المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ يشترط أن لا يزيد على النصف - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٤

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الأولى: أنه حقيقة في القول الطالب للفعل

- ‌تنبيه:

- ‌(الثانية: الطلب بديهي التصور وهو غير العبارات المختلفة

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الأولى: أن صيغة "افعل" تَرِد لستةَ عشرَ معنى:

- ‌(الثانية: أنها حقيقة في الوجوب مجاز في البواقي

- ‌(الثالثة: الأمر بعد التحريم للوجوب

- ‌فائدة

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: المعلَّق بشرطٍ أو صفةٍ مثل:

- ‌(السادسة: الأمر لا يفيد الفور خلافًا للحنفية

- ‌فائدة:

- ‌((الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الأولى: النهي يقتضي التحريم؛ لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا})

- ‌(الثانية: النهي شرعًا يدل على الفساد في العبادات

- ‌(الثالثة: مقتضى النهي فِعْلُ الضد

- ‌(الرابعة: النهي عن أشياء إما عن الجمع كنكاح الأختين، أو عن الجميع كالزنا والسرقة)

- ‌(الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌المقدمة الأولى:

- ‌المقدمة الثانية:

- ‌المقدمة الثالثة:

- ‌فائدة

- ‌المقدمة الرابعة:

- ‌المقدمة الخامسة:

- ‌المقدمة السادسة:

- ‌ الفرق بين العام، والمطلق، والنكرة والمعرفة، والعدد

- ‌(الثانية: العموم إما لغة بنفسه كـ "أي" للكل، و"مَنْ" للعالِمين، و"ما" لغيرهم، و"أين" للمكان، و"متى" للزمان)

- ‌القسم الأول: المفيد لغةً

- ‌تنبيه

- ‌فائدتان:

- ‌ القسم الثاني: وهو ما يفيد العموم من جهة العرف

- ‌(الثالثة: الجمع المنكَّر لا يقتضي العموم

- ‌ مشتملة على بحثين:

- ‌الأول: أن نفي المساواة بين الشيئين هل يقتضي العموم

- ‌البحث الثاني:

- ‌خاتمة:

- ‌(الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الأولى: التخصيص: إخراج(1)بعض ما يتناوله(2)اللفظ

- ‌(الثانية: القابل للتخصيص: حكمٌ ثَبَت لمتعددٍ لفظًا

- ‌تنبيه:

- ‌ الغاية التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌فائدة:

- ‌ العام إذا خُصَّ هل يكون في الباقي حقيقة

- ‌(الخامسة: المخصَّص بمعيَّنٍ حجة

- ‌(السادسة: يُستدل بالعامِّ ما لم يظهر مخصِّصٌ. وابن سريج أوجب طلبه أوَّلًا)

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثالث: في المخصِّص

- ‌الأُولى: شَرْطه

- ‌أحدهما: أن يكون متصلًا بالمستثنى منه عادةً

- ‌فوائد:

- ‌الشرط الثاني: عدم الاستغراق

- ‌ يشترط أن لا يزيد على النصف

- ‌(الثانية: الاستثناء من الإثبات نفيٌ

- ‌فرع:

- ‌(الثالثة: المتعددة إنْ تعاطفت أو استغرق الأخير(2)الأول عادت إلى المتقدم عليها، وإلا يعود الثاني إلى الأول؛ لأنه أقرب)

- ‌ حكم الاستثناء الواقع عقيب جملٍ عُطِف بعضها على بعض

- ‌فائدة:

- ‌القسم الثاني من أقسام المخصِّصات المتصلة: الشرط

- ‌إحداهما(6): في وقت وجود المشروط:

- ‌المسألة الثانية: في تعدد الشرط والمشروط:

- ‌فائدة:

- ‌(القسم الثالث)(2)من المخصِّصات المتصلة: الصفة

- ‌(الرابع: الغاية:

- ‌(والمنفصل ثلاثةٌ:

- ‌ الأول: العقل

- ‌فرع:

