الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرجه أبو داود والبيهقي وقال: «وقد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال: حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب. ورواية ابن عيينة أحفظ» .
قلت: ومرجع هذه الرواية على بعض أهل كثير ولم يسم فهو مجهول
وسماه ابن جريج: «كثير بن المطلب وهو أيضا مجهول وتوثيق ابن حبان له لا يخرجه عن الجهالة وقد أشار الحافظ في «التقريب» إلى أنه لين الحديث.
ثم إن الحديث لو صح لم يكن نصا فيما استدل له ابن حبان لأنه يحتمل أن يكون جواز المرور بين يدي المصلي الذي ليس أمامه سترة خاصا بالمسجد الحرام وقد استدل بعض العلماء به على ذلك. والله أعلم.
[تمام المنة ص (303)]
ما يَقْطَعُ الصَّلاةَ
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 27:
وإن من أهمية السترة في الصلاة، أنها تحول بين المصلي إليها، وبين إفساد صلاته بالمرور بين يديه، بخلاف الذي لم يتخذها، فإنه يقطع صلاته إذا مرت بين يديه المرأة البالغة، وكذلك الحمار، والكلب الأسود.
وقال في أصل الصفة:
وكان يقول: «يقطع صلاةَ الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأةُ [الحائض]، والحمار، والكلب الأسود» .
قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! ما بالُ الأسود من الأحمر؟ فقال: «الكلب الأسود شيطان» .
قوله المرأة الحائض: قال السندي رحمه الله تعالى: «يحتمل أن المراد: ما بلغت سن المحيض؛ أي: البالغة، وعلى هذا فالصغيرة لا تقطع. والله تعالى أعلم» . اهـ.
وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الكلب، والمرأة، والحمار يقطع الصلاة. والمراد بالقطع: البطلان.
قال الشوكاني «3/ 9» : «وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة؛ منهم: أبو هريرة، وأنس، وابن عباس في رواية عنه، وحكي أيضاً عن أبي ذر، وابن عمر. وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب» .
وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار.
وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة: الحسن البصري، وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود.
ومن الأئمة: أحمد بن حنبل - فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري في «المحلى» «4/ 11» -، وحكى الترمذي عنه أنه يخصص بالكلب الأسود، وُيتوقف في الحمار والمرأة.
قلت: في المسألة عن الإمام أحمد روايتان؛ اتفقتا كلتاهما على أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، واختلفتا في المرأة والحمار؛ فجزم في رواية بعدم القطع بهما، وتردد في الأخرى.
أما الأولى: فهي رواية ابنه عبد الله في «مسائله» قال: سألت أبي: ما يقطع الصلاة؟ قال: الكلب الأسود.
قال: أنس يروي أنه يقطع الصلاة الكلب، والمرأة، والحمار؟ قال: أما المرأة؛ فأذهب إلى حديث عائشة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا معترضة بين يديه.
وإلى حديث ابن عباس: مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على أتان. فقلت لأبي: إذا مر الكلب الأسود بين يدي المصلي يقطعُ صلاته؟ قال: «نعم» . قلت له: يعيد؟ قال: «نعم؛ إن كان أسود» .
وأما الرواية الأخرى: فهي رواية إسحاق بن منصور المروزي في «مسائله» عن أحمد وإسحاق.
قال: قلت - يعني: لأحمد -: ما يقطع الصلاة؟ قال: ما يقطعها إلا الكلب الأسود الذي لا أشك فيه، وفي قلبي من «الحمار والمرأة» شيء.
قال إسحاق: لا يقطع إلا الكلب الأسود.
قال أحمد: ومن الناس من يقول: إن قول عائشة حيث قالت: كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
…
ليس بحجة على هذا الحديث - يعني: من قال: يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب -؛ لأن النائم غير المارِّ.
وقول ابن عباس في الحمار حيث مر بين يدي بعض الصف؛ ليس بحجة؛ لأن سترة الإمام سترةُ مَن خلفه. اهـ.
قلت: وحديث ابن عباس المشار إليه أخرجه الأئمة الستة وغيرهم عنه بلفظ: أقبلت راكباً على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار (1) فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليَّ أحد.
والحديث - كما قال أحمد - لا حجة فيه؛ لأن الأتان لم تمرَّ بين يديه صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عبد البر - كما في «الفتح» «1/ 454» -:«حديث ابن عباس هذا يخص حديث أبي سعيد: «إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يدع أحداً يمر بين يديه» . فان ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، وأما المأموم؛ فلا يضره من مر بين يديه؛ لحديث ابن عباس هذا».
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء. اهـ.
وأما حديث الفضل بن عباس قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم عَبَّاسَاً في بادية لنا، ولنا كُلَيْبَةٌ، وحمارة ترعى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، وهما بين يديه؛ فلم يُزْجَرا ولم يُؤَخَّرا.
(1) أعل الشيخ رحمه الله تعالى قوله: «إلى غير جدار» بالشذوذ في «الضعيفة» «5814» .
فهو حديث ضعيف.
قلت: وأول كلامه - بناءً على رواية النسائي - صحيح، وأما على زيادة أبي داود: ليس بين يديه سترة. فغير صحيح؛ فالجواب القاطع: إن الحديث ضعيف لا يحتج به. وكفى.
