الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يصح شيء في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بلا سترة
[روي أن النبي صلى الله عليه وسلم]: «صلى في فضاء ليس بين يديه شيء» . ضعيف.
[ثم فصل الإمام ضعفه وأورد أدلة وجوب السترة والزجر عن تركها إلى أن قال]:
فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت؛ فما قولكم في حديث عبد الله بن عباس قال: «أقبلت راكباً على حمارٍ أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحدٌ» ؟ أخرجه البخاري في «صحيحه» «76، 493، 861» من طرق عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس. والجواب من وجهين:
الأول: أنه ليس صريحاً في نفي السترة مطلقاً؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول هذا التخريج، وإنما هو ينفي سترة الجدار بخاصة، ولذلك؛ لما روى البيهقي «2/ 273» عن الإمام الشافعي قوله:«قول ابن عباس: «إلى غير جدار» يعني - والله أعلم - إلى غير سترة». فتعقبه ابن التركماني بقوله: «قلت: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة، ولا أدري ما وجه الدليل في رواية مالك على أنه صلى إلى غير سترة» . قلت: ويؤيده صنيع البخاري؛ فإنه ترجم للحديث بقوله: «باب سترة الإمام سترة من خلفه» . فهذا يعني أن الإمام البخاري لم يفهم من الحديث نفي السترة، ووجه الحافظ بقوله «1/ 571 - 572»: وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه. ثم أيّد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة. وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة، وهو قوله بعد ذكر الحربة:«وكان يفعل ذلك في السفر» ، وقد تبعه النووي فقال في «شرح مسلم» في كلامه على فوائد هذا الحديث: فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه. والله أعلم». والوجه الآخر: أن قول ابن عباس في هذا الحديث: «إلى
غير جدار»؛ قد اختلف الرواة عن مالك فيه، فمنهم من ذكره عنه، ومنهم من لم يذكره، وها أنا أذكر أسماءهم: أولاً: الذين ذكروه:
1 -
إسماعيل بن أبي أويس. البخاري «76» .
2 -
عبد الله بن يوسف. البخاري «493» .
3 -
عبد الله بن مسلمة. البخاري «861» ، وبعضهم لم يذكره عنه؛ كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
4 -
مطرف بن عبد الله. السراج في «مسنده» «3/ 41 / 2» ، وهذا فيما يغلب على الظن؛ فإن النسخة المصورة لم يظهر فيها ما بين عبد الله بن مطرف وعبيد الله بن عبد الله.
5 -
ابن بكير.
ثانياً: الذين لم يذكروه:
1 -
يحيى بن يحيى. في «موطأ مالك» «1/ 171» ، وعنه مسلم «2/ 57» ، والبيهقي «2/ 277» .
2 -
ابن القاسم عنه. في «المدونة» «1/ 114» ، وكذا النسائي في «الكبرى» ؛ كما في «تحفة الأشراف» «5/ 59» .
3 -
يحيى بن قزعة. البخاري «4412» .
4 -
القعنبي: عبد الله بن مسلمة. أبو داود «صحيح أبي داود» «رقم 709» ، والبيهقي «2/ 277» .
5 -
ابن وهب. أبو عوانة في «صحيحه» «2/ 60» ، وابن خزيمة في «صحيحه» «834» ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» «1/ 266» .
6 -
عبد الرحمن بن مهدي. ابن خزيمة أيضاً وأحمد «1/ 342» . 7 - أحمد بن أبي بكر. ابن حبان «4/ 55 / 2386 - الإحسان» ، والبغوي في «شرح السنة» «2/ 249» .
