الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذاً: لكل من السُّنَّتين الفعليتين وهي الإشارة بالرأس والإشارة باليد محلها المناسب في الصلاة.
(الهدى والنور /341/ 49: 22: 00)
إلقاء السلام على المصلي
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فقد ألقي في نفسي أن ألقي على مسامعكم كلمةً أرجو أن تكون موجزة مختصرة، حول السلام الذي هو شعيرة من شعائر الإسلام، والذي هذا الاسم السلام كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد بإسناده الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم» ، وقد جاء في الحديث الآخر
الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» قوله عليه الصلاة والسلام في آخر هذا الحديث: «أفشوا السلام بينكم» يعني: الإكثار من إلقاء المسلم السلام على أخيه المسلم وليس ذلك فقط عند ملاقاته إياه فإنه من الواجبات التي هي من حق المسلم على المسلم، كما جاء في الحديث الآخر وهو أيضًا في صحيح مسلم:«للمسلم على المسلم خمس: إذا لقيته فسلم عليه» أن أدندن حوله بعض الشيء إنما هو سلام أهمله كثير من الناس اليوم ألا وهو على صورتين اثنتين:
إحداهما: تتعلق بالصلاة على المصلي، والأخرى تتعلق بالسلام عند الخروج من المجلس.
أما المسألة الأولى: وهي إلقاء السلام على القائم في الصلاة، أو على القائمين في الصلاة، فهذه سنة مهجورة علمًا وعملًا ولذلك فأحببت أن أذكر بها والذكرى تنفع المؤمنين.
إن من إفشاء السلام ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار يومًا الأنصار في مسجدهم مسجد قباء، فكان كلما دخل جماعة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي وألقوا السلام عليه فرد السلام عليهم إشارةً بيده، يقول راوي الحديث وهو جعفر بن برقان، فقلنا: كيف كان يرد السلام وهو يصلي؟ فأجاب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بكفه يجعل بطن كفه إلى الأرض وظهرها إلى السماء، كلما دخل مسلم عليه قال هكذا، هذه الحركة هي رد المشتغل بالصلاة سلام المسلم عليه لفظًا، ولما كان المصلي مشغولًا بما هو فيه من تلاوة القرآن أو التسبيح المناسب لكل ركن، كان لا يستطيع أن يرد السلام بلفظه.
وإن كان ذلك مشروعًا في أول الإسلام، فقد جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لما رجع من هجرته إلى الحبشة وكان أول ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
وجده يصلي فألقى عليه السلام لفظًا كما هو الواجب، ولكنه رضي الله عنه فوجئ بما لم يكن في حسبانه؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه السلام لفظًا وإنما أشار إليه برأسه إشارةً هكذا، قال عبد الله بن مسعود: فأخذني ما قرب وما بعد يحدث نفسه يتساءل يقول: ترى ماذا جنيت .. ماذا ارتكبت حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد علي السلام، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال:«إن الله يحدث في أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا كلام في الصلاة» فقد كان هذا الكلام بين المسلم على المصلي وبين رد المصلي بالسلام كان رده لفظًا، هكذا فارق عبد الله بن مسعود نبيه صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى الحبشة.
فلذلك فكانت مفاجئة ما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم لأول مرة بعد أن فارقه وهو عهده بأن النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام في الصلاة لفظًا؛ ذلك أن الكلام من الأحكام التي لم يحرم في الصلاة فورًا، أي: لم يكن من المحرم في الصلاة حينما أمروا بالصلاة، وإنما حرم الكلام فيما بعد حتى لقد كان المصلي يدخل المسجد فيجد الصلاة قائمة، ولا يدري هذه الركعة هي الأولى أو الثانية، فيقف في الصف ويسأل من كان قائمًا يصلي: أي ركعة هذه؟ هذا قبل تحريم الصلاة، فيجيبه: هذه الركعة الأولى، أو هي الركعة الثانية، فإذا كان قد فاته ركعة ماذا يفعل هذا المسبوق بركعة؟ إنه يأتي بهذه الركعة الفائتة ثم يشارك الإمام في صلاته، هكذا كان في أول الأمر قبل تحريم الكلام في الصلاة.
إلى أن دخل ذات يوم معاذ بن جبل رضي الله عنه فلم يفعل كما كانوا يفعلون .. لم يسأل من كان على جانبه وإنما أحرم واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما قضيت الصلاة قام وجاء بالركعة الفائتة، فقال عليه الصلاة والسلام:«لقد سن لكم معاذ سنةً فافعلوا ما فعل» أي: لم يبق حاجة إلى أن يأتي المسبوق بالركعة الفائتة كما كانوا يفعلون من قبل بعد سؤال المصلين، وإنما أن يفعل كما فعل معاذ رضي الله عنه، وهذا مما أكده عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم حيث رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة
والوقار، ولا تأتوها وأنتم تسعون، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» أي: كما فعل معاذ رضي الله عنه.
