه، فقلنا: أَلَنا خاصةً أم للأبد؟ قال: بل للأبد» . وهو صريح في أنّ العمرةَ التي فسخوا حجَّهم إليها لم تكن مختصةً بهم، وأنها مشروعة للأمة إلى يوم القيامة.

وقول مَن قال: إن المراد به السؤال عن المُتْعة في أشهر الحجّ، لا عن عُمرة الفسخ= باطل من وجوه:

أحدها: أنه لم يقع السؤال عن ذلك، ولا في اللفظ ما يدلُّ عليه، وإنما سأله عن تلك العمرة المعينة، التي أُمِروا بالفسخ إليها، ولهذا أشار إليها بعينها، فقال:«مُتْعتنا هذه» ولم يقل: العمرة في أشهر الحج.

الثاني: أنه لو قُدِّر أن السائل أراد ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلقَ الجوابَ بأن تلك العمرة مشروعة إلى الأبد، ومعلومٌ أنها مشتملة على وصفين: كونها عمرة، فُسِخ الحجُّ إليها، وكونها في أشهر الحجّ. فلو كان المراد أحد الأمرين، وهو كونها في أشهر الحج، لبينه للسائل، لا سيما إذا كان الفسخُ حرامًا باطلًا، فكيف يُطلِق الجوابَ عما يجوز ويُشرع وما لا يحلّ ولا يصح إطلاقًا واحدًا؟ هذا مما يُنَزَّه عنه آحادُ أُمَّته صلى الله عليه وسلم فضلًا عنه صلى الله عليه وسلم.

ومعلومٌ أنّ مَن سُئل عن [ق 57] أمر يشتمل على جائز ومحرَّم، وجبَ عليه أن يبين للسائل جائِزَه من حرامِه، ولا يطلقُ الجوازَ والمشروعية عليه إطلاقًا واحدًا.

الثالث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاثَ عُمَر كلّهن في أشهر

(1)

(2807)، وفي «الكبرى» (3775)، والطبراني في «الكبير» (7/ 136) من طريق عطاء بن أبي رباح عن سراقة به، قال ابن حجر في «التهذيب»:(3/ 456): وروايته عنه منقطعة.

ص: 293

الحج

(1)

، وقد علم ذلك الخاصُّ والعامُّ، أفما كان في ذلك ما يدلُّ على جواز العمرة في أشهر الحج؟!

الرابع: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لهم عند إحرامهم: «من شاء أن يُهِلَّ بعمرة فليهلّ» وفي هذا أعظم البيان لجواز العمرة في أشهر الحج.

الخامس: أنه خصَّ بذلك الفسخَ مَن لم يكن معه هَدْي، وأما مَن كان معه هدي فأَمَرَه بالبقاء على إحرامه وأن لا يفسخ، فلو كان المراد ما ذكروه لعمَّ الجميعَ بالفسخ، ولم يكن للهدي أثرٌ أصلًا، فإن سبب الفسخ عندهم الإعلام المجرَّد بالجواز، وهذا الإعلام لا تأثير للهدي في المنع منه.

السادس: أن طُرق الإعلام بجواز الاعتمار في أشهر الحج أظْهَر وأَبْيَن قولًا وفعلًا من الفسخ، فكيف يَعْدِل صلى الله عليه وسلم عن الإعلام بأقرب الطرق وأبينها وأسهلها وأدلّها، إلى الفسخ الذي ليس بظاهر فيما ذكروه من الإعلام؟ والخروج من نُسُك إلى نُسُك وتعريضهم لمشقّة

(2)

ذلك عليهم لمجرَّد الإعلام الممكن الحصول بأقرب الطرق

(3)

؟ وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك غايةَ البيان بقوله وفعله، فلم يُحِلْهم بالإعلام على الفسخ.

السابع: أنه لو فُرِض أن الفسخ للإعلام المذكور، كان ذلك دليلًا على دوام مشروعيته إلى يوم القيامة، فإنّ ما شُرِع في المناسك لمخالفة

(1)

ثبت ذلك من حديث أنس عند البخاري (1778) وغيره، وعن ابن عباس عند أحمد (2211) وابن حبان (3946)، وعائشة عند مسلم (1255/ 219 - 220).

(2)

ط. الفقي: «وتعويضهم بسعة» !

(3)

الأصل و (ش): «بالطرق» والصواب ما أثبت.

ص: 294

المشركين مشروع أبدًا، كالوقوف بعرفة لقريش

(1)

وغيرهم، والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس.

