الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أن صيغة "لنا" إنما أتى بها لأنها
(1)
من جانب أصحابه
(2)
.
تنبيه:
ما نقله المصنف هنا عن أبي الحسين لا يناقض ما اختاره في تقسيم الألفاظ
(3)
؛ لأن الكلام هنا في مدلوله اللغوي، وأما هناك فالكلام في مدلوله الاصطلاحي
(4)
، ألا ترى إلى ذكره هناك: المتواطئ، والمشكِّك، والاسم، والفعل، والحرف، وكل هذه أسماء مصطلح عليها بين العلماء.
وقد رَدَّ المصنف على المذهبين أعني مذهب المعتزلة وأبي الحسين بأنه يُفسدهما قولُه تعالى حكايةً عن قول فرعون لقومه: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}
(5)
فأطلق الأمر على ما يقولونه في مجلس المشاورة، ومن المعلوم انتفاء العلو؛
(1)
سقطت من (ص).
(2)
يعني: فقول الرازي: "لنا" أي: لأصحابنا، لا لما اختاره، فقد ذهب أكثر الشافعية إلى عدم اشتراط الاستعلاء والعلو. وذهب ابن دقيق العيد والقاضي عبد الوهاب المالكي إلى اشتراط الاستعلاء والعلو، فأصبح في المسألة أربعة مذاهب. انظر: التقرير والتحبير 1/ 300، شرح الكوكب 3/ 12، نهاية السول 2/ 236، التمهيد للإسنوي ص 265.
(3)
أي: نقل المصنف هنا عن أبي الحسين اشتراط الاستعلاء في الأمر، واعترض على هذا الاشتراط، مع أنه في مبحث تقسيم الألفاظ قال بأن اللفظ المركب إذا كان لطلب أمر ما مع الاستعلاء فهو أمر.
(4)
ذكر هذا الجاربردي في السراج الوهاج 1/ 437، والبدخشي في مناهج العقول 1/ 193، وانظر: نهاية السول مع سلم الوصول 2/ 238.
(5)
سورة الأعراف: الآية 110، وسورة الشعراء: الآية 35.
إذ
(1)
كان فرعون في تلك الحالة أعلا رتبة منهم، وقد جعلهم آمرين له. وانتفاء الاستعلاء؛ إذ لم يكونوا مستعلين عليه، والأصل في الإطلاق الحقيقة، فدل ذلك على عدم اعتبار كل واحدٍ من العلو والاستعلاء.
ومما يدل على ذلك قول عمرو بن العاص لمعاوية رضي الله عنهما:
أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني
…
وكان من التوفيق قتلُ ابن هاشم
(2)
وابن هاشم هذا: رجل من بني هاشم، خرج من العراق على معاوية رضي الله عنه، فأمسكه فأشار عليه عمرو بقتله، فخالفه معاوية لشدة حلمه وكثرة عفوه، فأطلقه
(3)
، فخرج عليه مرة أخرى، فأنشده عمرو البيت في ذلك، لا في علي رضي الله عنه، وإنما نبهنا على ذلك مخافة أن يتوهمه متوهم.
وقال دُرَيْد بن الصِّمَّة
(4)
لنظرائه ولمن هو فوقه:
أمَرْتُهُمُ أَمْري بمُنْعَرَجِ اللِّوَى
…
(وهل يُستبان الرشدُ)
(5)
إلا ضُحَى الغدِ
(6)
(1)
في (ص): "إذا". وهو خطأ.
(2)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 46، نهاية الوصول 3/ 843.
(3)
في (غ)، و (ك):"وأطلقه".
(4)
هو دريد بن الصمة، من جُشَم بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان دريد من فخذٍ من جشم يقال لهم: بنو غَزِيَّة. وهو أحد الشجعان المشهورين، وذوي الرأي في الجاهلية. وشهد يوم حُنَيْن مع هوازن وهو شيخ كبير ناهز مائتي سنة، وقتل يومئذٍ فيمن قتل من المشركين. انظر: الشعر والشعراء 2/ 749، مع تعليق أحمد شاكر.
(5)
في "الشعر والشعراء"، و"الأصمعيات":"فلم يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ".
(6)
بعد هذا البيت:
فلما عَصَوْني كنتُ مِنهُمْ وقد أَرَى
…
غَوَايَتَهُمْ وأنني غَيْرُ مُهْتَدِي =
وقال الآخر
(1)
مخاطبًا يزيد بن المهلب
(2)
أمير خراسان والعراق:
أمرتك أمرًا جازمًا
(3)
فعصيتني
…
فأصبحتَ مسلوب الإمارة
(4)
نادمًا
(5)
(6)
وقد قيل في إبطال مذهب أبي الحسين على الخصوص: في الكتاب العزيز آياتٌ في غاية التلطف
(7)
، ونهاية الاستجلاب بتذكير النعم، والوعد بالنعيم، كما في قوله تعالى: {اعْبُدُوا
(8)
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
= وهل أَنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ
…
غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أرْشُدِ
انظر: الشعر والشعراء، 2/ 750، الأصمعيات ص 107.
