الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا أوجب طائفة من أصحاب أحمد ما كان ثناءً، كما أوجبوا الاستفتاح.
وحُكي في ذلك عن أحمد روايتان، واختار ابن بَطَّة وغيره وجوب ذلك.
والمقصود: أن النوع المفضول - مثل استفتاح أبي هريرة، ومثل: «وَجَّهْتُ
…
» أو: «سبحانك
…
» عند من يفضل الآخر - فِعْلُهُ أحياناً أفضلُ من المداومة على نوع وهَجْرِ نوع؛ وذلك أن أفضل الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في «الصحيح» -.
ولم يكن يداوم على استفتاح واحد قطعاً؛ فإن حديث أبي هريرة يدل على أنه كان يستفتح بهذا. اهـ.
قلت: ولعل مستند من قال بوجوب الثناء على الله تعالى - كالاستفتاح - ما في حديث «المسيء صلاته» من حديث رِفاعة بن رافع بلفظ: «لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يتوضأ؛ فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر، ويحمد الله عز وجل، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن
…
» الحديث.
وهو صحيح - كما سبق -؛ فقد أمره بحمد الله، والثناء عليه بين التكبير وقراءة القرآن، وذلك هو دعاء الاستفتاح. والله أعلم.
[أصل صفة الصلاة (1/ 240)]
الدعاء الثاني
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً [مسلماً]، وما أنا من المشركين. إن صلاتي، ونُسُكي، ومحيايَ، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له؛ وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين. اللهم! أنت الملك لا إله إلا أنت [سبحانك وبحمدك]، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذ نبي؛ فاغفر لي ذنبي جميعاً؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها؛ لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك،
والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، [والمهدي من هديت]، أنا بك وإليك، [لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك]، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
قوله: «وجهت وجهي» ؛ قال في «المجموع» : معناه: أقبلت بوجهي. وقيل: قصدت بعبادتي، وتوحيدي إليه. ويجوز في:«وجهي» : إسكان الياء وفتحها، وأكثر القراء على الإسكان.
وقوله: «فطر السماوات» : أي: ابتدأ خلقها على غير مثال سابق. وجمع السماوات دون الأرض - وإن كانت سبعاً كالسماوات -؛ لأنه أراد جنس الأرضين.
وقوله: «حنيفاً» : قال الأزهري وآخرون: أي: مستقيماً.
وقال الزَّجَّاج والأكثرون: الحنيف: المائل. ومنه قيل: أحنف الرِّجْل.
قالوا: والمراد هنا المائل إلى الحق. وقيل له ذلك؛ لكثرة مخالفيه.
وقوله: «وما أنا من المشركين» : بيان للحنيف، وإيضاح لمعناه. والمشرك يطلق على كل كافر؛ من عابد وثن، أو صنم، ويهودي، ونصراني، ومجوسي، وزنديق.
وقوله: «إن صلاتي ونسكي» : قال الأزهري: اسم جامع للتكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والدعاء، والتشهد وغيرها.
قال: والنسك: العبادة. والناسك: الذي يُخلص عبادته لله تعالى. وقيل: النسك: ما أمر به الشرع. اهـ.
قوله: ومحياي ومماتي: أي: حياتي ومماتي. والجمهور على فتح الياء الآخرة في: «محياي» وقُرِئ بإسكانها.
قوله: وأنا أول المسلمين: هكذا قال مسلم في رواية، «وأبو عوانة» ، وأبو داود، والترمذي في نسخة، والدارمي، والدارقطني، والطيالسي، وعنه البيهقي، وأحمد في رواية. وهي رواية الشافعي - كما سبق -، وكذلك رواه من حديث أبي هريرة.
وفي رواية لمسلم، «وأبي عوانة» ، والبيهقي، وأحمد، والترمذي في نسخة، وهي رواية النسائي:«وأنا من المسلمين» . وهي رواية الطبراني عن أبي رافع.
قال السندي رحمه الله: «كأنه كان يقول أحياناً كذلك؛ لإرشاد الأمة إلى ذلك، ولاقتدائهم به فيه، وإلا؛ فاللائق به صلى الله عليه وسلم: «وأنا أول المسلمين» ؛ كما جاء في كثير من الروايات».
قلت: وأنا أرى أن أصل الحديث: «وأنا أول المسلمين» . ولكن بعض الرواة استشكل ذلك بالنسبة إلى غيره صلى الله عليه وسلم، فأمر بتغييرها بقوله:«وأنا من المسلمين» .
فروى أبو داود «1/ 122» وغيره - كما يأتي - عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة: فإذا قلت أنت ذاك؛ فقل: «وأنا من المسلمين» . يعني: قوله: «وأنا أول المسلمين» .
ويظهر أن بعض الرواة كان مقتنعاً بضرورة هذا التغيير؛ فكان يجعل: «وأنا من المسلمين» في صلب الحديث! وهو تساهل في الرواية غير مستحسن - كما لا يخفى -، وذلك - على ما ذهبنا إليه - قول عبيد الله بن أبي رافع المتقدم: وشككت أن يكون أحدهم قال: «وأنا من المسلمين» .
وابن أبي رافع مدار الحديث عليه، وهو قد جزم بأن أصل الحديث:«وأنا أول المسلمين» . وشك في رواية: «وأنا من المسلمين» . فكل من رواه عنه بهذا اللفظ الأخير؛ فإنما هو واهم أو متأول - كما ذكرنا -؛ ولذلك قال الشافعي رحمه الله بعد أن ساق الحديث -: «وبهذا كله أقول وآمر، وأحب أن يؤتى به كما يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغادر منه شيئاً، ويجعل مكان: «أول المسلمين» : «وأنا من المسلمين» .
قال الشوكاني «2/ 162» : «وهو وهم؛ منشؤه توهم أن معنى: «وأنا أول المسلمين» : أني أول شخص اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه. وليس كذلك؛ بل معناه: بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به، ونظيره:{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} .
وقال موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنينَ} .
وقال العلماء: ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ورد من الأذكار والأدعية؛ لحمله على التغليب، أو إرادة الأشخاص.
قوله: وأنا عبدك: قال الأزهري: أي: إني لا أعبد غيرك. والمختار أن معناه: أنا معترف بأنك مالكي، ومدبري، وحكمك نافذ فيَّ. كذا قال النووي.
قوله: لبيك: أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، مِن «أَلَبَّ بالمقام»: أقام فيه، وهو مصدر مثنى من لبَّ أو ألبَّ بعد حذف الزوائد، مضاف إلى المخاطب، وحذف النون بالإضافة، وأريد بالتثنية التكرير من غير نهاية؛ كقوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} ؛ أي: كَرَّةً بعد كَرَّة، ومرة بعد مرة. اهـ. من «المرقاة» «1/ 512» .
قوله: سعديك: أي: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة بعد متابعة لدينك الذي ارتضيته بعد متابعته. قاله الأزهري.
قوله: والشر ليس إليك: أي: لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ لأنه ليس في فعله تعالى شر؛ بل أفعاله عز وجل كلها خير؛ لأنها دائرة بين العدل والفضل والحكمة، وهو كله خير لا شر فيه، والشر إنما صار شراً لانقطاع نسبته وإضافته إليه تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: «هو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله، ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير محله، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله، فإذا وضع في محله لم يكن شراً، فعلم أن الشر ليس إليه
…
«قال: » فإن قلت: فلم خلقه وهو شر؟ قلت: خلقه له، وفعله خير لا شر، فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه، والشر يستحيل قيامه واتصافه به، وما كان في المخلوق من شر فلعدم إضافته ونسبته إليه والفعل والخلق يضاف إليه فكان خيراً».