الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتصلة.
قال:
(والمنفصل ثلاثةٌ:
الأول: العقل
. مثل): {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ).
المنفصل: هو الذي يستقل بنفسه، ولا يحتاج في ثبوته إلى ذكر لفظِ العامِّ معه، بخلاف المتصل.
قال المصنف: وهو ثلاثة: العقل، والحس، والدليل السمعي. قال القرافي: "والحَصْر غير ثابت، فقد بقي التخصيص بالعوائد، كقولك: رأيت الناس فما رأيت أفضلَ مِنْ زيد. والعادةُ تَقْتضي أنك لم تَرَ كُلَّ الناس. وكذا التخصيص بقرائن الماحوال، كقولك لغلامك: إيتني
(1)
بمن يحدثني. فإن ذلك لِمَنْ يصلح لحديثه
(2)
في مثل حاله. والتخصيص بالقياس إلا أن يُدَّعى دخوله في السمعي"
(3)
.
الأول: العقل:
فيجوز التخصيص بدليل العقل ضروريًا كان أو نظريًا:
فالأول: كتخصيص قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
(4)
، فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس خالقًا لنفسه.
(1)
في (ص): "ائتني".
(2)
فمَنْ عام، وأريد به خاصٌّ بقرائن الأحوال.
(3)
انظر: نفائس الأصول 5/ 2070، والنقل باختصار وتصرف من الشارح، وقوله:"إلا أن يدعى دخوله في السمعي" هذه زيادة من الشارح رحمه الله تعالى.
(4)
سورة الرعد: الآية 16. سورة الزمر: الآية 62.
والثاني: كتخصيص قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(1)
، فإنا نخصِّص الطفل والمجنون؛ لعدم فهمهما الخطاب.
واعلم أن منهم مَنْ خالف في التخصيص بالعقل، ونقله إمام الحرمين عن بعض الناشئة، أي: الذين نشأوا، وقال:"أبَوْا أن يسموا هذا الفن تخصيصًا"
(2)
.
ونحن نقول أوَّلًا: هذا هو ظاهر نصِّ الشافعي رضي الله عنه، فإنه قال في "الرسالة":"باب ما نزل من الكتاب عامًا يُراد به العام، ويدخله الخصوص"
(3)
، وبدأ بآياتٍ عامةٍ يُراد بها العام، ولا يدخلها الخصوص، توطئةً لما ذكرهَ بعدها مما يدخله الخصوص، ولذلك
(4)
كانت ترجمة الباب في بعض نسخ "الرسالة" كما ذكر شارحها أبو بكر الصيرفي: "ما نزل عامًا يُراد به العام، وعامًا يدخله الخصوص". قال الشافعي رضي الله عنه: قال الله عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
(5)
- وذكر قوله تعالى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}
(6)
- (ثم قال)
(7)
-: فهذا عامٌّ لا خاصَّ فيه، فكل شيء من سماءٍ وأرض وذي
(1)
سورة آل عمران: الآية 97.
(2)
انظر: البرهان 1/ 409.
(3)
انظر: الرسالة ص 53.
(4)
في (ك): "وكذلك". وهو خطأ.
(5)
سورة الرعد: الآية 16. سورة الزمر: الآية 62.
(6)
سورة هود: الآية 6.
(7)
سقطت من (غ).
روحٍ وشجرٍ وغير ذلك فالله خالقه، وكلُّ دابة فعلى الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها
(1)
. انتهى.
وثانيًا: كما قال إمام الحرمين: "هذه المسألة قليلة الفائدة، نَزْرَة الجدوى والعائدة، فإنَّ تَلَقِّي الخصوص من مأخذ العقل غير منكَر، وكون اللفظ موضوعًا للعموم على أصل اللسان - لا خلاف فيه مع منْ يعترف ببطلان مذهب الواقفية، وإن امتنع ممتنعٌ مِنْ تسمية ذلك تخصيصًا - فليس في إطلاقه مخالفةُ عقلٍ أو شرع، والخلاف في المسألة عند التحقيق لفظي"
(2)
، فإن مقتضى اللفظ العام غير ثابت فيما دلَّ العقل على امتناعه فيه. ثم نقول: يمكن أن يقال: إن
(3)
الآيتين اللتين أوردهما الشافعي رضي الله عنه على عمومهما، ودعوى تخصيص العقل فيهما باطلة.
