الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحمد
(1)
.
ومن قائلٍ: لا يدل"
(2)
.
وقوله في الكتاب: "بعينه" هو بالباء الموحدة مِنْ تحت، أي: بنفسه. وهو متعلِّق بـ "يكون"، والله أعلم
(3)
.
قال:
(الثالثة: مقتضى النهي فِعْلُ الضد
؛ لأن العدم غير مقدور. وقال أبو هاشم: مَنْ دُعي إلى زنا فلم يفعل مُدِح. (قلنا: على
(1)
هو العلَّامة فقيه العراق أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيبانيّ الكوفيّ صاحب أبي حنيفة. ولد سنة 131 هـ بواسط. ولي القضاء للرشيد، وكان مع تبحره في الفقه يُضرب بذكائه المثل. وكان أيضًا مقدَّمًا في العربية والنحو والحساب. دوَّن الموطأ وحَدَّث به عن مالك رضي الله عنه. من مصنفاته: الجامع الصغير، السير الكبير. توفي رحمه الله سنة 186 هـ. انظر: تاريخ بغداد 2/ 172، وفيات 4/ 184، سير 9/ 134، الجواهر المضية 3/ 122.
(2)
انظر: القواطع 1/ 256 - 257، المحصول 1/ ق 2/ 500، نهاية الوصول 3/ 1203، الإحكام 2/ 192، بيان المختصر 2/ 89، شرح الكوكب 3/ 92، نهاية السول مع سلم الوصول 2/ 296، المستصفى 3/ 204.
(3)
انظر مسألة اقتضاء النهي الفساد في: المحصول 1/ ق 2/ 486، التحصيل 1/ 336، الحاصل 1/ 492، نهاية الوصول 3/ 1176، المستصفى 3/ 199، نهاية السول 2/ 293، السراج الوهاج 1/ 485، الإحكام 2/ 188، شرح تنقيح الفصول ص 173، بيان المختصر 2/ 88، نثر الورود 1/ 238، تيسير التحرير 1/ 376، فواتح الرحموت 1/ 396، كشف الأسرار 1/ 257، أصول السرخسي 1/ 80، شرح الكوكب 3/ 84، التمهيد لأبي الخطاب 1/ 369، تحمَيق المراد ص 274، تفسير النصوص 2/ 387.
الكف)
(1)
.
هذه المسألة في بيان مُقْتَضى النهي، فالمطلوب عندنا بالنهي: فِعْلُ ضِدِّ المنهي عنه، فإذا قال: لا تتحرك - فمعناه: افعل ما يضاد الحركة.
وعند أبي هاشم: هو نفس (أن لا تفعل)
(2)
(3)
، وهو عدم الحركة في هذا المثال. وقد وافقه بعض المتكلمين، ونقله التِّبريزي عن الغزالي
(4)
.
وأما قول إمام الحرمين في الردِّ على الكعبي في مسألة المباح: "الغرض من النهي عن الزنا أن لا يكون
(5)
، لا أن يكون ضد من أضداده"
(6)
، فلا
(1)
في (ص)، ونهاية السول 2/ 293، والسراج الوهاج 1/ 492، ومناهج العقول 2/ 52:"قلنا: المدح على الكف". وسيُصَرِّح الشارح بعبارة الماتن كما هي مثبتة هنا في ص.
(2)
في (ت): "أن لا يفعل".
(3)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 505، شرح تنقيح الفصول ص 171 وفيه: وعن أبي هاشم عدم المنهي عنه.
(4)
ما نقله التبريزي هو ظاهر كلام الغزالي في المنخول ص 137، ولذلك قال الزركشي في البحر المحيط 3/ 376:"ونقل التبريزي عن الغزالي موافقة أبي هاشم، وهو معذور في ذلك، فإنه قال في "المنخول" قبيل باب العموم. . .". ثم قال: "وظاهر كلامه في "المستصفى" في هذه المسألة التفصيل بين الترك المجرد المقصود لنفسه من غير أن يُقصد معه ضده بالمكلَّف فيه بالفعل كالصوم، فالكف منه مقصود، ولهذا وجب فيه النية. وبين الترك المقصود من جهة إيقاع ضده كالزنا والشرب، فالمكلف فيه بالضد". وانظر: المستصفى 1/ 300.
(5)
يعني: أن لا يتحقق الزنا.
(6)
انظر: البرهان 1/ 294.
