المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب كيف التكشُّف عند الحاجة

- ‌ باب الخاتم يكون فيه ذِكْر الله يدخل به الخلاء

- ‌ باب فَرْض الوضوء

- ‌الحكم الأول:

- ‌فصلالحكم الثاني:

- ‌فصلالحكم الثالث:

- ‌ باب ما يُنَجّس الماءَ

- ‌ باب الإسراف في الماء

- ‌ باب صفة وضوء النبي

- ‌ باب تخليل اللحية

- ‌ باب المسح على العمامة

- ‌ باب التوقيت في المسح

- ‌ باب المسح على الجورَبَين

- ‌ باب كيف المسح

- ‌ باب تفريق الوضوء

- ‌ باب في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌ باب في المَذْي

- ‌ باب الجُنُب يؤخِّر الغسل

- ‌ باب في الجُنُب يدخل المسجد

- ‌ باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌ باب إتيان الحائض

- ‌ بابٌ يصيب منها (أي: من الحائض) دون الجماع

- ‌ بابٌ المرأة تُسْتَحاض

- ‌ باب ما رُوي أن المستحاضة تغتسل لكلّ صلاة

- ‌ باب ما جاء في وقت النُّفَساء

- ‌ باب الجُنُب يتيمم

- ‌ باب المجدور(1)يتيمم

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ بابٌ في الأذان قبل دخول الوقت

- ‌ باب المرأة تصلي بغير خِمار

- ‌ باب الرجل يصلي وحدَه خلفَ الصفّ

- ‌ باب الدُّنّوِ من السُّتْرة

- ‌ باب ما يُؤمَر المصلِّي أن يدرأ عن المَمَرِّ بين يديه

- ‌ باب ما يقطعُ الصلاةَ

- ‌تفريع استفتاح الصلاة

- ‌ باب رفع اليدين في الصلاة

- ‌ باب افتتاح الصلاة

- ‌ باب مَن لم يذكر الرفعَ عند الركوع

- ‌ باب ما يُستفتحُ به الصلاة من الدعاء

- ‌ باب(2)الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ باب مَن ترك القراءةَ في صلاته

- ‌ باب مَن رأى القراءةَ إذا لم يجهر

- ‌ باب ما يُجزئ [الأميَّ](4)والأعجميَّ من القراءة

- ‌ باب صلاة مَن لا يقيم صُلْبَه في الركوع والسجود

- ‌ باب مقدار الركوع والسجود

- ‌ باب التأمين وراء الإمام

- ‌ باب مَن تجبُ عليه الجُمُعة

- ‌ باب ما يقرأ في الأضحى [والفطر]

- ‌ باب من قال: يصلي بكلِّ طائفةٍ ركعتين

- ‌ باب في صلاة الليل

- ‌ باب مَن لم يَرَ السجودَ في المُفَصَّل

- ‌ بابٌ في الوتر قبل النوم

- ‌ باب في الاستغفار

- ‌كتاب الزكاة

- ‌ باب في زكاة السائمة

- ‌ باب رضا المصدِّق

- ‌ باب مَن روى نصفَ صاعٍ مِن قَمْح

- ‌ بابٌ في تعجيل الزكاة

- ‌ بابٌ في الاستعفاف

- ‌كتابُ اللُّقَطَة

- ‌كتاب الحج

- ‌ باب في المواقيت

- ‌ باب في هدي البقرة

- ‌ باب تبديل الهدي

- ‌ باب في الهدي إذا عَطِب قبل أن يبلغ

- ‌ باب إفراد الحجِّ

- ‌ بابٌ في القِرَان

- ‌ بابُ الرجلِ يحُجُّ عن غيره

- ‌ اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:

- ‌ باب ما يلبسُ المُحْرِم

- ‌الحكم الأول:

- ‌الحكم الثاني:

- ‌الحكم الثالث:

- ‌الحكم الرابع:

- ‌ باب المحرم يَنْكِح

- ‌ باب لَحْم الصيد للمحْرِم

- ‌ بابُ الإحْصَارِ

- ‌ بابُ استلامِ الأركان

- ‌ باب الطواف بعد العصر

- ‌ بابُ طوافِ القارِن

- ‌ باب المُلْتَزَم

- ‌ باب الصلاة بِجَمْعٍ

- ‌ باب التعجيل مِن جَمْع

- ‌ باب يوم الحجِّ الأكبر

- ‌ بابُ مَنْ لم يُدْرِك عرفةَ

- ‌ باب الصلاة بمنى

- ‌ باب(3)رَمْي الجِمار

- ‌ باب العمرة

- ‌ باب الإفاضَةِ في الحجِّ

- ‌ بابُ تحريمِ مكة

- ‌ بابٌ في تحريم المدينة

- ‌كتاب النكاح

- ‌ باب فيمن(1)حَرَّم به ــ يعني رضاع الكبير

- ‌ باب ما يُكرَه الجمع(1)بينهنّ من النساء

- ‌ باب نكاح(1)المُتْعة

- ‌ باب [في](3)الشِّغار

- ‌ باب التحليل

- ‌ باب في(5)كراهية أن يَخْطِب الرجلُ على خِطْبَةِ أخيه

- ‌ باب الرجلِ ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها

- ‌ باب لا نكاح إلا بوليّ

- ‌ باب قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}

- ‌ باب في البِكْر يزوِّجها أبوها

- ‌ باب في الثيِّب

- ‌ باب في التزويج على العمل يُعْمَل

- ‌ باب فيمن تزوَّج ولم يسمِّ لها صَدَاقًا [حتى مات]