- ‌المخصِّص الثاني من المخصصات المنفصلة: الحس

- ‌الثالث من المخصصات المنفصلة: الدليل السمعي

- ‌الأولى: في بناء العام على الخاص

- ‌(الثانية: يجوز تخصيص الكتاب به، وبالسنة المتواترة، وبالإجماع

- ‌الأول: أنه يجوز تخصيص الكتاب به، أي: بالكتاب

- ‌البحث الثاني: يجوز تخصيص القرآن بالسنة المتواترة

- ‌فرع:

- ‌البحث الثالث: يجوز تخصيص الكتاب بالإجماع

- ‌تنبيه:

- ‌ تخصيص العموم بالمفهوم

- ‌(الخامسة: العادة (التي قَرَّرها رسول الله)

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: خصوص السبب لا يُخَصِّص(4)؛ لأنه لا يعارضه)

- ‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصِّص عموم اللفظ

- ‌البحث الثاني: فيما إذا عمل الراوي بخلاف العموم هل يكون ذلك(1)تخصيصًا للعموم

- ‌خاتمة:

- ‌ أفرد الشارع فردًا من أفراد العام بالذكر

- ‌(الثامنة: (عَطْفُ الخاص)(1)لا يخصِّص

- ‌(التاسعة: عَوْد ضميرٍ خاصٍّ لا يخصِّص

- ‌ فائدة

الفصل: ‌ يشترط أن لا يزيد على النصف

ذهب الأكثرون إلى صحة استثناء الأكثر

(1)

، حتى لو قال: له عليَّ عشرةٌ إلا تسعة - لم يلزمه سوى درهمٍ واحد.

وقالت الحنابلة:‌

‌ يشترط أن لا يزيد على النصف

(2)

. وقال القاضي: يشترط أن ينقص عنه

(3)

.

هذا هو المنقول في الكتاب، ونقل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والآمدي عن الحنابلة امتناعَ المساوي أيضًا، كالمنقول عن القاضي

(4)

. ولم تختلف النَّقَلة فيما أسندوه إلى القاضي من امتناع المساوي

(5)

، والذي في

(1)

وهو مذهب أكثر أهل الكوفة من النحاة. انظر: الإحكام 2/ 297، بيان المختصر 2/ 271، المستصفى 3/ 385 (2/ 171)، البحر المحيط 4/ 387، تيسير التحرير 1/ 300، فواتح الرحموت 1/ 324، العدة 2/ 667، نشر البنود 1/ 247.

(2)

هذا أحد الوجهين عند الحنابلة، وهو ظاهر المذهب كما قال ابن هبيرة وغيره، ونقله ابن السمعاني عن الأشعري. والوجه الآخر: لا يصح استثناء النصف. انظر: شرح الكوكب 3/ 306، نزهة الخاطر 2/ 181، المسودة ص 155، العدة 2/ 666، القواطع 1/ 211.

(3)

انظر: الإحكام 2/ 297، بيان المختصر 2/ 271، المحصول 1/ ق 3/ 54، نهاية الوصول 4/ 1529، تيسير التحرير 1/ 300، فواتح الرحموت 1/ 324، وفي شرح التنقيح ص 245:"قال الزيدي وغيره: إنَّ قَصْر الاستثناء على الأقل هو مذهب أكثر النحاة، والفقهاء، والقاضي أبي بكر، ومالك، وغيره من الفقهاء، وهو مذهب البصريين"، وكذا نسبه لمالك رضي الله عنه صاحب المراقي. انظر: نشر البنود 1/ 248، لكن أكثر المالكية على جواز استثناء الأكثر، وهو اختيار القاضي عبد الوهاب والباجي. انظر: إحكام الفصول ص 276، شرح التنقيح ص 244.

(4)

انظر: شرح اللمع 1/ 404، الإحكام 2/ 297.

(5)

قال ابن برهان في الوصول (1/ 248) عن استثناء الأكثر: "والقاضي متردد"، لكن بقية الأصوليين على ما قال الشارح.

ص: 1394

"مختصر التقريب": كنا على تجويز استثناء الأكثر دهرًا، والذي صح عندنا آنفًا مَنْعُ ذلك

(1)

. ولم يتعرض لاشتراط الأقلية

(2)

.