ينبغي أن يُفهم منه موافقة أبي هاشم، بل هو حق لا شك فيه. والفرق بينه وبين رأي أبي هاشم أن قوله:"الغرض" يعني به المقصود من التكليف، ولم يقل: إنه المكلَّف به
(1)
، كما قال أبو هاشم، والمكلَّف به هو المحصِّل لذلك الغرض، فالغرض: هو غاية الشيء الذي طُلب لأجلها
(2)
.
واحتج المصنف على ما ذهب إليه: بأن النهي تكليفٌ، والتكليف إنما يرد بما كان مقدورًا للمكلف، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون مقدورًا للمكلَّف؛ وذلك لأن المقدور (ما للقدرة)
(3)
فيه تأثيرٌ ما، والعدم الصِّرْف يستحيل أن يكون أثرًا للقدرة
(4)
، وبتقدير أن يكون العدمُ أثرًا يمكن إسناده إلى القدرة، لكن العدم الأصلي
(5)
لا يمكن إسناده إلى القدرة؛ لأن الحاصل لا يمكن تحصيله ثانيًا
(6)
. وإذا تقرر هذا فمُتَعَلَّق النهي أمرٌ وجودي ينافي المنهي عنه، وهو المطلوب.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
قوله: "لأجلها" الضمير يعود إلى الغاية، أي: طلب الشيء لأجل تلك الغاية. والمعنى: أن كلام إمام الحرمين عن الغرض من التكليف، وكلام أبي هاشم عن المكلَّف به المحصِّل لذلك الغرض.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
لأن القدرة إنما تؤثر في الموجود لا في المعدوم الخالص.
(5)
أي: العدم المستمر. انظر: نهاية السول 2/ 306، 307.
(6)
يعني هو معدوم أولًا وابتداءً، فكيف يُعْدم بالقدرة ثانيًا!
وهذا الدليل متوقف على قاعدة: وهي أن اللغات لم يوضع الطلب فيها إلا للمقدور دون المعجوز عنه. ونحن وإن قلنا بجواز تكليف ما لا يطاق - فإنما نقول به في أحكام الربوبية
(1)
، لا في الموضوعات اللغوية (فإنما وضعت اللغات)
(2)
لتحصيل المقاصد العادية، والمُحال لا يُحَصَّل عادة.
واعترض على هذا الدليل: بأنكم إنْ عنيتم بالقدرة ما له أثر يستند ذلك
(3)
إليه - فلا نسلم أن التكليف يعتمد هذه القدرة، بل ذلك في
(4)
الفعل، وأما في الترك فلا
(5)
.
وإنْ عَنَيْتُم بالقدرة ما يجده من
(6)
نفسه كل أحد، وهو أن سليم الأعضاء القوي يُدْرِك من نفسه أنه متى أراد الفعل فَعَل، ومتى أراد الترك ترك، ويجد من نفسه التمكن - فنحن نُسَلِّم ذلك، ونمنع أنه غير قادر بهذا الاعتبار
(7)
.
(1)
أي: في تكليفات المولى سبحانه وتعالى.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
أي: ذلك الأثر.
(4)
في (ص): "من". وهو خطأ.
(5)
المعنى: أننا لا نُسَلِّم أن التكليف يعتمد هذه القدرة في النهي الذي هو الترك؛ لأن الترك من الأمور العدمية، والعدم ليس للقدرة فيه تأثير، بل التكليف يعتمد هذه القدرة في الأمر بالفعل؛ لأن الفعل من الموجودات، والقدرة تؤثر فيها.
(6)
في (ت): "في".
(7)
يعني: إنْ عَنَيْتُم بالقدرة التمكن: وهو أن المكلف متمكن من الفعل وعدمه، بإرادته واختياره - فنحن نُسَلِّم بهذه القدرة، ونمنع أن المكلف غير قادر على الترك بهذا =
واعترض أيضًا: بأن ترك الزنا مثلًا ليس بعدمٍ محض، وإنما هو عدمٌ مضافٌ فيكون مقدورًا
(1)
.
واحتج أبو هاشم: بأنَّ مَنْ دُعِي إلى زنا فلم يفعله فإن العقلاء يمدحونه على أنه لم يزن، مِنْ غير أن يخطر ببالهم فِعْلُ ضدِّ الزنا، فعلمنا أن هذا العدم يصلح أن يكون مُتَعَلَّق التكليف.