- ‌ باب في خُطْبة النكاح

- ‌ باب تزويج الصِّغار

- ‌ باب ما يُقال للمتزوِّج

- ‌ باب في الرجل يتزوّج المرأةَ فيجدها حُبْلَى

- ‌ باب في حقِّ الزوج على المرأة

- ‌ بابُ ما يُؤمَر به مِن غضّ البَصَر

- ‌ باب في جامع النِّكاح

- ‌ باب إتيان الحائض ومباشرتها

- ‌ باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

- ‌ باب ما جاء في العَزْل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌ باب كراهية الطلاق

- ‌ باب في طلاق السنة

- ‌ بابٌ في نسخ المراجعة

- ‌ بابٌ في سُنّة طلاق العبد

- ‌ باب في الطلاق على غلط

- ‌ باب في الطلاق على الهَزْل

- ‌ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

- ‌ باب في أمرك بِيَدِك

- ‌ باب في البتة

- ‌ باب الرجل يقول لامرأته: يا أُختي

- ‌ باب في عِدّة المختلعة

- ‌ بابٌ في الظِّهار

- ‌ باب في المملوكة تحت الحرّ أو العبد

- ‌ باب في المملوكين يُعْتَقان معًا

- ‌ بابٌ إلى متى تُرَدّ عليه امرأتُه إذا أسلم

- ‌ باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع

- ‌ باب في ادّعاء ولد الزنا

- ‌ باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد

- ‌ باب الولد للفراش

- ‌ باب من أنكر ذلك على فاطمة

- ‌ باب من رأى التحول

- ‌ باب في عدة الحامل

- ‌ باب في عدة أم الولد

الفصل: ‌ باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

قد اخْتُلِف فيه كما ذكرنا.

الثاني: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبُّه بالجَمَل في بروكه، والجمل إذا برك إنما يبدأ بيديه قبل ركبتيه. وهذا موافق لنهيه صلى الله عليه وسلم عن التشبُّه بالحيوانات في الصلاة، فنهى عن التشبُّه بالغراب في النَّقْر، والتفاتٍ كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السَّبُع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ورفع الأيدي في السلام كأذناب الخيل، وبروك كبروك البعير.

الثالث: حديث أنس

(1)

من رواية حفص بن غياث، عن عاصم الأحول عنه، ولم يختلف.

الرابع: أنه ثابت عن عمر بن الخطاب

(2)

، وأما حديث عبد الله ابنه فالمرفوع منه ضعيف، وأما الموقوف فقال البيهقي

(3)

: المشهور عنه: «إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه» فهذا هو الصحيح عنه.

17 -

‌ باب صلاة مَن لا يقيم صُلْبَه في الركوع والسجود

قال ابن القيم رحمه الله ــ عقب حديث المسيئ صلاته وغيره من الأحاديث الواردة في الباب ــ

(4)

: فصلٌ في سياق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان اتفاق

(1)

. تقدم.

(2)

. أخرجه ابن أبي شيبة (2719)، وابن المنذر في «الأوسط»:(3/ 165).

(3)

. في «معرفة السنن» : (2/ 4)، وينظر «السنن الكبرى»:(2/ 101 - 102). وقد أخرج الحديث المرفوع أبو داود (892)، والنسائي في «الكبرى» (683)، وأحمد (4501). وأخرجه مالك في الموطأ (450) موقوفًا.

(4)

. ساق المنذري في «مختصره» عشرة أحاديث في الباب الأرقام (819 - 828).

ص: 224

الأحاديث [ق 45] فيها، وغلط مَن ظنَّ أن التخفيف الوارد فيها هو التخفيف الذي اعتاده سُرَّاق الصلاة والنقَّارون لها:

ففي «الصحيحين»

(1)

عن البراء بن عازب قال: «رمقتُ الصلاةَ مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ قيامَه فركعتَه فاعتدالَه بعد ركوعه، فسَجْدَته فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء» لفظ مسلم.

وفي «صحيح مسلم»

(2)

أيضًا: عن شعبة، عن الحكم قال: غَلَب على الكوفة رجلٌ قد سماه زمنَ ابنِ الأشعث، فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصليَ بالناس، فكان يصلي، فإذا رفع رأسَه من الركوع قام قدرَ ما أقول:«اللهم ربنا لك الحمد، مِلءَ السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهلَ الثناء والمجد، لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجَدُّ» . قال الحَكَم: فذكرتُ ذلك لعبد الرحمن بن أبي ليلى فقال: سمعتُ البراءَ بنَ عازب يقول: كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعُه، وإذا رفعَ رأسَه من الركوع، وسجودُه، وما بين السجدتين قريبًا من السواء.

