الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجرد جمعٍ من كتب متفرقة، لا يصدق اسم المُصَنِّفِ على فاعله!.
قال:
(الخامسة: المخصَّص بمعيَّنٍ حجة
، ومنعها عيسى بن أبان وأبو ثور، وفَصَّل الكرخي).
يشبه أن تكون هذه المسألة مفرعةً على قول مَنْ يقول: العام المخصوص مجاز؛ فإنَّ مَنْ قال غير ذلك احتج به هنا لا محالة.
وحاصل هذه المسألة أن العام إن خُصَّ بمبهم كما لو قيل: اقتلوا المشركين إلا بعضهم - فلا يحتج به على شيء من الأفراد؛ إذ ما مِنْ فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج. وهذا قد ادعى جماعةٌ فيه الاتفاق
(1)
، وهي دعوى غير مسموعة، فقد صَرَّح ابنُ بَرْهَان في "الوجيز" بأن محلَّ الخلاف فيما إذا خُصَّ بمبهم، فإن عبارته: العام إذا دخله التخصيص
(2)
لم يصر مجملًا، وقال عيسى بن أبان: إنْ كان التخصيص بدليل مجهول صار مجملًا
(3)
. انتهى. وهو مصرِّحٌ بخلاف الدعوى، مع زيادة أن المختار عنده خلافها
(4)
، وهو قضية إيراد المحصول
(5)
. والقاضي
(1)
كالآمدي في الإحكام 2/ 233، والأصفهاني في بيان المختصر 2/ 142، والقرافي في شرح التنقيح ص 227.
(2)
أي: سواء كان التخصيص بمعيَّن أو مبهم.
(3)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 233.
(4)
أي: أن ابن برهان صَرَّح بخلاف دعوى الاتفاق التي ادعاها جماعة، مع زيادة أن المختار عنده خلاف هذه الدعوى، وهو أن العام المخصَّص بمبهم ليس مجملًا.
(5)
وهو قوله: "يجوز التمسك بالعام المخصوص، وهو قول الفقهاء". فلم يفصِّل في الجواز، بل أطلق. ثم بعد ذلك صرَّح بما يختاره فقال:"والمختار أنه لو خُصَّ تخصيصًا مجملًا لا يجوز التمسك به، وإلا جاز". وهذا تصريح من الإمام بوجود الخلاف في المخصَّص بالمجمل. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 22، 23.
في "مختصر التقريب" ذَكَرَ الخلافَ في العمومِ إذا خُصَّ هل يصرِ مجملًا؟ ولم يُقَيِّد بمبهم ولا معيَّن، ونَقَل مذهبَ ابن أبان عن كثير من الفقهاء من أصحاب الشافعي ومالكٍ وأبي حنيفة، وطائفةٍ من المتكلمين منهم الجبائي وابنه
(1)
. انتهى.
ووجه هذه الطريقة التي ذكرها ابن بَرْهان - كما ذَكَرَ -: أنا إذا نظرنا إلى فرد من الأفراد شككنا
(2)
فيه هل هو من المخْرَج؟ والأصل عدمه، فيبقى على الأصل، ويُعْمل به إلى أن لا يبقى فَرْدٌ
(3)
.
لكن الهندي رَدَّ هذا البحث: بأن المسألة مفروضة في الاحتجاج بالعام المخصوص فيما عدا المخصوص، وهذا البحث يقتضي صحة الاحتجاج في الجميع: المُخَصَّص وغيره
(4)
، ولا قائل به
(5)
. انتهى.
(1)
فمذهب ابن أبان وهؤلاء المذكورين - كما ذكر القاضي - هو أن العام المخصوص مجمل، سواء خُصَّ بمبهم أو معين؛ لأن القاضي لم يُقيِّد الخلافَ، كما ذكر الشارح. انظر: التلخيص 2/ 40، وهذا المذهب هو الذي حكاه البخاري عن ابن أبان في كشف الأسرار 1/ 307، وكذا أبو الحسين في المعتمد 1/ 265.
(2)
في (ت): "وشككنا".
(3)
المعنى: أن كل فردٍ من أفراد العام المخصوص بمبهم يُشَك فيه هل هو مخرج أم لا؟ والأصل عدم الخروج، والشك لا يَرْفع الأصلَ، فَيُعمل بكل فردٍ من أفراد هذا العام. وقوله: ويعمل به إلى أن لا يبقى فرد، معناه: يعمل به في جميع الأفراد حتى لا يبقى فردٌ لا يعمل به؛ لأن الجميع متساوٍ في كونه مشكوكًا، وفي كون الأصل عدم خروجه.