الثامن: أن هذا الفسخ وقع في آخر حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ عنه كلمة قطُّ تدلّ على نسخِه وإبطاله، ولم تُجمع الأمة بعده على ذلك، بل منهم مَن يوجبه، كقول حَبْر الأمة وعالمها عبدِ الله بن عباس ومن وافقه، وقول إسحاق، وهو قول الظاهرية وغيرهم

(2)

. ومنهم مَن يستحبُّه ويراه سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقول إمام السنة

(3)

أحمد بن حنبل، وقد قال له سَلَمة بن شبيب: يا أبا عبد الله كلّ شيء منك حَسَن إلا خصلة واحدة، تقول بفَسْخ الحجِّ إلى العمرة؟! فقال: يا سلمة، كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، والآن علمتُ أنَّك أحمق! عندي في ذلك بضعة عشر حديثًا صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدعُها لقولك

(4)

؟

(1)

الأصل و (ش): «لقُرَيشِهم» كذا!

(2)

قول ابن عباس ذكره البخاري (4396) ومسلم (1245)، وقول إسحاق ذكره ابن حزم في «المحلى»:(7/ 101)، لكن في «مسائل الكوسج لأحمد وإسحاق» (1402 و 1578) اختار أنه إن ساق الهدي فالقِران أفضل، فإن لم يسق فالتمتّع. وحكاه ابن المنذر كما في «الإشراف»:(3/ 198)، وعنه العراقي في «طرح التثريب»:(5/ 26)، وذكره ابن عبد البر في «الاستذكار»:(11/ 134)، وابن تيمية في «الفتاوى»:(26/ 62)، والحافظ في «الفتح»:(3/ 429). ولقول الظاهرية ينظر «حجة الوداع» (ص 359) لابن حزم.

(3)

في ط. الفقي: «أهل السنة» خلاف الأصل.

(4)

ذكر القصة في «المغني» : (5/ 253)، وذكره شيخ الإسلام في «المنهاج»:(4/ 152) وغيره.

ص: 295

وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وعُبيد الله بن الحسن، وكثير من أهل الحديث، أو أكثرهم

(1)

.

التاسع: أن هذا موافق لحجِّ خيرِ الأمة وأفضلها، مع خير الخلق وأفضلهم، فإنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ إلى المُتْعة، وهو لا يختار لهم إلا الأفضل، فكيف يكون ما اختاره لهم هو المفضول المنقوص، بل الباطل الذي لا يسوغ لأحدٍ أن يقتدي بهم فيه؟

العاشر: أن الصحابة رضي الله عنهم إذا لم يكتفوا بعمل العمرة معه ثلاثة أعوام في أشهر الحج، وبقوله لهم عند الإحرام:«مَن شاء أن يُهلَّ بعمرة فليهلّ» على جواز العمرة في أشهر الحج، فهم أحرى أن لا يكتفوا بالأمر بالفسخ في العلم بجواز العمرة في أشهر الحجّ، فإنه إذا لم يحصل لهم العلم بالجواز بقوله وفعله، فكيف يحصل بأمره لهم بالفسخ؟

الحادي عشر: أن ابن عباس الذي روى أنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم لما قدموا بالفسخ، هو كان يرى وجوبَ الفسخِ ولا بدّ

(2)

، بل كان يقول:«كلُّ مَن طاف بالبيتِ فقد حَلَّ من إحرامه ما لم يكن معه هدي»

(3)

. وابنُ عباس أعلم بذلك، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالفسخ للإعلام بجواز العمرة، لم يَخْفَ ذلك على ابن عباس، ولم يقل: «إن كلَّ مَن طاف بالبيت مِن قارنٍ أو حجَّ

(4)

لا هدْيَ معه فقد حَلَّ».

(1)

ينظر «جامع الترمذي» : (3/ 176 - 177)، و «المغني»:(5/ 82).

(2)

أخرجه البخاري (1564)، ومسلم (1240/ 198).

(3)

أخرجه البخاري (4396)، ومسلم (1244/ 206).

(4)

كذا في الأصل و (ش)، وفي المطبوعات «حاج» .

ص: 296

الثاني عشر: أنه لا يُظنّ بالصحابة الذين هم أصحُّ الناس أذهانًا وأفهامًا، وأَطْوَعهم لله ولرسوله= أنهم لم يفهموا جواز العمرة في أشهر الحج، وقد عملوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعوام، وأذن لهم فيها، ثم فهموا ذلك من الأمر بالفسخ.

