الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبوت وضع اليد على الصدر في الصلاة وضعف القول بوضعهما تحت السرة
[قال الإمام]:
ورد ما يدل صريحاً على أن السنة الوضع على الصدر؛ عند الإمام أحمد بسند قوي، كما ذكره العلامة المحقق عبد العظيم آبادي في «غنية الألمعي» ، وغيره في غيره، فيجب المصير إليه، وأما قول علي: السنة وضع الكف في الصلاة تحت السرة؛ فضعيف باتفاق المحدثين، فلا يعتمد عليه.
التعليقات الرضية (1/ 288)
مذاهب العلماء في محل الوضع
وأما مذاهب العلماء في محل الوضع؛ فذهبت الشافعية - قال النووي: «وبه قال الجمهور» - إلى أن الوضع يكون تحت صدره؛ فوق سرته.
قال النووي: «واحتج أصحابنا بحديث وائل» .
قال الشوكاني «2/ 158» : والحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأنهم قالوا: إن الوضع يكون تحت الصدر.
والحديث مصرِّح بأن الوضع على الصدر، وكذلك حديث طاوس المتقدم، ولا شيء في الباب أصح من حديث وائل المذكور، وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير علي وابن عباس لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} بأن «النحر» : وضع اليمنى على الشمال في محل النحر والصدر. اهـ.
وذهب أبو حنيفة، وسفيان الثوري وغيرهما إلى أن الوضع تحت السرة، واحتجوا بحديث علي المتقدم، وقد علمتَ أنه حديث ضعيف اتفاقاً؛ فلا يجوز
الاحتجاج به، لا سيما وقد ثبت عن راويه - أعني: علياً - من فعله خلافُه - كما سبق -؛ وهو الوضع فوق السرة لا تحتها! وقواعد الحنفية تقضي بترك الحديث الذي عمل راويه بخلافه - كما هو مقرر عندهم في أصول الفقه -؛ فينبغي عليهم أن يتركوا حديث علي - لا سيما وهو ضعيف -، وأن يأخذوا بفعله، وهو أصح من مَرْوِيِّهِ، ومؤيد بأحاديث أخرى في الباب - كما رأيت -.
وقد أنصف المحقق السندي رحمه الله؛ حيث قال في «حاشية ابن ماجه» - بعد أن ساق بعض الأحاديث التي أسلفنا ومنها حديث طاوس المرسل -: وهذا الحديث - وإن كان مرسلاً؛ لكن المرسل - حجة عند الكل.
وبالجملة؛ فكما صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال؛ ثبت أن محله الصدر؛ لا غير. وأما حديث: إن من السنة وضع الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة.
فقد اتفقوا على ضعفه. كذا ذكره ابن الهمام نقلاً عن النووي، وسكت عليه. اهـ.
وأما ما جاء في كتاب «بدائع الفوائد» لابن القيم «3/ 91» : قال - يعني: الإمام أحمد - في رواية المزني: ويكره أن يجعلهما على الصدر.
وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: نهى عن التكفير. وهو وضع اليد على الصدر. اهـ.
فإنه استدلال عجيب! فإن الحديث - إن صح - ليس فيه النهي عن التكفير في الصلاة، وليس كل ما كان منهياً عنه خارج الصلاة يكون منهياً عنه فيها؛ بل قد يكون العكس؛ فقد أمرنا - مثلاً - بالقيام فيها لله تعالى، ونهينا عنه خارجها لغيره سبحانه وتعالى، فلا يبعد أن يكون الحديث كناية عن النهي عن الخضوع لغير الله تعالى، كما يُخضَع له تعالى بوضع اليدين على الصدر في الصلاة، فيكون عليه الصلاة والسلام نهى عن هذا الوضع لغير الله تعالى؛ لما فيه من الخضوع وتعظيم غير الله تعالى.
وبهذا يتحقق أن هذا الحديث لا تعلق له بالصلاة مطلقاً؛ على أن تفسير «التكفير» بما ذكره الإمام أحمد مما لم نجده فيما عندنا من كتب اللغة؛ بل قال الإمام ابن الأثير في «النهاية» : «التكفير: هو أن ينحنيَ الإنسان ويطأطئ رأسه قريباً من الركوع، كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه» . وفي القاموس: «التكفير: أن يخضع الإنسان لغيره - وقال قبل أسطر: - والكَفْرُ - بالفتح -: تعظيم الفارسيِّ مَلِكَه» . زاد الشارح: «وهو إيماء بالرأس من غير سجود» .
وهذه النصوص من هؤلاء الأئمة تؤيد ما ذهبنا إليه من أن الحديث لا علاقة له بالصلاة، وأن المراد به النهي عن الخضوع لغير الله تعالى.
هذا يقال فيما إن صح الحديث، وما أراه يصح؛ فإنا لم نجد له أصلاً في شيء من الكتب التي بين أيدينا. {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .
هذا، وإني أستغرب من ابن القيم كيف مرَّ على كلام الإمام أحمد بدون أن يعرج عليه بأدنى تعليق! وهو من هو في اطلاعه على علم اللغة، والشرع الشريف؛ لا سيما وأن كلام الإمام مخالف لما اعتمده ابن القيم نفسه في كتاب «الصلاة»؛ حيث ذكر في سياق صلاته صلى الله عليه وسلم: أنه كان يضع يديه على صدره! فالله تعالى أعلم بأسرار القلوب وخفاياها.
ثم وجدت في «مسائل الإمام أحمد» «ص 62» رواية ابنه عبد الله عنه قال: «رأيت أبي إذا صلى؛ وضع يديه إحداهما على الأخرى فوق السرة» .
«وقد عمل بهذه السنة الإمام إسحاقُ بن راهويه؛ فقال المروزي في «المسائل» «ص 222» : كان إسحاق يوتر بنا
…
ويرفع يديه في القنوت، ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثَدْيَيْهِ أو تحت الثديين».
ومثله قول القاضي عياض المالكي في «مستحبات الصلاة» من كتابه «الإعلام» «ص 15 - الطبعة الثالثة/ الرباط» : «ووضع اليمنى على ظاهر اليسرى عند النحر» .
[أصل صفة الصلاة (1/ 223)]