المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة الثانية: اختلفوا في أقل الجمع على مذاهب، وليس محل الخلاف - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٤

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الأولى: أنه حقيقة في القول الطالب للفعل

- ‌تنبيه:

- ‌(الثانية: الطلب بديهي التصور وهو غير العبارات المختلفة

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الأولى: أن صيغة "افعل" تَرِد لستةَ عشرَ معنى:

- ‌(الثانية: أنها حقيقة في الوجوب مجاز في البواقي

- ‌(الثالثة: الأمر بعد التحريم للوجوب

- ‌فائدة

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: المعلَّق بشرطٍ أو صفةٍ مثل:

- ‌(السادسة: الأمر لا يفيد الفور خلافًا للحنفية

- ‌فائدة:

- ‌((الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الأولى: النهي يقتضي التحريم؛ لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا})

- ‌(الثانية: النهي شرعًا يدل على الفساد في العبادات

- ‌(الثالثة: مقتضى النهي فِعْلُ الضد

- ‌(الرابعة: النهي عن أشياء إما عن الجمع كنكاح الأختين، أو عن الجميع كالزنا والسرقة)

- ‌(الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌المقدمة الأولى:

- ‌المقدمة الثانية:

- ‌المقدمة الثالثة:

- ‌فائدة

- ‌المقدمة الرابعة:

- ‌المقدمة الخامسة:

- ‌المقدمة السادسة:

- ‌ الفرق بين العام، والمطلق، والنكرة والمعرفة، والعدد

- ‌(الثانية: العموم إما لغة بنفسه كـ "أي" للكل، و"مَنْ" للعالِمين، و"ما" لغيرهم، و"أين" للمكان، و"متى" للزمان)

- ‌القسم الأول: المفيد لغةً

- ‌تنبيه

- ‌فائدتان:

- ‌ القسم الثاني: وهو ما يفيد العموم من جهة العرف

- ‌(الثالثة: الجمع المنكَّر لا يقتضي العموم

- ‌ مشتملة على بحثين:

- ‌الأول: أن نفي المساواة بين الشيئين هل يقتضي العموم

- ‌البحث الثاني:

- ‌خاتمة:

- ‌(الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الأولى: التخصيص: إخراج(1)بعض ما يتناوله(2)اللفظ

- ‌(الثانية: القابل للتخصيص: حكمٌ ثَبَت لمتعددٍ لفظًا

- ‌تنبيه:

- ‌ الغاية التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌فائدة:

- ‌ العام إذا خُصَّ هل يكون في الباقي حقيقة

- ‌(الخامسة: المخصَّص بمعيَّنٍ حجة

- ‌(السادسة: يُستدل بالعامِّ ما لم يظهر مخصِّصٌ. وابن سريج أوجب طلبه أوَّلًا)

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثالث: في المخصِّص

- ‌الأُولى: شَرْطه

- ‌أحدهما: أن يكون متصلًا بالمستثنى منه عادةً

- ‌فوائد:

- ‌الشرط الثاني: عدم الاستغراق

- ‌ يشترط أن لا يزيد على النصف

- ‌(الثانية: الاستثناء من الإثبات نفيٌ

- ‌فرع:

- ‌(الثالثة: المتعددة إنْ تعاطفت أو استغرق الأخير(2)الأول عادت إلى المتقدم عليها، وإلا يعود الثاني إلى الأول؛ لأنه أقرب)

- ‌ حكم الاستثناء الواقع عقيب جملٍ عُطِف بعضها على بعض

- ‌فائدة:

- ‌القسم الثاني من أقسام المخصِّصات المتصلة: الشرط

- ‌إحداهما(6): في وقت وجود المشروط:

- ‌المسألة الثانية: في تعدد الشرط والمشروط:

- ‌فائدة:

- ‌(القسم الثالث)(2)من المخصِّصات المتصلة: الصفة

- ‌(الرابع: الغاية:

- ‌(والمنفصل ثلاثةٌ:

- ‌ الأول: العقل

- ‌فرع:

