الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد المتقدم، إنما هو على رواية النصب، فإذا صحت هذه الرواية، فلا ينبغي تفسير «غرار التسليم» بحيث يشمل تسليم غير المصلي على المصلي، كما هو ظاهر كلام الإمام أحمد، وإنما يقتصر فيه على تسليم المصلي على من سلم عليه، فإنهم قد كانوا في أول الأمر يردون السلام في الصلاة، ثم نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه يكون هذا الحديث من الأدلة على ذلك. وأما حمله على تسليم غير المصلي على المصلي، فليس بصواب لثبوت تسليم الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث واحد، دون إنكار منه عليهم، بل أيدهم على ذلك بأن رد السلام عليهم بالإشارة، من ذلك حديث ابن عمر قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار، فسلموا عليه، وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه، وهو يصلي، قال: يقول: هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون - أحد رواة الحديث - كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق.
أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح كما بينته في تعليقي على «كتاب الأحكام» لعبد الحق الإشبيلي «رقم الحديث 1369» ، ثم في «صحيح أبي داود» «860» وقد احتج به الإمام أحمد نفسه وذهب إلى العمل به، فقال إسحاق بن منصور المروزي في «المسائل» «ص 22»: قلت: تسلم على القوم، وهم في الصلاة؟ قال: نعم، فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر: كيف كان يرد؟ قال: كان يشير. قال المروزي: «قال إسحاق كما قال» .
السلسلة الصحيحة (1/ 2/ 630 - 632).
خلاف أهل العلم في حكم الكلام أثناء الصلاة
مداخلة: كنت قد كَلَّفتني أن أبحث للتكلم في الصلاة عامداً؛ لإصلاحها.
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: فوجدت يا شيخنا أن في أقوال عند الإمام مالك، أنه يجوز ذلك ولا تَفْسُد صلاته، وهذا قول «الإمام مالك» في «المدونة» .
أما قوله الآخر الذي رواه أبو قُرَّة قال: لا يجوز ذلك لأحد اليوم.
هناك قول ثالث «لابن القاسم» أنه يُفَرِّق بين الجماعة فيجوز الكلام فيها لإصلاح الصلاة، ويمنع المنفرد، فإذا سها وأعلمه من هو خارج الصلاة، فإذا تكلم معه الثاني بطلت صلاته، ولم يوافق «ابن القاسم» آخرون؛ لوجود علة إصلاح الصلاة للمنفرد والجماعة.
أما عند الإمام أحمد في رواية «الأثرم» فقال: ما تكلم به الإنسان في صلاته؛ لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته، فإن تكلم بغير ذلك فسدت عليه.
وقال في موضع آخر: -أي الأثرم- سمعت أحمد بن حنبل يقول في قصة ذي اليدين: إنما تَكَلَّم ذو اليدين، وهو يرى أن الصلاة قد قصرت، وتكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو دفع لقول ذي اليدين، فكلم القوم فأجابوه بأنه كان عليهم أن يُجيبوه.
وذكر «الخرقى» أن مذهب «أحمد بن حنبل» فيمن تكلم عامداً أو ساهياً بَطُلت صلاته.
إلا الإمام خاصة، فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته.
وأما الأوزاعي فمذهبه إيجاز الكلام في الصلاة، في كل ما يحتاج إليه المصلي مما يلزم به.
قال الأوزاعي: لو أن رجلاً قال لإمام جهر في القراءة بالعصر، إنها العصر، لم يكن عليه شيء.
قال: ولو نظر إلى غلام يريد أن يسقط في بئر، فصاح به، أو انصرف إليه، أو جذبه، لم يكن بذلك بأس.
أما «الإمام الشافعي» فإنه يقول مثل قول «الإمام مالك» في رواية «أبي قرة» يعني: أن لا يفعل ذلك أحد اليوم.
وأما أبو حنيفة وأصحابُه فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة يُفْسِدها على أيِّ حال كان سهواً أو عمداً، لإصلاح الصلاة كان أو غير ذلك.
