الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفاء بن عقيل أنه لا تصح الصلاة في أرض الخسف وهو قوي ونص أحمد: لا يصلي فيها».
وأقول: إننا لم نجد دليلا على بطلان الصلاة وحديث النهي عن دخول أرض العذاب ليس خاصا بالصلاة حتى يقال بأنها باطلة فيها. وكذلك حديث علي لو صح لا يدل على البطلان ولذلك قال البيهقي بعد أن ساقه: «وهذا النهي عن الصلاة فيها - إن ثبت مرفوعا - ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة فلو صلى فيها لم يعد وإنما هو - والله أعلم - كما ثنا
…
» ثم ساق حديث ابن عمر من طريق ابن دينار وفيه الإشارة إلى علة النهي وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «فإني أخاف أن يصيبكم مثل ما أصابهم» .
نعم ظاهر النهي يفيد تحريم الصلاة فيها لكن قال الخطابي في «المعالم» :
«ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل» .
[الثمر المستطاب (1/ 398)].
لا يجوز للإمام الصلاة على مكان مرتفع عن المأمومين
الحديث من رواية أبي مسعود البدري قال: «نهى .... » إلخ.
أخرجه الدارقطني من طريق زياد بن عبد الله بن الطفل عن الأعمش عن إبرايم عن همام عنه. وقال:
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم أيضا أتم منه عن همام قال: صلى حذيفة بالناس بالمدائن فتقدم فوق دكان فأخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمده فرجع فلما قضى الصلاة قال له أبو مسعود: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام فوق ويبقى الناس خلفه؟ قال: فلم ترني أجبتك حين مددتني؟
وإسناده حسن ورجاله ثقات.
وفي زيادة بن عبد الله كلام من جهة حفظه وهو صالح كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه وقد ذكر له هذا الحديث. وقد قال في «التقريب» :
«صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين» .
قلت: لكنه لم يتفرد به فقد أخرجه أبو داود والحاكم أيضا من طريق يعلى بن عبيد: ثنا الأعمش به نحو رواية الحاكم الأولى إلا أنه قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟
وهذا له حكم المرفوع كما تقرر في المصطلح فهو بمعنى رواية زياد في الصريحة في الرفع ثم قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا وصححه ابن خزيمة أيضا وابن حبان كما في «التلخيص» وكذلك صححه النووي في «المجموع» وعزاه للشافعي والبيهقي أيضا.
ثم أخرجه أبو داود من طريق أخرى بنحوه بلفظ: «إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم» .
وفيه أن الإمام كان عمار بن ياسر والذي جبذه حذيفة. قال الحافظ: «لكن فيه مجهول والأول أقوى» .
والحديث دليل على تحريم وقوف الإمام في المكان المرتفع وقد اختلف العلماء في ذلك فقال النووي رحمه الله في «المجموع» :
«قال أصحابنا: يكره أن يكون موضع الإمام أو المأموم أعلى من موضع الآخر فإن احتيج إليه لتعليمهم أفعال الصلاة أو ليبلغ المأموم القوم تكبيرات الإمام
ونحو ذلك استحب الارتفاع لتحصيل هذا المقصود. هذا مذهبنا وهو رواية عن أبي حنيفة، وعنه رواية أنه يكره الارتفاع مطلقا وبه قال مالك والأوزاعي، وحكى الشيخ أبو حامد عن الأوزاعي أنه قال: تبطل الصلاة».
قلت: ولعل مستنده في ذلك أن النهي الوارد خاص بالصلاة وذلك يفيد البطلان والله أعلم. وكان اللائق أن يكون هذا القول مذهبا لابن حزم ولكنه - على العكس من ذلك - ذهب إلى جوازه محتجا بحديث سهل بن سعد الآتي ولا دليل فيه كما يأتي بيان ذلك وضعف حديث ابن مسعود المذكور حيث قال: «وهو خبر ساقط انفرد به زياد بن عبد الله البكائي وهو ضعيف» . كذا قال وليس هو بهذه المنزلة في الضعف بحيث يقطع بضعفه ثم هو لم يتفرد به كما سبق بيانه.
هذا وقد روى الطبري في «الكبير» عن عبد الله بن مسعود أنه كره أن يؤمهم على المكان المرتفع. قال في «المجمع» : «ورجاله رجال الصحيح» .
وقد ذهب بعضهم إلى أن المنهي عنه إنما هو إذا كان ارتفاع المكان قدر قامة وزيادة بشرط أن يكون في المسجد وعكس ذلك جائز عندهم، ولا دليل على هذا التفصيل في السنة إنما هو مجرد رأي بل كل مكان يصح أن يقال فيه لغة وعرفا: إنه أرفع من مكان المؤتمين فهو منهي عنه.