(4)
أي: بحث ابن برهان يقتضي صحة الاحتجاج في الجميع: المخصَّص وهو المُخْرَج، وغير المخصَّص وهو الباقي بعد التخصيص.
(5)
انظر: نهاية الوصول 4/ 1486. قال الزركشي رحمه الله تعالى في البحر (4/ 358) رادًا على صفي الدين رحمه الله تعالى: "وليس كما قال، فقد حكى =
ويتجه عندي أن يقال: يُحتج به إلى أن يبقى فرد واحد فلا يحتج به، هذا إذا خُصَّ بمبهم. أما إذا خُصَّ بمعيَّنٍ وهي مسألة الكتاب، كما لو قيل: اقتلوا المشركين إلا المستأمن، أو أهلَ الذمة - ففيه مذاهبُ:
أصحها: عند الإمام وأتباعه منهم المصنف: أنه حجة في الباقي مطلقًا
(1)
. وهو قول معظم الفقهاء، واختاره الآمدي، وابن الحاجب
(2)
.
= الخلاف فيه صاحب "اللباب" من الحنفية، وعبارته: وقيل: إن كان المخصوص مجهولًا لم يثبت به الخصوص أصلًا، بل يبقى النص عامًا كما كان. كذا حكاه أبو زيد في "التقويم". وممن حكى الخلاف أبو الحسين بن القطان". وفي فواتح الرحموت 1/ 308:(و) قال (الجمهور) العام المخصوص (بمبهم ليس حجة خلافًا لفخر الإسلام) الإمام، وشمس الأئمة، والقاضي الإمام أبي زيد، وأكثر مُعْتَبَري مشايخنا (في) المخصِّص (المستقل) بل لا مخصِّص عندهم إلا هو، فإنه عندهم حجة ظنية (وقيل) إذا كان المخصِّص مستقلًا مبهمًا (يسقط المبهم، والعام يبقى كما كان) وإليه مال الشيخ أبو معين مِنّا. اهـ. وانظر: تيسير التحرير 1/ 313.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 23، الحاصل 1/ 533، التحصيل 1/ 370، نهاية الوصول 4/ 1485، 1486.
(2)
انظر: الإحكام 2/ 233، بيان المختصر 2/ 141، واختاره إمام الحرمين في البرهان 1/ 410 - 412، وصححه الغزالي في المستصفى 3/ 255 (2/ 57)، ونسبه ابن الهمام إلى الجمهور. انظر: تيسير التحرير 1/ 313، وكذا في المسلَّم مع الفواتح 1/ 308. وهو مذهب أحمد رضي الله عنه وأكثر الحنابلة. انظر: شرح الكوكب 3/ 161، المسودة ص 116. وقال القرافي في شرح التنقيح ص 227:"وهو حجة عند الجميع إلا عيسى بن أبان، وأبا ثور"، وكذا في إحكام الفصول ص 247. وفي البحر المحيط 4/ 360:"وقال ابن الصباغ في "العدة": إنه قول أصحابنا. . . وقال أبو زيد في "التقويم": إنه الذي صَحَّ عنده من مذهب السلف. قال: لكنه غير موجب للعلم قطعًا، بخلاف ما قبل التخصيص. وكذا قال السرخسي". وانظر: أصول =
والثاني: أنه
(1)
ليس بحجة
(2)
. وهو قول عيسى بن أبان، وأبي ثور
(3)
(4)
. وهو مراد المصنف بقوله: "ومنعها" أي: ومنع حجيته.
والثالث: وبه قال الكرخي والبلخي، إنْ خُصَّ بمتصل كالشرط، والاستثناء، والصفة - فهو حجة. وإن خُصَّ بمنفصل فلا
(5)
.
= السرخسي 1/ 144، وإلى هذا القول صار جماهير المعتزلة. انظر: البرهان 1/ 410، المستصفى 3/ 254.
(1)
سقطت من (غ).
(2)
سواء كان المخصِّص مبهمًا أو معينًا. انظر: فواتح الرحموت 1/ 308، تيسير التحرير 1/ 313، كشف الأسرار 1/ 307، وكلام الشارح رحمه الله تعالى يدل على هذا التعميم؛ لأن من يجعل العام المخصوص بمعين مجملًا، فالمخصوص بمبهم من باب أولى.