وروى البخاريُّ

(3)

هذا الحديث وقال فيه: «ما خلا القيامَ والقعودَ، قريبًا من السواء» . ولا شكّ أن القيامَ: قيامَ القراءة، وقعودَ التشهُّد يزيدان في الطول على بقية الأركان. ولما كان صلى الله عليه وسلم يوجز القيامَ ويستوفي بقيةَ الأركان صارت صلاتُه قريبًا من السواء. فكلُّ واحدةٍ من الروايتين تُصَدِّق الأخرى.

(1)

. أخرجه البخاري (792)، ومسلم (471/ 193).

(2)

. (471/ 194).

(3)

. (792).

ص: 225

والبراءُ تارةً قرَّب ولم يحدِّد، فلم يذكر القيامَ والقعودَ، وتارةً استثنى وحدَّد، فاحتاج إلى ذِكْر القيام والقعود.

وقد غلط بعضُهم حيث فهم من استثناء القيام والقعود أنه استثنى القيام من الركوع والقعود بين السجدتين، فإنه كان يُخَفّفهما فلم يكونا قريبًا من بقية الأركان، فإنهما ركنان قصيران. وهذا من سوء الفهم، فإن سياق الحديث يُبْطِله، فإنه قد ذكر هذين الركنين بأعيانهما، فكيف يذكرهما مع بقية الأركان، ويخبر عنهما بأنهما مساويان لها، ثم يستثنيهما منها؟ وهل هذا إلا بمنزلة قول القائل: قام زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدًا وعَمْرًا؟! وقد ثبت تطويل هذين الركنين عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدَّة أحاديث صحيحة صريحة، أحدها هذا.

وقد استدلَّ البراءُ بن عازب على إصابة أبي عبيدة في تطويله ركن الاعتدال من الركوع بقوله: «كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركوعُه، وإذا رفعَ رأسه، وسجودُه، وما بين السجدتين قريبًا من السواء» . ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفِّف هذين الركنين لأنكر البراءُ صلاةَ أبي عبيدة، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتضمَّن تصويبَه.

ومنها: ما رواه مسلم في «صحيحه»

(1)

من حديث حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، عن أنس قال:«ما صليتُ خلفَ أحدٍ أوجزَ صلاةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة، فلما كان عمر مدَّ في صلاة الفجر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» قامَ حتى نقول: قد أَوْهَم، ثم يسجدُ ويقعُد بين

(1)

. (473).

ص: 226

السجدتين حتى نقول: قد أوهم».

رواه مسلم بهذا اللفظ. ورواه أبو داود

(1)

من حديث حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت وحُميد، عن أنس قال:«ما صليتُ خلفَ رجلٍ أوْجَزَ صلاةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبِّر، ثم يسجد، وكان يقعُدُ بين السجدتين حتى نقولَ: قد أوهم».

فجمع أنسٌ رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار عن إيجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ وإتمامها، وأنّ من إتمامها إطالة الاعتدالين جدًّا، كما أخبر به. وقد أخبر أنه ما رأى أوجزَ صلاةً منها ولا أتمّ، فيشبه ــ والله أعلم ــ أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام، والإتمام إلى الركوع والسجود ورُكني الاعتدال، فبهذا تصير الصلاةُ تامَّةً موجزة، فيصدق قوله:«ما رأيتُ أوْجَزَ منها ولا أتمّ» . ويطابق هذا حديثَ البراء المتقدِّم.

وأحاديثُ أنسٍ كلُّها تدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركوعَ والسجودَ والاعتدالين زيادةً على ما يفعله أكثرُ الأئمة ويعتادونه. وروايات «الصحيحين» تدلُّ على ذلك؛ ففي «الصحيحين»

(2)

عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال:«إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. قال ثابت فكان أنسٌ يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفعَ رأسَه من الركوع انتصبَ قائمًا، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسَه في السجدة مكَثَ حتى يقول القائل: قد نسي» . وفي لفظ: «وإذا رفع رأسه بين

(1)

. (853).

(2)

. البخاري (821)، ومسلم (472).

ص: 227

السجدتين»

(1)

.

وفي رواية للبخاري

(2)

من حديث شعبة، عن ثابت:«كان أنس ينعتُ لنا صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي، وإذا رفع رأسَه مِن الركوع قام حتى نقول: قد نسي» .

وهذا يبيِّن أن إطالة ركني الاعتدال مما ضُيِّع من عهدِ ثابتٍ. ولهذا قال: «فكان أنسٌ يصنع شيئًا لا أراكم تفعلونه» . وهذا والله أعلم مما أنكره أنسٌ مما أحْدَث الناسُ في الصلاة حيث [ق 46] قال: «ما أعلم شيئًا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: ولا الصلاة؟ قال: أوليس قد أحدثتم فيها؟»

(3)

. فقول ثابت: إنهم لم يكونوا يفعلون كفعل أنس: وقول أنس: «إنكم قد أحدثتم فيها» يبين لك أن تقصير هذين الركنين هو مما أُحْدِث فيها.

ومما يدلّ على أن السنة إطالتهما: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل، فقرأ البقرة والنساء وآل عمران، وركع نحوًا من قيامه، ورفع نحوًا من ركوعه، وسجد نحوًا من قيامه، وجلس نحوًا من سجوده» متفق عليه

(4)

.