أما قوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} - فهو عز وجل غيرُ داخلٍ في هذا الخطاب؛ لوجهين:
أحدهما: أن المخاطِب لا يدخل في عموم خطابه عند جماعةٍ من الأصوليين، ولعله اختيار الشافعي
(4)
، ولذلك لو قال: نساء العالَم
(5)
(1)
انظر: الرسالة ص 53، 54.
(2)
انظر: البرهان 1/ 409، مع تصرف يسير من الشارح رحمه الله تعالى.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
هو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو المذهب عند الشافعية، لكن الأكثرين على دخول المتكلم في عموم خطابه، ورجَّحه الغزالي، والآمدي، وابن الحاجب، والقرافي. انظر: التمهيد ص 346، المستصفى 3/ 307 (2/ 26)، الإحكام 2/ 278، بيان المختصر 2/ 229، شرح التنقيح ص 198، البحر المحيط 4/ 262، شرح الكوكب 3/ 252.
(5)
في (ت)، و (غ):"العوالم".
طوالق - لم تطلق امرأته على أحد الوجهين. وقد أطنب أبو بكر الصيرفي شارح "الرسالة" في ذلك، فقال رادًا على ابن داود، وابن أبي داود، ويحيى بن أكثم، حيث اعترضوا على الشافعي في ذلك: قد جهلوا الصواب، وذهبوا عن اللغة، وذلك أن رجلًا لو كان من أهل بغداد فقال: أطعمتُ أهل بغداد جميعًا - لم يُقَل له: خرجتَ أنتَ بخصوص، وإنما العموم في المُطْعَمِين سواه
(1)
؛ لأنه هو المُطْعِم لهم. قال: وفي الآية دليلان:
أحدهما: أن لا خالق سواه.
والثاني: أنَّ
(2)
ما سواه مخلوق، وليس هناك خصوص، والكلام صحيح، وينبغي أن يُعرف موضعُ العموم؛ لأن الخطاب عام فيما ليس بمحال.
والوجه الثاني: أنَّ
(3)
لفظة "شيء" لا تطلق على الله تعالى على أحد المذهبَيْن للمتكلمين
(4)
.
فإن قلت: لا شك أن الشيء يشمل الموجوداتِ لغةً واصطلاحًا، والمنع مِنْ إطلاقه على الباري تعالى عند مانعه إنما هو لعدم الإذن، بناءً على أن أسماءه توقيفية وهذا لا يجيء في الآية
(5)
.
(1)
واضح أن قوله: "وإنما العموم في المطعمين سواه" ليس من كلام المعترض، بل ردٌّ عليه.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (ص).
(4)
انظر: تفسير الرازي 12/ 186، الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين 2/ 14.
(5)
يعني: أن الآية لا تفيد إطلاق اسم الشيء على الله تعالى، بل الآية تفيد أن الله تعالى خالق الموجودات جميعًا؛ لأن كل شيءٍ فهو موجود، والله سبحانه وتعالى موجود، والعقل يخصصه من عموم الآية.
قلت: قد استند المانعُ من ذلك إلى شيئين:
أحدهما: عدم الإذن، ويتجه على هذا ما ذكرتَ
(1)
.
وثانيهما: وهو الذي عَوَّل عليه أن لفظة "شيء" مأخوذة
(2)
من مُشَاء، والمُشَاء: المُحْدَث الذي ليس بقديم. والله تعالى قديم؛ فلا يصدق عليه ذلك، لما ذكرناه.
فإن قلت: فما تصنع هذا في قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}
(3)
؟ .
قلتُ: لعله لا يرى الوقف على قوله: {قُلِ اللَّهُ}
(4)
.
فإن قلت: لا يخلو المانع من التخصيص بالعقل في هذه الآية مِنْ أن يقول: إن لله عِلْمًا، أو لا عِلْمَ له. فإنْ كان ممن ينفيه - فكتاب الله شاهد عليه، إذ يقول:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}
(5)
، وقولُه:
(1)
أي: يُعْترض عليه بما ذُكِر من كون الآية لا تفيد تسمية الله تعالى بشيء.
(2)
في (ت)، و (غ):"مأخوذ".
(3)
سورة الأنعام: الآية 19.