وأنزل الله عز وجل في إلغاء الحكم السابق الذي كان هو مكالمة الرجل لأخيه في الصلاة فأنزل الله قوله تبارك وتعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي: ساكتين، لا كلام في الصلاة، ويبدو أن بعض الصحابة الذين لم يدركوا هذا الحكم الجديد ألا وهو منع المصلي أن يتكلم في الصلاة، بقي على معرفته القديمة التي ذكرناها آنفًا، والتي عليها فارق ابن مسعود الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما ألقى عليه السلام كان يأمل أن يسمع رد السلام من لفظه صلى الله عليه وسلم، وبقية الحديث عرفتموه.
يبدو أن أحد الصحابة لم يدرك هذا الحكم الجديد وهو أن لا كلام في الصلاة، أعني بذلك الصحابي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، ومعاوية هذا غير معاوية بن أبي سفيان الأموي الخليفة من بعد الخلفاء الراشدين كما تعلمون، معاوية بن الحكم السلمي يحدث عن نفسه، فقال: صليت يومًا وراء النبي صلى الله عليه وسلم فعطس رجل بجانبي فقلت له: يرحمك الله، هذا على الأصل، فنظروا إليه بمؤخرة أعينهم مسكتين له، ولكن الرجل ضجر من هذه النظرات الموجهة إليه، فقال: واثكل أمياه ما لكم تنظرون إلي؟ ! هو يعتقد أنه ما فعل شيئًا، شمت صاحبه: يرحمك الله، قال معاوية: فأخذوا ضربًا على أفخاذهم، اسكت يقولون له، قال:«فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إلي، فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» أي: الكلام الذي كان مباحًا سابقًا «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد وتلاوة قرآن» هكذا أدب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الصحابي معاوية بن الحكم السلمي الذي خفي عليه الحكم الجديد ألا وهو المأمور به في القرآن فضلًا عن السنة: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي: ساكتين لا مكالمة.
ولعل من تمام الفائدة أن نذكر تمام هذا الحديث؛ لأن في توجه معاوية إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعديد من الأسئلة بيان أثر التربية الحسنة واستعمال الرفق واللطف بالجاهل
لبعض أحكام الدين، فقد سمعتم فيما مضى من هذا الحديث أن رجل كان
…
بعد أن عرف أنه أخطأ خطئًا فاحشًا في الصلاة من نظرة الصحابة إليه ومن ضربهم على أفخاذهم، عرف من ذلك كله أنه أخطأ خطئًا فاحشًا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مقبلًا عليه، تصور أنه سيؤنبه .. سيشتمه .. سيضربه، ولكن النتيجة طبيعية لمن قال له تبارك وتعالى في كتابه:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] أن يرى غير ما قد يكون تخيل في ذهنه، ولذلك قال: فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتحميد وتكبير وتلاوة القرآن» .
حينما وجد هذا اللطف النبوي الكريم أخذ يوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم السؤال تلو السؤال ليتدارك ما قد يكون هو بحاجة إلى أن يعرف حكم الله عز وجل في تلك المسائل:
فكان مما قاله للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: يا رسول الله! إن منا أقوامًا يأتون الكهان، قال:«فلا تأتوهم» ، قال: إن منا أقوامًا يتطيرون، قال:«فلا يصدنكم» ، قال: إن منا أقوامًا يخطون، أي: يعملون يتعاطون الضرب بالرمل، قال عليه الصلاة والسلام:«قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خُطه خَطه فذاك» ، قال: يا رسول الله، وهذا آخر سؤاله: إن لي جارية ترعى غنمًا لي في أحد فسطا الذئب يومًا على غنمي وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، وعلي عتق رقبة، يقول: يعني: فأنا أريد أن أوفي في هذا النذر الذي علي وهو عتق رقبة، وعند جارية فهل ينفعني أن أعتقها، فقال عليه السلام:«هاتها» ، فجاء بها فقال عليه الصلاة والسلام للجارية:«أين الله؟ » قالت: في السماء، قال عليه الصلاة والسلام:«من أنا؟ » قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال له:«اعتقها فإنها مؤمنة» .