الثالث عشر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إما أن يكون أمرهم بالفسخ لأن التمتُّع أفضل، فأمرهم بالفسخ إلى أفضل الأنساك، أو يكون أمرهم به ليكون نُسُكهم مخالفًا للمشركين في التمتُّع في أشهر الحج، وعلى التقديرَين، فهو مشروع غير منسوخ إلى الأبد. أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الشريعة قد استقرَّت ــ ولا سيما في المناسك ــ على قَصْد مخالفة المشركين، فالنُّسُك المشتمل على مخالفتهم أفضل بلا ريب، وهذا واضح.

الرابع عشر: أن السائل للنبي صلى الله عليه وسلم: «عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟»

(1)

لم يُرِد به أنها هل تُجزئ عن تلك السَّنَة فقط، أو عن العمر كلّه؟ فإنه لو كان مراده ذلك لسأل عن الحجِّ الذي هو فرض الإسلام، ومن المعلوم أن العمرة إن كانت واجبةً لم تجب في العُمُر إلا مرةً واحدةً. ولأنه لو أراد ذلك لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم:«بل لأبد الأبد» فإن أبدَ الأبدِ إنما يكون في حقِّ الأمة قومًا بعد قوم

(2)

إلى يوم القيامة، و «أبد

(3)

الأبد» لا يكون في حقِّ طائفة معينة،

(1)

هذا نفسه حديث الباب السالف، وهذا لفظ النسائي في «المجتبى» (2805) وفي الكبرى (3773)، وأحمد (14116).

(2)

في النسخ المخطوطة والمطبوعات: «قومًا يعرفون» ! ولعل الصواب ما أثبت بدليل السياق واحتمال الرسم لها.

(3)

ط. الفقي: «وأن الأبد» خلاف الأصل.

ص: 297

بل هو لجميع الأمة. ولأنه قال [ق 58] في رواية النسائي

(1)

: «أَلَنا خاصة أم للأبد؟» فدلَّ على أنهم إنما سألوه: هل يسوغ فِعْلها بعدك على هذا الوجه؟ فأجابهم بأن فِعْلها كذلك سائغ أبَدَ الأبَد. وفي رواية للبخاري

(2)

: «أن سُراقة بن مالك لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ قال: «بل للأبد» .

الخامس عشر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرهم في تلك الحَجَّة أن كلّ مَن طاف بالبيت فقد حلَّ إلا مَن كان معه الهَدْي، ففي «السنن»

(3)

من حديث الرّبِيع بن سَبْرة، عن أبيه قال:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعُسْفان قال له سُرَاقة بن مالك المُدْلجيّ: يا رسول الله اقضِ لنا قضاءَ قومٍ كأنما ولدوا اليوم؟ فقال: «إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرةً، فإذا قدمتم فمن تَطَوَّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ، إلا مَن كان معه هَدْي» ، وسيأتي الحديث. فهذا نصٌّ في انفساخه شاء أم أبى، كما قال ابن عباس وإسحاق ومَن وافقهما.

وقوله: «اقض لنا قضاءَ قومٍ كأنما ولدوا اليوم» يريد قضاء لازمًا لا يتغير ولا يتبدَّل، بل نتمسك به من يومنا هذا إلى آخر العمر.

السادس عشر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن تلك العمرة التي فسخوا إليها الحجَّ وتمتّعوا بها ابتداءً فقال: «دخلت العمرةُ في الحجِّ إلى يوم القيامة»

(1)

(2807) وقد تقدم الكلام عليه (ص 293).

(2)

(1785).

(3)

أخرجه أبو داود (1801)، وأحمد (15345)، والدارمي (1857) وغيرهم بإسناد صحيح.

ص: 298

كان هذا تصريحًا منه بأن هذا الحكم ثابت أبدًا، لا ينسخ إلى يوم القيامة، ومَن جعله منسوخًا فهذا النصّ يردُّ قولَه.

وحَمْله على العمرة المبتدأة التي لم يُفْسَخ الحجُّ إليها باطل، فإنّ عمرة

(1)

الفسخ سبب

(2)

الحديث فهي مرادة منه نصًّا، وما عداها ظاهرًا. وإخراجُ محلِّ السبب وتخصيصُه من اللفظ العامِّ لا يجوز، فالتخصيص وإن تطرَّق إلى العموم فلا يتطرَّق إلى محلِّ السبب. وهذا باطل.