- ‌المخصِّص الثاني من المخصصات المنفصلة: الحس

- ‌الثالث من المخصصات المنفصلة: الدليل السمعي

- ‌الأولى: في بناء العام على الخاص

- ‌(الثانية: يجوز تخصيص الكتاب به، وبالسنة المتواترة، وبالإجماع

- ‌الأول: أنه يجوز تخصيص الكتاب به، أي: بالكتاب

- ‌البحث الثاني: يجوز تخصيص القرآن بالسنة المتواترة

- ‌فرع:

- ‌البحث الثالث: يجوز تخصيص الكتاب بالإجماع

- ‌تنبيه:

- ‌ تخصيص العموم بالمفهوم

- ‌(الخامسة: العادة (التي قَرَّرها رسول الله)

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: خصوص السبب لا يُخَصِّص(4)؛ لأنه لا يعارضه)

- ‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصِّص عموم اللفظ

- ‌البحث الثاني: فيما إذا عمل الراوي بخلاف العموم هل يكون ذلك(1)تخصيصًا للعموم

- ‌خاتمة:

- ‌ أفرد الشارع فردًا من أفراد العام بالذكر

- ‌(الثامنة: (عَطْفُ الخاص)(1)لا يخصِّص

- ‌(التاسعة: عَوْد ضميرٍ خاصٍّ لا يخصِّص

- ‌ فائدة

الفصل: ‌ ‌المسألة الثانية: اختلفوا في أقل الجمع على مذاهب، وليس محل الخلاف

‌المسألة الثانية:

اختلفوا في أقل الجمع على مذاهب، وليس محل الخلاف فيما هو المفهوم من لفظ "الجمع" لغةً

(1)

: وهو ضم شيء إلى شيء؛ فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد بلا خلاف

(2)

. وقد أفهم كلامُ ابنِ بَرْهان في "الوجيز" خلافَ ذلك، وليس كما أَفْهَمَ، وإنما محل الخلاف في "اللفظ" المسمى بـ "الجمع" في اللغة

(3)

، مثل: مسلمين، وغيره من جموع القلة، لا جموع الكثرة، فإن أقلها أحدَ عشرَ بإجماع النحاة

(4)

.

المذهب الأول: أن أقله اثنان. وهو المنقول عن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، وبه قال مالك، وداود، والقاضي، والأستاذ، والغزالي

(5)

.

= المطيعي رحمه الله تعالى في سلم الوصول (2/ 388، 389): إن الاستثناء مستثنى من هذه المسألة بلا خلاف على المختار.

(1)

أي: ليس الخلاف في معنى لفظ "الجمع" لغة، وهو اللفظ المركب من: ج، م، ع.

(2)

قال سليم الرازي: بل قد يقع على الواحد، كما يقال: جمعت الثوب بعضه إلى بعض. انظر: إرشاد الفحول ص 123.

(3)

أي: الخلاف في الصيغ الموضوعة للجمع، سواء كان للسلامة أو للتكسير. انظر: إرشاد الفحول ص 123.

(4)

سبق بيان أن للنحاة قولين في أقل جموع الكثرة. وانظر محل الخلاف في: نهاية السول 2/ 393، شرح تنقيح الفصول ص 233، البحر المحيط 4/ 192.

(5)

وهو مذهب ابن داود، وجمهور الظاهرية، واختاره الخليل وثعلب، ونفطويه من النحاة وهو قول الأشعري، وبه قال ابن الماجشون والباجي والقرافي من المالكية، وبعض الحنابلة. قال إمام الحرمين في البرهان 1/ 349:"وقد ذهب إليه جمع من المعتزلة". وانظر: التبصرة ص 127، المستصفى 3/ 311 (2/ 91)، الإحكام 2/ 222، البحر المحيط 4/ 184، شرح تنقيح الفصول ص 233، بيان المختصر =

ص: 1325

والثاني: ثلاثة، ولا يطلق على ما دونها إلا مجازًا. وهو المنقول عن ابن عباس، والشافعي، وأبي حنيفة، واختاره الإمام وأتباعه

(1)

.

والثالث: الوقف. وهذا لم أره مصرحًا بحكايته في كتاب يُعتمد

(2)

عليه، وإنما أشعر به كلام الآمدي، فإنه قال في آخر المسألة: وإذا عُرِف مأخذ الجمع من الجانبين - فعلى الناظر بالاجتهاد في الترجيح، وإلا فالوقف لازم

(3)

. هذا كلامه. ورأيت بعض المتأخرين بعده حكاه قولًا ثالثًا

(4)

،

= 2/ 126، نفائس الأصول 4/ 1861، الإحكام لابن حزم 4/ 421، فواتح الرحموت 1/ 269، كشف الأسرار 2/ 28، إحكام الفصول ص 249، شرح الكوكب 3/ 144، إرشاد الفحول ص 123.

