الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواز الصلاة في مبارك الغنم
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «صلوا في مراح الغنم وامسحوا رغامها، فإنها من دواب الجنة» .
[ترجم له الإمام بقوله: جواز الصلاة في مبارك الغنم].
السلسلة الصحيحة (3/ 120).
جواز الصلاة في جوف الكعبة
ثم إن الحديث وإن كان ورد في النافلة فالظاهر أن الفريضة مثلها في هذا الجواز لاستواء أحكام الفرائض والنوافل وجوبا وتحريما وإباحة إلا ما استثناه الشارع ولا استثناء هنا».
الحديث هو من رواية ابن عمر رضي الله عنه.
أخرجه البخاري ومسلم. [ثم توسع الإمام في الكلام على الحديث إلى أن قال]: وقد صح عن ابن عباس أنه كان ينفي كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وهو لم يشاهد ذلك وإنما كان يروي ذلك تارة عن أخيه الفضل كما في هذه الرواية وكذلك هي في «المسند» وغيره من طرق أخرى. وتارة يرويه عن أسامة بن زيد كما في مسلم وغيره ولعله يأتي حديثه في استقبال القبلة إن شاء الله تعالى.
لكن العلماء أخذوا برواية بلال ومن معه من الأصحاب لأنها زيادة ثقة ولأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي كما هي القاعدة في مثل هذا الاختلاف. ومعنى قول أسامة: لم يصل: لم أره صلى. فهو لم يعلم ذلك وأولئك علموا ومن علم حجة على من لم يعلم.
ولذلك ذهب الجمهور إلى جواز الصلاة في البيت الفرض والنفل وبه قال أبو حنيفة والثوري وجمهور العلماء كما قال النووي في «المجموع» وقال الترمذي: «حديث بلال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم لا يرون بالصلاة في الكعبة بأسا، وقال مالك بن أنس: لا بأس بالصلاة النافلة في الكعبة وكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة، وقال الشافعي: لا بأس أن تصلى المكتوبة والتطوع في الكعبة لأن حكم النافلة والمكتوبة في الطهارة والقبلة سواء» .
وهذا الذي قاله الشافعي هو الحق إن شاء الله تعالى لأن الحديث وإن كان قد ورد في النافلة فالظاهر أن الفريضة مثلها في هذا الجواز لاستواء أحكام النوافل مع أحكام الفرائض وجوبا وتحريما وإباحة إلا ما استثناه الشارع ولا استثناء هنا.
ولوضوح هذا الذي قاله الشافعي ذهب إليه ابن حزم وهو من هو في ظاهريته فقد قال: في «المحلى» ردا على أتباع مالك ما نصه:
ومع وضوح هذا وظهوره فقد خالف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث اختار ما ذهب إليه مالك رحمه الله فقال في «الاختيارات» :
«ولا تصح الفريضة في الكعبة بل النافلة وهو ظاهر مذهب أحمد، وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت فإنها كانت تطوعا فلا يلحق الفرض لأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل البيت ركعتين ثم قال: هذه القبلة. فيشبه - والله أعلم - أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خارج البيت بيانا لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كان في الفرض لأجل أنه صلى التطوع في البيت، وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة فلا بد لهذا الكلام من
فائدة وعلم شيء قد يخفى ويقع محل الشبهة وابن عباس روى هذا الحديث وفهم منه هذا المعنى وهو أعلم بمعنى ما سمع».
قلت: ابن عباس الذي روى الحديث لم يفهم هذا المعنى بهذا التفصيل الذي ذهب إليه الشيخ من صلاة النافلة في الكعبة دون الفريضة فإنه نفى أن يكون عليه الصلاة والسلام قد صلى مطلقا في البيت حيث قال: ولم يصل حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال: هذه القبلة. ثم إنه رضي الله عنه لم يسمع هذا الكلام منه عليه الصلاة والسلام مباشرة كما يشير إليه كلام الشيخ وإنما أخذه عن أسامة أو غيره من الصحابة كما سبق ذكره وحينئذ فهو وغيره سواء ممن لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن كلام الشيخ يفيد جواز استقبال بعض بنية الكعبة في النافلة وأما في الفريضة فلا بد من استقبالها كلها، وليت شعري كيف يمكن استقبالها كلها عمليا؟ فإنه من البديهي أن مستقبل الكعبة من خارجها إنما يستقبل منها ما هو على سمته أمامه ثم يبقى أكثرها من عن يمينه ويساره غير مستقبلها؟ وحينئذ ما الفرق بين هذا وبين الصلاة داخلها وهو في كلا الحالين إنما يستقبل بعضها. ولذلك قال ابن حزم رحمه الله:«واحتج أتباع مالك بأن قالوا: إن من صلى داخل الكعبة فقد استدبر بعض الكعبة «قال: » إنما قال الله عز وجل: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] فلو كان ما ذكره المالكيون حجة لما حل لأحد أن يصلي في المسجد الحرام لأنه هو القبلة بنص كلام الله تعالى في القرآن، وكل من يصلي فيه فلا بد له من أن يستدبر بعضه، فظهر فساد هذا القول. وأيضا فإن كل من صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك بعضها عن يمينه وبعضها عن شماله ولا فرق عند أحد من أهل العلم في أنه لا فرق بين استدبار القبلة في الصلاة وبين أن يجعلها عن يمينه أو عن شماله، فصح أنه لم يكلفنا الله عز وجل قط مراعاة هذا، وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط».