ولذلك قال الشوكاني بعد أن حكى أقوال العلماء في الفرق المشار إليه:
«والحاصل من الأدلة منع ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها لقول ابن مسعود: إنهم كانوا ينهون عن ذلك وقول ابن مسعود: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
قلت: أثر أبي هريرة المشار إليه علقه البخاري في «صحيحه» ووصله ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال: صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام. قال الحافظ: «وصالح فيه ضعف لكنه رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد» .
وأخرجه أيضا الشافعي والبيهقي كما في «النيل» .
وأقول أيضا: المؤتم إذا كان يصلي في مكان مرتفع فإما أن يكون ذلك لضرورة كضيق المكان أو غير ذلك، وإما أن يكون لغير ضرورة، فإن كان الأول فلا كلام فالضرورات تبيح المحظورات، وإن كان الآخر وترتب منه قطع الصفوف والانفراد عن الصف - كما يفعله كثير من الناس المؤذنين وغيرهم والذين يصلون على السدة وأمامهم فراغ يتسع لصفوف كثير - فهو ممنوع غير جائز كما سيأتي بيانه في تسوية الصفوف إن شاء الله.
فإطلاق الشوكاني الجواز مع العلم بأنه غالبا يقترن مع الأمر المذكور ما أشرنا إليه من المحذور لا يخفى ما فيه فتأمل.
[الثمر المستطاب (1/ 403)].
يستثنى من الحكم السابق وقوف الإمام في مكان مرتفع للتعليم
هو من حديث سهل بن سعد قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاثة درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر
…
الحديث.
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد عنه والسياق لمسلم والزيادة التي بين القوسين للبخاري وغيره.
والحديث واضح الدلالة لما ذكرنا لقوله عليه الصلاة والسلام: «لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» . وقد استدل لذلك الشافعية وغيرهم.
وأما الاستدلال به على جواز ارتفاع مكان الإمام مطلقا كما استدل به الدارمي فقال بعد أن ساق الحديث: «في ذلك رخصة للإمام أن يكون أرفع من أصحابه» .
وكما صنع ابن حزم حيث قال: «لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين» .
وحكى البخاري عن شيخه علي بن عبد الله المديني عن أحمد بن حنبل أنه قال: «فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث» .
فهذا استدلال غريب من هؤلاء الأئمة لا يكاد عجبي ينتهي منه فكيف يستدلون به على الجواز مطلقا مع أنه مقيد بالتعليم بنص منه عليه الصلاة والسلام؟ وهل هذا إلا كمن يستدل به على جواز الصعود على المنبر والنزول منه في أثناء الصلاة مطلقا بدون قصد التعليم؟ وهل يقول بهذا عاقل؟ فسبحان من خص الأنبياء وحدهم بالعصمة. ولذلك قال الحافظ في «الفتح» : «وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل وقد صرح بذلك المصنف في حكاية عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل، ولابن دقيق العيد في ذلك بحث فإنه قال: من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله، ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه» .
فرحم الله ابن دقيق العيد فلقد كان دقيق النظر في الاستدلال منصفا في البحث لا تأخذه في الله لومة لائم.
[الثمر المستطاب (1/ 407)].
النهي عن الصلاة بين السواري.
[ذكر الإمام ضمن الأماكن المنهي عن الصلاة فيها]:
«العاشر: المكان بين السواري يصف فيه المؤتمون. قال عبد الحميد بن محمود:
صلينا خلف أمير من الأمراء فأضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين [فجعل أنس بن مالك يتأخر] فلما صلينا قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم».
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وأحمد عن سفيان الثوري عن يحيى بن هاني بن عروة المرادي عن عبد الحميد به. والسياق للترمذي وقال: «حديث حسن صحيح» .
وما بين القوسين للنسائي وللحاكم المعنى وقال: «صحيح» . ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا. وصححه الحافظ أيضا في «الفتح» .
وله شاهد من حديث هارون بن مسلم عن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه قال: «صحيح الإسناد» «كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا» .
أخرجه ابن ماجه والحاكم والطيالسي وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي.
وهو عندي حسن فإن رجاله كلهم ثقات غير هارون بن مسلم فقال أبو حاتم: «مجهول» .
وذكره ابن حبان في «الثقات» وفي «التقريب» أنه: «مستور» . وقال الذهبي في الميزان بعد أن ذكر قول أبي حاتم إنه مجهول: «قلت: روى عنه أبو داود والطيالسي وسلم بن قتيبة وعمر بن سنان» .