(1)

وهو منقول أيضًا عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن مالك رضي الله عنه، قال الباجي في إحكام الفصول ص 249:"أقل الجمع ثلاثة عند أكثر أصحابنا. . . وهو المشهور عن مالك رحمه الله". ونقله القاضي أبو الطيب عن أكثر الشافعية، واختاره الغزالي في المنخول ص 149، وهو مذهب أحمد رحمه الله تعالى وأكثر الحنابلة، وهو أيضًا مذهب الحنفية قاطبة، واختاره ابن حزم رحمه الله تعالى. قال صاحب البحر المحيط 4/ 186: وحكاه ابن الدهان عن جمهور النحاة. وقال ابن خروف في "شرح الكتاب": إنه مذهب سيبويه. اهـ، ونسبه الآمدي إلى مشايخ المعتزلة، قال البخاري في كشف الأسرار 2/ 28:"وهو مذهب عبد الله بن عباس وعثمان وأكثر الصحابة، وعامة الفقهاء والمتكلمين وأهل اللغة". وانظر: المحصول 1/ ق 2/ 605، 606، الحاصل 1/ 518، التحصيل 1/ 356، نهاية الوصول 4/ 1346، المسودة ص 149، العدة 2/ 649، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 58، فتح الغفار 1/ 108، أصول السرخسي 1/ 151، المعتمد 1/ 231، المراجع السابقة للمذهب الأول.

(2)

في (ت): "معتمد".

(3)

انظر: الإحكام 2/ 226.

(4)

حكى هذا المذهب الأصفهاني في "شرح المحصول" عن الآمدي. انظر: البحر المحيط 4/ 187.

ص: 1326

ومجرد هذا لا يكفي في حكايته مذهبًا

(1)

.

والرابع: أن أقله واحد. أخذه بعضهم

(2)

من قول إمام الحرمين في "البرهان": "والذي أراه أن الرد إلى واحد ليس بدعًا، ولكنه أبعد من الرد إلى اثنين"

(3)

.

وعندي في هذا نظر، والظاهر أنه أراد أنَّ الرد إلى واحد ليس بِدْعًا بطريق المجاز

(4)

. وعند هذا ينقدح للمعترض أن يقول: ليس الكلام في

(1)

قد نقل هذا الكلام الزركشي عن الشارح في البحر المحيط 4/ 187، 188، ونقله الشوكاني عن الزركشي في إرشاد الفحول ص 124، ومع ذلك فقد قال الإسنوي في نهاية السول 2/ 391:"وتوقف الآمدي في المسألة". والصواب أنه لم يتوقف، بل علَّق التوقف على عدم الترجح، وهذا مما لا ينكر. فإن قيل: هو لم يرجَّح. قلنا: لا يلزم من كونه لم يرجَّح هنا أنه بقي على عدم الترجيح، فربما ظهر له مرجِّح بعد ذلك، ولربما كان عنده - حينما قال هذا الكلام - نوع من ميل لأحد القولين؛ لكنه لم يصرح به لعدم استكماله أوجه الترجيح أو لقوة المعارض، والحاصل أن إثبات مذهب التوقف لا يحسن بمثل هذا الكلام المعلَّق، بل ظاهر هذا الكلام الذي قاله الآمدي يدل على أن البحث عنده لم يستكمل ويحتاج إلى مزيد نظر للترجيح، فإن عجز بعد بذل الوسع كان التوقف.

(2)

وهو ابن الحاجب رحمه الله تعالى. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 105، لكن قال الأصفهاني في بيان المختصر 2/ 127:"ورابعها: الثلاثة بطريق الحقيقة، ويصح إطلاقه على الاثنين والواحد بطريق المجاز. وهو مذهب الإمام". أي: إمام الحرمين. ولكن عبارة ابن الحاجب لا تفيد ما ذكره الأصفهاني، بل تفيد بأن إمام الحرمين يرى صحة إطلاق الجمع على الواحد حقيقة. وهذا ما بينه العضد في الشرح، والتفتازاني في الحاشية، والشارح أيضًا في رفع الحاجب 2/ 90.