السابع عشر: أن متعةَ الفسخ لو كانت منسوخةً لكان ذلك من المعلوم عند الصحابة ضرورةً، كما كان من المعلوم عندهم نسخ الكلام في الصلاة، ونسخ القبلة، ونسخ تحريم الطعام والشراب على الصائم بعد ما ينام، بل كان بمنزلة الوقوف بعرفة والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، فإنَّ هذا من أمور المناسك الظاهرة المشترك فيها أهل الإسلام، فكان نسخه لا يخفى على أحد. وقد كان ابن عباس إذا سألوه عن فتياه بها يقول:«سنة نبيكم، وإن رَغِمْتُم»

(3)

فلا يراجعونه. فكيف تكون منسوخةً عندهم وابن عباس يخبرهم

(4)

أنها سنة نبيهم، ويفتي بها الخاصَّ والعامَّ، وهم يُقرِّونه على ذلك؟ هذا من أبطل الباطل.

الثامن عشر

(5)

: أن الفسخَ قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعةَ عشر من

(1)

ط. الفقي: «عمدة» تصحيف.

(2)

رسمها في الأصل: «بسبب» والظاهر ما أثبت.

(3)

أخرجه مسلم (1244/ 206)، وأحمد (2513).

(4)

ط. الفقي: «يخبر» .

(5)

هذا السرد لرواة الحديث مستفاد من كتاب «حجة الوداع» (ص 389) لابن حزم.

ص: 299

الصحابة، وهم: عائشة، وحفصة، وعليّ، وفاطمة، وأسماء بنت أبي بكر، وجابر، وأبو سعيد، وأنس، وأبو موسى، [وابن عمر]

(1)

، والبراء، وابن عباس، وسُراقة، وسَبْرة.

ورواه عن عائشة: الأسودُ بن يزيد، والقاسم، وعُروة، وعَمْرة، وذَكوان مولاها.

ورواه عن جابر: عطاء، ومجاهد، ومحمد بن علي، وأبو الزبير.

ورواه عن أسماء: صفية، ومجاهد.

ورواه عن أبي سعيد: أبو نضرة.

ورواه عن البراء: أبو إسحاق.

ورواه عن ابن عمر: سالمٌ ابنُه، وبكر بن عبد الله.

ورواه عن أنس: أبو قِلابة.

ورواه عن أبي موسى: طارقُ بن شهاب.

ورواه عن ابن عباس: طاوس، وعطاء، وأنس بن سُلَيم

(2)

، وجابر بن

(1)

سقط من الأصل، وهو مستدرك من «حجة الوداع» لابن حزم، وسيذكره المؤلف بعد قليل عند سرد مَن روى عنه الحديث من التابعين.

(2)

في الأصل و (ش، هـ): «أنس بن سيرين» خطأ، وسيأتي على الصواب بعد قليل عند المؤلف، وروايته أخرجها الطبراني في «الكبير»:(12/ 213)، وابن حزم في «حجة الوداع» (ص 343).

ص: 300

زيد، ومجاهد، وكُرَيب، وأبو العالية، ومسلم القُرّي

(1)

، وأبو حسّان الأعرج.

ورواه عن سَبْرة: ابنُه

(2)

.

فصار نَقْلَ كافةٍ عن كافة، يوجِب العلمَ، ومثل هذا لا يجوز دعوى نسخه إلا بما يترجَّح عليه أو يقاومه. فكيف يسوغ دعوى نسخه بأحاديث لا تقاومه ولا تدانيه ولا تقاربه، وإنما هي بين مجهولٍ رواتُها، أو ضعفاء لا تقوم بهم حُجّة؟ وما صحَّ فيها فهو رأيُ صاحِبٍ، قاله بظنه واجتهاده، وهو أصح ما فيها، وهو قول أبي ذر:«كانت المتعة لنا خاصة»

(3)

، وما عداه فليس بشيء، وقد كفانا رواتُه مؤنتَه. فلو كان ما قاله أبو ذر رواية صحيحة ثابتة مرفوعة لكان نسخ هذه الأحاديث المتواترة به ممتنعًا، فكيف وإنما هو قوله؟! ومع هذا فقد خالفه فيه عشرةٌ من الصحابة كابن عباس، وأبي موسى الأشعري

(4)

، وغيرهما؟!

التاسع عشر: أن الفسخ موافقٌ للنصوص والقياس. أما موافقته للنصوص فلا ريب فيه كما تقدم. وأما موافقته للقياس: فإن المحرم إذا التزم أكثر مما كان التزمه جاز بالاتفاق، فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحجَّ

(1)

في الأصل و (هـ، ش): «القرشي» تصحيف، ورواية القُرّي في «صحيح مسلم» (1238/ 194) و «سنن أبي داود» (1803) والتصحيح منها، ومن «حجة الوداع» (ص 386) لابن حزم.

