الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبلة، فمن كان في جهات اليمن وعرف جهة المشرق وجهة المغرب توجه بين الجهتين فإن تلك الجهة هي القبلة، وكذلك من كان بجهة الشام يتوجه بين الجهتين من دون إتعاب للنفس في تقدير الجهات فإن ذلك
…
(1).
[الثمر المستطاب (2/ 847)].
إن صلى المصلي إلى غير القبلة لغيم أو غيره بعد الاجتهاد والتحري جازت صلاته، ولا إعادة عليه
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 4:
وإن صلى إلى غير القبلة لغيم أو غيره بعد الاجتهاد والتحري جازت صلاته، ولا إعادة عليه.
وقال في أصل الصفة:
وقال جابر رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرةٍ أو سريَّة، فأصابنا غيم، فتحرَّينا واختلفنا في القبلة؛ فصلى كلُّ رجل منا على حدة، فجعل أحدنا يخطُّ بين يديه؛ لنعلم أمكنتنا، فلما أصبحنا؛ نظرناه، فإذا نحن صلينا على غير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، [فلم يأمرنا بالإعادة]، وقال:«قد أجزأت صلاتكم» .
قلت: وهو مذهب أحمد وغيره؛ فقد قال الترمذي - بعد أن ساق حديث عامر بن ربيعة -: وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا.
قالوا: إذا صلى في الغيم لغير القبلة، ثم استبان له بعدما صلى أنه صلى لغير القبلة؛ فإن صلاته جائزة. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وكلامهما في ذلك مذكور في «مسائل المروزي» عنهما، وفي «مسائل عبد الله» عن أبيه.
(1) لم يتمم الشيخ الألباني هذه المسألة حيث توقف في كتاب الثمر المستطاب عند هذا الموضع. [قيده جامعه].
قلت: وهو الصحيح من مذهب الحنفية - كما في «الهداية» -، خلافاً للشافعية؛ فإن الأصح عندهم - كما قال النووي «3/ 255» - أنه:«تجب الإعادة؛ إن تيقن الخطأ» . وعليه يدل كلام الشافعي في «الأم» «1/ 82» .
والصواب: ما ذهب إليه الأولون للأحاديث التي ذكرنا، ولحديث صلاة أهل قباء نحو بيت المقدس، واستدارتهم إلى الكعبة - كما يأتي قريباً -. وإلى هذا ذهب الصنعاني.
[أصل صفة الصلاة (1/ 72)].
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس -[والكعبة بين يديه]- قبل أن تنزل هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 144]. فلما نزلت؛ استقبلَ الكعبة.
فبينما الناس بقُباء في صلاة الصبح؛ إذ جاءهم آتٍ، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة؛ [ألا] فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا، [واستدار إمامهم حتى استقبل بهم القبلة].
«1» ورد ذلك كله في أحاديث صحيحة:
الحديث الأول: عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} . فمرّ رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد حُوِّلَتْ.
فمالوا كما هم نحو القبلة.
أخرجه مسلم «2/ 66» ، وأبو داود «1/ 164 - 165» ، وعنه البيهقي «2/ 11» ، وابن سعد «1/ 242» ، وأحمد «3/ 284» ، والحازمي في «الاعتبار» «43» عن حماد عن ثابت - زاد أبو داود: وحميد - عنه.
الثاني: حديث ابن عمر قال: بينما الناس بقباء
…
الحديث. وفي آخره: فاستداروا إلى الكعبة.
أخرجه البخاري «1/ 402 و 8/ 141» ، ومسلم، ومالك «1/ 201» ، ومن طريقه محمد في «موطئه» «152» ، والشافعي في «الأم» «1/ 81 - 82» ، وعنه البيهقي «2/ 2» ، والنسائي أيضاً «1/ 85 و 122» ، والدارمي «1/ 281» ، والدارقطني «102» ، وأحمد «2/ 15 - 16 و 26 و 105 و 113» من طرق عن عبد الله بن دينار عنه.
والسياق للبخاري. والزيادة الأولى هي عنده في رواية. وأما الرواية الأخرى؛ فهي في حديث آخر، وهو: الثالث: عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يصلي قِبَل بيت المقدس، فلما حُوِّلَ؛ انطلق رجل إلى أهل قباء، فوجدهم يصلون صلاة الغداة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يصلى إلى الكعبة. فاستدار إِمامُهم؛ حتى استقبل بهم القبلة.
