الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف نعرف القبلة في العراء أو في الصحراء
الشيخ: بقيت هناك مسألة طُلب مني بيانها قبيل الصلاة وهي: كيف نتمكن من معرفة سمت القبلة ووجهتها حينما نكون في العراء أو في الصحراء، ليس هناك مسجد وُجِد في ذلك المكان، وقد يوجد المسجد ويكون قبلته منحرفة عن بيت الله الحرام، فما هي الطرق، ما هي الوسائل؟
تعلمون جميعاً أن ما يُعرف اليوم بالبوصلة وتعرف في زمن الأتراك حتى في البلاد العربية «بالقبلة نامة» اسم أجنبي طبعاً عن العربية، وهو ترجمته:«الدالة على القبلة» قبل أن توجد هذه الآلة كيف كان يعرف المسلمون الأولون وهم مسافرون ما بين مكة والمدينة والطرق متعرجة بهم بلا شك، وما بين المدينة وتبوك مثلاً في غزوة تبوك، كيف كانوا يعرفون اتجاه القبلة في تلك الصحارى والأرض القفر؟
ذلك يمكن بسهولة لمن كانت له عناية بأن يتعرف على معرفة وسائل الاهتداء إلى القبلة، مما لا شك فيه أن ذلك يختلف باختلاف مواقع البلاد التي نحن نكون فيها، فمثلاً: خروجهم من المدينة إلى تبوك، من الواضح لدى هؤلاء الناس جميعاً أنهم خرجوا شمالاً لكن لما ذهب الدعاة الإسلاميون إلى اليمن مثلاً كمعاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري فهم يذهبون جنوباً، فيختلف حينئذٍ معرفة القبلة بين الذي توجه شمالاً وبين الذي توجه جنوباً، كما أنه يختلف الأمر بين الذي ذهب شرقاً وبين الذي ذهب غرباً، ومعنى هذا أن المسلم يجب أن يعرف بفطرته أو بعلمه الجهات الأربعة يجب أن يعرف الشرق والغرب والشمال والجنوب، وهذا ليس من علم الجغرافيا أو علم الفلك الذي ينبغي أن يتعلمه المسلم كما يتعلم سائر العلوم النظرية، هذه معرفة الجهات أمر فطري يشترك في معرفته القارئ والأمي؛ لأنه يرى الشمس تشرق من هاهنا وتغرب من هاهنا، وحينما تشرق يراها تميل إلى الجنوب وليست تميل إلى الشمال، ثم يراها أن ميلانها إلى الجنوب يختلف باختلاف الفصول، فهو مثلاً: في الصيف
…
كما نحن في زمننا في وقتنا في يومنا هذا نكاد نرى الشمس فوق رأسنا في الظهيرة، بينما في الشتاء نرى
الشمس مائلة إلى الجنوب، هذه أمور من تنظيم الله عز وجل بحكمته البالغة لهذه الكواكب من أجل فائدة البشر كما قال:{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فمن فائدة الشمس أننا نستدل بها على جهة القبلة في أي مكان كنا، لكن كما قلت آنفاً في فرق بين أن نكون نحن بالنسبة للقبلة للكعبة شمالها وبين أن نكون جنوبها.
نحن الآن في واقعنا هنا في شمال الكعبة، لكي نعرف القبلة حيثما كنا يجب أن نحدد جهة الشرق وجهة الغرب، وهذا أمر سهل حينما تكون الشمس طالعة، فإذا أردنا أن نعرف جهة الكعبة حينما تدركنا صلاة الظهر مثلاً أو الجمعة، فقبل كل شيء نحدد إذاً جهة المشرق والمغرب، نضع يدنا الشمال إلى جهة الشرق فتكون يدنا اليمنى إلى جهة الغرب، ويكون أمامنا الجنوب، هنا الآن يوجد بحث فيه شيء من الدقة.