(3)

انظر: البرهان 1/ 352، وعبارته:"ولكنه أبعد من الرد إلى اثنين بكثير".

(4)

وقد رجَّح الشارح رحمه الله تعالى في رفع الحاجب (2/ 95) أن اختيار إمام الحرمين في مسألة الجمع: أن أقله ثلاثة. وذلك من فهمه لكلام إمام الحرمين.

ص: 1327

إطلاق ذلك مجازًا، وإنْ أراد إطلاقه حقيقةً فبعيدٌ.

ولقائل أن يقول: أنت قد قلت: لا بدع فيه. ثم قلت: وهو أبعد من الرد إلى اثنين. وما

(1)

نَرَى

(2)

الحقائقَ مختلفةَ المراتب في آحادها، بل لو كان حقيقة لتساوى هو والاثنان والثلاثة

(3)

.

والخامس: حكاه أبو

(4)

عَمْرو بن الحاجب: أنه لا يُطْلق على اثنين لا حقيقة ولا مجازًا

(5)

. وعندي في ثبوت هذا القول نظرٌ؛ فإنه لا نزاع عند القائلين بالمجاز في صحة إطلاق الكل وإرادة الجزء.

وقد يجاب: بأن الثلاثة: ليست كلًا؛ فإن الكل ماهية يتجزأ منها أجزاء، والثلاثة لا يتجزأ منها أجزاء، بدليل أنه لا يصح إطلاق لفظِ "واحد" عليها، ولو كانت كُلًا لصَحَّ؛ لأن إطلاق البعض وإرادة الكل جائز كالعكس

(6)

.

(1)

في (ت): "ولا".

(2)

سقطت من (ت)، وفي (ص)، "تُرَى".

(3)

معنى الاعتراض: أنَّ إمام الحرمين إنْ أراد: بأن أقل الجمع حقيقةٌ في الواحد - فلا يصح أن يقول: ولكنه أبعد من الرد إلى اثنين؛ لأن مفهوم كلامه هذا يُشْعر بأن دلالة اللفظ الحقيقية على الاثنين أقربُ من دلالته على الواحد، وهذا لا يصح؛ لأن الحقائق لا تختلف مراتبُ آحادها، أي: أفرادها، فاللفظ يدل على أفراد معناه الحقيقي دلالة متساوية؛ لأن هذا هو معنى الحقيقة، أما إذا ترجح معنى على آخر، كان الراجح هو الحقيقة، والآخر هو المجاز. وانظر: البحر المحيط 4/ 188، إرشاد الفحول ص 124.

(4)

في (ص): "ابن". وهو خطأ.

(5)

انظر: بيان المختصر 2/ 126، 127، شرح العضد 2/ 105، رفع الحاجب 2/ 90.

(6)

قوله: وقد يجاب بأن الثلاثة ليست كلًا. . . إلخ. معناه: أن قول القائل: إطلاق الجمع على الاثنين يصح مجازًا لأنه من باب إطلاق الكل على الجزء - فيه نظر؛ إذ الثلاثة =

ص: 1328

إذا عرفت هذا - فقد استدل أصحابنا بوجوه:

منها: أن الضمائر مختلفة، فالضمير في الجمع غير الراجع إلى التثنية

(1)

، فدل على تغايرهما، فلا يكون حقيقة في اثنين؛ إذ لو كان لصح إطلاقه عليه

(2)

.

ومنها: أن أهل اللغة يفصلون بينهما، ويجعلون كلًا منهما قسيمًا للآخر، فقالوا: الاسم قد يكون مفردًا، وقد يكون مثنى، وقد يكون مجموعًا فدل على التغاير.