وأجاب المصنف: بأن المدح ليس على شيءٍ لا يكون في وُسْعه، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون في وُسْعه وطاقته، كما عرفت، فإنما
(2)
يمدح على كَفِّه عن ذلك الفعل، وذلك الكَفُّ أمْرٌ وجودي، وهو فعل ضد الزنا. وإلى هذا أشار بقوله:"قلنا: على الكف"، (أي: المدح على فعل الكف)
(3)
.
هذا شرح ما ذكره
(4)
ونختم المسألة بفائدتين:
= الاعتبار؛ لأن الترك وإنْ كان عدميًا لا يتأثر بقدرة العبد، لكن العبد قادر على إزالته، فكَفُّ العبدِ عن الإزالة هي القدرة على الترك التي نُسَلِّم بها.
(1)
أي: ترك الزنا ليس عدمًا خالصًا، حتى لا يتأثر بقدرة العبد، بل هو عدمٌ مضاف إلى الزنا، والزنا شيء وجودي، والوجودي يكون مقدورًا على فعله، فيكون تركه ممكنًا مقدورًا للعبد.
(2)
في (ص): "وإنما".
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر المسألة في: المحصول 1/ ق 2/ 505، الحاصل 1/ 496، التحصيل 1/ 339، شرح تنقيح الفصول ص 171، العضد على ابن الحاجب 2/ 13، الإحكام 1/ 147، المستصفى 1/ 300، البحر المحيط 3/ 375، تيسير التحرير 2/ 135، المحلي =
إحداهما
(1)
: قد عرفت أن الكف فِعْلٌ على
(2)
المختار، وفي فروع الطلاق من الرافعي عن القفال لو قال: إنْ فعلتِ ما ليس لله فيه رِضَىً فأنتِ طالقٌ، (فتركتْ صومًا أو صلاة)
(3)
- ينبغي أن لا تطلق، لأنه تَرْك وليس بفعل، فلو سرقت أو زنت طلقت
(4)
.
الثانية: وهي المقصود الأهم، قد يقال: ما الفرق بين هذه المسألة التي انتهينا منها، وبين المسألة المتقدمة في أن النهي عن الشيء هل هو أمر بضده؟
وتقرير السؤال: أنك قد علمت أن الجمهور قالوا: المطلوب بالنهي فِعْلُ ضد المنهي عنه، أي: الكف عنه
(5)
. وقال أبو هاشم: انتفاء الفعل
(6)
.
واختلفوا أيضًا في النهي عن الشيء هل هو أمر بضده، كما سلف في مكانه؟
= على الجمع 1/ 214، نهاية السول 2/ 305، السراج الوهاج 1/ 491، شرح الكوكب 1/ 491.
(1)
في (ص): "إحديهما"
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (ت): "فتركت الصلاة".
(4)
قال الإسنوي في التمهيد ص 296، بعد نقله هذه الصورة:"قلت: وعلى قياس ما قاله ينبغي أن لا يَحْنَث في الزنا إذا كان الموجود منها إنما هو مجرد التمكين على العادة؛ لأنه أيضًا ترك للدفع، وليس بفعل من المرأة".
(5)
فكل ما سوى الزنا ضد له، فالكف عن الزنا هو التلبس بضده.
(6)
أي: المطلوب بالنهي انتفاء الفعل.
فإذا قيل: معنى قَوْلنا: "النهي عن الشيء أمْرٌ بضده": هو أن مطلوبَ النهي فِعْلُ الضد. وهو أحد القولين في المسألة الأولى. ومعنى "أنه ليس أمرًا بضده": هو أن المطلوب انتفاءُ المنهي عنه. وهو القول الثاني في المسألة الأولى. فالمسألتان حينئذ واحدة، وإلا فما الفرق؟
قلنا: قد كنا وعدنا في الكلام على تلك المسألة بالجواب عن هذا السؤال؛ لضيق المحل هناك عما نُورده هنا. وقد أجيب بأوجه:
أحدها: أن الكلام في تلك المسألة بحث لفظي، وفي هذه معنوي. ذكره الأصفهاني شارح "المحصول"
(1)
.
والثاني: أن قولنا: النهي عن الشيء أمرٌ بضده بحث في المتعلِّقات بكسر اللام، فإن النهي متعلِّق بالمنهي عنه والأمر متعلق بالمأمور.