قلت: فأنت ترى أن هؤلاء الذين لم يذكروا تلك الزيادة أكثر عدداً وأجل قدراً من أولئك الذين ذكروها، وبخاصة أن فيهم من هو ألصق بالإمام مالك، وبرواية «الموطأ» أشهر؛ مثل يحيى بن يحيى - وهو النيسابوري -، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي على الخلاف عليه فيها كما تقدم. الأمر الذي يلقي في النفس أن روايتهم أصح، أو - على الأقل - هو مما يبعد القول بجواز أنهم لم يحفظوا تلك الزيادة عن مالك، كما أن اتفاق أولئك الثلاثة على روايتها عنه يبعد القول أيضاً بجواز خطئهم على مالك فيها. فالأقرب إلى الصواب أن يقال: إن مالكاً رحمه الله هو نفسه كان يذكرها تارة، ولا يذكرها أحياناً، فحفظ كل من هؤلاء وهؤلاء ما سمعوا منه. وكأن البيهقي أشار إلى هذه الحقيقة عقب رواية ابن بكير التي فيها هذه الزيادة بقوله:«وهذه اللفظة ذكرها مالك بن أنس رحمه الله في هذا الحديث في «كتاب المناسك» ، ورواه في «كتاب الصلاة» دون هذه اللفظة، ورواه الشافعي رحمه الله عنه في القديم كما رواه في «المناسك» ، وفي الجديد كما رواه في «الصلاة» .
قلت: ولم أر في «مناسك الموطأ» هذا الذي ذكره البيهقي، والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا «ولعل في رواية الإمام الشافعي للحديث دون الزيادة في مذهبه الجديد ما يشير إلى أن الإمام مالكاً كان يرويه كذلك في آخر أمره، وسواء ثبت هذا أو لم يثبت، فهو الراجح عندي واللائق بمنزلة الإمام مالك في العلم والحفظ؛ لمتابعة جمع من الثقات والأئمة الحفاظ له على رواية الحديث دون الزيادة، ولا بأس من ذكر أسماء الذين وقفت عليه منهم، مع التخريج:
1 -
ابن أخي ابن شهاب «واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم» . البخاري «1857» ، وأحمد «1/ 264» ، والسراج في «مسنده» «3/ 241» .
2 -
يونس بن يزيد. مسلم «2/ 57» ، وأبو عوانة «2/ 60» ، والبخاري تعليقاً «1853، 4412» .
3 -
سفيان بن عيينة. مسلم أيضاً وأبو عوانة وأبو داود «رقم 709 - صحيحه» ، والنسائي «2/ 64» ، والد ارمي «1/ 329» ، وابن ماجه «947» ، وابن خزيمة في «صحيحه» «833» ، وابن الجارود في «المنتقى» «66/ 168» ، والطحاوي في «شرح المعاني» «1/ 266» ، والبيهقي «2/ 276» ، وأحمد «1/ 219» ، والحميدي «275» ، وابن أبي شيبة «1/ 278، 280» ، وأبو يعلى «4/ 269 / 2382» ، والسراج أيضاً.
4 -
معمر بن راشد. عبد الرزاق «2/ 29 / 2359» ، ومن طريقه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة، وأحمد «1/ 365» عنه وعن عبد الأعلى، وصححه الترمذي «رقم 337» .
قلت: فاتفاق كل هؤلاء الثقات على عدم ذكر تلك الزيادة مما لا يجعل النفس تطمئن لثبوتها؛ بل إن ذلك لما يرجح بكل تأكيد أنها شاذة غير محفوظة، حتى ولو فرض اتفاق الرواة عن مالك بذكرها، فكيف وقد اختلفوا عليه فيها، فكيف وأكثرهم على عدم ذكرها كما سبق بيانه، والشذوذ يثبت بأقل من هذا؛ كما لا يخفى على العلماء العارفين بهذا الفن الشريف. ولذلك؛ أعرض عنها جمهور المؤلفين في «الصحيح» ؛ كمسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم؛ بل إن ابن خزيمة أشار في «صحيحه» إلى عدم ثبوتها؛ بجزمه أنه صلى الله عليه وسلم كان يستتر بالحربة؛ كما تقدم كلامه عند تخريج حديث عبد الكريم، وقال أيضاً بعد أن ساق الحديث دون زيادة، ونفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأتان تمر بين يدي الصفوف «2/ 25»: «فإن كان في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه؛ فجائز أن تكون سترة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى، ولو كانت سترته لا تكون سترة لمن خلفه؛ لاحتاج كل مأموم أن يستتر بحربة كاستتار النبي صلى الله عليه وسلم بها، فحمل العنزة للنبي صلى الله عليه وسلم يستتر بها