(2)

وبقي حديث: سراقة فرواه عنه طاووس. وقد سقط سهوًا من المؤلف أو الناسخ، وهو في كتاب «حجة الوداع» (ص 389) لابن حزم.

(3)

أخرجه مسلم (1224/ 163).

(4)

أخرجه البخاري (1724)، ومسلم (1221/ 154).

ص: 301

جاز اتفاقًا، وعكسه لا يجوز عند الأكثرين، وأبو حنيفة يجوِّزه على أصله، في أن القارِن يطوف طوافين ويسعى سعيين

(1)

، فإذا أدخلَ العمرةَ على الحجِّ جاز عنده، لالتزامه طوافًا ثانيًا وسعيًا، وإذا كان كذلك فالمُحْرِم بالحجِّ لم يلتزم إلا الحجّ، فإذا صار متمتِّعًا صار ملتزمًا لعمرة وحجّ، فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه، فجاز ذلك بل استُحِبّ له لأنه أفضل وأكثر مما التزمه أولًا.

وإنما يتوهّم الإشكال مَن يتوهم أنه فَسْخ حجٍّ إلى عمرة، وليس كذلك، فإنه لو أراد أن يفسخ الحجَّ إلى عمرة مفردة، لم يجز عند أحدٍ، وإنما يجوز الفسخ لمن نيّتُه أن يحجَّ بعد متعته من عامه، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة دخَلَ في الحج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«دخلت العمرةُ في الحج»

(2)

. [ق 59] فهذه المتعةُ التي فُسِخ إليها هي جزءٌ من الحجِّ، ليست عمرةً مفردةً، وهي من الحجِّ بمنزلة الوضوء من غُسل الجنابة، فهي عبادة واحدة قد تخللها الرخصة بالإحلال، وهذا لا يمنع أن تكون واحدة، كطواف الإفاضة، فإنه من تمام الحج، ولا يُفْعَل إلا بعد التحلل الأول، وكذلك رَمْي الجمار أيام منى من تمام الحج، وهو يُفْعَل بعد التحلل التام.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حَجَّ هذا البيت فلم يرفُثْ ولم يَفْسُق»

(3)

يتناول من حجّ حجةً تمتّعَ فيها بالعمرة، وإن تحلل من إحرامه ولم تكن حجته مكية، إذ لا ينقلهم الرؤوف الرحيم بهم من الفاضل الراجح إلى المفضول

(1)

ينظر لمذهبه «بدائع الصنائع» : (2/ 149)، و «الهداية»:(1/ 386 - 387).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

أخرجه البخاري (1521)، ومسلم (1350) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 302

الناقص، بل إنما نقَلَهم من المفضول إلى الفاضل الكامل، لا يجوز غير هذا البتة.

العشرون: أن القياس أنه إذا اجتمعت عبادتان، كبرى وصغرى، فالسنة تقديم الصغرى على الكبرى منهما، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ في غسل الجنابة بالوضوء أولًا، ثم يُتبِعُه الغسل، وقال في غسل ابنته:«ابدَأْنَ بميامنها، ومواضع الوضوء منها»

(1)

. ففَسْخ الحجِّ إلى العمرة يتضمَّن موافقةَ هذه السنة.

فقد تبيَّن أنه موافق للنصوص والقياس، ولحجِّ خيار الأمة مع نبيها صلى الله عليه وسلم. ولو لم يكن فيه نصٌّ لكان القياس يدلُّ على جوازه من الوجوه التي ذكرنا وغيرها، ولو تتبعنا أدلة جوازه لطالت. وفي هذا كفاية والحمد لله.

102/ 1714 - وعنه قال: قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه لأربعِ ليالٍ خَلَوْنَ من ذي الحجّة، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها عمرةً، إلَّا مَنْ كان معه الهدي، فلما كان يومُ التَّروية أَهَلُّوا بالحجِّ، فلما كان يوم النحر، قدموا فطافوا بالبيت، ولم يطَّوّفوا بين الصفا والمروة».

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

، بنحوه مختصرًا ومطولًا.

قال ابن القيم رحمه الله: وفيه اكتفاء المتمتِّع بسعي واحد، كما تقدم. والله

أعلم.

(1)

أخرجه البخاري (167)، ومسلم (939) من حديث أم عطية رضي الله عنها.

(2)

أخرجه أبو داود (1788)، والبخاري (1568)، ومسلم (1216)، والنسائي (3971)، وابن ماجه (2972).

ص: 303

103/ 1716 - وعن مجاهد، عن ابن عباس

(1)

، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«هذه عمرة اسْتَمْتَعْنا بها، فمن لم يكن عنده هدي فليُحِلَّ الحِلَّ كلَّه، وقد دخلت العمرةُ في الحجّ إلى يوم القيامة» .

