الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للحجر ولما كبر للصلاة أشار إليهم أن مكانكم، ثم دخل بيته ورجع ورأسه يقطر ماءً فصلى بهم، أي: أتم بهم الصلاة، فمن هنا قلنا ما قلنا.
(رحلة النور: 30 أ/00: 16: 17)
من انتقض وضوؤه في أثناء الصلاة
مداخلة: يقول أحد الإخوة: سمعنا أنه يجوز لمن انتقض وضوؤه في الصلاة، يجوز له أن يذهب ويتوضأ ويُكْمِل ما فاته، بشرط ألَّا يتكلم مع أحد؛ فهل هذا صحيح؟
الشيخ: أقول: في المسألة قولان لكننا لا نقف عند ذلك، وأظن أن جمهوركم لا يعرف النكتة التي تنبني على هذا الجواب الذي نفيته عن نفسي أو سأنفيه عن نفسي.
في المسألة قولان، هذا كلام الجهال، لأنه إذا كانت المسألة لا يُتَصَوّر فيها إلا قول واحد، فالإجابة فيها بأن فيها قولين هذا دليل على الجهل، كذاك المفتي الذي نصبه المفتي بديلاً عنه في غيابه.
زعموا بأن أحد المفتين قديماً عرض له سفر، فأناب عنه أباه، وأبوه يعلم أنه لا يصلح ليجلس في مجلس الإفتاء، فقال له: يا ابني كيف هذا؟ قال: ما عليك، أنا أعطيك نظام وقاعدة حتى تُسَلِّك حالك بينما أعود إليك. قال: ما هو؟
قال: كلما جاءك سائل يسألك عن أيِّ مسألة فأنت لا تحشر حالك في زمرة العلماء، وإنما قل في المسألة قولان، كلما جاءك سائل يسأل الشيخ كما قال هذا السائل: رجل انتقض وضوؤه في الصلاة، فهل بَطُلَت صلاته أو يذهب ويتوضأ ويبني عليها؟ الجواب: في المسألة قولان وانتهى الأمر.
أنا طلقت زوجتي قلت كذا وكذا، طَلَقت أو ما تزال في عصمتي؟ في المسألة قولان.
بنتي زوجت نفسها بنفسها بغير إذن وليها، أنكاحُها صحيح أو باطل؟ في المسألة قولان، وهكذا.
قال لأبيه: جزاك الله خيراً، وانطلق وجلس هو، وبدأ الناس يتوافدون عليه كالعادة، والمفتي الوكيل لا يحيد عن هذا الجواب.
حتى انتبه أحد الأذكياء أن هذا الرجل جاهل، أيش معنى كل مسألة في المسألة قولان.
فَدَسّ في ذهن أحدهم قال: اسأله، قل له: أفي الله شك؟ قال له وهو لا يدري المدفوع قال له: يا سيدي الشيخ، أفي الله شك؟ قال: في المسألة قولان.
لكن الحقيقة هذه نكتة، قد تكون خرافة، لكنها تُمَثِّل واقعاً مُؤْلِماً، وواقعاً من ناس يظن جماهير الناس بأنهم أهل علم وأهل فقه، وهم الذين يُسَمّون بتعريف أهل الزمان بالدكاترة، حيث يُقَرِّرون مثل هذه الأقوال بشيء من الفلسفة في تدريسهم على الطلاب في الجامعة، في كلية الشريعة الذين يفترض فيهم أنهم عما قريب سيتخرجون دكاترة، حيث يقولون: العالم الفلاني قال كذا والعالم الفلاني كذا، وهذا يحتج بكذا، وهذا يحتج بكذا وانتهى، طيب.
ما هو الصواب يا سيدي الشيخ، يا أستاذ، يا دكتور؟ الأمر كما سمعتم: في المسألة قولان، وربما يكون ثلاثة أقوال كما هو الواقع في بعض المسائل.
الذي تَرَجَّح لَدَّي في خصوص هذه المسألة بالذات: أن البناء هو الأرجح، أي: من صلى من صلاته ركعة أو أكثر، ثم انتقض وضوؤه، فعليه أن يُجَدِّد وضوءه وأن يبني على صلاته ولا يستأنفها.