وأما قول الشيخ رحمه الله: «فلا بد لهذا الكلام من فائدة» فهو حق لكن ليس من الظاهر من هذا الكلام ما فهمه شيخ الإسلام من الفرق بين النافلة والفريضة في الاستقبال، وكأنه لذلك لم يذهب إليه أحد من الشراح فقد ذكر الحافظ في المراد من قوله عليه الصلاة والسلام:«هذه القبلة» أربعة أقوال للعلماء ليس فيها هذا الذي ذهب إليه الشيخ وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى فيما سبقت الإشارة إليه.
ذلك ويدل لجواز الصلاة أيضا هذا الحديث الآتي:
وقالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال: «إن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا في بنائها فأخرجوا الحجر من البيت فإذا أردت أن تصلي في البيت فصل في الحجر فإنما هو قطعة منه» .
الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا والطحاوي - والسياق له - وأحمد من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عنها. وقال الترمذي: «حسن صحيح» .
قلت: وأم علقمة هذه اسمها مرجانة وهي مشهورة وفي «التقريب» : «إنها مقبولة» .
وقد تابعتها صفية بنت شيبة وهي ثقة مشهورة من رجال الشيخين.
أخرجه النسائي والطيالسي مختصرا بلفظ: قلت: يا رسول الله ألا دخلت البيت؟ قال: «ادخلي الحجر فإنه من البيت» .
وإسناده صحيح على شرطهما.
وله طريق أخرى عنها يرويه عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن عائشة نحو الأول.
أخرجه البيهقي وأحمد ورجاله ثقات إلا أن عطاء كان قد اختلط.
أخرجه أبو داود والطحاوي وأحمد عن سفيان قال: ثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة أم منصور قالت: أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة قال
…
فذكره.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وليس عند الطحاوي: عن خاله مسافع. فالحديث عنده عن منصور بن صفية عن صفية بنت شيبة قالت.
وقد رواه عن منصور أخوه محمد بن عبد الرحمن فجعل بعض الحديث عن منصور عن أمه مباشرة وبعضه عن منصور عن مسافع عن أم منصور.
أخرجه الإمام أحمد فقال: ثنا علي بن إسحاق قال: أنا عبد الله قال: أنا محمد بن عبد الرحمن عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن أم عثمان بنت سفيان وهي أم بني شيبة الأكابر - قال محمد بن عبد الرحمن:
وقد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شيبة ففتح فلما دخل البيت ورجع وفرغ ورجع شيبة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أجب، فأتاه فقال: إني رأيت في البيت قرنا فغيبه قال منصور: فحدثني عبد الله بن مسافع عن أمي عن أم عثمان بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في الحديث: فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يلهي المصلين.
ومحمد بن عبد الرحمن ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال الحافظ في «التقريب» : «إنه ضعيف» .
قلت: وقد خالف سفيان في عدة مواضع من هذا الحديث:
أولا: جعل الحديث بعضه عن منصور عن أمه وبعضه عنه عن عبد الله ابن مسافع عن أمه.
ثانيا: سمى الواسطة بين منصور وبين أمه عبد الله بن مسافع وقال سفيان: مسافع بن شيبة قال: سمى صحابي الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيبة وسماه سفيان: عثمان بن طلحة والصواب رواية سفيان وهي تدل على ضعف محمد بن عبد الرحمن هذا. والله أعلم.
والحديثان يدلان على ما دل عليه الحديث السابق من جواز الصلاة في جوف الكعبة:
أما الأول منهما فمن حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على محبتها الصلاة فيه إلا أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تصلي في الحجر وعلل ذلك بأنه من البيت فدل على جواز الصلاة في البيت كله وفيه الحجر، ولعله عليه الصلاة والسلام إنما أمرها أن تصلي فيه دون جوف الكعبة وقتئذ لأن الحجر أفضى لها وأبعد عن مخالطة الرجال.
وأما الثاني فقد أشار عليه الصلاة والسلام فيه إلى جواز الصلاة فيه حيث أمر بإزالة ما يشغل المصلي فيه عن الخشوع.
وقد استدل بالحديثين على ما ذكرنا من الجواز الطحاوي رحمه الله ونقل القول به عن أبي حنيفة وصاحبيه وهو مذهب الجمهور كما سبق، بل ذهب الشافعية إلى أن التنفل في الكعبة أفضل من خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة وأمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها فإن لم يمكن فخارجها أفضل قال الشافعي:«لا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة» . كذا ذكره النووي في «المجموع» ثم قال فيه: «فإن قيل: كيف جزمتم بأن الصلاة في الكعبة أفضل من خارجها مع أنه مختلف بين العلماء في صحتها والخروج من الخلاف مستحب؟ فالجواب أنا إنما نستحب الخروج من خلاف محترم وهو الخلاف في مسألة اجتهادية أما إذا كان الخلاف مخالفا سنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له ولا يستحب الخروج منه لأن صاحبه لم تبلغه هذه السنة وإن بلغته وخالفها فهو محجوج بها. والله أعلم» . وهذا كلام حق يجب حفظه فإن كثيرا من المشايخ يتساهلون في كثير من السنن لمجرد أن فيها خلافا