وقال قوم: إنْ كان العدد صريحًا لم يجز استثناء الأكثر، مثل: عليَّ

(3)

عشرة إلا تسعة. وإلا جاز، مثل: خذ هذه الدراهم إلا ما في الكيس الفلاني. وكان ما في الكيس أكثر من الباقي

(4)

.

(1)

انظر: التلخيص 2/ 75.

(2)

أي: مفهوم كلامه يفيد جواز استثناء المساوي؛ لأنه ليس بأكثر، فالنقل عنه يحتاج إلى توثيق. وانظر: البحر المحيط 4/ 390.

(3)

سقطت من (ت).

(4)

أي: أكثر من الباقي الذي يأخذه. وانظر: المحلي على الجمع 2/ 14، البحر المحيط 4/ 391، تيسير التحرير 1/ 300، فواتح الرحموت 1/ 324، بيان المختصر 2/ 272. وهذا القول الذي حكاه الشارح رحمه الله تعالى - جعله بعض الأصوليين محل النزاع، قال المجد في السودة ص 155 عن استثناء الأكثر: "ولا خلاف في جوازه إذا كانت الكثرة من دليل خارج لا من اللفظ"، ومَثَّل له في شرح الكوكب (3/ 309) بقوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، وقوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}. وأشار إلى هذا أيضًا الآمدي في الإحكام (2/ 298) حيث جعل الخلاف في استثناء الأكثر إنما هو فيما إذا كان المستثنى والمستثنى منه عددًا مصرحًا به، كما إذا قال: له عليَّ مائة إلا تسعة وتسعين درهمًا. وأما إذا لم يكن العدد مصرحًا به كما إذا قال له: خذ ما في الكيس من الدراهم سوى الزيوف منها - فإنه يصح، وإن كانت الزيوف في نفس الأمر أكثر في العدد. وكما إذا قال: جاءني بنو تميم سوى الأوباش منهم - فإنه يصح من غير استقباح، وإن كان عدد الأوباش منهم أكثر. قال الشيخ المطيعي رحمه الله تعالى في سلم الوصول 2/ 418:"وهذا عبارة عن تخصيص الدعوى، وقصرها على منع الأكثر في العدد". وقد اعترض صفي الدين الهندي رحمه الله تعالى على هذا الفصل والتفريق بين الاستثناء المصرح به عددًا، وغير المصرح به: بأن هذا التفريق لم يقل به أحد، وفيه نظر، ولا هو متجه؛ إذ لا فرق =

ص: 1395

وقال آخرون بمَنْع استثناء أكثرِ الجملةِ منها إذا كان المستثنى جملةً، نحو: جاء إخوتك العشرة إلا سبعة. وتجويز استثنائهم تفصيلًا وتعديدًا نحو: إلا زيدًا منهم، وبكرًا، وخالدًا، إلى أن يأتي السبعة. حكاه الأستاذ أبو محمد الحسن بن عيسى العارض المعتزلي في كتابه "النكت" في أصول الفقه - عن بعض شيوخ النحو من أهل عصره

(1)

.

واعلم أن

(2)

الكلام في الاستثناء من العدد مبني على صحته، وللنحاة فيه مذاهب:

أحدها: أنه لا يجوز، وصححه ابن عُصْفور

(3)

.

والثاني: وهو المشهور، الجواز

(4)

.

والثالث: إنْ كان المستثنى عَقْدًا من العقود

(5)

لم يجز، نحو: عشرين إلا

= بينهما في مأخذ الخصم. انظر: نهاية الوصول 4/ 1534.

(1)

انظر: البحر المحيط 4/ 391.

(2)

سقطت من (ت)، و (ص).

(3)

وحجته أنها نصوص، فالإخراج منها يُخرجها عن النصية، ألا ترى أنك إذا قلت: ثلاثة إلا واحدًا - كنت قد أوقعت الثلاثة على الاثنين، وذلك لا يجوز، بخلاف قولك: جاء القوم إلا عشرة. وأجاب عن قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} : بأن الألْفَ لما كان يستعمل للتكثير، كقولك: اقعد ألف سنة، تريد بها زمنًا طويلًا - دخل الاحتمال، فجاز أن يبين بالاستثناء أنه لم يستعمل للتكثير. وصحح أبو حيان مذهب ابن عصفور. انظر: البحر المحيط 4/ 392.