قال الهيثمي «2/ 14» : «رواه الطبراني في الكبير» «3/ 108/2» [6/ 162/5860]» ورجاله موثقون.
قلت: وأخرجه أيضاً الدارقطني «102» من طريق عبيد الله بن موسى: ثنا عبد السلام بن حفص عن أبي حازم عنه به.
وهذا سند جيد؛ رجاله رجال الستة، غير عبد السلام هذا، وقد روى عنه جمع، ووثقه ابن معين.
وقد جاء بيان كيفية التحول الوارد في هذا الحديث في حديث آخر بأوضح منه، وهو: الحديث الرابع: عن تُوَيلة - بالمثناة الفوقية مصغراً - بنت أسلم قالت: إنَّا لَبِمَقَامِنا نصلي في بني حارثة، فقال عباد بن قبطي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيتَ الحرامَ والكعبةَ. فتحول الرجالُ مكان النساءِ، والنساءُ مكان الرجالِ؛ فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة.
قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير» . ورجاله موثقون.
قلت: وعزاه الحافظ في «الفتح» «1/ 399 و 402» لابن أبي حاتم، وسكت عليه.
فالعهدة عليهما؛ فإني رأيت الحافظ قد ذكره في «الإصابة» في ترجمة تويلة، فقال: «روى حديثها الطبراني من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري عن إبراهيم بن جعفر ابن محمود بن محمد بن مسلمة عن أبيه عن جدته أم أبيه تُويَلة بنت أسلم - وهي من المبايعات - قالت:
…
» فذكر الحديث.
وهذا إسناد رجاله ثقات، غير إبراهيم بن جعفر هذا؛ فإني لم أجد من ذكره، وأظن أنه في كتاب «الثقات» لابن حبان؛ فإنه عمدة الهيثمي فيمن يوثقه في «المجمع» ممن لا ذكر لهم في الكتب المشهورة. والله أعلم.
ثم قال الحافظ - بعد أن ساق القطعة الأخيرة من حديث تُويلة -: قلت: وتصويره: أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد.
لأن من استقبل الكعبة؛ استدبر بيت المقدس. وهو لو دار كما هو في مكانه؛ لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف. ولَمَّا تحول الإمام؛ تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحوّلت النساءُ حتى صِرْنَ خلف الرجالِ.
وهذا يستدعي عملاً كثيراً في الصلاة؛ فيحتمل أن يكون ذلك وقعَ قبل تحريم العمل الكثير - كما كان قَبْلَ تحريم الكلام -. ويحتمل أن يكون اغْتُفِرَ العملُ المذكور؛ من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تَتَوَالَ الخُطى عند التحول؛ بل وقعت مفرقة. والله أعلم.
ثم إن هذه القصة التي روتها تويلة هي غير قصة أهل قباء؛ بدليل أن هذه كانت في بني حارثة، وكانت الصلاة رباعية، وتلك كانت في بني عمرو بن عوف، وهم أهل قباء وكانت الصلاة ثنائية وهي صلاة الصبح - كما سبق -.
ويشهد لما ذكرنا حديث البراء بن عازب، وهو: الحديث الخامس: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم[لما قدم المدينة] صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يُوَجَّهَ إلى الكعبة؛ فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ؛ فتوجه نحو الكعبة.
وقال السفهاء من الناس «وهم اليهود» : {مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} .
فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة. فَتَحَرَّفَ القوم حتى توجهوا نحو الكعبة.
أخرجه البخاري «1/ 79 - 81 و 399 - 400 و 8/ 138 - 139» ، - واللفظ له، إلا الرواية الثانية؛ فهي للترمذي -، ومسلم «2/ 55 و 66» ، والنسائي «1/ 85 و 121» ، والترمذي «2/ 169 - 170» - وقال:«حسن صحيح» -، وابن ماجه «317» ، والدارقطني «102» ، والبيهقي «2/ 2 - 3» ، والطيالسي «98» ، وأحمد «4/ 283 و 289 و 304» من طرق عن أبي إسحاق عنه؛ صرح في بعضها بسماعه منه.
فهذا شاهد قوي لرواية تويلة: أن الصلاة كانت صلاة العصر.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي شرح الترمذي «2/ 139» : ووجه الجمع بين اختلاف الرواية في الصبح والعصر: أن الأمر بلغ إلى قوم في العصر، وبلغ إلى أهل قباء في الصبح. وذكر مثله الحافظ ابن حجر في «الفتح» .
[أصل صفة الصلاة (1/ 74)]