وفي «صحيح مسلم»

(5)

عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربَّنا لك الحمدُ ملءُ السموات وملءُ الأرض وما

(1)

. هو لفظ البخاري بالرقم السالف، ومسلم (473/ 196).

(2)

. (800).

(3)

. أخرجه البخاري (529) بنحوه، وأخرجه أحمد (11977)، والترمذي (2447) وغيرهم. وزاد في ط. الفقي في آخره:«ما أحدثتم» .

(4)

. أخرجه مسلم (772)، ولم أجده في البخاري.

(5)

. (478).

ص: 228

بينهما، وملءُ ما شئتَ مِن شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيتَ ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منكَ الجدُّ».

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن أبي سعيد قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسَه من الركوع قال: «اللهم ربنا لكَ الحمدُ ملءُ السموات وملءُ الأرض وملءُ ما شئتَ مِن شيء بعد، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لكَ عبد، لا مانع لما أعطيتَ ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منكَ الجَدُّ» .

وفي «صحيح مسلم»

(2)

نحوه من حديث عبد الله بن أبي أوفى. وزاد بعد قوله: «وملء ما شئت من شيء بعد: اللهم طهِّرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهِّرني من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الوَسَخ»

(3)

.

فهذه الأذكار والدعوات ونحوها ــ والله أعلم ــ من التي كان يقولها في حديث أنس: «أنه كان يمكث بعد الركوع حتى يقولوا: قد أوهم» لأنه ليس محلّ سكوتٍ، فجاء الذِّكْر مفسَّرًا في هذه الأحاديث.

وروى النسائيُّ وأبو داود

(4)

عن سعيد بن جُبير قال: سمعت أنس بن مالك يقول: «ما صليتُ وراءَ أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز. قال: فحزرنا في ركوعه عشرَ تسبيحات، وفي سجوده عشرَ تسبيحات» وإسناده ثقات.

(1)

. (477).

(2)

. (476).

(3)

. (476/ 204).

(4)

. أخرجه أبو داود (888)، والنسائي في «الكبرى» (725)، وأحمد (12661).

ص: 229

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن أبي قَزْعة قال: «أتيتُ أبا سعيد الخدريَّ وهو مكثورٌ عليه، فلما تفرَّق الناسُ عنه قلت: إني لا أسألك عما يسألك هؤلاء عنه، أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما لك في ذلك من خير، فأعادها عليه، فقال: كانت صلاةُ الظهر تُقام، فينطلق أحدُنا إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهلَه فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى» ، وفي رواية:«مما يطوِّلها»

(2)

. وفي هذا ما يدلُّ على أن أبا سعيد رأى أن صلاةَ الناسِ في زمانه أنقصُ مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها. ولهذا قال للسائل: «ما لك في ذلك من خير» .

وفي «الصحيحين»

(3)

: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة» . ومن المتيقّن أنه صلى الله عليه وسلم لم تكن قراءته في الصلاة هذًّا بل ترتيلًا بتدبُّرٍ وتأنٍّ.

وروى النسائيُّ

(4)

بإسناد صحيح عن عائشة: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف، فرَّقها في ركعتين» .

وأصله في «الصحيح»

(5)

: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بِطُولى الطّولَيين» يريد الأعرافَ، كما جاء مفسَّرًا في رواية النسائي.

(1)

. (454/ 162).

(2)

. في مسلم (454/ 161).

(3)

. البخاري (547)، ومسلم (647). من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.

(4)

. (991). وحسّن إسناده النووي في «الخلاصة» : (1/ 386)، وابن الملقن في «البدر المنير»:(3/ 183)، وله شاهد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أخرجه ابن خزيمة (517)، والحاكم:(1/ 237) وصححه على شرط الشيخين.

(5)

. أخرجه البخاري (764)، والنسائي (989 و 990) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

ص: 230

وفي «الصحيحين»

(1)

عن جُبَير بن مُطعِم: «أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور» .

وفي «الصحيحين»

(2)

عن ابن عباس: أنّ أمّ الفضل بنت الحارث سمعَتْه وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} ، فقالت: يا بُنيّ لقد ذَكَّرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. وهذا يدلُّ على أن هذا الفعل غير منسوخ، لأنه كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الإمام أحمد

(3)

عن أبي هريرة قال: شكا أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مشقَّةَ السجود عليهم، قال:«استعينوا بالرُّكَب» قال ابن عجلان: هو أن يضع مَرْفِقَيه على ركبتيه إذا طال السجودُ وأعيا. وهذا يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل السجود بحيث يحتاج الصحابةُ إلى الاعتماد على رُكَبهم، وهذا لا يكون مع قِصَر السجود.

وفي «الصحيحين»

(4)

أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقومُ في الصلاة وأنا أريدُ أن

(1)

. البخاري (765)، ومسلم (463).

(2)

. البخاري (763)، ومسلم (462).

(3)

. في «المسند» (8477)، وهو عند أبي داود (902)، والترمذي (286)، وابن حبان (1918)، والحاكم:(1/ 229) وصححه على شرط مسلم من رواية ابن عجلان، عن سميّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. وحسَّنه النوويّ في «الخلاصة»:(1/ 412)، وصححه أحمد شاكر. ورواه الثوري وابن عيينة عن سُميّ، عن النعمان بن أبي عياش عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ورجَّحه البخاري وأبو حاتم الرازي والدارقطني. ينظر:«فتح الباري» : (5/ 109 - 110) لابن رجب الحنبلي.

