الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخيراً الجواب القاطع في هذا الموضوع: أن هناك قاعدة فقهية عظيمة جداً، وهي: أنه إذا جاء حديثان أحدهما من قوله عليه السلام، والآخر من فعله، وأحدهما يخالف الآخر، حينئذٍ: يُقَدّم القول على الفعل؛ لأن القول تشريع عام للأمة، أما الفعل فيعتبره ويحيط به عدة احتمالات:
منها: أن يكون له عذر عليه السلام.
منها: أن يكون خصوصية له.
بينما القول المُوَجّه إلى الأمة هو شريعة عامة للأمة، وبخاصة الحديث: الذي يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب الأسود، هذا لا يجوز إبطاله لمجرد هذه الحادثة.
ومثل هذه الحادثة يقول عنها فقهاء الحنفية: واقعة عَيْن لا عمومَ لها، ما ندري ما هو السبب، هذا لو اعتمدنا على بعض الروايات التي أطلقت نفي السترة.
(الهدى والنور / 132/ 43: 25: 00)
حكم صلاة من صلى بغير سترة
السائل: الذي يصلي بدون سترة ما حكم صلاته؟
الشيخ: الصلاة صحيحة، ولكن هو آثم.
(الهدى والنور /184/ 46: 25: 00)
الحكمة في تعليم الناس أهمية اتخاذ السترة
السؤال: أُريد أن أتطرق شيخنا لمسألة، يتدخل فيها الإمام، قضية السترة في المسجد، حقيقةً لما أمَّينا الناس فترةً من الزمان وضعنا السترة، سخطوا أم رضوا ما
سألنا عنهم، فما كان من شيخنا إلا أنه يزيلها أحياناً، وكأنه لا يرى وجوبها ما أدري، السؤال لو الآن إرضاءً للناس ترك السترة؟
الشيخ: هذه المسألة تدخل في الموضوع الذي أشرت إليه آنفاً، وهو التصفية والتربية.
لا يجوز مفاجأة الناس عملياً بما لا يعلمون، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز ترك الناس وهم يجهلون، فينبغي أن نطبق نحن السنة في أنفسنا، وأن نمهد لها تعليماً للناس ودعوة للناس إلى اتباع الكتاب والسنة، فمن كان إماماً نفترض لأول مرة ينصب إماماً في مسجد ما، فهو يحتال ليصلي إلى سترة لا لينصب أمامه سترة، كما يفعلون في بعض المساجد، يأخذ الطاولة الصغيرة تبع المصحف يضعها أمامه، ليس هناك مانع، ولكن الحكمة في الدعوة كما قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] بالحكمة والموعظة الحسنة، فما ينبغي لهذا الإمام الذي عين حديثاً في مسجد ما، ما سمعوا مطلقاً بهذه السترة، فهو لا ينبغي أن يفجأهم بسترة تلفت أنظارهم، قبل أن يلفت هو نظرهم وبصرهم وبصيرتهم العلمية، إلى وجوب اتخاذ السترة، لكن هو يصلي مثلاً إلى سارية، يصلي إلى المنبر يصلي إلى أي شيء منصوب أمامه، ولكن لا يصمت هو يخطط أنه بعد أسبوع، أسبوعين ثلاثة، لا بد ما يخبرهم أنه أيها الناس أنتم تدخلون المسجد لصلاة السنة القبلية مثلاً، وكما ترون كل واحد يصلي في مكان كيفما تيسر له في مؤخرة المسجد، في وسط المسجد، مع أنه في مجال أنه يصلي إلى الجدار القبلي أو إلى سارية من السواري، أو طاولة موضوعة، لا يفعل الناس هذا، والسبب الجهل، والسبب سكوت أهل العلم، سكوت أهل العلم ليس في هذا البلد فقط أو في مسجد، هذا السكوت عم البلاد كلها، لا نستثني منها بلداً، حتى ولا الحرمين الشريفين، فأصبح الناس أعداء السنة بسبب سكوت العلماء، وعدم دعوتهم الناس إلى السنة، وبالتي هي أحسن؛ حتى انقلب الوضع وكما جاء في بعض الآثار الموقوفة أن تصبح السنة بدعة، والبدعة سنة.
فهذا الإمام الذي كلف أن يصلي في مسجد من جديد، فعليه أن يطبق هذه السنة دون أن يثير فتنة، لكن هذا لا يعني أن يسكت، وأن لا يعلم الناس السنة، فعليه مثلاً بمناسبة ما دخل رجل نقول مثلاً هذه السارية فهو يصلي هنا، فتقول له: يا أخي بينك وبين السارية خطوة فصل وراءها بارك الله فيك، ويذكر ما تيسر له من أحاديث، يفعل هذا مرة مع هذا، ومرة مع ذاك .. إلى آخره، حتى يصبح هناك تفتح عند أهل المسجد بشيء ما سمعوه من قبل، لكن لا أجابهه مجابهة، أنا وضعت السترة أمامي نقلتها من مكان إلى مكان، لا أنا صليت وراء العمود، ولا أحد يقول للإمام لماذا صليت خلف العمود؟ لأنه أمر لا ينتبه له عامة الناس، لكن لا أنا سحبت الطاولة من مكان إلى مكان، هل تعبد الطاولة، لماذا تصلي إليها.
ولا يكفي لمن يريد أن يعلم الناس أن يقدم لهم كلاماً جافاً، أيش معنى كلاماً جافاً؟
يعني: يا أخي لا تصلي هكذا صل إلى سترة. لا هذا لا يكفي.