الجغرافيون يقسمون الأرض إلى خطوط وهمية ذهنية لكن يبنون عليها حقائق علمية مهمة، منها مما يهمنا نحن الآن الخطوط التي يسمونها: بخطوط الطول وهي متصلة من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، هذه الخطوط عليها بلاد الدنيا كلها، نفترض الآن أن الخط الوهمي المستقيم من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي يمر خط من هذه الخطوط بلا شك في المسجد الحرام في مكة، فالذين يقعون في هذا الخط شمالاً وجنوباً، الذين هم شمال بيت الله الحرام يستقبلون الكعبة مباشرة دون أن ينحرفوا يميناً أو يساراً؛ لأن المفروض الآن أن البلد التي نحن فيها هي بنفس خط الطول الذي يقع فيه المسجد الحرام أو مكة، وعلى العكس من كان جنوب مكة فهو يستقبل الآن الشمال؛ لأن القبلة أو الكعبة شماله هذا أمر واضح، لكن الفرق الآن أن هذا خط الطول الذي أخيله لكم يمشي أمامي ومن خلفي، لكن قد تكون الكعبة بالنسبة لبعض البلاد يميناً أو يساراً، هنا يحتاج الأمر إلى شيء مما يتعلق بعلم الجغرافيا، يعني: بأن تعرف أن بلدك واقعة في أي خط؟
أنا أضرب لكم مثلاً الآن واضحاً جداً: نحن هنا في عمّان العراق بالنسبة إلينا تقع في الشرق، مثلاً: مصر تقع بالنسبة إلينا غرب جنوب أو جنوب غربي أو غرب
جنوبي تعبير ليس محدود، إذاً لو فرضنا الآن بالنسبة إلينا الكعبة في العراق نستقبل ماذا؟
مداخلة: الشرق.
الشيخ: الشرق، الكعبة في مصر نستقبل ماذا؟ جنوب غربي وهكذا، الآن تصوروا أنتم أنفسكم في مصر، مصر بالنسبة للقبلة تقع القبلة بالنسبة لهم شرقاً، مثل: جدة تماماً، من لم يذهب منكم إلى مصر فقد ذهب ولا بد إن شاء الله إلى جدة، فجدة الذين يصلون ويستقبلون المسجد الحرام يستقبلون الشمس تماماً يستقبلون الشرق يعني، فإذاً الدنيا هكذا كل بلادها تحيط بالكعبة كدائرة، ولذلك فالذي يريد أن يحدد جهة الكعبة لا بد أن يكون في ذهنه معرفة موقعه هو هل هو شمال الكعبة أو جنوبها، ثم إذا كان شمالها كما نحن هل هو شمال تماماً على خط الطول، أو منحرف عشر درجات عشرين درجة ثلاثين درجة، إذا عرف هذا الفارق من حيث خطوط الطول سهل عليه بعد ذلك أن يعرف جهة القبلة.
وإذا تحدَّدت عنده جهة القبلة سهل عليه بعد ذلك معرفة دخول وقت الصلوات صلاة الظهر وصلاة العصر؛ لأنك إن لم تحدد جهة القبلة لا تستطيع أن تعرف وقت الظهر مثلاً؛ لأن وقت الظهر كما هو معروف في كتب الفقه هو: إذا زالت الشمس عن وسط السماء لكن وسط السماء زوال الشمس يختلف باختلاف المواطن التي أنت فيها، فزوال الشمس وأنت في اليمن غير زوال الشمس وأنت في مصر وأنت في العراق وأنت هاهنا، فهنا حينما تزول الشمس يجب أن تكون قد راقبت طلوع الشمس وارتفاعها، حينما تلاحظ ارتفاع الشمس تلاحظ أن ظل الشيء يتناقص ويتناقص ويتناقص، أظن أنتم معي في هذا التخيُّل.
مداخلة: نعم.
الشيخ: أما القضايا الأخرى قد تكون خافية على البعض، فحينما يظل هذا الظل ظل الشاخص يتناقص ويتناقص، فإذا رأيته وقف تناقصه ولو لحظات، فهذا ما يُعرف عند الفقهاء بوقت الكراهة أي: قبل الزوال فلا يجوز في هذه اللحظة
الصلاة؛ لأنه وقت تُسَعَّر فيه جهنم كما جاء في الحديث، فإذا رأيت هذا الظل قد بدأ يطول، فهذا معنى دخول وقت الظهر، لكنك إذا لم تحدد الجهة في المشرق والمغرب لا تعرف أن هذا وقت الطول هو هذا وقت الزوال وإلا ليس كذلك.