(4)

. البخاري (709)، ومسلم (470) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 231

أُطَوِّل فيها، فأسمع بكاءَ الصبيِّ فأتجوَّز فيها مخافَة أن أشقَّ على أُمِّه».

وأما ما رواه مسلم في «صحيحه»

(1)

من حديث جابر بن سَمُرة: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، وكانت صلاته بعدُ تخفيفًا» فالمراد به ــ والله أعلم ــ أن صلاته كانت بعد الفجر تخفيفًا، يعني أنه كان يطيلُ قراءةَ الفجر ويخفِّف قراءةَ بقية الصلوات، لوجهين:

أحدهما: أن مسلمًا روى في «صحيحه»

(2)

عن سِماك بن حرب قال: سألتُ جابر بن سَمُرة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يخفِّف الصلاةَ ولا يصلي صلاةَ هؤلاء، قال: وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر [ق 47] بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ونحوها. فجمع بين وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف وأنه كان يقرأ في الفجر بـ {ق} .

الثاني: أن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ما زال يصليها. ولم يذكر أحدٌ أنه نقص في آخر أمره من الصلاة، وقد أخبرَتْ أمُّ الفضل عن قراءته في المغرب بـ «المرسلات» في آخر الأمر، وأجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصَّل.

وأما قوله: «ولا يصلي صلاةَ هؤلاء» فيحتمل أمرين:

أحدهما: أنه لم يكن يحذف كحذفهم، بل يتمّ الصلاة.

والثاني: أنه لم يكن يطيل القراءةَ إطالتهم.

(1)

. (458).

(2)

. (458/ 169). وقوله: «المجيد» في إحدى روايات الصحيح.

ص: 232

وفي «مسند أحمد» و «سنن النسائي»

(1)

عن عبد الله بن عمر قال: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف، وإن كان ليؤمّنا بالصافات» . وهذا يدلُّ على أن الذي أَمَر به هو الذي فعَلَه، فإنه صلى الله عليه وسلم أمرَ أصحابَه أن يصلوا مثلَ صلاته، ولهذا صلى على المنبر وقال:«إنما فعلت هذا لتأتمُّوا بي ولتعلموا صلاتي»

(2)

. وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: «صلوا كما رأيتموني أصلي»

(3)

.

وذلك أنه ما من فعل في الغالب إلا ويسمَّى خفيفًا بالنسبة إلى ما هو أطول منه، وطويلًا بالنسبة إلى ما هو أخفّ منه، فلا يمكن تحديد التخفيف المأمور به في الصلاة باللغة ولا بالعُرْف، لأنه ليس له عادة في العرف، كالقبض والحِرز والإحياء والاصطياد، حتى يُرْجَع فيه إليه، بل هو من العبادات التي يُرْجَع في صفاتها ومقاديرها إلى الشارع، كما يُرْجَع إليه في أصلها، ولو جاز الرجوع فيه إلى العرف لاختلفت الصلاةُ الشرعية اختلافًا متباينًا لا ينضبط، ولكان لكلِّ أهل عصر ومصر ــ بل لأهل الدرب والسِّكّة، وكلّ محلّ وكل

(4)

طائفة ــ غَرَض وعُرْف وإرادة في مقدار الصلاة يخالف عُرْفَ غيرِهم، وهذا يفضي إلى تغيير الشريعة، وجَعْل السنة تابعةً لأهواء

(1)

. أخرجه أحمد (4796)، والنسائي في «المجتبى» (826) وفي «الكبرى» (902). وأخرجه ابن خزيمة (1606)، وابن حبان (1817). وفي إسناده الحارث بن عبد الرحمن القرشي صدوق، وبقية رجاله ثقات.

(2)

. أخرجه مسلم (544) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.

(3)

. أخرجه البخاري (631)، ومسلم (674)، وليس في مسلم لفظ:«صلوا كما رأيتموني أصلي» .

(4)

. الأصل و (ش، هـ) والمطبوعات: «فكل» ولعله ما أثبت.

ص: 233

الناس، فلا يُرْجَع في التخفيف المأمور به إلَّا إلى فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يصلي وراءَه الضعيفُ والكبيرُ وذو الحاجة، وقد أَمَرَنا بالتخفيف لأجلهم، فالذي كان يفعله هو التخفيف، إذ من المحال أن يأمر بأمر ويعلِّله بعلّةٍ، ثم يفعل خلافَه مع وجود تلك العلة، إلا أن يكون منسوخًا.

