الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث دلالة على أنه لا يجوز للمصلي أن يتساهل في ستر العورة بل عليه أن يحتاط لئلا يراها أو يراها غيره منه.
- واختلف العلماء في المصلي يصلي في قميص واسع الجيب بحيث يرى عورته منه فذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الصلاة باطلة لا تجزئه وهو نص الإمام في «الأم» وعند أبي حنيفة ومالك: تصح صلاته كما لو رآها غيره من أسفل ذيله. ذكره في «المجموع» .
[الثمر المستطاب (1/ 295)].
المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفها
وأما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها.
وأما كونها عورة فلقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} الآية [النور: 31]».
وفي قوله: «وفيه نص على إباحة كشف الوجه» نظر لأن العلماء اختلفوا في المراد من قوله تعالى: {إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . قال الحافظ ابن كثير: «أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن مسعود: كالرداء والثياب. يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤها ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود: الحسن
وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم. وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله قال في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} : الزينة: القرط والدملوج والخلخال والقلادة. قال الحافظ: ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في «سننه» : ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: ثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا» - وأشار إلى وجهه وكفيه -. لكن قال أبو داود وأبو حاتم: هو مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها».
قلت: وكل هذه الآثار والأقوال أو جلها ذكرها ابن جريج بأسانيدها في «التفسير» ثم اختار قول ابن عباس ومن تابعه فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من عنى بذلك الوجه والكفين ويدخل في ذلك - إن كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال لإجماع الجميع أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف. فإذ كان كذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استنثاه الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لأن كل ذلك ظاهر منها» .
ومال إلى هذا القول القرطبي أيضاً فإنه ذكر في «تفسيره» قول ابن عطية: «ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف «ما ظهر» على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه». فقال القرطبي:
«قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها
…
» ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير. ثم قال: «فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها» .
واعلم أن العلماء اتفقوا كما في «مراتب الإجماع» على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة. واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما: أعورة هي أم لا؟
وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي.
«وقوله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة» .
وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه: «فإذا خرجت استشرفها الشيطان» .
أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه. وقال: «حديث حسن» . وفي نسخة: «حسن صحيح» .
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال المناوي في «فيض القدير» : «ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد: «وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها» قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أيضا ابن حبان عنه».
قلت: وبالزيادة المذكورة أخرجه الخطيب في «تاريخه» من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص به فاسقط من الإسناد مورقا.
«وأما أن وجهها وكفيها ليسا بعورة فلقوله في الآية السابقة: {إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على قول ابن عباس وغيره: إن المراد الوجه والكفان. ويشهد لذلك من السنة:
(1)
عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24].
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير كما سبق. وروى نحوه الطحاوي في «شرح المعاني» والبيهقي في «سننه» عن سعيد بن جبير عنه.
ثم رواه البيهقي من طريق عكرمة عنه ثم قال: وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا.
ثم روى بإسناد عن عقبة بن الاصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنه قالت: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : الوجه والكفان.
لكن عقبة بن الأصم ضعيف.
ثم قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان. وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي.
وقال ابن حزم: «وقد روينا عن ابن عباس في {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكف والخاتم والوجه. وعن ابن عمر: الوجه والكفان. وعن أنس:
الكف والخاتم. وكل هذا عنهم في غاية الصحة وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين».
ثم روى البيهقي حديث عائشة مرفوعا: «إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى قول البيهقي: «مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا» والله تعالى أعلم.
وأما حديث ابن عباس فهو حديث جيد. رواه نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عنه.
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو ثقة كما قال في «الميزان» .
أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وابن جرير في «تفسيره» والطبري في «الكبير» من طرق عنه. والزيادة والأول عند ابن جرير والأخرى عن الحاكم وقال: «صحيح الإسناد» . وقال عمرو بن علي: «لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة» .
قال الذهبي في «التلخيص» : «قلت: هو صدوق خرج له مسلم» وأما الترمذي فأعله بقوله: «وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح» .
قلت: رواية جعفر هذه أخرجها ابن جرير من طريق عبد الرزاق عنه مسندة عن أبي الجوزاء قال في قول الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} . قال المستقدمين منكم في الصلاة والمستأخرين.
قلت: وهذه الرواية المرسلة والموقوفة لا تعلل عندي الرواية الاولى الموصولة المرفوعة لأن مع راويها زيادة علم وقبولها واجب كما تقرر في المصطلح. وأيضا فإن
الرواية المرسلة لفظها يدل على أنها رواية مستقلة عن الرواية المرفوعة لأنها مختصرة جدا.
والظاهر أن أبا الجوزاء كان إذا روى الحديث مرفوعا رواه بتمامه في سبب نزول الآية وإذا ذكر الآية مفسرا لها رواه مختصرا غير رافعه ولا مسنده إلى ابن عباس وإن كان هو في الأصل قد أخذه عنه. فظهر بهذا أن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة. والله أعلم.
وأما قول الحافظ ابن كثير في «تفسيره» : «وهذا الحديث فيه نكارة شديدة» فغير مسلم لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى فلا نكارة ولا إشكال ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في «تاريخه» وقد ذكر وفاته .. :
«وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله» .
والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه ويشهد لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.
أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى في المواقيت رقم «5» من الفجر. فإن مفهومه أنهن يعرفن لو لم يكن الغلس ولا يعرفن عادة إلا من الوجوه.
ففيه دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة وهو إجماع كما يفيده كلام ابن جرير السابق في تفسير الآية وإذا كان الأمر كذلك فوجهها ليس بعورة خارجها من باب أولى لأن العلماء متفقون على أن الصلاة يطلب فيها ما لا يطلب خارجها فإذا ثبت في الشرع جواز أمر ما داخلها كان ذلك دليلا على جوازه خارجها كما لا
يخفى على أنه قد جاء الدليل الصريح على أنه ليس بعورة خارج الصلاة أيضا وهو قولنا:
(2)
عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» .
قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ثنا عطاء عنه.
قوله: «سطة» . كذا هو عند مسلم ورواية الباقين: «سفلة» . ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه. قال النووي في «شرح مسلم» : «هكذا هو في النسخ «سطة» بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه: من سفلة النساء. وكذا رواه ابن أبي شيبة في «مسنده» والنسائي في «سننه» . وفي رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من عليه النساء. وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدين. هذا كلام القاضي. وهذا الذي أدعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجواهي وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطأ وسطة أي: توسطتهم.
قوله: «سفعاء الخدين» بفتح السني المهملة أي: فيها تغير وسواد» ا. هـ كلام النووي.
وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يحضرن الصلاة مكشوفات الوجوه ولذلك استطاع الرواي أن يصف بعضهن بأنها سفعاء الخدين.
(3)
وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر. زاد غيره: فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما».
الحديث أخرجه أحمد والنسائي وعنه ابن حزم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره به.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه البخاري من طريق شعيب عن الزهري به نحوه وفيه الزيادة الأولى.
وكذلك أخرجه البيهقي. ورواه مالك في «الموطأ» عن ابن شهاب به نحوه وفيه الزيادة الثانية.
وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أيضا وكذا أحمد كلهم عن مالك به.
ثم رواه النسائي وابن ماجه وأحمد من طرق أخرى عن الزهري نحوه وفيه الزيادة الأولى.
وأما الزيادة الأخيرة فمن طريق غير ابن عباس فهي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخرجه الترمذي وأحمد وابنه عبد الله في «زوائد المسند» من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي بن حسين بن علي
عن أبيه علي ابن حسين عن عبيد الله بن رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في حديث له في صفة الحج.
وهذا سند جيد رجاله ثقات وقال الترمذي: «حسن صحيح» .
والحديث فيه دلالة واضحة على أن الوجه من المرأة ليس بعورة لأنه «لو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء» قاله بن حزم.
فثبت بذلك كله أن وجهها ليس بعورة لا في الصلاة ولا خارجها وهو قول أكثر العلماء كما في «بداية المجتهد» وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كما في «المجموع» .
واحتج بذلك بعض الفقهاء بالنظر أيضا وهو أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة.
(4)
عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني؟ [فنظر إلى يدها ف] قال: «لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع» .
وهذا حديث حسن أخرجه أبو داود في «السنن» : ثنا مسلم بن إبراهيم: ثتني غبطة بنت عمرو المجاشيعة قالت: ثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عنها.
وهذا سند مسلسل بالمجهولات من النساء لكن قال الذهبي في «الميزان» :
«فضل في النسوة المجهولات: وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها» .
وله طريق آخر وشواهد يتقوى بها قال ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» : ثنا نصر بن علي: ثتني أم عطية بنت سليمان: ثتني عمتي عن جدتي عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: «اذهبي فغيري يدك» فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا»
فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوراين؟ فقال: «جزئين من نار جهنم» .
سكت عليه ابن كثير وسنده كالذي قبله وأورده الهيثمي في «المجمع» بأتم منه ثم قال: «رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفهن» .
ومن شواهده:
(1)
عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فقالت ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت.
رواه البزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات كما في «المجمع» .
(2)
عن مسلم بن عبد الرحمن قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امرأة كأن يدها رجل فأبى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة. قال الهيثمي: «رواه الطبراني والبزار وفيه سميسة بنت نبهان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات» .
قلت: كذا في الاصل «سميسة» بالسين المهملة ولعله بالمعجمة كما في «الاستيعاب» و «الإصابة» لكن وقع فيه بتقديم السين المهملة على المثناة التحتية والظاهر أنه تحريف أيضا.
والحديث قال الحافظ: «رواه أبو علي بن السكن والبخاري أيضا والطبراني من طريق عباد بن كثير الرملي عن شمسية بنت نبهان عن مولاها مسلم بن عبد الرحمن به» . ثم قال: «قال ابن حبان: ما أرى حديثها محفوظا» .
(3)
عن محمد بن إسحاق عن ابن ضمرة بن سعيد عن جدته عن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اختضبي تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل» قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين.
أخرجه أحمد: ثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق به. قال الهيثمي: «رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس» .
قلت: ابن ضمرة بن سعيد أورده في «التعجيل» ثم قال: «كذا وقع في نسخة وفي النسخ المعتمدة: محمد بن إسحاق عن ضمرة ابن سعيد ليس فيه «ابن» وهو الصواب».
قلت: وعليه فليس فيه من لا يعرف غير جدة ضمرة بن سعيد فإنها لم تسم وأما هو - أعني ضمرة بن سعيد - فثقة من رجال مسلم.
(4)
عن السوداء قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقال: «اذهبي فاختضبي ثم تعالي حتى أبايعك» . قال الهيثمي: «رواه الطبراني في «الأوسط» و «الكبير» وفيه من لم أعرفه».
قلت: ورواه ابن سعد في «الطبقات» عن شيخيه عبد العزيز بن الخطاب وإسماعيل بن أبان الوراق كلاهما عن نائلة الكوفية مولاة أبي العيزار عن أم عاصم عنها.
ونائلة هذه لم أجد من ذكرها وأم عاصم لعلها مولاة سلمة بن المحبق وهي مقبولة كما في «التقريب» .
(5)
عن عائشة قالت: مدت امرأة من وراء الستار بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: «ما أدري أيد رجل أو يد امرأة» فقالت: بل امرأة فقال: «لو كنت امرأة غيرت أظفارك بالحناء» .
أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي من طريق مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال: حدثتني صفية بنت عصمة عنها.
وهذا سند لين.