الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم حاسر الرأس مرة
؟
السائل: بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم صلى حاسر الرأس مَرَّة؟
الشيخ: أنا لا أستطيع أن أقول صلى أو ما صلى، وأستطيع أن أقول صلى كثيرا، لا لا أستطيع أن أقول صلى، أو ما صلى لأن سؤالك من حيث لفظه مُطْلق، لكن من حيث المتلفظ له مُقَيَّد، فإن كنت تقصد.
السائل: هو كذا يعني، واخذ بالك يا أستاذ؟
الشيخ: واخذ بالي، ولذلك أنا أقول: اللفظ كذا والقصد كذا، القصد من السؤال: هل صلى يوما حاسر الرأس وهو غير محرم، هذا في الوضع الطبيعي، وفي هذا القيد لا أستطيع أن أقول صلى أو ما صلى؛ لأنه لا يوجد لدينا نص يُثْبِت أو ينفي، اللهم إلا حديثا يرويه «أبو الشيخ» في «أخلاق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم» بإسناد ضعيف جدًا، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا كان في سفر، كان يضع قلنسوته بين يديه يصلي إليها.
فإذًا: هذا النص لو صح، كنا نستطيع أن نقول: صلى أحيانا حاسر الرأس متسترا بقلنسوته، لكن هذا الحديث ضعيف الإسناد جدا، فهو في حكم المعدوم.
بل الحديث الضعيف سنده، فيما صرح به الإمام الحافظ ابن حبان هو في حكم العدم، فكيف إذا ما اشتد ضعفه؟ ! فحينئذٍ نحن نقول بما سمعت، لا نستطيع أن نقول صلى أو ما صلى.
أما في حالة الإحرام بحج أو عمرة فهذا أمر معروف واضح ولكن هنا شئ غير واضح، وهو: أن كثيراً من أنصار السنة عندكم، ومن أنصار البدعة في بعض بلاد المغرب سبحان ربي، يحتجون بعدم استحباب على الأقل بعدم استحباب ستر الرأس في الصلاة، قياسا على المُحْرِم بالحج أو العمرة.
مثل هذا المنطق ليس غريبا أن يصدر من بعض المبتدعة، وبخاصة ذاك الغُمَاري الذي له كُتَيِّب صغير، فيه رسالة أظن سَمَّاها «كشف الالتباس عن الصلاة حاسر الرأس» رسالة صغيرة جداً يَرُد فيه على بعض الشباب المتعلم كما يقول هو: أنهم قالوا له أن من الأدب أن يصلي المسلم ساتر الرأس، وضرب للشيخ مثلا أن أحدنا إذا أراد أن يقابل بعض هؤلاء الرؤساء، فهل يدخل عليه حاسر الرأس أم يتأدب ويتزين بأحسن زينة.
كان جواب الرجل بأن هذه المسألة تختلف باختلاف العادات، ففي بعض البلاد من الأدب ستر الرأس، وفي بعض البلاد حسر الرأس.
فإذًا: القضية ليس لها نظام راتب، وإنما هو حسب العادة: هكذا يقول، هو ثم ذكر أن الذين يذهبون إلى أن من الأدب حَسْر الرأس، يحتجون بالحديث السابق حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر والقلنسوة بين يديه، فلو كان يقول من الأدب الستر ما حسر، وتغاضى عن بيان الضعف الشديد أو يجهل- والله أعلم بنيته- أن فيه هذا الضعف الشديد الذي لا يسوغ أن يذكر بغير بيان هذا الضعف، ثم لا يكتفي بذلك فيذكر ذلك القياس العجيب الغريب أنه لو كان من الأدب ستر الرأس في الصلاة لكان الله بَيَّن للرسول
…
سبحان الله، مغالطة هذه مكشوفة.
ويُعْجِبُني بهذه المناسبة ما كنت قرأته في رسالة «حجاب المرأة» لـ «شيخ الإسلام ابن تيمية» ذكر هناك أثراً حتى هذه الساعة لم أقف عليه مُسْنَدا يقول بأن ابن عمر رضي الله عنه رأى مولاه نافعا يصلي ذات يوم، يصلي حاسر الرأس، فبعد أن صلى، قال له:«أرأيت لو أنك ذهبت لمقابلة أحد هؤلاء يعني الأمراء، أكنت تذهب إليه حاسر الرأس» قال: لا، قال:«فالله أحق أن يُتَزَيَّن له» هذا كأثر بين نافع ومولاه ابن عمر ذكره هو ولم يعزه ولا وقفت عليه.
لكن أنا خَرَّجت حديثا في «صحيح سنن أبي داود» أظنه من «سنن البيهقي» بالسند الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من كان له إزار
ورداء فليتزر وليرتدي؛ فإن الله أحق أن يُتَزَيّن له» هذه الجملة المرفوعة من حديث ابن عمر يمكن اعتبارها شاهدا لأثر ابن عمر، الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله في رسالته تلك.
فقوله عليه السلام: «فإن الله أحق أن يُتَزَيَّن له» لا شك أنه بعمومه يوحي بأن المسلم إذا قام لمناجاة ربه، أن يكون في أحسن هيئة، كما في الآية الكريمة {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وإن كانت نزلت بمناسبة أن العرب في الجاهلية كان بعضهم يطوف عاريا حتى النساء منهم، فأنزل الله هذه الآية {خُذُوا زِينَتَكُمْ} يعني استروا عوراتكم.
لكن كما تعلمون من قاعدة العلماء «أن العبرة بعموم اللفظ، ليس بخصوص السبب» لا سيما إذا جاء العموم في الحديث مرفوعا: «فإن الله أحق أن يُتَزَيّن له» .
فحينئذٍ ينبغي للمسلم أن يدخل الصلاة ساترًا برأسه ليس حاسرًا عنه؛ لأن هذا الحسر أمر طارئ على العالم الإسلامي، إنما دخلهم حينما دخل فيهم الكافر المستعمر، فجلب إليهم كثيرًا من عاداته وتقاليده، فتبناه وقَلَّده فيها من لا علم عنده، أو لا حرص عنده بالتمسك بالآداب الإسلامية، حتى غلب الحسر في بعض البلاد على الستر.
لكن لا يزال هناك بلاد إسلامية أخرى، خاصة الأعاجم هاذول اللِّي بيذمهم بعض القوميين لا يزالون يحافظون على هذه الآداب.
ولذلك لا ينبغي أن يقال كما قال ذلك الشيخ: إن القضية تختلف باختلاف العادة، القضية تختلف اختلاف العادة لو كانت هذه العادة أعني عادة الحسر، لو كانت عادة إسلامية، أما وهي عادة غربية، فنحن يجب أن نُحَارِبها وأن نُبْعد الناس عنها حتى خارج الصلاة فكيف في الصلاة.
(الهدى والنور /33/ 57: 42: .. )