وأشار بقوله: «الأحاديث اللاحقة» . إلى ما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس: أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وغلام من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنزلوا ودخلوا معه، فصلوا، ولم ينصرف.
وإسناده صحيح. ولكن لا دلالة فيه - كما قال السندي -؛ لأنه ليس فيه على أن المرور كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين السترة.
وأما حديث عائشة الذي مرت الإشارة إليه في كلام أحمد؛ فقد أجاب هو نفسه عنه، وتقدم منا الجواب عنه مفصلاً عما قريب. ومن أراد زيادة تفصيل؛ فليراجع «فتح الباري» «1/ 467 - 468» ، و «شرح التقريب» «2/ 393 و 396» .
ومما احتج به من قال: إن المرأة لا تقطع الصلاة؛ حديثُ أم سلمة قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة أم سلمة؛ فمر بين يديه عبد الله - أو: عمرو بن أبي سلمة -، فقال بيده؛ فرجع، فمرت زينب بنت أم سلمة، فقال بيده هكذا؛ فمضت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:«هن أغلب» .
أخرجه ابن ماجه «1/ 302» ، وأحمد «6/ 294» ، وابن أبي شيبة أيضاً من طريق أسامة بن زيد عن محمد بن قيس عن أمه عنها.
وقال ابن ماجه: «عن أبيه عنها» .
قال في «الزوائد» : «في إسناده ضعف. ووقع في بعض النسخ: «عن أمه» .. بدل: «عن أبيه» ، وكلاهما لا يعرف». اهـ.
وقد ضَعَّفَ الحديثَ أيضاً ابنُ القطان، وقد ذكر كلامه الزيلعي «2/ 85» في «نصب الراية» .
فليس الحديث بحجة، على أنه لو صح؛ لما دل على المطلوب .. لما عرفت من الجواب عن حديث ابن عباس الأخير. ولو سُلِّم أن المرور كان بينه وبين السترة؛ فالجواب كما قال السندي:«إن الذي يقطع الصلاة مرور البالغة؛ لأنها المتبادرة من اسم المرأة، ويدل عليه رواية: «المرأة الحائض - كما تقدم -» . اهـ.
واحتجوا أيضاً بحديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: «لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم؛ فإنما هو شيطان» .
أخرجه أبو داود «1/ 114» ، والدارقطني «141» ، والبيهقي «2/ 278» من طريق أبي أسامة: ثنا مجالد عن أبي الوَدَّاك عنه.
وهذا سند ضعيف؛ فإن مجالداً هذا - هو: ابن سعيد -: ضعفه الجمهور، وقد اختلط أخيراً، وهذا من رواية أبي أسامة عنه، وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط - كما قال أبو زرعة في «شرح التقريب» «2/ 389» -.
وقال الحافظ في «التقريب» : «ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره» .
وقال في شيخه أبي الوَدَّاك - واسمه: جبر ابن نوف -: «صدوق يهم» .
قلت: وقد رواه عبد الواحد بن زياد عن مجالد به موقوفاً على أبي سعيد. ولعله الصواب.
كذلك أخرجه أبو داود، والبيهقي أيضاً.
والحديث ضعفه النووي في «شرح مسلم» ، والحافظ في «الفتح» «1/ 466» ، وقال:«ويرد من حديث ابن عمر وأنس وأبي أمامة عند الدارقطني، ومن حديث جابر عند الطبراني في «الأوسط» ، وفي إسناد كل منها ضعف».
قلت: وروي عن أبي هريرة أيضاً عند الدارقطني، وفيه إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
وإسماعيل ضعيف. وشيخه متروك - كما في «التقريب» -.
وبالجملة؛ فالأحاديث المعارضة لأحاديث القطع بالأشياء الثلاثة بعضها صحيح؛ كحديث عائشة، وحديث ابن عباس في بعض ألفاظه، وهي عند التأمل فيها بإنصاف غير معارضة لتلك.
والبعض الآخر صحيح المعارضة، ولكنها غير صحيحة الإسناد؛ فحينئذٍ لا يجوز المعارضة بها.
وقال ابن القيم في «الزاد» «1/ 111» : «ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيح غير صريح، وصريح غير صحيح؛ فلا تُترك لمعارض هذا شأنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعائشة رضي الله عنها نائمة في قِبلته، وكأن ذلك ليس كالمار؛ فإن الرجل مُحَرَّمٌ عليه المرور بين يدي المصلي، ولا يكره له أن يكون لابثاً بين يديه، وهكذا المرأة؛ يقطع مرورها الصلاة دون لُبْثِها. والله أعلم» .
وأما دعوى بعضهم نسخ تلك الأحاديث؛ فشيء لا برهان عليه، وقد أنكرها كثير من العلماء، حتى من الذين لم يذهبوا إلى ظاهرها؛ كالنووي، وابن حجر وغيرهما.
قال في «المجموع» «3/ 251» : «وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ؛ فليس بمقبول؛ إذ لا دليل عليه، ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع - وهي آخر الأمر - أن يكون ناسخاً؛ إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده،
وقد علم وتقرر في الأصول أن مثل هذا لا يكون ناسخاً، مع أنه لو احتمل النسخ؛ لكان الجمع بين الأحاديث مقدماً عليه، إذ ليس فيه رد شيء منها، وهذه أيضاً قاعدة معروفة».