(1)
وهو حضين بن المنذر. انظر: تعليق الأستاذين أحمد أمين وعبد السلام هارون على شرح ديوان الحماسة 2/ 814.
(2)
هو أبو خالد يزيد بن المُهَلَّب بن أبي صُفْرة الأزديّ. ولد سنة 53 هـ. وَلِيَ المشرق بعد أبيه، ثم وَلِيَ البصرة لسليمان بن عبد الملك، ثم عزله عمر بن عبد العزيز بعديّ بن أرطاة، وطلبه عمر وسجنه. له أخبار في السخاء والشجاعة، وكان الحجَّاج مُزَوَّجًا بأخته. وقد خرج على يزيد بن عبد الملك بن مروان واستولى على البصرة فسار لحربه مسلمة بن عبد الملك فالتقوا، فقتل يزيد في صفر سنة 102 هـ. انظر: سير 4/ 503، وفيات 6/ 278.
(3)
في ديوان الحماسة 2/ 814: حازمًا.
(4)
في (ت): "الولاية". ومكتوب فوقها: "الإمارة.
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 48.
(6)
بعد هذا البيت كما في ديوان الحماسة 2/ 814:
فما أنا بالباكي عليك صَبَابَةً
…
وما أنا بالداعي لترجع سالما
(7)
في (ت): "التلطيف". وفي (ك): "التلاطف".
(8)
في الأصل: "اتقوا". وهو خطأ.
قَبْلِكُمْ}
(1)
(2)
، وقوله:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}
(3)
(4)
إلى غير ذلك من الآيات المنافية لاشتراط الاستعلاء
(5)
، وإلا يلزم أبا الحسين أن يخرجها عن كونها أوامر، بل يلزمه أن يخرج كل صيغة لا يدل معها دليل على وجود الاستعلاء: الذي هو هيئة قائمة بالآمر، وأكثر الأوامر لا يوجد فيها ذلك.
قال: (وليس حقيقةً في غيره دفعًا للاشتراك. وقال بعض الفقهاء: إنه مشترك بينه وبين الفعل أيضًا؛ لأنه يطلق عليه مثل: {وَمَا أَمْرُنَا} ، و {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ} والأصل في الإطلاق الحقيقة. قلت: المراد الشأن
(6)
مجازًا. قال البصري: إذا قيل: أمْرُ فلانٍ - ترددنا بين القول والفعل والشيء والشأن والصفة، وهو آية الاشتراك. قلنا: لا بل يتبادر القول).
قد عرفت أن لفظ الأمر حقيقة في (القول المخصوص، وذلك باتفاق.
(1)
سورة البقرة: الآية 21.
(2)
فهذه الآية فيها أمر بالتقوى مع التلطف، والاستجلاب بتذكير النعم.
(3)
سورة آل عمران: الآية 31.
(4)
وهذه الآية فيها أمر بالاتباع مع الوعد بالنعيم، وهو قوله بعد ذلك:{يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} لأن مغفرة الذنوب سبب لكل نعيم دنيوي وأخروي.
(5)
لأن هذه الأوامر في هذه الآيات فيها علو؛ إذ الآمر هو الله سبحانه وتعالى، وليس فيها استعلاء؛ لأن الاستعلاء لا يجتمع مع التلطف والترغيب، بل يكون مع التهديد والوعيد، وهذه الآيات بخلاف هذا.
(6)
سقطت من (ت).
قال المصنف: فلا يكون حقيقة في)
(1)
غيره دفعًا للاشتراك. وقال بعض الفقهاء: إنه مشترك بين القول المخصوص والفعل. ونقل الأصفهاني في "شرح المحصول" عن ابن برهان أنه قال: كافة العلماء ذهبوا إلى أنه حقيقة في الفعل والشأن والقصة والمقصود والغرض. ولم أرَ ذلك في كلام ابن برهان.
واستدل القائل بأنه حقيقة في الفعل: بأنه يطلق عليه كما في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}
(2)
أي: فِعْلُنا. وقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}
(3)
أي: فِعْلُه، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
وأجاب في الكتاب: بأن المراد بالأمر هنا هو الشأن الشامل للقول والفعل
(4)
، ويكون مجازًا من باب إطلاق الخاص وإرادة العام
(5)
، والمجاز خير من الاشتراك.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سورة القمر: الآية 50.
(3)
سورة هود: الآية 97.
(4)
قال القرطبي في تفسيره 17/ 149: قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} أي: إلا مرة واحدة {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} أي: قضائي في خَلْقي أسرع من لمح البصر. واللمح: النظر بالعجلة، يقال: لمح البرق ببصره. وفي الصحاح: لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف. اهـ. وانظر: تفسير ابن كثير 4/ 268، تفسير النسفي 4/ 206. وقال القرطبي أيضًا في آية:{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} . أي: شأنه وحاله، حتى اتخذوه إلهًا، وخالفوا أمر الله تعالى:{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أيضًا: بسديد يؤدي إلى صواب. اهـ. تفسير القرطبي 9/ 93.