قلت: فأشار بهذا إلى أنه معروف برواية هؤلاء الثقات عنه غير أن عمر ابن سنان لم أجد له ترجمة. وقد قال الشوكاني بعد أن تكلم عليه وعلى حديث أنس الذي قبله: «ويشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ: كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها وقال: «لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف» .
قلت: وهو بهذا اللفظ غريب ولم أجده في «المستدرك» وقد أورده فيه من حديثه في موضعين كما سبقت الإشارة إلى ذلك بغير هذا اللفظ ثم إن كلام الشوكاني يفيد أنه حديث آخر غير حديث أنس الذي تكلم عليه سابقا. والله أعلم.
ثم قال الشوكاني: «والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة الصلاة بين السواري وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم، والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر ابن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال. قال ابن سيد الناس: والأول أشبه لأن الثاني محدث. قال القرطبي: روي أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين. وقد ذهب إلى كراهة الصلاة بين السواري بعض أهل العلم. قال الترمذي: وكره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه قال أحمد وإسحاق وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك. انتهى.
وبالكراهة قال النخعي وروى سعيد بن منصور في «سننه» النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة. قال ابن سيد الناس: ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة. ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسا على الإمام والمنفرد. قال ابن العربي: ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما عنده السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به، وقد صلى صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها.
انتهى. وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما ورد في حال الضيق لقوله: فاضطرنا الناس. ويمكن أن يقال: إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها. وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل: كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد، ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة فيحمل المطلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الإمام والمنفرد وهذا أحسن ما يقال. وما تقدم من قياس المؤتمين على الإمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب» ا. هـ كلام الشوكاني ببعض اختصار.
وهو حق كله لا غبار عليه غير أن قوله: «إن حديث أنس عند الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة» ليس بظاهر عندي أنه مطلق بل هو مقيد بصلاة الجماعة كحديث معاوية بن قرة بدليل قوله: «لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف» فهذا عندي كالتفسير للنهي المذكور قبله والله أعلم. فإذا صح هذا وصح حديث أنس بهذه الزيادة فيكون فيها الإشارة إلى علة النهي وهي قطع الصفوف ولذلك أمر بإتمامها في الحديث نفسه. والله أعلم.
وقد صرح الإمام أحمد بهذا فقال أبو داود في «مسائله» : «سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين؟ قال: إنما كره لأنه يقطع الصف فإذا تباعد بينهما فأرجو» .
ولذلك أقول: إنه ينبغي لمن أراد أن يبني مسجدا أو جامعا أن يأمر المهندس بأن يضع له خارطة تكون فيه السواري قليلة ما أمكن تقليلا للمفسدة التي تترتب على وجودها في المساجد من قطع الصفوف وتضييق المكان على المصلين، وإنه لمن الممكن اليوم بناء المسجد بدون أية سارية بواسطة الشمنتو والحديد «الباطون» إذا لم يكن المسجد واسعا جدا، وقد بنيت في دمشق عدة مساجد على هذه المثال كمسجد «لالا باشا» في شارع بغداد وجامع المرابط في المهاجرين وغيرهما، فالصفوف فيهما متصلة كلها حاشا الصفوف الأمامية فإنها مقطوعة مع الأسف بسبب هذه البدعة
التي عمت جميع المساجد تقريبا وأعني بذلك المنبر العالي الطويل ذا الدرجات الكثيرة فهو على كونه بدعة مخالفة لهديه عليه الصلاة والسلام في منبره ذي الثلاث درجات وعلى ما فيه من الزخرفة والنقوش والإسراف وتضييع المال (1)
- فهو بمنزلة السارية في قطع الصفوف، بل إنه أضر منها لأنه يقطع صفوفا كثيرة على نسبة طوله، فيجب على العلماء أن يبينوا ذلك وأن يدعوا في دروسهم ومواعظهم إلى إزالة هذه المنابر والرجوع بها إلى ما كان عليه منبره عليه الصلاة والسلام. وعلى من كان بيدهم الأمر تنفيذ ذلك تخليصا للمصلين من مفاسده.