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ طولَ صلاةِ الرجل وقِصَرَ خطبته مَئِنَّةٌ مِن فقهِهِ، فأطيلوا الصلاةَ واقْصُروا الخُطبةَ، وإن من البيان سِحْرًا» . فجعل طولَ الصلاة علامةً على فقه الرجل، وأمر بإطالتها، وهذا الأمر إما أن يكون عامًّا في جميع الصلوات، وإما أن يكون المراد به صلاة الجمعة، فإن كان عامًّا فظاهر، وإن كان خاصًّا بالجمعة مع كون الجَمْع فيها يكون عظيمًا، وفيه الضعيف والكبير وذو الحاجة، وتُفْعَل في شدَّة الحرّ، ويتقدمها خطبتان، ومع هذا فقد أمر بإطالتها، فما الظنُّ بالفجر ونحوِ التي تُفْعَل وقتَ البرد والراحة مع قلة الجَمْع؟! وقد روى النسائيُّ في «سننه»

(2)

: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بالروم. وفي «سنن أبي داود»

(3)

عن جابر بن سَمُرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دحضَتِ الشمسُ صلى الظهرَ وقرأ بنحوٍ من {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، والعصر كذلك، والصلوات كلها كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها».

(1)

. (869).

(2)

. (947)، وفي «الكبرى» (1021)، وأحمد (15873) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورجاله ثقات غير أبي روح وحديثه حسن. وقد حسَّنه ابن كثير في «تفسيره»:(6/ 2738).

(3)

. (806)، وأخرجه النسائي (980)، ومسلم (618، 459) مختصرًا.

ص: 234

وقد روى الإمام أحمد والنسائيُّ

(1)

بإسنادٍ على شرط مسلم عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال:«ما صليتُ وراءَ أحدٍ أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: كان يُطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفِّف الأُخريين، ويخفِّف العصرَ، ويقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصَّل، ويقرأ في الصبح بطوالِ المفصّل» .

وفي «الصحيحين»

(2)

عن أبي بَرْزة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي الصبحَ فينصرفُ الرجلُ فيعرفُ جليسَه، وكان يقرأ في الركعتين ــ أو إحداهما ــ ما بين الستين إلى المائة» لفظ البخاري. وهذا يدلُّ على أمرين: شدة التغليس بها، وإطالتها.

فإن قيل: ما ذكرتموه من الأحاديث معارَض بما يدلُّ على نقيضه، وأن السنة هي التخفيف، فروى أبو داود في «سننه»

(3)

من حديث ابن وهب، أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العَمْياء، أن سهل بن أبي أُمامة حدَّثه «أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، في زمن عمر

(1)

. أحمد (7991)، والنسائي في «المجتبى» (982) وفي «الكبرى» (1056).

(2)

. البخاري (771)، ومسلم (647).

(3)

. (4904). وأخرجه أبو يعلى (3694) من طريق أحمد بن عيسى عن ابن وهب به. قال الهيثمي في «المجمع» : (6/ 259): رجاله رجال الصحيح غير ابن أبي العمياء، وهو ثقة. وصحح إسناده البوصيري في «الإتحاف»:(5/ 258). وقول الهيثمي عن ابن أبي العمياء: «ثقة» فيه نظر، فلم يوثقه غير ابن حبان. وقال الحافظ:«مقبول» أي حيث يُتابع.

وللحديث متابعات وشواهد ضعيفة.

ص: 235

بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاةً خفيفةً كأنها صلاة مسافر أو قريبًا منها، فلما سلَّم قال [أبي]: يرحمُك الله، أرأيتَ هذه الصلاة المكتوبة، أم شيء تَنَفَّلْتَه؟ قال: إنها لَلْمَكتوبة، وإنها لَصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ما أخطأتُ إلا شيئًا سهوتُ عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم]

(1)

كان يقول: «لا تشدِّدوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم، فإنّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشُدِّد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار. {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27]» . وسهلُ بن أبي أُمامة وثَّقه يحيى بن معين وغيره، وروى له مسلم

(2)

.

وفي «الصحيحين»

(3)

عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجِزُ الصلاةَ [ق 48] ويكمِّلها» . وفي «الصحيحين»

(4)

أيضًا عنه قال: «ما صليتُ وراءَ إمامٍ قطّ أخفّ صلاةً ولا أتمّ من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم» . زاد البخاريُّ: «وإن كان ليسمع بكاءَ الصبيِّ فيخفف، مخافة أن تفتتن أمُّه» . وفي «سنن أبي داود»

(5)

عن رجل من جُهينة: «أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أم عمدًا فَعَل ذلك» . وفي «صحيح مسلم» عن جابر بن سَمُرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {اللَّيْلِإِذَا يَغْشَى} ، وفي العصر نحو ذلك».

(1)

. ما بين المعقوفات مستدرك من «سنن أبي داود» .

(2)

. تنظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» : (4/ 246).

(3)

. البخاري (706)، ومسلم (469/ 189).

(4)

. البخاري (708)، ومسلم (469/ 190).

(5)

. (816)، وأخرجه البيهقي:(2/ 390). وإسناده صحيح.

ص: 236

وفي «سنن ابن ماجه»

(1)

عن ابن عمر قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]» .

وفي «سنن ابن ماجه»

(2)

عن عَمرو بن حُرَيث قال: «كأني أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15 - 16]» .

وفي «سنن أبي داود»

(3)

عن جابر بن سَمُرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ {السَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ، {السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، وشبههما» .

وفي «صحيح مسلم»

(4)

عنه أيضًا قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك» .

