الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حديث أسامة فليس فيه إلا بيان تعدُّد
(1)
الإقامة لهما وسكت عن الأذان، وليس سكوتُه عنه مقدَّمًا على حديث من أثبته سماعًا صريحًا، بل لو نفاه جملةً لقُدِّم عليه حديث مَن أثبته، لتضمُّنه زيادةَ علمٍ خَفِيَت على النافي.
الوجه الثاني: أنه قد صحّ من حديث جابر
(2)
في جمعه صلى الله عليه وسلم بعرفة: أنه جمع بينهما بأذانٍ وإقامتين، ولم يأت في حديثٍ ثابت قطّ خلافُه، والجمعُ بين الصلاتين بمزدلفة كالجمع بينهما بعرفة، لا يفترقان إلا في التقديم [ق 75] والتأخير، فلو فرضنا تدافُعَ أحاديثِ الجَمْع بمزدلفة جملةً لأخذنا حكم الجمع من جَمْع عرفة.
18 -
باب التعجيل مِن جَمْع
125/ 1861 - وعن عائشة أنها قالت: أرسلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأُمِّ سَلَمة لَيلةَ النَّحر، فرمَتْ الجمرةَ قبلَ الفجرِ، ثم مضَتْ فأفاضت، وكان ذلك اليومُ اليومَ الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ تعني عندها».
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه، ذكَرَ ذلك عقيب حديث أبي داود، وقال الشافعي: فدلّ على أن خروجها بعد نصف الليل وقبل الفجر، ولأنّ دفعها كان قبل الفجر، لأنها لا تصلي الصبح بمكة إلا وقد قدمت قبل الفجر بساعة. ووافق الشافعيَّ عطاءٌ وطاووس فقالا: ترمي قبل طلوع الفجر، وقال مالك وغيره: ترمي بعد الفجر ولا يجوز قبل ذلك
(3)
.
(1)
تحرفت في ط. الفقي إلى: «الإتيان بعدد» !
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
كلام البيهقي هذا ساقه المنذري بحسب كلام المجرِّد، وهو في طرّة خ «المختصر» (ق 69 أ)، وساقه الفقي في طبعته في هامشها لا في متنها، لأنه ورد في هامش المنذري من نسخته. فالله أعلم.
قال ابن القيم رحمه الله: قال ابن عبد البر
(1)
: كان الإمام أحمد يدفع حديثَ أمِّ سلمة هذا ويُضَعِّفه. قال ابن عبد البر
(2)
: وأجمع المسلمون على أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وقال جابر:«رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرةَ ضحى يوم النحر وحدَه، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس» أخرجه مسلم
(3)
.
وقال أبو ثور
(4)
: اختلفوا في رميها قبل طلوع الشمس، فمن رماها قبل طلوع الشمس لم تُجزِئْ وعليه الإعادة. قال ابن عبد البر
(5)
: وحُجّته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رماها بعد طلوع الشمس، فمن رماها قبل طلوع الشمس كان مخالفًا للسنة، ولزمه إعادتها. قال: وزعم ابنُ المنذر: أنه لا يعلم خلافًا فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أنه يُجْزِئه. قال: ولو علمتُ أن في ذلك خلافًا لأوجبتُ على فاعل ذلك الإعادة. قال: ولم يعلَمْ قولَ الثوري
(6)
، يعني أنه لا يجوز رميها إلا بعد طلوع الشمس، وهو قول مجاهد وإبراهيم النخعي
(7)
.
(1)
في «التمهيد» : (7/ 270).
(2)
في «التمهيد» : (7/ 268).
(3)
(1299/ 314).
(4)
تحرفت في ط. الفقي إلى «أبو داود» !
(5)
في «التمهيد» : (7/ 270).
(6)
حكاه عنه الطحاوي في «بيان المشكل» : (9/ 123)، وهو قول أبي ثور أيضًا كما تقدم في «التمهيد» .
(7)
ينظر «المغني» : (5/ 295).
فمقتضى مذهب ابن المنذر: أنه يجب الإعادة على مَن رماها قبل طلوع الشمس، وحديث ابن عباس صريح في توقيتها بطلوع الشمس، وفِعْله صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين الأمة، فهذا فعله وهذا قوله، وحديث أم سلمة قد أنكره الإمام أحمد وضعَّفه. وقال مالك: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرْخَصَ لأحدٍ رَمَى قَبَل طلوع الفجر.
126/ 1862 - وعن عطاء ــ وهو ابن أبي رباح ــ قال: أخبرني مُخْبِرٌ عن أسماء: أنها رمت الجمرةَ، قلت: إنّا رمينا الجمرةَ بليلٍ؟ قالت: إنا كُنَّا نَصْنَع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه النسائي
(1)
، وقال فيه: عن عطاء: «أن مولى لأسماء أخبره» وأخرج البخاري ومسلم بمعناه أتمَّ منه من رواية عبد الله مولى أسماء عنها.
قال ابن القيم رحمه الله: والحديث الذي أشار إليه هو ما في «الصحيحين»
(2)
عن عبد الله مولى أسماء: أنها نزلت ليلة جَمْعٍ عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت ساعةً، ثم قالت:«يا بُنيَّ هل غابَ القمرُ؟ فقلتُ: لا، فصلَّت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا، فمضينا حتى رمَتْ الجمرةَ، ثم رجعت، فصلّت الصبحَ في منزلها، فقلتُ لها: يا هَنْتاه، ما أُرانا إلا قد غَلَّسْنا؟ قالت: يا بنيَّ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِنَ للظُّعُن» وفي لفظ لمسلم: «لِظُعُنِه» .
(1)
أخرجه أبو داود (1934)، والنسائي (3050)، وأحمد (26941) وسيأتي أن أصله في «الصحيحين» .
(2)
أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291).