(5)
أي: أطلق الأمر الذي هو خاص، وأراد به الشأن الذي هو عام، وهذا مجاز.
وهذا الجواب وإن كان صحيحًا فلا يحتاج إليه مَنْ يقول: المراد بالأمر في هاتين الآيتين هو القول، أما الأُولى
(1)
: فلأنه لو أريد الفعل للزم أن يكون فعله سبحانه واحدة وهو في السرعة كلمح البصر، وذلك باطل ضرورةَ ثبوتِ تعددِ أفعاله، وحدوث بعضها بالرفق والتدريج
(2)
، وإذا حُمِل على القول لا يلزم منه محذور.
وأما الثانية: فإرادة القول فيها ظاهرة يدل عليها قوله تعالى: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ}
(3)
.
وأبو الحسين وهو المشار إليه بقوله: "البصري" زعم أن لفظ الأمر مشترك بين القول المخصوص - كما سبق - وبين الشيء، كقولنا: تحرك هذا الجسم لأمرٍ، أي: لشيء. والصفة
(4)
، كقول الشاعر:
لأمرٍ ما يُسَوَّد مَنْ يَسُودُ
(5)
(1)
أي: الآية الأولى.
(2)
أي: فلو فسَّرنا الأمر في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} بالفعل - لأدى هذا إلى إفادة أن لله تعالى فعلًا واحدًا؛ لأنه قال: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} بأداة الحصر، وهذا باطل؛ لأنه معلوم أن لله تعالى أفعالًا متعددة. وكذلك لأدى هذا التفسير إلى إفادة أن فعل الله تعالى لا يكون إلا كلمح البصر، وهذا باطل أيضًا؛ لأن من أفعال الله تعالى ما يقع بالتدريج والرفق.
(3)
سورة هود: الآية 97. (في المخطوطات: "واتبعوا" وهو خطأ).
(4)
قوله: والصفة، معطوف على قوله: وبين الشيء. أي: هو مشترك بين القول المخصوص وبين المشترك والصفة.
(5)
هذا عجز بيت، وصدره: عَزَمْتُ على إقامةِ ذي صبَاحٍ =
أي: لصفةٍ من صفات الكمال والشأن والطريق. كذا نَصَّ عليه في "المعتمد" إذ قال ما نصه: "وأنا أذهب إلى أن قول القائل: "أمْرٌ" مشتركٌ بين الشيء والصفة والشأن والطريق، وبين جملة الشأن والطريق، وبين القول المخصوص"
(1)
انتهى. ومقتضى ذلك أنه مشترك عنده بين خمسة أشياء، لكنه في "شرح المعتمد" فَسَّر الشأن والطريق بمعنى واحد، فيكون الأقسام عنده أربعة؛ فلذلك حذف المصنف "الطريق" وذلك من محاسنه.
واستدل البصري على ما ذهب إليه: بأنَّ مَنْ سمع قول القائل: هذا أمْرُ فلانٍ - تردد ذهنُه بين هذه المعاني، ما لم يُضَفْ إلى قرينة مُعَيِّنة لواحدٍ منها تُعَيِّن المراد منه
(2)
، وذلك آية الاشتراك، أي: علامته.
وأجاب عنه المصنف: بمنع تردد الذهن عند عدم القرينة، بل يتبادر
= والبيت لأنس بن مدركة الخثعميّ، وهو شاعر جاهليّ. انظر: خزانة الأدب 3/ 88، 91. ونسبه سيبويه في الكتاب (1/ 226) إلى رجل من خثعم. قال الأستاذ عبد السلام هارون في تعليقه على "الكتاب" 1/ 227: أي: عزمتُ على أن أقيم صباحًا، وأؤخر الغارة على العدو إلى أن يعلوَ النهار، ثقةً مني بقوتي وظفري بهم. فإن الذي يُسَوِّده قومه لا يسوِّدونه إلا لأمرٍ عظيم، وخصلةٍ عاليةٍ يلمسونها فيه، وهو جدير بالسيادة لذلك. وكان العرب يختارون الصباح للغارة، التماسًا لغفلة العدوّ، فخالفهم هو لاعتزازه بشجاعته". وانظر البيت في الخصائص لابن جني 3/ 32.
(1)
انظر: المعتمد 1/ 39.
(2)
يعني: ما لم يضف "الأمر" إلى قرينة معينة تعيِّن المراد منه، مثل أن نقول: هذا أمرٌ بالفعل. أو نقول: أمر فلان مستقيم. أو: جاء زيدٌ لأمر من الأمور. فالأمر في المثال الأول هو القول المخصوص، وفي الثاني هو الشأن، وفي الثالث الشيء، أي: جاء لشيء من الأشياء، أو غرض من الأغراض.