وإن من مفاسده التي لا توجد في السواري أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى فساد الصلاة وبطلانها كما شاهدناه مرارا فكثيرا ما يتفق أن الإمام يسهو عن التشهد الأول ويكبر قائما إلى الركعة الثالثة ويتابعه من وراءه وأما الذين وراء المنبر من الجهة اليمنى فلا علم عندهم بما طرأ على الإمام من السهو، فيظنون أنه كبر على الصواب فيجلسون للتشهد بينا الإمام قائم، فإذا ما كبر لركوع كبر هؤلاء للقيام فلا ينتبهون لما هم فيه من المخالفة وعدم المتابعة إلا حين يرفع الإمام رأسه من الركوع قائلا «سمع الله لمن حمده» وهنا تبدأ الرواية المضحكة المبكية فإنك ترى رجلا منهم يقطع الصلاة ويجدد البناء وآخر يحاول بزعمه إدراك الإمام ومتابعته فيقوم من
(1) وما أحسن ما أورده الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتابه «إصلاح المساجد من البدع والعوائد» حيث قال:
«قال فاضل: من الذي كان يجسر من أهل البصر في الأجيال التي كان التنافس بالغا حده في إقامة جدران المساجد والقباب وزخرفتها وبذل القناطير المقنطرة في أثاثها ورياشها؟ من الذي كان يجسر في تلك الأحيان أن يقول لأولئك المتبرعين: إنكم إنما تبنون صروحا لإيقاع العامة في أشراك البدع، وتبذلون أموالكم لإحالة الدين إلى العبادات الصورية، كما حصل في إشراك كل الأمم السالفة التي اعتاضت عن جمال العقيدة بجمال جدران المعابد، وعن نور الإيمان بأنوار الهياكل، حتى جعلوا شعائر الدين أشبه باحتفالات الولائم واقرب لاجتماعات المآدب لشدة ما تلتهي الأذهان بالنقوش والزخارف وما يشطح الفكر في التأمل في جوف المنافذ وإبداع المنابر، مع أن القصد من تلك الاجتماعات كان تجريد العقل من ملهيات العالم المادي وتخليصه من فاتنات المظهر الطيني والذهاب بالروح على أجنحة ذلك الاجتماع المندمج إلى باب الرحمة القدسية، لتطرقه بيد التجريد والعبودية الخالصة، لترجع إلى عالمها بنور من عالم القدس يثبتها في جهادها ويقيمها على صراطها ويحميها عن فتن الدنيا ومداحضها، حتى إذا أدت وظيفتها في هذه الحياة عرجت إلى عالمها بتلك القوة التي اكتسبتها ودخلت من جنان الفيض الإلهي في الحال التي أعدت لها. انتهى. [منه].
التشهد ثم يقف لحظة ثم يركع ثم يرفع ثم يدرك الإمام في السجود أو فيما بعد ذلك.
وقد يقع ما هو أغرب من ذلك فإنه قد يتفق أحيانا أن يفتح بعضهم على الإمام إذا هم بالقيام قبل التشهد إلى الثالثة ساهيا بقوله: «سبحان الله» فيسمع من وراء المنبر فيعلمون أن الإمام سها ولكنهم يجهلون ما صار إليه الإمام: أَرَجَعَ إلى التشهد فيظلوا هم قاعدين، أم كان قد استتم قائما لا يجوز له حينئذ الرجوع إلى التشهد فيبقى قائما فيقومون معه، ولذلك تراهم في حيص بيص فبعضهم قاعد وبعضهم قائم وآخر قعد ثم قام ورابع على عكسه قام ثم قعد ظنا منه أن الإمام كذلك فعل، كل هذه المهازل نتجت من مخالفة هديه عليه الصلاة والسلام في منبره فعسى أن يتنبه لهذا ولاة أمور المساجد فيقوموا بما يلزم عليهم من الإصلاح فيها: و {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق / 37].
ولذلك ذهب بعض العلماء من السلف إلى أن الصف الأول المقطوع بالمنبر ليس هو الصف بل هو الصف المتصل بين يدي المنبر قال الغزالي في «الإحياء» :
«ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور «فذكر الأول والثاني منها ثم قال: » وثالثها: أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع وكان الثوري يقول: الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر. وهو متجه لأنه متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه ولا يبعد أن يقال: الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى».
وبهذا جزم النووي في «المجموع» حيث قال: «واعلم أن المراد بالصف الأول الذي يلي الإمام سواء تخلله منبر ومقصورة وأعمدة وغيرها أم لا» .
وأيا ما كان فالصلاة وراء المنبر لا تخلو عن كراهة لتعرض الصلاة فيه للفساد والبطلان، فإما أن يصلي في الصف الذي في الجهة الأخرى من المنبر حيث لا تخفى عليه حركات الإمام، وإما أن يصلي في الصف الآخر وكذلك نفعل نحن إن شاء