وأخرجه مسلم والنسائي

(2)

.

وقال أبو داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس

(3)

.

وفيما قاله أبو داود نظر؛ وذلك أنه قد رواه الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن المثنَّى ومحمد بن بشار وعثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن جعفر، عن شُعبة مرفوعًا. ورواه أيضًا يزيد بن هارون ومعاذ بن معاذ العَنْبري وأبو داود الطيالسي وعَمْرو بن مرزوق، عن شعبة مرفوعًا. وتقصير من يقصِّر به من الرواة لا يؤثِّر فيما أثبته الحُفَّاظ. والله عز وجل أعلم.

104/ 1717 - وعن عطاءٍ، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أهلَّ الرجلُ بالحجِّ، ثم قدم مكةَ فطافَ بالبيت وبالصفا والمروة، فقد حلَّ، وهي عمرة»

(4)

.

(1)

«عن ابن عباس» سقطت من (خ- المختصر).

(2)

أخرجه أبو داود (1790)، ومسلم (1241)، والنسائي في «الكبرى» (3681). وأخرجه الترمذي أيضًا (950) مختصرًا.

(3)

سيأتي قول المؤلف أن كلام أبي داود على الحديث الآتي عن عطاء عن ابن عباس، وأن الأمر انقلب على الناسخ فكتبه على هذا الحديث، ولم يتنبه لذلك المنذري فنقله كذلك وعلّق عليه.

(4)

أخرجه أبو داود (1791)، وأخرجه أحمد (2223) من طريق آخر عن عطاء، وفي إسناده عبد الله بن ميمون الرقي شيخ أحمد لم يوثَّق، وكان أحمد ينتقي شيوخَه ولا يروي إلا عن ثقة. وبحسب كلام المؤلف فإن قول أبي داود «هذا منكر» ، إنما عَنَى قول ابن عباس في هذا الحديث.

ص: 304

في إسناده النَّهاسُ بن قَهْم أبو الخطَّاب البصري، ولا يحتَجُّ بحديثه.

قال أبو داود: رواه ابن جُريج، [عن رجل]

(1)

، عن عطاء قال:«دخل أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّين بالحجِّ خالصًا، فجعلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُمرة» .

قال ابن القيم رحمه الله: والتعليل الذي تقدَّم لأبي داود في قوله: «هذا حديث منكر» إنما هو لحديث عطاءٍ هذا، عن ابن عباس يرفعه:«إذا أهلَّ الرجلُ بالحجِّ» فإنّ هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريب، رواه عنه أبو الشعثاء وعطاء وأنس بن سُليم وغيرهم من كلامه، فانقلب على الناسخ، فنقله إلى حديث مجاهدٍ عن ابن عباس، وهو إلى جانبه، وهو حديث صحيح لا مَطْعَن فيه ولا علة، ولا يعلِّلُ أبو داود مثلَه، ولا من هو دون أبي داود، وقد اتفق الأئمة الأثبات على رَفْعه، والمنذريُّ رحمه الله رأى ذلك في «السنن» ، فنقله كما وجده، والأمر كما ذكرناه. والله أعلم.

وقوله

(2)

: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» لا ريب في أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحدٌ إنه من قول ابن عباس، وكذلك قوله:«هذه عمرة استمتعنا بها» ، وهذا لا يشكُّ فيه مَن له أدنى خبرة بالحديث. والله أعلم.

105/ 1719 - وعن سعيد بن المسيَّب: «أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه، فشهد عنده أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه

(1)

سقطت من «مختصر السنن» ، والاستدراك من «السنن» .

(2)

يعني في حديث مجاهد عن ابن عباس.

ص: 305

الذي قُبِضَ فيه ينهى عن العمرة قبل الحج»

(1)

.

سعيد بن المسيّب لم يصح سماعُه من عمر بن الخطاب. وقال أبو سليمان الخطابي

(2)

: في إسناد هذا الحديث مقال، وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرتين قبل حَجِّه، [والأمر الثابت المعلوم لا يُترك بالأمر المظنون] وجواز ذلك إجماعٌ من أهل العلم، ولم يذكر فيه خلاف.

وقد يحتمل أن يكون النهي [عنه اختيارًا أو] استحبابًا، وأنه إنما أمر بتقديم الحج لأنه أعظم الأمرين [وأهمهما] ووقته محصور [والعمرة ليس لها وقت موقوت]، وأيّام السنة كلّها تتسع للعمرة، وقد قدّم الله تعالى اسم الحجّ عليها فقال:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(3)

[البقرة: 196].

قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الحديث باطل، ولا يحتاج تعليله إلى عدم سماع ابن المسيّب من عُمر، فإن ابن المسيّب إذا قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» فهو حجة. قال الإمام أحمد: إذا لم يُقْبَل سعيد بن المسيب عن عمر، فمَن يُقبل

(4)

؟

وقال أبو محمد بن حزم

(5)

: «هذا حديث في غاية الوهي والسقوط،

(1)

أخرجه أبو داود (1793)، ومن طريقه البيهقي:(5/ 19).

(2)

في «معالم السنن» : (2/ 390 بهامش أبي داود).

(3)

من قوله: «وقد يحتمل

» إلى هنا، سقط من مطبوعة «مختصر المنذري»:(2/ 317) وقد نقل المجرِّد طرفًا منها، والاستدراك من المخطوط (ق 50 ب)، ومن «معالم السنن»:(2/ 390 بهامش أبي داود) وما بين المعكوفات منه.

(4)

ينظر «الجرح والتعديل» : (4/ 61)، وسيأتي (3/ 384 - 385) كلام المؤلف بتوسُّع حول حجيّة رواية سعيد عن عمر.

(5)

في «حجة الوداع» (ص 484).

ص: 306

لأنه مرسل عمن لم يُسمّ، وفيه أيضًا ثلاثة مجهولون: أبو عيسى الخراساني، وعبد الله بن القاسم، وأبوه، ففيه خمسة عيوب

وهو ساقط لا يَحتجّ به مَن له أدنى علم».

وقال عبد الحق

(1)

: هذا منقطع ضعيف الإسناد

(2)

.

106/ 1720 - وعن أبي شيخ الهُنائي

(3)

ــ حَيْوان بن خَلْدة ــ ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة: أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا، وركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يُقْرَن بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا، قال: أمّا إنها معهن، ولكنكم نسيتم».

وأخرجه النسائي مختصرًا

(4)

.

وقد اخْتُلِف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا، فرُويَ

(5)

كما ذكرناه؛ ورُوِي عن أبي شيخ، عن أخيه حِمَّان، ويقال: أبو حمان، عن معاوية.

ورُوي عن بَيْهس بن فَهْدان، عن أبي شيخ، عن عبد الله بن عُمر. وعن بَيْهَس، عن أبي شيخ، عن معاوية.

(1)

«الأحكام الوسطى» : (2/ 316).

(2)

ينظر «بيان الوهم» : (2/ 410، 594 و 3/ 450) لابن القطان.

(3)

«الهُنائي» من مطبوعة «المختصر» .

(4)

أخرجه أبو داود (1794)، والنسائي (2734) مختصرًا، وأحمد (16833) وغيرهم.

(5)

سقطت من مطبوعة «المختصر» .

ص: 307

وقد اختلف على يحيى بن أبي كثير فيه. فروي عنه عن أبي شيخ

(1)

، عن أخيه. ورُوِي عنه عن أبي إسحاق عن حِمّان. ورُوِي عنه حدّثني حُمرَان، من غير واسطة. وسماه حمران.

وقال الخطابي

(2)

: جواز القِرَان بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيءٍ منهيٍّ عنه.

قال ابن القيم رحمه الله: وقال عبد الحق

(3)

: لم يسمع أبو شيخ من معاويَة هذا الحديث، وإنما سمع منه النهيَ عن ركوب جلود النمور، فأما النهي عن القِران فسمعه من أبي حسان عن معاوية. ومرَّةً يقول: عن أخيه حِمّان، ومرّةً يقول: جمّاز

(4)

وهم مجهولون. وقال ابن القطان

(5)

: يرويه عن أبي شيخ رجلان: قتادةُ ومطر، فلا يجعلان بين أبي شيخ وبين معاوية أحدًا، ورواه عنه بيهس بن فهدان، فذَكَر سماعَه من معاوية لفظ النهي عن ركوب جلود النمور خاصة.

قال النسائي

(6)

: ورواه عن أبي شيخ: يحيى بن أبي كثير، فأَدْخَل بينه وبين معاوية رجلًا اختلفوا في ضبطه، فقيل: أبو حمان، وقيل: [جماز،

(1)

من قوله: «عن معاوية

» إلى هنا سقط من مخطوطة «المختصر» ، وهو انتقال نظر.

(2)

في «معالم السنن» : (2/ 390 بهامش السنن).

(3)

في «الأحكام الوسطى» : (2/ 273).