وقولنا: المطلوب النهي فعل ضد النهي عنه بحث في المُتَعَلَّقات بفتح اللام.
والثالث: أن البحث في تلك المسألة في دلالة الالتزام على ضد المنهي عنه، فنقول: متى نُهي عن الشيء مطابقة دلَّ
(2)
على طلب ضده التزامًا، والبحث في هذه المسألة
(3)
في دلالة المطابقة ما مدلولها الطابِق هل هو العدم أو ضده. ذكرهما القرافي
(4)
.
(1)
انظر: الكاشف 4/ 200.
(2)
في (ص): "دلَّت".
(3)
لم ترد في (ت)، و (ص)، و (غ).
(4)
عبارة القرافي: "ما مدلولها المطابقي، هل هو العدم الذي سمعه السامع في قوله: لا تتحرك. أو ضده الذي لا يسمعه السامع وهو السكون؟ ". انظر: نفائس الأصول =
واعلم أنه قد وقع النظر في هذا السؤال وهذه الأجوبة عندي غير مرة، وطال الحِجاج، والذي قُلْتُه أنا في الفرق: أنه إذا نُهِي عن شيءٍ
(1)
كالزنا مثلًا فهناك ثلاثة أمور:
أحدها: انتفاء الزنا.
والثاني: الكف عنه
(2)
.
والثالث: فِعْلُ ضدٍ مِنْ أضداده لا يتم الكف أو الانتفاء إلا به، كالوطء المباح أو غيره مما لا يجامع الزنا في آن واحد.
إذا تقرر ذلك فنقول: كون المطلوب في النهي "الكف" أو "الانتفاء" هو مسألة أبي هاشم، والخلاف فيها قد ينبني
(3)
على أن شَرْط المطلوب الإمكان (أم لا؟ وعلى أن الانتفاء مقدورٌ أم لا؟ وهما مسألتان مُخْتَلَفٌ فيهما.
فإن قلنا: ليس من شرط المطلوب الإمكان)
(4)
- جاز أن يكون مُتَعَلَّق النهي الانتفاء
(5)
كرأي أبي هاشم.
وإنْ قلنا: شرط التكليف الإمكان، وأن الانتفاء مقدور - فكذلك
= 4/ 1717.
(1)
في (غ): "الشيء".
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"قد يُبْنَى".
(4)
سقطت من (ت).
(5)
سقطت من (ت).
أيضًا
(1)
، وإلا
(2)
تعيَّن أن يكون المطلوب في النهي هو الكف.
وأما كون النهي يقتضي الأمر بضده، أو لا - فمعناه: أن طلب الكف عن المنهي عنه، أو طلب انتفائه، على اختلاف القولين، هل يستلزم الأمر بضده الذىِ لا يتم الكف أو الانتفاء إلا به كالوطء
(3)
المباح مثلًا، أم لا؟ وهذه هي المسألة الأخرى، والخلاف فيها مبني على أن
(4)
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لا على ما انبنت
(5)
عليه المسألة الأولى
(6)
. فالمسألتان مختلفتان ليست إحداهما عينَ الأخرى ولا مستلزمةً لها، وليس القولان القولين
(7)
(8)
، فإن القائلين بأن مطلوب النهي هو الكف يمكن أن يختلفوا في أن النهيَ الذي هو طلبُ الكف أمرٌ بالضد (الذي لا يتم)
(9)
(1)
أي: فكذلك يجوز أن يكون متعلّق النهي الانتفاء.
(2)
أي: وإن لم يكن الانتفاء مقدورًا عليه.
(3)
في (ص): "كالواطئ". وهو خطأ.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (غ): "ابتنت".
(6)
فالمسألة الأولى انبنت على الخلاف في متعلّق النهي، وما هو المطلوب فيه، أما هذه المسألة فالخلاف فيها مبني على أنها هل هي من لوازم متعلّق النهي، وهل تَحَقُّقُ المطلوبِ بالنهي (وهو الانتفاء أو الكف) يستلزم الأمرَ بالضد الذي لا يتم الكف أو الانتفاء إلا به، وهذا الخلاف مبني على قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(7)
سقطت من (ت).
(8)
أي: ليس القولان في المسألة الأولى هما القولان في المسألة الثانية.
(9)
في (ص): "الذي هو لا يتم". ولعل حذف هو أولى.