(4)
يعني: فيكون لفظ الجلالة مبتدأ، و"شهيد" خبره "قل الله شهيد"، فلا يتعلق بما قبله. ولو وقف على لفظ الجلالة - فإن يكون مرتبطًا بما قبله، أي: الله أكبر شهادة، فلفظ الجلالة مبتدأ، وأكبر شهادة خبر محذوف. انظر: الفتوحات الإلهية على الجلالين 2/ 14، فتح القدير 2/ 104 - 105، إرشاد العقل السليم 3/ 118، التفسير الكبير 12/ 186 - 187.
(5)
سورة البقرة: الآية 255.
{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}
(1)
. وإنْ كان يثبته وجب عليه أن يقول: عِلْم الله مخلوق
(2)
ويلزمه أيضًا أن يقول: القرآن مخلوق
(3)
.
قلت: قد أورد ابن داود هذا على الشافعي رضي الله عنه، وسَفَّهَ الأئمة مقاله، وقالوا: هو
(4)
اعتراض غير سديد؛ لأن صفات الله عز وجل من العلم والقدرة والكمال ليست بأعيانٍ له
(5)
؛ لأن الصفة ليست هي الموصوف ولا هي غيره.
(6)
- فهي أيضًا على عمومها، فكل دابة تَدِبُّ
(7)
(1)
سورة النساء: الآية 166.
(2)
لأنه شيء من الأشياء، بدليل قوله تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} ، والله سبحانه خالق كل شيء.
(3)
لأنه من علمه، كما قال أحمد رضي الله عنه. انظر: سير أعلام النبلاء 11/ 245، 286 وأخرج ابن الجوزي رحمه الله بسنده عن عبد الرحمن العكبري، قال:"سألت أحمد بن حنبل قلت: يا أبا عبد الله القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود؟ فقال: منه بدأ عِلْمه، وإليه يعود حُكمه". انظر: مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 154 - 155.
(4)
في (غ): "هذا".
(5)
أي: ليست صفاته تعالى أعيان مستقلة عن ذاته، بل الصفة قائمة بالذات، فليست هي الذات، ولا هي غير الذات.
(6)
سورة هود: الآية 6.
(7)
بكسر الدال من باب ضرب.
انظر: المصباح المنير 1/ 201، لسان العرب 1/ 369، مادة (دبب).
على وجه الأرض، أو في قعر البحار، أو تحت أطباق الثرى - فاللهُ رازقها دون غيره، ويعلم مستقرها ومستودعها. واعتراض ابن داود بقوله: مِنَ الدوابِّ مَنْ أفناه الله تعالى قبل أن يرزقه - خطأٌ، كما قال أبو بكر الصيرفي، بل لا بد أن يرزقه إلى أن يُفنيه - بما يقيم حياته، وله نفس ثابتة به. وقد جعل الله غذاء طائفةٍ من الطير التنفسُ إلى مدة يصلح فيها للمأكل
(1)
، وليس في قوله عز وجل:{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}
(2)
ما يوجب أنه لا يرزق بعض الدواب. قال الصيرفي: لأن هذا رزق التفضيل
(3)
بقوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}
(4)
، والتفضيل وقع، كما رأينا الموسر والمعسر، وأما الرزق الذي
(5)
يقيم الأبدان للعبادة والحياة
(6)
- فلا بد منه، كما قال الله عز وجل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي
(7)
أنه لن تموت نفسٌ حتى
(1)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"المأكل".
(2)
سورة البقرة: الآية 212. سورة آل عمران: الآية 37. سورة النور: الآية 38. سورة الشورى: الآية 19.
(3)
أي: يفضل بعض الخلق على بعض في الرزق، أما عموم الرزق فهو شامل للجميع.
(4)
سورة النحل: الآية 71.
(5)
سقطت من (غ).
(6)
في (ص)، و (ك)، و (غ):"أو الحياة".
(7)
الرُّوع: بالضم، القلب والعقل، ووقع ذلك في رُوعي، أي: نفسي وخَلَدي وبالي. انظر: لسان العرب 8/ 137، مادة (روع)، النهاية 2/ 277، قال المناوي في فيض القدير 2/ 450:"أي: ألقى الوحي في خَلَدي وبالي، أو في نفسي، او قلبي، أو عقلي - من غير أن أسمعه، ولا أراه. والنفث: ما يلقيه الله إلى نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلهامًا كشفيًا بمشاهدة عين اليقين".