الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم مشروعية الخط للسترة إذا لم يجد عصا
عن أبي عمرو بن محمد بن حُريْثٍ: أنه سمع جدهُ حريْثاً يحدث عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلّى أحدكم؛ فليجعلْ تِلْقاء وجْهِهِ شيئاً، فإن لم يجِدْ؛
فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً؛ فلْيخطّ خطّاً، ثم لا يضُرُّهُ ما مرّ أمامهُ».
«قلت: إسناده ضعيف، وله علتان: جهالة أبي عمرو بن محمد بن حريث وجده حُريْث. والاضطراب في إسناده اضطراباً شديداً. ولذلك قال الدارقطني: «لا يصح ولا يثبت» . وقال أحمد: «ضعيف» . وقال النووي: «لم يثبت، قال البغوي وغيره: هو حديث ضعيف، وأشار إلى تضعيفه سفيان ابن عيينة والشافعي والبيهقي وغيرهم» . وضعفه أيضاً ابن الصلاح والعراقي. ومن وجوه اضطرابه الرواية الآتية».
وعن أبي محمد بن عمرو بن حُريْثِ عن جدِّه حُريْث- رجلٍ من بني عُذْرة- عن أبي هريرة عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكر حديث الخط.
ولذلك نرى أن قول الحافظ- فيما سبق-: «بل هو حسن» ! غير حسن؛ لا سيما وقد عارضه جماعة من المتقدمين من الأئمة كما سلف؛ وقد ذكر هو نفسه في «التهذيب» عن أحمد أنه قال: «الخط ضعيف» .
وقال الدارقطني: «لا يصح ولا يثبت» . وقال الشافعي في «سنن حرملة» :
«ولا يخط المصلي بين يديه خطاً؛ إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت فيُتّبع» أ. هـ.
وقال مالك: «الخط باطل» . كذا في «المدونة» «1/ 113» .
قلت: وفي قول الشافعي هذا رد على النووي؛ حيث قال في «المجموع» «3/ 248» : «والمختار استحباب الخط؛ لأنه وإن لم يثبت الحديث؛ ففيه تحصيل حريم للمصلي.
وقد قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال- دون الحلال والحرام-، وهذا من نحو فضائل الأعمال»! ! قلت: وفيما قاله نظر من وجهين:
الأول: استحبابه الخط، مع اعترافه بضعف الحديث! وهذا أمر غريب؛ فإن الاستحباب حكم شرعي، لا بد له من دليل تقوم به الحجة، والحديث الضعيف لا يثبت به أي حكم شرعي. فلا جرم أن ذهب إمامه إلى عدم مشروعية الخط إلا أن يثبت الحديث. فلو أنه تبع إمامه في ذلك؛ لكان أصاب الحق.
اقول هذا؛ مع العلم أن ما ذهب إليه النووي كان مذهب الشافعي في القديم،
ثم رجع عنه في الجديد إلى ما نقلناه عنه آنفاً، وذلك حين ظهر له ضعف الحديث، كما أشار إلى ذلك البيهقي.
والوجه الآخر: نقْله اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف! وهذا غير صحيح؛ فإن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال، ذكرها الشيخ القاسمي في «قواعد التحديث» «ص 94» أولاها- وهي عندي أوْلاها-: أنه لا يعمل به مطلقاً، لا في الأحكام ولا في الفضائل، حكاه ابن سيد الناس في «عيون الأثر» عن يحيى بن معين، ونسبه في «فتح المغيث» لأبي بكر بن العربي. وهو مذهب ابن حزم، كما صرح به في كتبه، منها:«الإحكام في أصول الأحكام» «1/ 136» .
وكيف يجوز العمل به، وقد اتفقوا جميعاً على أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن- والظن المرجوح- وهو أكذب الحديث بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! وقد نعى الله
تعالى على قوم قبلنا عملهم بالظن، فقال:{إنْ يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} ، وقال تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن رواية الحديث عنه إلا بعد العلم بصحته؛ فقال: «اتقوا الحديث عنِّي إلا ما علمتم» . أفيجيز لهم العمل به قبل أن يعرفوا صحته، وقد نهاهم عن روايته؟ ! اللهم! لا. وهذا بين لا يخفى، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في المقدمة.
على أن حديث الباب ليس من الفضائل، بل هو في الأحكام؛ لأن فيه الأمر بالخط، وهو يفيد الوجوب عند عدم القرينة، ولا قرينة هنا.
وكأن النووي رحمه الله لاحظ ما ذكرنا، فاحتاط في عبارته، فقال- كما تقدم-:«وهذا من نحو فضائل الأعمال» ! هذا؛ وقال النووي «3/ 246» - بعد أن عزا الحديث للمصنف وابن ماجه-: «قال البغوي وغيره: هو حديث ضعيف، وروى أبو داود في «سننه» عن سفيان بن عيينة تضعيفه، وأشار إلى تضعيفه الشافعي والبيهقي وغيرهما».
قلت: وأما ما نقله ابن التركماني وغيره عن ابن عبد البر، أنه قال في «الاستذكار»:«كان ابن حنبل وابن المديني يصححان هذا الحديث» ! فلا أدري مقداره من الصحة والثبوت، ولا سيما وقد نقل الحافظ عن الخلال عن أحمد تضعيفه- كما سبق-.
فإن صح ما في «الاستذكار» ، فيكون لأحمد فيه قولان، والصحيح منهما: ما سبق، لما نقلناه عن الحافظ العراقي. وقد نقل هو عن بعضهم أن الحاكم صححه أيضاً، ولعل ذلك في غير كتابه «المستدرك» ؛ فإني لم أجد الحديث فيه! والله أعلم.
ومما سبق من التحقيق؛ تعلم أن قول صاحب «التاج» «1/ 176» - في الحديث-: «رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح» ! غير صحيح أيضاً؛ وإنما جاءه ذلك من تقليده بعض المصححين له، دون النظر في إسناده، وليس ذلك من شأنه ولا من صناعته، كما يتبين ذلك جلياً لمن درس كتابه هذا دراسة إمعان وتدقيق!
(ضعيف سنن أبي داود 9/ 246 - 249)