(4)

قال الزركشي: وعليه بنى الفقهاء مذاهبهم في الأقارير وغيرها انظر: البحر المحيط 4/ 392.

(5)

العقود عند العرب هي الآحاد، والعشرات، والمئات، والألوف. والمعنى: إذا كان المستثنى واحدًا، أو عشرة، أو مائة، أو ألفًا؛ لأنه اشترط في المستثنى كونه عقدًا =

ص: 1396

عشرة. وإن لم يكن عقدًا جاز نحو: مائة إلا ثلاثة

(1)

.

واستدل المصنف على المختار

(2)

بوجهين:

أحدهما: وهو احتجاجٌ على الفريقين، أعني: من اشترط أن لا يزيد على النصف، ومن اشترط أن ينقص عنه: أن الفقهاء أجمعوا على أنَّ مَنْ قال: لفلانٍ عليَّ عشرة إلا تسعة - يلزمه واحد فقط، ولولا صحة هذا الاستثناء لما كان كذلك.

ونَقْلُ الإجماع مردودٌ، فقد حُكي خلاف أحمد بن حنبل، وبعض المالكية

(3)

.

والثاني: وهو مختص بمن اشترط الأقلَّ، على أنَّ القاضي أورده في "مختصر التقريب" ولم يذكر اشتراط الأقلية، وإنما أورده من جهة الرادين على من اشترط أن لا يكون أكثر

(4)

، وقال: "هذا أمثل ما يستدلون به،

= واحدًا. انظر: شرح منظومة ابن المغربي لعبد القادر العوفي، ت: بسام عبد الوهاب الجابي. وهذا القول بناه قائله على أن كل عقدٍ من عقود العدد مستقل بنفسه، فلا يخرج من غيره لعدم تبعيته له. والصواب أنه لا مانع من استثناء العقد النازل من العقد الأعلى؛ لأن الأعلى يتضمن من النازل عقودًا بحسب ما اشتمل عليه. انظر: حاشية البناني على المحلي 2/ 14، 15.

(1)

انظر: البحر المحيط 4/ 393، المحلي على الجمع 2/ 14، شرح التنقيح ص 244، الإحكام 2/ 297، المستصفى 3/ 386.

(2)

وهو جواز استثناء الأكثر.

(3)

انظر: شرح الكوكب 3/ 307 - 308، الإحكام 2/ 299، وقد سبق ذكر المخالفين.

(4)

يمكن أن يقال: لما كان هذا الردُّ على من اشترط أن لا يكون المستثنى أكثر - مختصًا بالرد على اشتراط الأقل: أفهم هذا أن القائلين باشتراط أن لا يكون أكثر =

ص: 1397

مع أن للقول فيه مجالًا"

(1)

، ولم يذكر عنه جوابًا. والشيخ أبو إسحاق قال:"إنه دليل قاطع لا جواب للخصم عنه"

(2)

.

وتقريره: أن الله تعالى استثنى الغاوين من المخلَصين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}

(3)

، وبالعكس أي: استثنى جَلَّ وعَزَّ المخلصين من الغاوين (في قوله حكاية عن إبليس: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}

(4)

)

(5)

، فلو

(6)

كان المستثنى أقل من المستثنى منه لزم أن يكون كلُّ واحدٍ من الغاوين والمخلَصين أقلَّ من الآخر، وهو محال

(7)

.

= يشترطون الأقلية في المستثنى، وإلا لكان رد المخالفين في غير محل النزاع؛ إذ إن هذا الدليل لا يفيد منع استثناء النصف، بل ما دونه كما سيأتي، فهذا يدل على أن المشترطين لئلا يكون أكثر يعنون به أن يكون أقل، ولو عَنُوا به جواز النصف فلن يكون الدليل ردًا عليهم. ويمكن أن يقال: إن القاضي أورده دليلًا للرد على مانع اشتراط الأكثر، لا للرد على منع اشتراط النصف. وهذا هو الأقرب، ولكن على هذا الاحتمال يكون الدليل منازَعًا فيه؛ إذ يحتمل أن يكون المستثنى هو النصف في كلا الآيتين الآتيتين، أو أحدهما أكثر والآخر أقل، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال به على جواز الأكثر.