واحتج القاضي أبو بكر في أصحابه بأوجه:

= التي هي أقل الجمع - على هذا القول الخامس - ليس كلًا حتى يصح هذا الاعتراض؛ لأن الكل ماهية تتجزأ إلى أجزاء، والثلاثة لا يتجزأ منها أجزاء، والدليل على ذلك أنه لا يصح أن يطلق بعض الثلاثة على الثلاثة، ولا أن تُطلق الثلاثة على بعضها، ولو كانت كلًا لصح ذلك. وعندي في هذا الجواب نظر؛ لأن الثلاثة كل؛ إذ الكل: هو المجموع المحكوم عليه. والثلاثة مجموع محكوم عليه، وكلُّ أسماء الأعداد كلٌّ. انظر: التمهيد ص 298. وأما عدم صحة إطلاق الواحد على الثلاثة، أو العكس - فلأن المجاز موضوع، ولم تضع العرب الواحد للثلاثة، أو العكس. وعلى القول بأنه ليس بموضوع فالواحد صريح في معناه لا يحتمل غيره، وكذا بقية الأعداد، فمن ثَمَّ لم يصح إطلاق البعض على الكل أو العكس في الأعداد. ثم إن الخلاف ليس في إطلاق لفظ "ثلاثة" على "اثنين"، أو "واحد"، بل الخلاف في إطلاق صيغة الجمع التي هي حقيقة في الثلاثة على اثنين مجازًا.

(1)

فضمير المفرد غير بارز، وضمير المثنى ألف، وضمير الجمع واو، نحو: افعل، وافعلا، وافعلوا. وهكذا في بقية الضمائر. انظر: نهاية السول 2/ 391.

(2)

أي: فلا يكون الجمع حقيقة في اثنين؛ إذْ لو كان حقيقة في اثنين لصح إطلاقه على ضمير التثنية، فنقول عن ضمير التثنية ضمير جمع، وهو باطل اتفاقًا.

ص: 1329

أحدها: قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}

(1)

، وأراد داود وسليمان عليهما السلام، فثبت صحة إطلاق الجمع وإرادة الاثنين

(2)

، والأصل في الإطلاق الحقيقة.

وأجيب كما ذكر في الكتاب: بأن الحكم مصدر، فيصح إضافته إلى معموليه أعني: الفاعل والمفعول، وهما هنا الحاكم والمحكوم عليه

(3)

.

وهذا الجواب ضعيف؛ لأن المصدر إنما يضاف إليهما على البدل، ولا يجوز أن يضاف إليهما جميعًا.

وأضعف منه قول الشيرازي - شارح الكتاب - في تصحيحه: الردُّ عليه بأن العرب لا تضيف المصدر إليهما جميعًا - ضعيفٌ؛ لأنه شهادةُ نفيٍ

(4)

.

(1)

سورة الأنبياء: الآية 78.

(2)

أي: لو لم يكن أقل الجمع اثنين لوجب أن يقال: لحكمهما. انظر: نهاية السول 2/ 392.

(3)

فيكون المراد: داود، وسليمان، والخصمين. قال الإسنوي في نهاية السول 2/ 392:"هكذا أجاب الإمام، وهو جواب عجيب، فإن المصدر إنما يضاف إليهما على البدل، ولا يجوز أن يضاف إليهما معًا. سمعت شيخنا أبا حيان يقول: سمعت شيخنا أبا جعفر بن الزبير يقول في هذا الجواب: إنه كلام من لم يعرف شيئًا من علم العربية. وقد ذكر ابن الحاجب في المختصر الكبير هذا الاعتراض أيضًا، وتكلف تصحيحه بإخراج الحكم عن المصدرية إلى معنى الأمر. والمصنف كأنه استشعر ضعفه وضعف ما بعده من الأجوبة فعزاها إلى غيره، فإنه عَبَّر عنها بقوله: فقيل، على خلاف عادته".

(4)

المعنى: أن الشيرازي يرد على القائل بأن العرب لا تضيف المصدر إلى معمولَيْه جميعًا: بكونه شهادة نفي، وهي ضعيفة، فلزم من ذلك صحة إضافة المصدر إلى معمولَيْه كما أجاب المصنف.

ص: 1330

وقد علمتَ في فصل الحروف أن مثل هذا ساقط من الكلام غير معدود من صنيع

(1)

العلماء، وإنما هو استرواح بما لا يَعْصِم.

وثانيها

(2)

: قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}

(3)

، والمراد: عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فأطلق القلوب وأراد قلبَيْن، والأصل في الإطلاق الحقيقة. قال إمام الحرمين في "التلخيص": وهذه الآية أقوى الآيات في الدلالة على الخصوم

(4)

.