(3)
هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور الكلبي البغداديّ. ولد في حدود سنة 170 هـ. قال ابن حبان:"كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا، وورعًا وفضلًا وخيرًا. ممن صنف الكتب وفرَّع على السنن، وذبّ عنها، وقمع مخالفيها". توفي رحمه الله في صفر سنة 240 هـ. انظر: سير 12/ 72، الطبقات الكبرى 2/ 74.
(4)
انظر: الإحكام 2/ 232، بيان المختصر 2/ 144، كشف الأسرار 1/ 307. وقد سبق بيان أن التخصيص عند الحنفية هو ما كان بمنفصل مستقل، لا بمتصل غير مستقل، وعلى هذا فقول عيسى بن أبان إنما يكون في المخصِّص المنفصل، بخلاف قول أبي ثور رضي الله عنه، فهو عام في المخصِّص المتصل والمنفصل.
(5)
كان الأنسب أن يَذْكر رأي عيسى بن أبان رحمه الله تعالى في هذا القول الثالث، كما في فواتح الرحموت 1/ 308:(وقيل) العام (حجة إن خُصَّ بمتصل)، غير مستقل، وليس حجة إن خص بمستقل، وهو مختار الشيخ الإمام أبي الحسن الكرخي، والإمام عيسى بن أبان في رواية، وأبي عبد الله الجرجاني، وعندهم ليس المخصِّص إلا المستقل، ولذا لم يفصَّل في كتب مشايخنا، والمصنف إنما احتاج إلى التفصيل بالمتصل وغيره؛ لأنه جرى على اصطلاح الشافعية. ثم اعلم أنهم إنما يقولون ببطلان الحجية إذا كان المستقل كلامًا لا غير من العقل وغيره. اهـ. وانظر: كشف الأسرار 1/ 307، تيسير التحرير 1/ 313. تنبيه: وردت النسبة إلى البلخي في الإحكام =
وهذا التفصيل يُفْهم من المسألة السابقة
(1)
؛ فلذلك أهمل المصنف تبيينه، واقتصر على حكاية هذه الثلاثة.
والرابع: أن التخصيص إنْ كان قد منع من تعلق الحكم بالاسم العام، وأوجب تعلقه بشرط لا ينبئ عنه الظاهر - لم يجز التعلق به، كما في قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}
(2)
؛ لأن قيام الدلالة على اعتبار النصاب، والحِرْزِ، وكون المسروق لا شبهةَ فيه للسارق
(3)
- يمنع مِنْ تعلق الحكم: وهو القَطْعُ، بعموم اسم السارق
= 2/ 232، وفي نهاية الوصول 4/ 1485، وفي مختصر ابن الحاجب. انظر: بيان المختصر 2/ 141، وفي التحرير لابن الهمام. انظر: التيسير 1/ 313، لكن في البحر المحيط (4/ 362) وردت النسبة إلى محمد بن شجاع الثلجي، وتبعه على ذلك الشوكاني في إرشاد الفحول ص 138، وكذا وردت النسبة في ميزان الأصول ص 290. وقد نبَّه الزركشي رحمه الله تعالى في "المعتبر" (1/ 112) على أن اسم "الثلجي" وقع محرفًا بـ "البلخي" في مختصر ابن الحاجب، مع أنه بالثاء المثلثة ثم لام ساكنة ثم جيم. والثلجي بهذا اللقب هو الوحيد عند الحنفية كما في الجواهر المضية 3/ 173، ونبه المحقق إلى أنه وقع مصحفًا في بعض النسخ بالبلخي. وعلى هذا فما ورد في النسخة المطبوعة للبحر المحيط - السالفة الذكر - محمد بن شجاع البلخي، إنما هو تصحيف، لا سيما وأن الزركشي نبه على ذلك في "المعتبر"، والشوكاني نقل عن البحر المحيط "الثلجي". وبهذا تعرف أن ما قاله الشيخ عبد الرزاق العفيفي رحمه الله تعالى في تعليقه على الإحكام 2/ 232:"البلخي - فيه تحريف، والصواب الكرخي، وهو أبو الحسن عبد الله بن دلهم بن دلال الكرخي البغدادي" ليس بصحيح، بل الصواب أنه إما الكرخي أو الثلجي، والله تعالى أعلم.