ينبغي أن يقول: يا أخي قال عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم فليصلي إلى سترة، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» .
وفي الحديث الآخر: «فليدن من سترته لا يقطع الشيطان عليه صلاته» .
ويروي لهم ما جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن الناس كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب، ابتدروا السواري يصلون سنة المغرب» أي: القبلية ابتدروا السواري تطبيقاً منهم لأمره عليه السلام: «إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة» .
في اعتقادي إذا استمر الإمام يذكر فالنتيجة ستكون كما قال رب العالمين: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
لا بد أن يكون هناك شيء من الاعتراض، إن لم نقل شيء من المشاغبة ممن غلبت عليه التقاليد الجاهلية التي تتمثل في قول الجاهلين الأولين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] لا بد ما يقع مثل هذا الاعتراض، هنا ينبغي على الداعية أن لا يتغالظ، ولا أن يتلاين، وإنما أن يكون بين ذلك قواما، كما قيل: لا تكن قاسياً فتكسر، ولا ليناً فتداس، فهو يصبر على السنة دعوة وعملاً وإن لقي في ذلك ما يلقى، أما أن يدع العمل بالسنة، بل بالواجب وهو صامت لا يهيئ لحمل الناس على هذه السنة، بل على ذاك الواجب بطريق الدعوة، كما قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] فهذا لا ينبغي لإمام يؤم المسلمين مهما كان شان أولئك المصلين. هذا جواب ما سألته.
السؤال: هو الحق يقال شيخنا، قد أكون فظاً غليظاً في وضع السترة أمامي عندما أكون إماماً، لكن بالمقابل ما وجدنا الإمام يؤدي ما عليه من واجب من إعطاء دروس وعظات، وتبيين حكم الشرع في هذه المسائل للمأمومين، وبالتالي نحن الآن في هذا المسجد مسجد ناعور الكبير بين شراكسة ناعور الذين هم على المذهب الحنفي اسماً، وبين الصوفية المعروفين بتصوفهم، وبين الحركات والجماعات الإسلامية الموجودة.
فالحق يقال: لمثل هذه الأمور، ومثل هذه الأوضاع حاولنا أن نؤم الناس لصلاة الفجر، فأجبتني يوم الجمعة الماضي .. كوني غير ملزم بالإمامة، ولا ملزم بأداء صلاة الفجر في المسجد، ومعنى ذلك إن تركنا الإمامة لا بد أن يأتي الرجل من أهل البدع أو من أهل الضلال عياذاً بالله ويؤم الناس، فسؤالي الآن: ألا ترى أنه لو تنازلنا قليلاً، واستخدمنا الأذان المُوَحّد هذا من قِبَلِنا، أنه لا حرج من باب الضرورات تبيح المحظورات؟
الشيخ: إذا بِدّك تحرق حالك افعل؟
السائل: لا طبعاً ما بِدّي أحرق حالي.
الشيخ: إلى متى ستظل كما تريد أن تكون عليه في أول الأمر، إلى متى؟ إلى ما شاء الله، يقولون: اضرب الحديدة وهي حامية، أما وهي باردة لن يتجاوب معك
أحد إطلاقاً سيصير معك خض الماء وهي ماء، أو تضرب في حديد بارد، يذهب جهدك سدى، لا بد من التمهيد كما ذكرت لك آنفاً.
الإمام يطبق السنة ويدعو إليها بالتي هي أحسن، من السهل جداً أن الإمام ينقلب إلى واحد من الجماعة، هو في قلبه سني، لكن في عمله بدعي، ما هي الفائدة حينئذ إذا كنا نريد أن نساير الناس، وما جعل الناس اليوم في غفلة عن كثير من الواجبات، فضلاً عن السنن والمستحبات إلا مثل هذه المسايرة.
وبعد ذلك إذا كنت أنت ربنا عافاك وما كلفت، فإن استطعت أن تمشي سوياً على صراط مستقيم حينما تتطوع وتصلي بالناس إماماً فنعما أنت.
أما إذا كنت تريد أن تميل يميناً ويساراً عن السنة باسم مداراة الناس، وباسم انه إذا أتى غيرك سيفعل أسوء من فعلك، هذه ليست من السياسة الشرعية؛ لأن الله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] هذا المنطق الذي أنت تقوله الآن يتمسك به كل موظف مسلم مهما كانت وظيفته سيئة.
الموظف مثلاً الذي يعمل في البنك يقول لك: خليني أنا أكون موظف في البنك أحسن ما يأتي واحد نصراني يحل محلي، الصائغ الذي يبيع الذهب بالربا، ولا يعرف أحكام بيع الذهب والفضة كما جاء في الحديث الصحيح:«الذهب بالذهب يداً بيد مثلاً بمثل» لما بتذكره يقول لك: أنا أحسن ما يكون محلي نصراني أو أحسن ما تكون المهنة كلها بيد النصارى، وهكذا.
واحد عنده بنت يدخلها المدارس المختلطة لكي تتخرج طبيبة مثلاً أو غير طبيبة، فهو يعرف أنه يرميها في الخطر، فيقول لك: أحسن ما تطلع واحده فاسقة أو واحدة كافرة تعالج نساءنا وبناتنا، إذاً: خلينا نعلم بناتنا هذا العلم.
نحن نقول: نعم، لكن بشرط أن لا تكون بناتنا كبش الفداء، وهذه الأمثلة كلها تنطلق من قاعدة غير إسلامية، وهي والحمد لله من جهة معروفة أنها غير إسلامية،