واختلف أصحاب أبو حنيفة في السلام فيها ساهياً قبل تمامها، فأفسدها بعضهم وبعضهم لم يُفْسدها.
وهذا الكلام نقلته من «التميهد لابن عبد البر» ورجح ابن عبد البر القول الأول قول الإمام مالك براوية ابن القاسم، أي: يجوز الكلام ولا تفسد صلاته، هذا ما رَجَّحه الإمام ابن عبد البر في كتابه التمهيد.
هذا ما لدي يا شيخ.
الشيخ: جزاك الله خيراً.
مداخلة: وإياك.
الشيخ: الذي رَجَّحه ابن عبد البر يلتقي مع قول الأوزاعي؟
مداخلة: الأوزاعي تَوَسَّع في هذا
…
الشيخ: أنا لا أسألك توسَّع أم تضايق، يلتقي معه أم يفترق عنه؟
مداخلة: يلتقي معه في نقطة.
الشيخ: هذا هو، وهي؟
مداخلة: وهي أنه لإصلاح الصلاة لا مانع من الكلام في ذلك.
الشيخ: ليس واضح أيضاً، لإصلاح الصلاة كالمثال الذي سبق ذكره، قال له: أنت تصلي العصر فلا تجهر، هذا يجيزه ابن عبد البر؟
مداخلة: نعم، هذا يجيزه ابن عبد البر.
الشيخ: الذي قائم في ذهني، هو إنما ليس مخاطبة المصلي إمامه الذي هو في الصلاة لا، وإنما هو لإصلاح الصلاة التي أفسدها الإمام سهواً، كما يدل على ذلك حديث ذي اليدين وما في معناه.
فهذا الذي نحن نعتقده ونقطع به، أما المثال والمثال الآخر رأى رجلاً أعمى يكاد يقع في البئر، فيقول له إياك والبئر مثلاً ويمضي في صلاته، فمثل هذا الأمر يحتاج إلى دليل، فهل وجدت فيما قرأت دليلاً يصلح الاعتماد عليه والإفتاء به.
مداخلة: لم أجد هذا، وأنقل لك قول ابن عبد البر في دفاعه عن ترجيح مذهب مالك في إصلاح الصلاة فقط.
الشيخ: تفضل.
مداخلة: قال ابن عبد البر: فإن قيل: فإنكم تُجِيزون الكلام في الصلاة عامداً، إذا كان في شأن إصلاحها، قيل لقائل ذلك: أجزناه من باب آخر، قياساً على ما نُهِي عنه من التسبيح في غير موضعه من الصلاة، وإباحته للتنبيه على ما أغفله المصلي من صلاته من مستدركه واستدلالاً بقصة ذي اليدين أيضاً لذلك، والله أعلم.
انتهى كلام ابن عبد البر.
الشيخ: ليس في كلامه حجة ناهضة؛ لأن التسبيح ذكر، فالقياس عليه الكلام العادي لا يصلح.
مداخلة: نعم، ما الذي ترجحونه يا شيخ؟
الشيخ: ما قلته لك آنفاً، ما يُسْتَفاد من حديث ذي اليدين، إذا الإمام سَلَّم من الصلاة ساهياً، فلبعض المصلين خلفه أن يُنَبِّهوه، وله أن يستوضح كما فعل الرسول عليه السلام في قصة ذي اليدين وفي غيرها أيضاً.
خلاصة الكلام: أثناء الصلاة لا كلام، أما إذا انتهت الصلاة، وتَبَيَّن أن هناك نقصاً، فحينئذٍ يجوز الكلام؛ لإصلاح الصلاة، ليس في أثناء الصلاة؛ لأنه كما تعلم القاعدة أن الكلام في أثناء الصلاة منهي عنه، وكل ما جاء على خلاف القاعدة، فلا يُزاد عليه وإنما يُوْقَف عنده، مفهوم الكلام إلى هنا؟
مداخلة: نعم.