(1)
انظر: ص 1079.
(2)
سورة المائدة: الآية 38.
(3)
انظر: بداية المجتهد 2/ 446 - 451.
وموجِبٌ لتعلقه بشرطٍ لا ينبئ عنه ظاهر اللفظ
(1)
.
وإنْ كان التخصيص لا يَمْنع من تعلق الحكم به
(2)
- جاز التعلق به، كما في قوله تعالى:{اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
(3)
؛ لأن قيام الدلالة على المنع مِنْ قتل أهل الذمة لا يمنع من تعلق الحكم وهو القتل، باسم المشركين
(4)
. وهو قول أبي عبد الله البصري
(5)
.
والخامس: أن العام المخصوص إنْ كان بحيث لو تُرِكْنا وظاهرَه مِنْ غير بيان التخصيص - لكنا نمتثل ما أريد منا، ونضم إليه شيئًا آخرَ لم يُرَد منا، كقوله تعالى:{اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
(6)
، فإنا لو خُلِّينا وظاهرَه لَكُنَّا نقتل كُلَّ مَنْ صَدَق عليه الاسم: من الحربي، والذمي، والمستأمن. فكنا قد
(1)
المعنى: أن حكم القطع منوط باللفظ العام في الآية وهو: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ، فجاء المخصِّص وألغى هذا التعلق بالعموم، وجعل الحكم منوطًا بشروطٍ لا يدل عليها اللفظ العام، فأصبح الحكم غير منوط بعموم اللفظ، بل بتلك الشروط في كل الأحوال، ففي هذه الحالة لا يجوز التعلق بالاسم العام.
(2)
سقطت من (ت)، والضمير في "به" يعود إلى اسم العام.
(3)
سورة التوبة: الآية 5. (في النسخ: "اقتلوا" بدون الفاء).
(4)
أي: أن المخصِّص ألغى التعلق ببعض الأفراد، ولم يلغ التعلق بالاسم العام، فلا زال حكم القتل متعلقًا بلفظ "المشركين"، وإن خرج بعض الأفراد. والحاصل أن حالة تقييد العموم بالشروط غير حالة إخراج بعض الأفراد، ففي الأولى إلغاء التعلق بالعموم، وفي الثانية إلغاء التعلق ببعض الأفراد.
(5)
انظر: المعتمد 1/ 265، 266، نهاية الوصول 4/ 1486.
(6)
في النسخ "اقتلوا". والآية بالفاء.
امتثلنا في ذلك
(1)
ما أريد منا، وما لم يُرَد - جاز التمسك به
(2)
.
وإنْ كان العام بحيث لو تُرِكنا وظاهره من غير بيان التخصيص لم يمكنا أن نمتثل ما أريد منا - لم يجز التمسك به. وهو كقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}
(3)
؛ لأنه لو لم يبين مراده - لم يمكنا فعلَ ما أراده من الصلاة الشرعية أصلًا، بخلاف آية السرقة فإنا لو خُلِّينا وظاهرَها - لَكُنَّا قطعنا كلَّ سارق، وفي ذلك امتثال ما أريد منا ولم يُرَدْ
(4)
. وهذا قول القاضي عبد الجبار
(5)
.
والسادس: أنه يجوز التمسك به في أقل الجمع
(6)
، ولا يجوز فيما زاد عليه
(7)
. قال الهندي: وهذا يشبه أن يكون قول من لا يُجَوِّز التخصيص إلى أقلَّ مِنْ أقلِّ الجمع
(8)
.
(1)
أي: في قتل كلِّ مَنْ صدق عليه الاسم.
(2)
أي: بالعام، وقوله:"جاز التمسك به" جواب "إن" الشرطية في قوله: إن كان بحيث لو تُرِكنا. . . إلخ، والجملة الشرطية وفعلها وجوابها، وهي: بحيث لو تُرِكنا. . . إلخ، هي فعل الشرط لقوله: إنْ كان. والمعنى: أنا إذا تُركنا وعمومَ النص من غير بيان التخصيص - فإن عموم النص يجعلنا نمتثل ما أريد منا بقتل الحربي، ونفعل ما لم يُرَد منا وهو قتل الذمي والمستأمن، فهذا العام يجوز التمسك به.
(3)
سورة الأنعام: الآية 72.
