الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشوكاني في «نيل الأوطار» 2/ 59: «وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه وعن أحمد: لا يصح صلاة من قدر على ذلك فتركه وعنه أيضا: تصح ويأثم.»
وأغرب ابن حزم كعادته في التمسك بظاهريته فقال 4/ 71: «وفرض على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه فإن لم يفعل بطلت صلاته فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه كان معه ثوب غيره أو لم يكن» .
قلت: فوقف مع ظاهر الحديث ولم يوجب الرداء إذا استطاعه خلافا لحديث بريدة هذا وحديث ابن عمر أيضا فكأنه لم يقف عليهما.
ومن غرائبه أنه ذكر في المسالة بعض الآثار التي يدعم بها رأيه وليس فيها شيء من ذلك بل أحدها على خلافه وهو ما ذكر عن محمد بن الحنفية: «لا صلاة لمن لم يخمر على عاتقيه في الصلاة» .
فهذا لو صح حجة عليه لأنه أطلق ولم يقيده بالثوب الواحد لكن في سنده أشعث وهو ابن سوار الكندي وهو ضعيف كما في «التقريب» ولم يخرجه ابن حزم وقد رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» 1/ 349.
[تمام المنة ص (162)]
القدر الواجب سَتْرُهُ على الرجل في الصلاة زائد عن العورة
[قال الإمام في مقدمة تعليقه على رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية حجاب المرأة ولباسها في الصلاة]:
رسالة شيخ الإسلام هذه هي من رسائله العظيمة حقا فإنها على لطافة حجمها قد لا يجد الطالب الكثير منه في الموسوعات الفقهية وموضوعها في اللباس الواجب على كل من الرجل والمرأة في الصلاة فقد أهبت فيها بالأدلة القاطعة أن هذا اللباس ليس هو اللباس يستر به الرجل عورته خارج الصلاة فقط بل إنه يجب عليه شيء
آخر وهو ستر المنكبين أيضا وهذا لحق الصلاة وحرمتها لا لأنها من العورة واستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء» وبأحاديث أخرى «ص 12 - 13» . وهذه مسألة هامة طالما غفل عنها جماهير المصلين الذين يصلون في قميص «الشيال» الذي لا يستر المنكبين إلا خطا دقيقا منهما غافلين عن قول الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} . وما أحسن ما ذكر المؤلف «ص 17» «إن ابن عمر رضي الله عنه قال لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسر الرأس: أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا؟ قال: لا قال: فالله أحق من يتجمل له» والجملة الأخيرة قد جاءت مرفوعة في بعض الطرق عن ابن عمر ولفظها في رواية للبيهقي «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تزين له» (1).
وسبب الغفلة المذكورة عن هذا الأدب الواجب في الصلاة يعود في رأيي إلى أمرين:
الأول: ظن الكثيرين أن الواجب من اللباس في الصلاة إنما هو ما ستر العورة فقط. وهذا الحصر مع أنه مما لا دليل عليه مطلقا فهو مخالفة صريحة للنصوص المتقدمة ولا سيما الحديث الأول فإنه يدل على بطلان الصلاة إذا لم يكن على عاتقيه من ثوب شيء. وهو مذهب الحنابلة وهو الحق الذي لا ريب فيه.
والآخر: جمودهم على التقليد الأعمى فقد يقرؤون أو يسمعون بتلك النصوص ولكنهم يتأثرون بها ولا يتخذونها لهم مذهبا لأن المذهب الذي نشأوا عليه يحول بينهم وبين الاهتداء بها ولذلك فالسنة في جانب وهم في جانب كما هو شأنهم في هذه المسألة إلا من عصم الله وقليل ما هم فجزى الله شيخ الإسلام خيرا الذي نهد لهم السبيل في هذه الرسالة المباركة ليتعرفوا على كثير من الحقائق التي غفلوا عنها ومنها هذه. ومن ذلك أنه إذ كان لا يجوز له أن يصلي مكشوف الفخذين سواء قيل: هما عورة أولا؟ «ص 16» وهذا من فقهه الدقيق رحمه الله تعالى.
(1) انظر «صحيح أبي داود» «645» . [منه].