(1)

انظر: التلخيص 2/ 78.

(2)

انظر: شرح اللمع 1/ 405.

(3)

سورة الحجر: الآية 42.

(4)

سورة ص: الآيتان 82، 83.

(5)

سقطت من (ت).

(6)

في (ك): "ولو".

(7)

أي: فلا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر، والآخر أقل. أو أن يكونا متساويَيْن. انظر: نهاية السول 2/ 415.

ص: 1398

واحتج القائل باشتراط الأقل وهو القاضي - على ما ذكر في الكتاب -: بأن الاستثناء خلافُ الأصل؛ لكونه بمنزلة الإنكار بعد الإقرار، وخَالَفْنا هذا الأصل في الأقل؛ لكونه قليلَ الخطور بالبال، فربما نسيه المُقِرُّ فيستدركه في الاستثناء. وهذا بخلاف الأكثر، فلذلك جَوَّزنا في الأقل دون الأكثر.

وأجاب: بأنه منقوض. بما ذكرناه. وهذا يحتمل وجهين:

أحدهما: بأنه منقوضٌ بما ذكرناه من الإجماع فيما إذا قال: له عليَّ عشرةٌ إلا تسعة. وقد ذكرنا أنه غير ثابت.

والثاني: أنه منقوضٌ بما ذكرناه من استثناء الغاوين من المخلَصين، وبالعكس، فإن النسيان محال في جانب الباري تعالى.

وهذا الدليل قد

(1)

أجيب عنه: بأنا لا نسلم أنَّ إلا في قوله: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}

(2)

للاستثناء، بل هي بمعنى لكن

(3)

.

سلمنا أنه استثناء، لكنا إنما نمنع من استثناء الأكثر إذا كان عدد المستثنى والمستثنى منه مصرحًا به، مثل: عشرة إلا تسعة. أما إن

(4)

لم يكن مصرحًا به مثل: خُذْ ما في هذا

(5)

الكيس من الدراهم سوى

(1)

سقطت من (ص).

(2)

سورة الحجر: الآية 42.

(3)

يعني: فالاستثناء في الآية منقطع.

(4)

في (ص): "إذا".

(5)

سقطت من (ت)، و (ص).

ص: 1399

الزيوف - فإنه يصح وإن كانت الزيوف أكثر

(1)

.

سَلَّمنا

(2)

، ولكنا نقول: المستثنى في الاثنين

(3)

أقل، أما قوله:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}

(4)

فيشمل كلَّ العباد المخلصين من بني آدم؛ لقوله: {مِنْهُمُ} إشارة لبني آدم، ومعلوم أن المخلصين من بني آدم أقل.

وأما قوله: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} فالمستثنى أقل أيضًا؛ لأن قوله: {عِبَادِي} يشمل الملائكة؛ لكونه اسمَ جنسٍ أضيف، ومعلوم أنَّ كلَّ الغاوين أقلُّ من الملائكة وحدهم، فكيف إذا أضيف إليهم صالحو بني آدم! فتحرر أنه استثنى الغاوين من كل عباده، وهم أقلُّ مِنْ مخلصيهم؛ لدخول الملائكة في المخلصين، ومعلوم أنهم أكثر مِنْ غيرهم. قال عليه السلام: "أطَّتِ السماء

(5)

، وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع شِبْرٍ إلا وفيه مَلَكٌ يسبح الله"

(6)

.

(1)

والاستثناء في الآية غير مصرح بعدده.

(2)

أي: سلمنا صحة استثناء الأكثر في العدد.

(3)

أي: في الموضعَيْن من الآيتين.

(4)

سورة ص: الآية 83.

(5)

قال النووي رحمه الله تعالى: الأَطِيط: صوت الرَّحْل والقَتَب وشِبْههما. ومعناه: أن كثرة مَنْ في السماء من الملائكةَ العابدين قد أثقلَتْها حتى أَطَّت. اهـ، والرحل: هو ما يشد على البعير، ويوضع عليه الحمل. ومثله القتب. قال ابن علان:"أجرى المصنف (أي: النووي) الكلام على ظاهره. قال ابن الأثير في "النهاية": وهذا مَثَل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثَمَّ أطيط، وإنما هو كلامُ تقريبٍ أريد به تقرير عظمة الله تعالى". انظر: دليل الفالحين 2/ 302، النهاية 1/ 54.