وقد أجيب عن الاحتجاج بها كما ذكر في الكتاب: بأن حقيقةَ القلب: الجِرْمُ الحالُّ في الجانب الأيسر. ومجازه: ميوله. ومنه قولهم: لا قلب له إلى فلان، أي: لا ميل، والمجاز هو المراد هنا، والتقدير: فقد صغت ميولكما، يدل على هذا أنَّ الجِرْم لا يوصف بالصغو.

وهذا الجواب أيضًا ساقط؛ لأن القاعدة عند النحاة أنه

(5)

إذا أضيف شيئان إلى ما تضمنهما - جاز فيه ثلاثة أوجه، نحو: قطعت رأسَي الكبشَيْن، ورأسَ الكبشَيْن، ورؤوس الكبشَيْن

(6)

.

(1)

في (ت)، و (غ):"صُنْع".

(2)

في (ص): "وثانيهما" وهو خطأ؛ لأنها ثلاثة أوجه.

(3)

سورة التحريم: الآية 4.

(4)

أي: في الاحتجاج على الخصوم القائلين بأن أقل الجمع ثلاثة. انظر: التلخيص 2/ 175.

(5)

سقطت من (ت).

(6)

فالكبشان متضمنان للرأسَيْن، فجاز فيهما الإفراد والتثنية والجمع. والمعنى المراد: أن القلوب في الآية مضافة إلى ما تضمنهما وهما حفصة وعائشة رضي الله عنهما، فجاز التعبير عن قلبَيْهما بصيغة الجمع. ووجه سقوط الجواب أن الدليل الذي احتج به =

ص: 1331

وثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: "اثنان

(1)

فما فوقهما جماعة" رواه الدارقطني

(2)

من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي

(3)

عن

(4)

عمرو بن شعيب

(5)

عن أبيه

(6)

عن جده. والوقاصي ضعيف، وكلام المحدثين في عمرو بن شعيب

= الخصم لا حجة فيه على مُدَّعاه؛ للقاعدة النحوية المذكورة، فلا حاجة إلى تكلف الجواب بالمجاز. انظر: نهاية السول 2/ 393.

(1)

في (ص): "الاثنان". وهذا مخالف لرواية عمرو بن شعيب التي ذكرها الشارح، وإن كان موافقًا لما في المتن، وهي رواية الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاثنان فما فوقهما جماعة". أخرجه الدارقطني في السنن 1/ 280.

(2)

انظر: سنن الدارقطني 1/ 281.

(3)

هو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص. قال البخاري: تركوه. وقال ابن حجر: متروك، وكذبه ابن معين. انظر: تهذيب التهذيب 7/ 133، تقريب التهذيب ص 385.

(4)

سقطت من (ت).

(5)

هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعًا، الإمام المحدِّث أبو إبراهيم وأبو عبد الله القرشيّ السهمي الحجازيّ، فقيه أهل الطائف ومحدِّثهم، وكان يتردد كثيرًا إلى مكة، وينشر العلم، وله مال بالطائف. قال ابن حجر في التقريب:"صدوق، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومائة". انظر: سير 5/ 165، تهذيب 8/ 48، تقريب ص 423.

(6)

هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعًا. قال ابن حجر: "صدوق ثبت سماعه من جده، من الثالثة" أي: من الطبقة الثالثة التي وفاتها بعد المائة الأولى من الهجرة، كما هو اصطلاح ابن حجر رحمه الله في "التقريب". قال الذهبي:"ولم نَعْلم متى تُوفي، فلعله مات بعد الثمانين في دولة عبد الملك". انظر: سير 5/ 181، تهذيب 4/ 356، تقريب ص 267.

ص: 1332

عن أبيه عن جده مشهور، وحاصل ما فيه بعد أن تَعْرِف

(1)

أنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن قوله: "جده" يحتمل أن يكون جده الأدنى الحقيقي وهو محمد

(2)

، فيكون حديثه مرسلًا، فإن محمدًا تابعيٌّ. ويحتمل أن يكون جده الأعلى المجازي وهو عبد الله، فيكون متصلًا، وقد اختلف العلماء في الاحتجاج به إذا كان هكذا، فاحتج به أكثر من لا يحتج بالمرسل حملًا لَهُ على جده الأعلى

(3)

.