ليس حجتي في ذلك حديث صريح في الموضوع؛ لأن فيه ضعفاً، وإنما حُجَّتي في ذلك ما جاء في «سنن أبي داود» و «مسند الإمام أحمد» بالسند الصحيح عن أبي بكرة الثقفي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كَبَّر يوماً لصلاة الفجر، ثم أشار إليهم أن مكانكم، وذهب إلى بيته، ثم جاء ورأسه يقطر ماءً فصلى بهم» هكذا يقول أبو بكرة الثقفي. أولاً: قال: «كَبَّر ثم أشار ثم فصلى» هكذا قال.
ومعنى فَصَلَّى أي: بنى على ما مضى، ولم يستأنف الصلاة، وإلا لَصَرَّح وبخاصة بعد أن قال في الأول بأنه كَبَّر، لقال في المرة الثانية: فَكَبَّر بهم وصلى، ولكن شيئاً من ذلك لم يكن.
فإذاً: هذا نص عملي من الرسول عليه السلام، على أن المسلم ليس فقط إذا دخل متطهراً في الصلاة ثم وقع منه ما يُفْسِدها أنه يبني، بل ولو دخل فيها وهو ناسي للطهارة، فما فاته من الصلاة اعتُبِر صحيحاً؛ لأن الرسول بنى على ذلك، فمن باب أولى أن يبني بقية صلاته التي جَدَّد لها الطهارة على ما كان قد بني عليه بطهارة. هذا جواب السؤال السابق.
مداخلة: من المعلوم من شروط الصلاة: استقبال القبلة، فهذا الذي يذهب إلى الوضوء ألا ينحرف عن القبلة؟
الشيخ: إذا كان مضطراً ينحرف، وإذا كان غير مضطر فلا ينحرف.
مداخلة: .. وتكون صلاته مقبولة؟ !
الشيخ: كيف لا، ألاّ تتصور معي صلاة يصليها المصلي غير مستقبل للقبلة؟
مداخلة: إذا كان عن غير عمد.
الشيخ: قل بلى.
مداخلة: عن علم، لا يجوز أن ينحرف عن القبلة.
الشيخ: لا، وعن علم أيضاً، وعن علم أيضاً، كيف لا؟ تَصَوَّر يا أخي رجلاً يقاتل عدواً فهل تشترط.
مداخلة: لكن هذه الظروف.
الشيخ: يا أخي أنا أعرف
…
لكن أنت ما استحضرت هذا الغير، لما أجبت بجواب قاصر، وهو قولك: عامداً، أنا أقول: عامداً يعرف أن القبلة من هنا، ويقاتل من هنا.
المهم: أنت الآن تتمسك بالعمومات، والتمسك بالعمومات هو أمر واجب، ولكن ليس ذلك بالأمر المضطرد فقهاً؛ ذلك لأن النص العام إذا دخله تخصيص لم يجز تعطيل النص الخاص من أجل النص العام، كما أنه لا يجوز تعطيل النص العام بدون نص خاص [وقد] ذكرت لك الحديث آنفاً.
مداخلة: ولكن الحديث غير واضح، في أنه انحرف إلى القبلة وتوضأ.
الشيخ: إذاً: أنت كان الأولى بك أن تسأل هذا السؤال الأخير، أن تقول: الحديث غير واضح.
مداخلة: تفضل.
الشيخ: الآن تَصَوّر أنت معي المسجد النبوي، وتَصَوَّر بيوت الرسول وأزواجه إلى أين كانوا، في القبلة أم في الشرق؟
الشيخ: طيب، إذاً: الرسول انحرف عن القبلة؟ انحرف عن القبلة، وبخاصة لما يُريد يغتسل يا أخي، يعني هذا لا يمكن أن نتصور إلا في ظروف ضَيّقة جداً جداً، قَلَّ من يتمكن من تحقيق الأمر هذا، وهو ألا ينحرف عن الاستقبال.
(الهدى والنور /305/ 28: 32: 00)
(الهدى والنور /305/ 32: 44: 00)