(6)

أخرجه ابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه. انظر: صحيح الجامع 1/ 235، وأخرجه أحمد في المسند 5/ 173، والترمذي 4/ 481 - 482، في كتاب الزهد، =

ص: 1400

ولقائل أن يقول: الجواب عن الأول: أنَّ جَعْلَ "إلا" بمعنى "لكن" فيه خروجٌ عن حقيقتها بلا دليل.

وعن الثاني: أنَّ الدعوى عامة فيما إذا كان عدد

(1)

المستثنى والمستثنى منه مصرحًا به، وفيما إذا لم يكن

(2)

.

وعن الثالث: بأنه تعالى قال في سورة الحجر حكاية عن إبليس: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}

(3)

فاستثنى الأقل؛ لأنه استثنى المخلَصين من بني آدم وهم أقل. ثم قال: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}

(4)

، والمراد بعباده هنا

(5)

المعهودون

(6)

الذين تقدم ذكرهم، وفيهم وقع الكلام؛ وهم المخلَصون من بني آدم، وليس المراد العموم حتى تدخل الملائكة؛ لأن العهد مقدم على العموم، والآية وقعت في "الحِجْر" مُبَيَّنة، والقصة واحدة. والله أعلم.

= باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا"، حديث رقم 2312، من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 531 - 532، حديث رقم 852.

(1)

سقطت من (ت).

(2)

انظر هذين الجوابين في: نهاية الوصول 4/ 1534.

(3)

سورة الحجر: الآيتان 39، 40.

(4)

سورة الحجر: الآيتان 41، 42.

(5)

سقطت من (ت).

(6)

في (ت): "المعهودين".

ص: 1401

ومنهم من استدل مع التمسك بقوله: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} بقوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}

(1)

ولم يتعرض للآية الأخرى

(2)

. وفيه نظر؛ فإن قوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} إنما يدل على الأكثرين

(3)

من الذين بُعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، والألف واللام في الناس للعهد، ولا يلزم من كون الغاوين أكثر في هذه الطائفة أن يكونوا أكثر بالنسبة إلى كل الطوائف من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة

(4)

. . . . . . .

(1)

سورة يوسف: الآية 103.

(2)

يقصد الشارح رحمه الله تعالى ابن الحاجب الذي استدل بهاتين الآيتين. انظر: بيان المختصر 2/ 272.

(3)

في (ت): "الأكثر".

(4)

وبمثل هذا اعترض الإسنوي رحمه الله تعالى على ابن الحاجب رحمه الله تعالى. انظر: نهاية السول 2/ 416 - 417. وقد يقول قائل: اعتراضهما على ابن الحاجب فيه نظر؛ لأن هناك جملة آيات تدل على كون الغواة من بني آدم أكثر من المخلصين، من ذلك قوله تعالى عن الأمم السالفة: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] ، وقوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبليس لعنه الله تعالى: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] ، وقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] ، وغير هذه من الآيات والأحاديث الدالة على هذا المعنى. والجواب: هو أن اعتراض هذين الإمامين على ابن الحاجب في استدلاله إنما هو بالنظر إلى الآية التي اسْتَدَلَّ بها وهي قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ، لا إلى ما سواها من الآيات، أي: اعتراضهما على ابن الحاجب في استدلاله على كون الغاوين من عموم بني آدم أكثر بهذه الآية، ولا يعني هذا أنهما يقولان بأن الغواة من بني آدم أقل من المخلصين، فهذا لا يخفى على أقل الناس علمًا، فضلًا عن هذين الإمامين الجليلين. لكن هذا الاعتراض على ابن الحاجب رحمه الله تعالى إنما هو بالنسبة لما في "المختصر"، أما في "المنتهى" ص 125 - فقد جاء بآية {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} مع آية:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ليستدل بهما على كون الغواة أكثر.

ص: 1402