(1)

في (ص): "يُعْرف".

(2)

هو محمد بن عبد الله بن عمرو السهميّ، الطائفي. قال ابن حجر:"مقبول، من الثالثة". انظر: سير 5/ 181، تهذيب 9/ 266، تقريب ص 489.

(3)

قال الإمام الذهبي عن عمرو بن شعيب في سير أعلام النبلاء 5/ 173، 174:"قلت: الرجل لا يعني بجده إلا جَدَّه الأعلى عبد الله رضي الله عنه، وقد جاء كذلك مُصَرَّحًا به في غير حديث، يقول: عن جَدِّه عبد الله. فهذا ليس بمرسل، وقد ثبت سماعُ شعيب والده من جده عبد الله بن عمرو، ومن معاوية، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم. وما علمنا بشعيب بأسًا، رُبِّيَ يتيمًا في حجر جَدِّه عبد الله، وسمع منه، وسافر معه، ولعله ولد في خلافة عليّ، أو قبل ذلك، ثم لم نجد صريحًا لعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محمد بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد نحوٌ من عشرة أحاديث هيئتها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، وبعضها عن عمرو عن أبيه عن جده عبد الله. وما أدري هل حفظ شعيبٌ شيئًا من أبيه أم لا؟ وأنا عارفٌ بأنه لازم جَدَّه وسمع منه". وقال أيضًا عن أحاديثه: "ولا ريب أن بعضها من قبيل المسند المتصل، وبعضها يجوز أن تكون روايته وجادة أو سماعًا، فهذا محل نظرٍ واحتمال. ولسنا ممن نعدُّ نسخة عمرو عن أبيه عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوِجادة، ومن أجل أن فيها مناكير، فينبغي أن يُتأمَّل حديثه، ويتحايد ما جاء منه منكرًا، ويُروى ما عدا ذلك في السنن والأحكام محسِّنين لإسناده، فقد احتج به أئمة كبار، ووثَّقوه في الجملة، وتوقَّف فيه آخرون قليلًا، =

ص: 1333

ورواه ابن ماجه من حديث الربيع بن بدر المعروف بعُلَيْلة وهو أيضًا ضعيف

(1)

.

وأجاب الإمام: بأنه إذا أمكن حَمْلُ كلام النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي ولغوي - فالشرعيُّ أولى؛ لكونه مبعوثًا لبيان الشرعيات، فيحمل هنا على إدراك فضيلة الجماعة، وبأنه نَهَى عن السفر إلا في جماعة، فبَيَّن بهذا الحديث أن الاثنين فما فوقهما جماعة في جواز السفر

(2)

. وهذا ما اقتصر في الكتاب على ذِكْره.

= وما علمتُ أنَّ أحدًا تركه". سير 5/ 175. وكذا قال في ميزان الاعتدال 3/ 268: "ولسنا نقول: إن حديثه مِنْ أعلى أقسام الصحيح، بل هو من قبيل الحسن". وانظر: تهذيب التهذيب 8/ 48.

(1)

انظر: سنن ابن ماجه 1/ 312، رقم 972، ولفظه:"اثنان فما فوقهما جماعة". قال ابن حجر رحمه الله تعالى عن الربيع بن بدر: متروك. انظر: التقريب ص 206. والربيع يروي هذا الحديث عن أبيه عن جده، وأبوه هو بدر بن عمرو بن جَرَاد السعدي، قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: مجهول. انظر: التقريب ص 120. وانظر تخريج الحديث في: تحفة الطالب ص 252، الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 89، تلخيص الحبير 3/ 81، المقاصد الحسنة ص 21، فيض القدير 1/ 148. والعجيب أن الدكتور شعبان ذكر أن الحديث رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب: الاثنان فما فوقهما جماعة. انظر: الإبهاج بتحقيقه 1/ 132، والبخاري رحمه الله تعالى إنما عنون به. انظر: الجامع الصحيح 1/ 234، رقم 627، كتاب الجماعة والإمامة، باب: اثنان فما فوقهما جماعة. وزعم الدكتور أيضًا أن الحديث أخرجه النسائي، وليس كذلك.

(2)

انظر: المحصول 1/ ق 2/ 613، والنقل بتصرف وزيادة.

ص: 1334