ليس البحث بطبيعة الواقع الآن هو شرح هذا الحديث العظيم والتعليق على كل فقرة من فقراته وإنما ذكرته [لنعرف] كيف تسلسل الحكم، وكيف وصل إلى تحرير الكلام ومن ذلك رد السلام باللفظ، بينما كان ذلك من قبل في أول الأمر
جائزًا مشروعًا، لا أريد أن أشرح هذا الحديث لأعود إلى حديث ابن مسعود أنه لما ألقى على النبي صلى الله عليه وسلم السلام ولم يسمع الجواب بالسلام اللفظي قال:«أخذني ما قرب وما بعد» يعني: أصبح يفكر من قريب ومن بعيد: ترى! ما الذي ارتكبته وخالفت فيه الشرع حتى لم يرد علي السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه الجواب بعد أن سلم عليه الصلاة والسلام من الصلاة: إن الله يحدث في أمره، أي: في دينه، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: «إن الله يحدث في أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا كلام في الصلاة» وكأنه يعتذر لابن مسعود الذي أخذه ما قرب وما بعد لا يهمنك؛ لأنه نزل حكم جديد وهو ألا كلام في الصلاة، ولذلك لم أرد عليك السلام وإنما اكتفيت بالإشارة.
هذه الإشارة، وهنا بيت القصيد من هذه الكلمة، هذه الإشارة هي الرمز والبديل عن رد السلام لفظًا الذي كان مشروعًا من قبل، فمن ألقى السلام على المصلي فله حالة من حالتين، أو إشارة من إشارتين أن يرد بإحداهما السلام، إن كان في مكان مزدحم كهذا المسجد المبارك الذي كان ممتلئًا بالمصلين فدخل الداخل وقال: السلام عليكم، ولا يرفع صوته كثيرًا وإنما يسلم على من حوله، فعليهم أن يشيروا باليد، هذه الإشارة تختلف بين أن يكون الداخل من وراء الصفوف فحينئذ ينبغي رفع اليد حتى ترى، ولا يشكلن على المسلم ما أشكل على ابن مسعود فيتساءل لماذا لم يردوا علي السلام؟ فيرفعون يدهم بعضهم على الأقل؛ لأن رد السلام فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن كان المسلم آت من نحو القبلة بحيث يراه المصلون ويراهم هو بدوره فيكفي أن يرفع الراد يده هكذا ولا يبالغ في الرفع ليحقق رد السلام البديل عن اللفظ وهو: وعليكم السلام، له الخيار بين أن يرد السلام إشارةً بيده أو يرد السلام إشارة برأسه، هذه الإشارة الثانية، إنما تكون إذا كان الجمع قليلًا أو كان المصلي فرضًا فيظهر حينذاك رد هذا السلام بهذه الإشارة السمحة السهلة.
هذا هو النوع الأول الذي أردت أن ألفت النظر إلى كيفية رد السلام من المصلي على من سلم عليه، وقبل أن أنتقل إلى النوع الثاني، لا بد من التذكير هنا أن إلقاء السلام كما قلنا في الحديث السابق ذكره:«للمسلم على المسلم حق إذا لقيته فسلم عليه» فإذًا: الداخل إلى المصلى أو إلى المسجد ولقي إخوانه المسلمين يصلون فعليه أن يبادرهم بالسلام؛ لأنه لقيه، ولكن الرد لا يكون إلا إشارة كما ذكرنا.
أما النوع الثاني الذي ينبغي أن أنبه عليه، وهذه سنة أيضًا مهجورة مع الأسف: هي أن إلقاء السلام عند اللقاء والحمد لله لا يزال محفوظًا في كثير من البلاد الإسلامية، وإن كانت بعضها قد بدؤوا يخلون بهذا الإلقاء، فيلقى أحدهم أخاه فيصبحه أو يمسيه الخير ولا يبادره بقوله: السلام عليكم، بل وفي بعض البلاد إذا ألقيت السلام ما رد عليك السلام، وإنما قال لك: أهلًا أو مرحبًا، وهذا إثم ما بعده إثم؛ لأن الله عز وجل يقول في الآية الكريمة المعروفة:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ولا يخفى على أي مسلم أن السلام الشرعي الإسلامي كما قلنا في أول حديث ذكرناه آنفًا: «هو اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم» فمن يلقي هذا السلام على أخيه المسلم ثم يبادره بقوله: أهلًا مرحبًا .. صباح الخير .. مساء الخير .. فما رد عليه السلام بالتي هي أحسن .. فهذه معصية يجب أن يكون ألئك المسلمون على ذكر منها.
لكن الشيء الذي أريد الآن أن أذكر به أن كثيرًا من الحريصين على إلقاء السلام عند اللقاء لا يهتمون بإلقاء السلام عند الفراق، وهنا التنبيه: الذين يهتمون بإلقاء السلام عند اللقاء لا يهتمون ولا يلقون بالًا واهتمامًا لإلقاء السلام عند المفارقة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول:«إذا دخل أحدكم المجلس فليسلم، وإذا خرج فليسلم، فليست الأولى بأحق من الأخرى» .
هذا الذي أردت التذكير به؛ لأنني وجدت في أكثر البلاد التي طفتها ودخلت إليها يهملون إلقاء السلام عند المفارقة، بل قد يكون اثنان ماشين مع بعضهم البعض ثم ينصرف أحدهما، فلا يلتفت صاحبه أنه انصرف؛ لأنه لم يقل عند