وفي «الصحيحين»

(5)

عن البراء: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بـ {التِّينِ

(1)

. (833). وأخرجه الطبراني في «الكبير» : (12/ 377) من طريق أحمد بن بُديل، عن حفص بن غياث، عن عبيد الله بن نافع، عن ابن عمر به. وأحمد بن بديل فيه ضعف، وقال الدارقطني: تفرّد به حفص بن غياث عن عبيد الله. وقال الحافظ في «الفتح» : (2/ 248): «ظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول» .

(2)

. (817)، وأخرجه مسلم (456)، وأبو داود (817).

(3)

. (805)، وأخرجه الترمذي (307)، والنسائي (979)، وأحمد (20982) وغيرهم. وحسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1827).

(4)

. (459).

(5)

. البخاري (767)، ومسلم (464).

ص: 237

وَالزَّيْتُونِ} ، في السفر».

وفي بعض السنن

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الصبح بالمعوِّذتين.

وفي «الصحيحين»

(2)

عن جابر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «أفتَّانٌ أنتَ يا معاذ؟ هلَّا صليتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟» .

وفي «الصحيحين»

(3)

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدُكم للناس فليخفِّف، فإن فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبير، وإذا صلى أحدُكم لنفسه فليطوِّل ما شاء» . ورواه ابنُ ماجه

(4)

من حديث عثمان بن أبي العاص.

وفي «صحيح مسلم»

(5)

عن أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسمعُ بكاءَ الصبيِّ مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة

(6)

.

فالجواب: أنه لا تعارُضَ بحمد الله بين هذه الأحاديث، بل هي أحاديث

(1)

. أخرجه النسائي (952) وفي «الكبرى» (1026). وأخرجه ابن حبان (1818)، وابن خزيمة (536)، والحاكم:(1/ 240) من حديث عقبة بن عامر وصححه الحاكم على شرط الشيخين.

(2)

. البخاري (705)، ومسلم (465/ 17).

(3)

. البخاري (703)، ومسلم (467/ 184).

(4)

. (988).

(5)

. (470/ 191).

(6)

. في هامش الأصل و (ش): «بياض في الأصل» ثم ترك فراغًا بمقدار سطر.

ص: 237

يصدِّقُ بعضُها بعضًا، وأن ما وصَفَه أنسٌ من تخفيف النبيِّ صلى الله عليه وسلم صلاتَه هو مقرونٌ بوصفه إيّاها بالتمام كما تقدم، وهو الذي وصفَ تطويلَه ركنَي الاعتدال حتى كانوا يقولون:«قد أوْهَم» ، ووصفَ صلاةَ عمرَ بن عبد العزيز بأنها تشبه صلاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع أنهم قدَّروها بعشر تسبيحات. والتخفيف الذي أشار إليه أنس، هو تخفيف القيام مع تطويل الركوع والسجود، كما جاء مصرَّحًا به فيما رواه النسائي

(1)

عن قتيبة، عن العطَّاف بن خالد، عن زيد بن أسلم قال:«دخلنا على أنس بن مالك فقال: صليتم؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية، هَلُمِّي لنا وضوءًا. ما صليتُ وراءَ إمامٍ أشبَهَ بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا، قال زيد: «وكان عمر بن عبد العزيز يتمُّ الركوعَ والسجودَ، ويخففُ القيامَ والقعودَ» وهذا حديثٌ صحيح، فإن العطَّاف بن خالد المخزومي وثقه ابنُ معين، وقال أحمد: ثقة صحيح الحديث

(2)

.

وقد جاء هذا صريحًا في حديث عمران بن حُصَين، لما صلى خلفَ عليٍّ بالبصرة قال:«لقد أذكرني صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة، كان يخفِّف القيامَ والقعودَ ويطيلُ الركوعَ والسجودَ»

(3)

. وقد تقدَّم قولُ أنس: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة» ، وحديث البراء بن عازب:«أن قيامَه صلى الله عليه وسلم وركوعَه وسجودَه كان قريبًا من السواء»

(4)

.

(1)

. (981)، وفي «الكبرى» (1055)، وأخرجه أحمد (13351). وإسناده حسن من أجل عطاف بن خالد، ففي حفظه كلام، وصححه المصنف.

(2)

. ينظر ما سبق (ص 189، 198) وتنظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» : (7/ 222).

(3)

. أخرجه البخاري (786)، ومسلم (393/ 33).

(4)

. تقدم تخريجها.

ص: 239

فهذه الأحاديثُ كلُّها تدلُّ على معنى واحد،

(1)

أنه كان يطيل الركوعَ والسجودَ ويخفِّفُ القيامَ. وهذا بخلاف ما كان يفعله بعضُ الأمراء الذين أنكر الصحابةُ صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبًا، وتخفيف الركوع والسجود والاعتدالين. ولهذا أنكر ثابتٌ عليهم تخفيف الاعتدالين، وقال:«كان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه»

(2)

. وحديث ابن أبي العمياء إنما فيه أن صلاة أنس كانت خفيفة. وأنسٌ فقد وصف خِفَّة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها أشبه شيء بصلاة عمر بن عبد العزيز مع تطويل الركوع والسجود والاعتدالين، وأحاديثُه لا تتناقض، والتخفيفُ أمرٌ نسبيٌّ إضافيّ، فعشر تسبيحات وعشرون آية أخفّ من مائة تسبيحة ومائتي آية، فأيُّ معارَضة في هذا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة؟!

