الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكبير وركنيته
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 29:
ثم يستفتح الصلاة بقوله: «الله أكبر» وهو ركن، لقوله صلى الله عليه وسلم:«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» .
وقال في أصل الصفة:
ثم كان صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بقوله: «الله أكبر» . وأمر بذلك «المسيء صلاته» ، وقال له:«إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر» . وكان يقول: «مِفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» ؟ .
قوله: يستفتح الصلاة: فيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلم بشيء قبل التكبير، مثل التلفظ بالنية، كقولهم: نويت أن أصليَ لله تعالى كذا ركعات مستقبل القبلة
…
إلى آخر ما هو معروف بين أكثر الناس! وكل ذلك بدعة؛ لا أصل لها في السنة باتفاق العلماء، ولم يُنقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولا استحسنه أحد من التابعين، ولا الأئمة الأربعة المجتهدون، وإنما عن بعض أصحاب الشافعي قوله في الحج:«ولا يلزمه إذا أحرم ونوى بقلبه أن يذكره بلسانه، وليس كالصلاة التي لا تصح إلا بالنطق» .
قال الرافعي في «شرح الوجيز» «2/ 263» : «قال الجمهور - يعني: من الشافعية -: لم يُرِد الشافعي رضي الله عنه اعتبار التلفظ بالنية، وإنما المراد التكبير؛ فإن الصلاة به تنعقد، وفي الحج يصير محرماً من غير لفظ» . اهـ.
ونحوه في «المجموع» «3/ 276 - 277» .
وقد أشار إلى ذلك في «المهذب» بقوله: «ومن أصحابنا من قال: ينوي بالقلب، ويتلفظ باللسان. وليس بشيء؛ لأن النية هي القصد بالقلب» . اهـ.
وقال العلامة الشيخ موفق الدين ابن قدامة المقدسي في كتابه «ذم الموسوسين» «ص 7» : «اعلم رحمك الله أن النية هي القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلها القلب، لا
…
تعلق لها باللسان، ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه في النية لفظ بحال، وهذه العبادات التي أُحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة ليست من العبادة أصلاً؛ فإنما النية قصد فعل الشيء. فكل عازم على شيء؛ فهو ناويه، وكل قاصد لشيء؛ فهو ناويه، لا يُتصور انفكاك ذلك عن النية؛ لأنه حقيقتها؛ فلا يتصور عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ؛ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي؛ فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئاً من عباداته ولا غيرها بغير نية؛ فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة، ولا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل». اهـ باختصار.
فإذا علمت أن السلف الصالح لم يكن من هديه التلفظ بالنية؛ فيجب عليك أن تقتدي بهم؛ فهم القدوة: وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شرفي ابتداع من خلف ولا يُلتفت إلى استحسانات المتأخرين؛ فإن الاستحسان في العبادات تشريع في الدين لم يأذن به الله، وقد أشار إلى ذلك الشافعي رحمه الله بقوله المشهور:«من استحسن؛ فقد شَرَعَ» . وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد» . متفق عليه.
والأحاديث في النهي عن الابتداع في الدين كثيرة لا يتسع المقام لإيرادها، وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله له الهداية.
الطهور: بضم الطاء؛ على المختار: وهو التطهر.
قال النووي في «المجموع» : «وإنما سَمّى الوضوء مفتاحاً؛ لأن الحدث مانع من الصلاة كالغلق على الباب، يمنع من دخوله إلا بمفتاح» .
وتحريمها: أي: وتحريم ما حرَّم الله فيها من الأفعال. وكذا «تحليلها» ؛ أي: تحليل ما أحل خارجها من الأفعال، فالإضافة لأدنى ملابسة، وليست إضافة إلى القبول لفساد المعنى.
والمراد بالتحريم والتحليل: المحرِّم والمحلِّل؛ على إطلاق المصدر بمعنى الفاعل مجازاً، ثم اعتبار التكبير والتحليل محرِّماً ومحلِّلاً مجاز، وإلا؛ فالمحرِّم والمحلِّل هو الله تعالى.
ويمكن أن يكون التحريم بمعنى الإحرام؛ أي: الدخول في حرمتها. ولا بد من تقدير مضاف؛ أي: آلة الدخول في حرمتها التكبير. وكذا التحليل بمعنى الخروج عن حرمتها، والمعنى: أن آلة الخروج عن حرمتها التسليم.
والحديث كما يدل على أن باب الصلاة مسدود ليس للعبد فتحه إلا بطهور، كذلك يدل على أن الدخول في حرمتها لا يكون إلا بالتكبير، والخروج لا يكون إلا بالتسليم. وهو مذهب الجمهور. كذا قال السندي رحمه الله.
وقال الشوكاني «2/ 145» : «فيه دليل على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير دون غيره من الأذكار، وإليه ذهب الجمهور» .
وقال أبو حنيفة: تنعقد الصلاة بكل لفظ قُصد به التعظيم.
والحديث يَرُدُّ عليه؛ لأن الإضافة في قوله: «تحريمها» تقتضي الحصر؛ فكأنه قال: جميع تحريمها التكبير. أي: انحصرت صحة تحريمها في التكبير؛ لا تحريم لها غيره.
كقولهم: مالُ فلانٍ الإبلُ، وعِلْمُ فلانٍ النحوُ.
وفي الباب أحاديث كثيرة تدل على تعيُّن لفظ التكبير من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله.
وعلى هذا؛ فالحديث يدل على وجوب التكبير. وقد اختلف في حكمه؛ فقال الحافظ: إنه ركن عند الجمهور، وشرط عند الحنفية، ووجه عند الشافعية، وسنة عند الزهري.
قال ابن المنذر: ولم يقل به أحد غيره.
قال الشوكاني: «ويدل على وجوبه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث «المسيء صلاته» : «فإذا قمت إلى الصلاة؛ فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر
…
».