هذا وقت الظهر إذاً: نعرفه بعد أن استمر ظل الشيء يتقاصر ويتقاصر حتى يقف لا ترونه طال ولا قَصُر، هذا وقت كراهة الصلاة، فإذا طال قليلاً حينذاك دخل وقت الظهر وخرجنا عن وقت الكراهة.
آتي لوقت العصر: حينما وقف ظل الشيء عن التقاصر وعن التطاول، هذا الوقوف ..
هذا الظل الواقف يُعرف عند الفقهاء بفيء الزوال، فيء الزوال هذا يجب أن تستحضروا حقيقة طبيعية أنه يطول ويقصر، قلنا آنفاً: إن الشمس الآن تكاد تكون على رأسنا وبذلك يكون الظل قصير جداً، ولهذا هذا الظل ظل الزوال الذي هو فيء الزوال عند الفقهاء لا يرى في خط الاستواء؛ لأن العمود .. العصا الواقعة عمودياً في وسط خط الاستواء يظل الظل يتقاصر ويتقاصر حتى يركب نفسه يعني: لا يبقى لهذا ظل، فإذا ظهر قليلاً معناه أصبح وقت الظهر أي: زالت الشمس عن وقت الكراهة ودخل وقت الظهر، هذا في خط الاستواء، أما الخطَّين اللذَينِ هما حوالي خط الاستواء ماذا يسموه؟
مداخلة: الجدي والسرطان.
الشيخ: الجدي والسرطان، هذان يطول ظل هذا الزوال ويختلف طوله باختلاف الفصول كما قلنا، الآن: فيء هذا الشاخص الذي نتخيله الآن قصير، لكن في الشتاء حينما تميل الشمس إلى نحو الجنوب يبقى هذا الفيء طويلاً، فإذا أردنا أن نعرف وقت العصر، وقت العصر كما جاء في الأحاديث إذا صار ظل الشيء مثله مع فيء الزوال.
مداخلة: المثلين.
الشيخ: لا المثلين هذا مذهب لا نرضاه، المثلين هذا مذهب أبي حنيفة وخالفه فيه أصحابه، الشاهد: النص في الحديث وقت العصر إذا صار ظل الشيء مثله زائد فيء الزوال، ما معنى هذا الكلام؟ نفترض عندنا الآن هنا شاخص طوله متر نصبناه لنعرف وقت الظهر فتتبعنا ظله وإذا به يقصر يقصر، إلى أن وقف عند طول الظل تقريباً عشر سنتي، بعد عشر سنتي طال ربع سنتي مثلاً معناه: صار وقت الظهر.
الآن نحن نضع في بالنا أن طول فيء الزوال قدر ماذا؟ عشر سنتي، هذا الشاخص عندما نراه ضرب الظل نحو الشرق متر زائد عشر سنتي معناه: صار وقت العصر.
يوجد مذهب آخر أشار إليه الأستاذ هنا: إذا صار ظل الشيء مثليه يعني: مترين زائد عشر سنتي ..
مداخلة: عشرين ..
الشيخ: لا، الفيء لا يتضاعف .. مترين زائداً عشرة سنتي يكون صار وقت العصر عند أبي حنيفة رحمه الله ومن تبعه ويسموه هذا العصر الثاني، لكن الذي جاءت فيه الأحاديث هو لا يوجد غير عصر واحد وهو: إذا صار ظل الشيء مثله زائداً فيء الزوال، فيء الزوال في وقت الشتاء يصير متر فأصبح في ذلك الوقت تريد أن تحط متر زائد متر حينئذٍ يكون صار وقت العصر.
فهذه قضايا في الواقع يجب يعني: طلاب العلم على الأقل يعرفوها حتى يستدلوا بها أولاً: على جهة القبلة، وثانياً: على التعرف على وقت الظهر والعصر، أما بقية الأوقات فهي أسهل بلا شك؛ لأنه تعرفون الفجر وقته عندما يمتد النور إذا في الشرق ممتد من الشمال إلى الجنوب هذا يراه كل إنسان، وقت المغرب عند غروب الشمس وهذا أيضاً يعرفه البدوي مثل الحضري.
(الهدى والنور / 14/ 51: 10: .. )