وأما تخفيف النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ عند بكاء الصبيّ، فلا يُعارِض [ق 49] ما ثبت عنه من صفة صلاته، بل قد قال في الحديث نفسه:«إني أدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاءَ الصبيِّ فأتجَوَّز» . فهذا تخفيفٌ لعارض، وهو من السنة، كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف، وكلُّ ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض، كما ثبت عنه أنه قرأ في السَّفَر في العشاء بالتين والزيتون، وكذلك قراءته في الصبح بالمعوِّذَتَين

(3)

، فإنه كان في السَّفَر، ولذلك رفع الله تعالى الجُنَاح عن الأمة في قصر الصلاة في السفر والخوف.

(1)

. زاد في ط. الفقي: «وهو» ، والمعنى واضح بدونها.

(2)

. تقدم تخريجه.

(3)

. تقدم تخريجها.

ص: 240

والقصرُ قصران: قصرُ الأركان، وقصرُ العدد؛ فإن اجتمع السفر والخوف، اجتمع القصران، وإن انفرد السفرُ وحده شُرِع قصر العدد، وإن انفرد الخوفُ وحدَه، شُرِع قصر الأركان.

وبهذا يُعْلَم سرّ تقييد القصر المطلق في القرآن بالخوف والسفر، فإن القصر المطلق الذي يتناول القصرين إنما يُشْرَع عند الخوف والسفر، فإن انفرد أحدُهما بقي مطلق القصر، إما في العدد وإما في القَدْر. ولو قُدّر أنه صلى الله عليه وسلم خفّفَ الصلاةَ لا لعذرٍ، كان في ذلك بيان الجواز، وأن الاقتصار على ذلك العذر ونحوه يكفي في أداء الواجب. فأما أن يكون هو السُّنَّة وغيره مكروه، مع أنه فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أوقاته فحاشى وكلّا، ولهذا رواته عنه أكثر من رواة التخفيف، والذين رووا التخفيف رووه أيضًا، فلا تُضْرَب سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضُها ببعض، بل يُستعمل كلٌّ منها في موضعه.

وتخفيفُه إما لبيان الجواز، وتطويله لبيان الأفضل، وقد يكون تخفيفه لبيان الأفضل إذا عَرَض ما يقتضي التخفيفَ، فيكون التخفيف في موضعه أفضل، والتطويل في موضعه أفضل، ففي الحالتين ما خرج عن الأفضل، وهذا اللائق بحاله صلى الله عليه وسلم، وجزاه عنَّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته، وهو اللائق بمن اقتدى به وائتمَّ به صلى الله عليه وسلم.

وأما حديث معاذ فهو الذي فَتَن النقَّارين وسُرّاق الصلاة، لعدم علمهم بالقصة وسياقها؛ فإنّ معاذًا صلى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء، فقرأ بهم بسورة

(1)

البقرة. هكذا جاء في

(1)

. كذا في الأصل و (ش، هـ)، وفي المطبوعات:«سورة» خلاف الأصل.

ص: 241

«الصحيحين»

(1)

من حديث جابر: «أنه استفتح بهم بسورة البقرة، فانفرد بعضُ القوم وصلى وحدَه، فقيل: نافقَ فلانٌ؟ فقال: والله ما نافقتُ، ولآتينَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخبره، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم حينئذٍ: «أفتَّانٌ أنتَ يا معاذ؟ هلَّا صليتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}» .

وهكذا نقول: إنه يستحبُّ أن تُصلَّى العشاءُ بهذه السور وأمثالها. فأيُّ متعلَّقٍ في هذا للنقَّارين وسُرَّاق الصلاة؟!

ومن المعلوم أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يؤخِّر عشاءَ الآخرة، وبُعْد ما بين بني عَمرو بن عوف وبين المسجد، ثم طول سورة البقرة= فهذا الذي أنكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو موضع الإنكار، وعليه يُحْمَل الحديث الآخر:«يا أيها الناس، إن منكم مُنَفّرين»

(2)

.

ومعلومٌ أن الناسَ لم يكونوا يَنْفِرون من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ممن يصلِّي بقَدْرِ صلاته، وإنما ينفرون ممن يزيد في الطول على صلاته، فهذا الذي يُنَفِّر. وأما إن قُدِّر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالى، وكثير من الباطولية الذين يعتادون النَّقْر كصلاة المنافقين، وليس لهم في الصلاة ذوق ولا لهم فيها راحة، بل يصليها أحدُهم استراحةً منها لا بها، فهؤلاء لا عبرة بنفورهم، فإنَّ أحدَهم يقف بين يدي المخلوق مُعْظَمَ اليوم، ويسعى في خدمته أعظم السعي، فلا يشكو طولَ ذلك ولا يتبرَّمُ به، فإذا وقف بين يدي ربِّه في خدمته جزءًا يسيرًا من الزمان، وهو أقلّ القليل بالنسبة

(1)

. تقدم.

(2)

. أخرجه البخاري (702)، ومسلم (466) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 242