الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقدمة حجاب المرأة ولباسها ص 7 - 8]
من لم يكن له إلا في ثوب واحد فعليه أن يستر به منكبيه
«فإن لم يكن له إلا في ثوب واحد فعليه أن يستر به منكبيه أيضا بأن يخالف بين طرفي الثوب لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه «على عاتقيه» وفي لفظ: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» هذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله. [ثم أورد طرقه فراجع ذلك في الأصل].
ذكره في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك عن الباجي دون العقد. وأما العقد فذكره النووي عن ابن السكيت. ثم قال الباجي: «وهذا نوع من الاشتمال يسمى التوشيح ويسمى الاضطباع وهو مباح في الصلاة وغيرها لأنه لا يمكن إخراج يده للسجود وغيره دون كشف عورته» .
وهذا الحديث من رواية جابر رضي الله عنه. [ثم ساق طرقه].
[ثم قال]:
والحديث نص واضح في وجوب الالتحاف إذا كان الثوب واسعا وعليه يحمل حديث أبي هريرة المطلق، ويؤيد الوجوب نهيه عليه السلام عن ترك ذلك والنهي يفيد التحريم. وقد ذهب إلى هذا الذي ذكرنا جماعة من السلف رضي الله عنهم
ومنهم الإمام أحمد والمشهور عنه أنه لو صلى مشكوف العاتق مع القدرة على السترة لم تصح صلاته فجعله شرطا وهو مذهب ابن حزم في «المحلى» .
وفي رواية عن أحمد: أنه تصح صلاته ولكنه يأثم بتركه. وهو الحق إن شاء الله.
وذهب الجمهور -مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم - إلى أن النهي للتنزيه والأمر للاستحباب فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة سواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا. قال النووي في «شرح مسلم» :
«وحجة الجمهور
…
» وفي «المجموع» :
«دليلنا حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم: «فاتزر به» هكذا احتج به الشافعي في «الأم» واحتج به الأصحاب وغيرهم والله أعلم».
قلت: وهذا ما لا ينقضي العجب منه فإن أمره عليه السلام بالاتزار إنما هو إذا كان الثوب ضيقا كما هو منطوق الحديث بينما الجمهور يقولون بالاتزار ولو كان الثوب واسعا فكيف جاز للنووي ومن سبقه الأخذ بمجرد الأمر بالاتزار بدون التفات إلى الشرط الذي قيده به النبي صلى الله عليه وسلم.
فالحق أن الحديث دليل قاطع لمذهب أحمد وغيره وهو التفريق بين الثوب الواسع والضيق فيجب الالتحاف في الأول دون الآخر وإلى هذا مال البخاري كما يدل عليه تصرفه في «صحيحه» كما في «الفتح» للحافظ ثم قال: «وهو اختيار ابن المنذر وتقي الدين السبكي من الشافعية» .
وإليه مال المحقق الشوكاني.
وأما بطلان الصلاة بترك الالتحاف فغير ظاهر من الحديث. والله أعلم.
وهنا مسألة وهي: هل يجب على من كان عليه إزار ضيق لا يمكنه الالتحاف به أن يلبس أوسع منه أو يلبس رداء فوقه إذا كان عنده يستر به القسم الأعلى من بدنه؟
الظاهر عندي: نعم يجب عليه ذلك خلافا لابن حزم حيث قال في «المحلى» : «فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه كان معه ثياب غيره أو لم يكن» .
قلت: وهذا جمود منه على ظاهر الحديث بدون أن يلاحظ المعنى المقصود منه وهو ستر البدن وقد أكد عليه السلام هذا المعنى بنهيه أن يصلي الرجل في سراويل ليس عليه رداء كما سبق. والله أعلم.
وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فإنما صلى ملتحفًا به كما صرح بذلك جمع من الصحابة، منهم عمرو بن أبي سلمة وأم هانئ وجابر بن عبد الله عند الشيخين وغيرهم وأبو سعيد الخدري عند مسلم وأنس عند الطحاوي وكيسان عند ابن ماجه وغير هؤلاء كثير، وقد خرجت أحاديثهم في كتابنا:«صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وقد استدل بهذه الأحاديث على جواز الصلاة في الثوب الواحد قال النووي:
«لا خلاف في ذلك إلا ما حكي عن ابن مسعود رضي الله عنه فيه ولا أعلم صحته» .
قلت: وكأنه يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض.
أورده الحافظ في «الفتح» وسكت عليه.
ولعل قول ابن مسعود هذا محمول على ما إذا كان عنده ثوب آخر بدليل حديثه الآخر وهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» من طريقين عن أبي مسعود الجريري عن أبي نضرة بن بقية قال: قال أبي بن كعب:
الصلاة في الثوب الواحد سنة كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا.
فقال ابن مسعود: إنما كان ذاك إذا كان في الثياب قلة فأما إذا وسع الله فالصلاة في الثوبين أزكى.