الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب ستر العورة
وجوب ستر العورة وحدها:
هي فرض من فروض الصلاة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
والمراد: ستر العورة بدليل سبب النزول. قال ابن عباس: كانوا [في الجاهلية] يطوفون عراة: الرجال بالنهار والنساء بالليل وكانت المرأة [تطوف بالبيت وهي عريانة][تخرج صدرها وما هناك] [فتقول: من يعيرني.
تطوفا تجعله على فرجها و] تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله.
فقال الله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن جرير في «تفسيره» والحاكم وعنه البيهقي من طرق عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عنه به. والسياق لابن جرير والزيادة الأولى للحاكم والثانية لمسلم والنسائي والرابعة للبيهقي في رواية والرابعة لمسلم أيضاً.
وقال هشام بن عروة عن أبيه: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس - والحمس قريش وما ولدت - كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء.
أخرجه مسلم.
وفي طوفهم هذا نزل أيضا قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ الله لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28]. قاله مجاهد كما في «تفسير ابن كثير» فسمى الله تعالى طوافهم عراة:
فاحشة. وهو قول أكثر المفسرين كما قال القرطبي وهو مشهور عن ابن عباس كما في «المجموع» .
هذا وقولنا والمراد ستر العورة متفق عليه بين العلماء كما نقله ابن حزم في «المحلى» وأقره الحافظ في «الفتح» .
«وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ما ملكت يمينك» وقوله: «لا تمشوا عراة» .
الحديث الأول سبق بتمامه مخرجا في «آداب الاغتسال» .
والحديث الثاني هو من رواية المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال:
أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة» . أخرجه مسلم.
ومن طريقه ابن حزم وأبو داود والبيهقي من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل عنه.
وفي الباب: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري ومسلم.
ومن طريقه ابن حزم والبيهقي وأحمد من طريق زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار عنه.
ثم أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار به نحوه بلفظ:
فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: «إزاري إزاري فشد عليه إزاره» .
وكذلك أخرجه البيهقي وابن حزم.
وله شاهد من حديث أبي الطفيل وذكر بناء الكعبة في الجاهلية قال:
فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر النمرة فنودي: يا محمد خمر عورتك. فلم ير عريانا بعد ذلك.
هكذا أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن ابن خثيم عنه.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال مسلم.
وقد أورده الحافظ في «الفتح» مطولا وقال: أخرجه عبد الرزاق. ومن طريقه الحاكم والطبراني. وهو في «المستدرك» وصححه ووافقه الذهبي.
وهذه الأحاديث - وكذا الآية - فيها دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة وخارجها:
أما وجوب سترها خارج الصلاة فمتفق عليه وقد نقل الاتفاق هذا ابن رشد في «البداية» ونقل النووي في «المجموع» الإجماع عليه.
وأما وجوب سترها في الصلاة فمختلف فيه فالجمهور على وجوب ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود وابن حزم. قال في «البداية» :
«وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة» .
وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي كما في «تفسير القرطبي» وهذا مذهب ضعيف ترده تلك الأوامر الصريحة بستر العورة والصلاة أحق بذلك كما لا يخفى.
هذا ومما ذكرنا تعلم أن قول ابن حزم في مراتب الإجماع: «واتفقوا أن ستر العورة فيها لمن قدر على ثوب مباح لباسه له فرض» ليس بصواب نقل الاتفاق هذا.
ثم إن الذين ذهبوا إلى وجوبها في الصلاة جعلو ذلك شرطا من شروط صحة الصلاة فمن صلى عاريا فصلاته باطلة عندهم. قال النووي:
«وقال بعض أصحاب مالك: ستر العورة واجب وليس بشرط فإن صلى مشكوفها صحت صلاته سواء تعمد أو سها» .
قلت: وهذا هو الحق إن ذلك واجب غير شرط فإن الشرطية تتطلب دليلا زائدا على مجرد الأمر ولم نجد لمن قال بالشرطية أي دليل اللهم إلا ما ذكره النووي حيث قال: «دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث عائشة: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» .. ويأتي. قال: «ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق» .
وهذا الحديث كما ترى خاص بالنساء لكن النووي قاس عليهن الرجال وهو قياس فاسد الاعتبار لوجود الفرق الواضح بين عورة الرجل وعورة المرأة كما لا يخفى.
وقد أجاد في هذا الصدد الشوكاني في «النيل» فإنه بعد أن ذكر ما احتج به الجمهور في إثبات الشرطية من الأحاديث السابقة قال: «ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب وأما الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها لأن الشرط حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب «يعني حديث عائشة» لكن لا يصفو الاستدلال بذلك عن شوب كدر لأنه أولا يقال: نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية لأنه قد نفى القبول عن صلاة الآبق ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عرافا مع ثبوت الصحة بالإجماع.
وثانيا: بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة وهو أخص من الدعوى وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح ههنا لوجود الفارق وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل.
وثالثا: بحديث سهل بن سعد عند الشيخين وأبي داود والنسائي بلفظ: كان الرجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم على أعتاقهم كهيئة الصبيان ويقال