(4)

في ط. الفقي: «جمان» !

(5)

في «بيان الوهم والإيهام» : (2/ 417).

(6)

ينظر «سنن النسائي الكبرى» (9391 - 9396).

ص: 308

وقيل:]

(1)

حمان، وهو أخو أبي شيخ.

وقال الدارقطني

(2)

: القول قول مَن لم يُدخل بين أبي شيخ ومعاوية فيه أحدًا، يعني: قتادة ومطرًا وبيهس بن فهدان

(3)

.

وقال غيره: أبو شيخ هذا لم نعلم عدالتَه وحفظَه، ولو كان حافظًا، لكان حديثه هذا معلوم البطلان، إذ هو خلاف المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن فِعْله وقوله، فإنه أحرم قارنًا، رواه عنه ستة عشر نفسًا من أصحابه، وخَيّر أصحابَه بين القِران والإفراد والتمتع، وأجمعت الأمةُ على جوازه. ولو فُرِض صحّة هذا عن معاوية، فقد أنكر الصحابةُ عليه أن يكونَ [ق 60] رسولُ الله نهى عنه، فلعله رضي الله عنه وهم، أو اشتبه عليه رضي الله عنه نهيُه عن مُتعة النساء بمتعة الحجّ، كما اشتبه على غيره. والقِران داخلٌ عندهم في اسم المتعة.

وكما اشتبه عليه تقصيرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عُمَره، بأن ذلك في حجَّته

(4)

. وكما اشتبه على ابن عباس نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة، فظن أنه نَكَحها محرِمًا

(5)

، وكان قد أرسل أبا رافع إليها، ونَكَحها وهو حلال

(6)

(1)

من «بيان الوهم» وهي مقتضى الخلاف الذي ذكره النسائي في «سننه» .

(2)

ينظر «العلل» : (7/ 73).

(3)

هنا ينتهي كلام ابن القطان. وتصحف «مطر» في ط. الفقي إلى «مطرف» في الموضعين.

(4)

أخرجه النسائي (2989)، وفي «الكبرى» (3969).

(5)

أخرجه البخاري (1837)، ومسلم (1410/ 46).

(6)

ثبت ذلك من حديثها عند مسلم (1411/ 48). وحديث أبي رافع أخرجه الترمذي (841)، وقال: حديث حسن. وأخرجه أحمد (27197).

ص: 309

فاشتبه الأمرُ على ابن عباس. وهذا كثير.

ووقع في بعض نسخ «سنن أبي داود»

(1)

: «نهى أن يُفرّق بين الحج والعمرة» بالفاء والقاف. قال ابن حزم

(2)

: «هكذا روايتي عن عبد الله بن ربيع، وهكذا في كتابه، وهو ــ والله أعلم ــ وهم، والمحفوظ: «يُقْرَن» في هذا الحديث». تم كلامه.

وقد رواه النسائي في «سننه»

(3)

قال: حدثنا أبو داود، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا شَرِيك عن أبي فروة

(4)

، عن الحسن قال:«خطبَ معاويةُ الناسَ، فقال: إني مُحدِّثكم بحديث سمعتُه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم[فما سمعتم منه] فصدِّقوني، سمعتُ رسولَ الله يقول: «لا تلبسوا الذهبَ إلا مُقطّعًا» ، قالوا: سمعنا، قال: وسمعتُه يقول: «من ركب النمور

(5)

لم تصحبه

(1)

راجعت أكثر من نسخة خطية كنسخة الخطيب المقروءة على ابن طبرزد (113 ب)، ونسخة فيض الله (ج 2 ق 55) المقروءة على المنذري، وعدة مطبوعات، ولم أجد هذه الرواية.

(2)

في «حجة الوداع» (ص 483 - 484).

(3)

في «الكبرى» (9738) وما بين المعقوفين منه.

(4)

وقع في الأصل و (ش، هـ): «شريك بن أبي فروة» تصحيف، وصوابه ما أثبتنا من «سنن النسائي». وكان قد علق الشيخ أحمد شاكر على هذا الموضع من ط. الفقي بأن استظهر أن يكون صوابه:«شريك عن قرة عن الحسن» واستشكاله في محله، لكن اقتراحه لم يكن صوابًا. وانظر «تحفة الأشراف»:(8/ 435).

(5)

كذا في الأصل و (ش، هـ) والنسائي: «النمور» ، ووقع في المطبوعات:«جلود النمور» ، وإنما هو كذلك في رواية أخرى لحديث معاوية عند النسائي (9730)، وأبي داود (1794)، وأحمد (16864).

ص: 310