(4)
أي: وما لم يرد. كما هي أصل العبارة في نهاية الوصول 4/ 1488.
(5)
انظر: المعتمد 1/ 266، نهاية الوصول 4/ 1487.
(6)
سقطت الواو من (ت).
(7)
انظر: المستصفى 3/ 254 (2/ 57)، الإحكام 2/ 233، البحر المحيط 4/ 363.
(8)
نهاية الوصول 4/ 1488.
قلت: وإذا تقرر أن الخلاف جار في العام المخصوص مطلقًا، سواء كان بمبهم أو معيَّن - جاء مذهب سابع: وهو التفصيل بين المُعَيَّن والمبهم، كما أورده الإمام
(1)
.
قال: (لنا: أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر؛ لاستحالة الدور، فلا يلزم من زوالِها زوالُها).
استدل على ما اختاره بأن دلالةَ العام على فرد من أفراده لا تتوقف على دلالته على الآخر؛ لأن دلالتَه مثلًا على الباقي لو توقفت على البَعْضِ المُخْرَج؛ فإن لم تتوقف دلالتُه على المُخْرَج على الباقي - كان ذلك تحكمًا؛ إذ دلالة العام على كل أفراده متساوية. وإن توقفت عليه - لزم الدور؛ لتوقف كل منهما على الآخر، والدور مستحيل؛ فدلالته على كل
(2)
فردٍ لا تتوقف على دلالته على غيره من الأفراد. وإذن لا يلزم من زوال الدلالة عن بعض الأفراد - زوالُها عن البعض الآخر، فلا يكون حجة
(3)
.
(1)
وهناك مذهب ثامن حكاه الغزالي في المنخول ص 153، عن أبي هاشم من المعتزلة: وهو أن نتمسك به في واحد، ولا نتمسك به جميعًا. وهذا إذا كان المخصوص معلومًا.
(2)
سقطت من (ت)، و (غ).
(3)
أي: فلا يكون البعض الآخر حجة في حال تقدير زوال الدلالة عنه بزوال الدلالة عن بعض الأفراد. أو: فلا يكون زوال الدلالة عن البعض حجة في زوالها عن البعض الآخر.
وهذا الدليل ضعيفٌ من وجهين:
أحدهما: أن هذا دورُ مَعِيَّةٍ لا سَبْق، فلا استحالة فيه. ويظهر هذا بمعرفة دور السبق والمعية
(1)
، فنَقول: تَوَقُّفُ كلِّ واحدٍ من الشيئين على الآخر إن كان (توقُّفَ قبليَّةٍ وبعديَّة)
(2)
- فهو الدور السبقي الذي يستحيل وقوعه.
ومثاله: إذا قال زيد: لا أخرج من الدار حتى يخرج عمرو قبلي. وقال عمرو: لا أخرج منها حتى يخرج زيد قبلي.
وإن لم يكن سبقيًا، كما إذا قال كلٌّ منهما: لا أدخل حتى يدخل الآخر - فلا استحالة فيه؛ لجواز دخولهما معًا. وهذا هو المَعْنِيُّ، وهو الموجود في دلالة العام
(3)
.
والثاني: أن دلالةَ العام على كلِ فردٍ مشروطةٌ باستعماله في الموضوع: وهو الاستغراق، فإذا لم يُستعمل فيه جاز في كل واحدٍ أن يكون مرادًا، وأن لا يكون، فلا يكون حجة في شيء منه
(4)
.
(1)
انظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي 1/ 44.
(2)
في (ص): "توقف قبله وبعده". وهو خطأ.
(3)
فدلالة العام على الباقي تتوقف على دلالته على المُخْرج وبالعكس، وهذا التوقف مِنْ قبيل الدور المعي لا السبقي، فلا استحالة فيه. انظر: نهاية السول 2/ 402، السراج الوهاج 1/ 533، 534.
(4)
أي: شَرْط دلالة العام على كل فردٍ أن يكون مُسْتَعْملًا بمعنى الاستغراق، فإذا استعمل بغير معنى الاستغراق، بأن يُخَصَّص بمخصِّص - خرج عن كونه عامًا دالًا على كل فردٍ، وجاز في كل واحدٍ من أفراده أن يكون مرادًا، وأن لا يكون، فلا يكون العام حجة بعد التخصيص في أي فردٍ من أفراده.