الكف إلا به أم لا؟
وكذلك القائلون بأن مطلوب النهي انتفاءُ الفعل، يمكن أن يختلفوا في أن طلب الانتفاء هل هو أمر بالضد الذي لا يتم انتفاء الفعل إلا به؟ .
هذا إذا فَرَّعنا على أن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده، أما إذا فرعنا على أن النهي نفس الأمر بالضد
(1)
، وأريد بالضد الكف أو الانتفاء فهي غيرها أيضًا؛ لأن خلاف مسألة أبي هاشم هو في أن مطلوب النهي هل هو الكف أو الانتفاء، و
(2)
خلاف هذه (في أن هذا النهي الذي هو طلب الانتفاء أو الكف أمر أم لا؟ نعم الخلاف في هذه
(3)
(4)
)
(5)
على هذا التفريع
(6)
مرتب على الخلاف في مسألة أبي هاشم.
حتى إذا قلنا بمذهب أبي هاشم لم يكن النهي أمرًا بلا خلاف؛ لأن الأمرَ طلبُ فعلٍ لا طلب انتفاء اتفاقًا
(7)
.
وإذا قلنا بمذهب غير أبي هاشم أمكن الخلاف في أن النهي الذي هو
(1)
فالنهي إما أن يدل على الضد بدلالة الالتزام، أو بدلالة المطابقة.
(2)
سقطت الواو من (ت).
(3)
أي: أمر بالضد أم لا.
(4)
أي: في مسألة النهي عن الشيء هل هو أمر بضده.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
أي: على تفريع أن النهي نفس الأمر بالضد.
(7)
لأننا لما فَرَّعنا على أن النهي نفس الأمر بالضد، وأبو هاشم يفسِّر الضد بالانتفاء - كان معنى مذهبه على هذا التفريع: النهي هو نفسي الأمر بالانتفاء، فليس النهي على مذهب أبي هاشم أمرًا بالفعل، بلا خلاف.
طلب الكف أمر بذلك الكف أم لا؟ لأن الكف فعل، لكن يلزم القائلين بأن النهي أمر بالكف أن يكون النهي نوعًا من الأمر.
وإن فَرَّعنا على أن النهي عن الشيء نفس الأمر بضده، لكن أُريد بالضد ما لا يتم الكف أو الانتفاء إلا
(1)
به كالوطء المباح مثلًا - صارت المسألتان واحدة، إلا أن المبحوث عنه في مسألة أبي هاشم: هو أن مطلوب النهي الكف (أو الانتفاء.
والمبحوث عنه هنا: هو أن مطلوب النهي
(2)
فعل الضد الذي لا يتم الكف أو الانتفاء إلا به أم لا
(3)
.
ويتلخص من البحثين أن في المسألة حينئذ ثلاثة مذاهب:
أحدها: مذهب أبي هاشم.
والثاني: أن مطلوب النهي هو الكف.
والثالث: أن المقصودَ في النهي فعلُ ضدٍ ليس بكف ولا انتفاء
(4)
. والله أعلم.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (ت).
(4)
يعني: أن المقصود من النهي عن الزنا مثلًا هو فعل ضد الزنا كالوطء المباح، وليس المقصود من النهي عن الزنا هو الكفُّ عنه، ولا انتفاؤه، وهو وإن تحقق هذا تبعًا لفعل ضد الزنا، فالنهي عن الزنا يعني فعل ضده فقط.
ويتضح به ما قررناه من الفرق بأن الكف
(1)
فعلٌ أعم من جميع الأضداد؛ لأنه لا ضد إلا وهو مشتمل على الكف.
فإذا قلنا في هذه المسألة المطلوب بالنهي الكف أردنا الضد الأعم
(2)
. وقولنا في المسألة الأخرى: النهي عن الشيء أمر
(3)
بأحد أضداده - المراد به الضد الخاص الذي لا يتم الكف والانتفاء
(4)
إلا به.
ويكون مَنْ نُهِيَ عن شَيءٍ حينئذ عند القائل بأن النهي عن الشيء أمر بضده مأمورًا بشيئين: أعم، وأخص: الكفُّ، وفعلٌ يَحْصُلَ في ضمنه الكف.
فالمنهي عن الزنا مأمورٌ بالكف عنه، وبفعلٍ يشتمل على ذلك الكف
(5)
، ويلزم على هذا أن يثاب على شيئين: الأعم والأخص؛ لتعلق الأمر بهما، وأن يصح نذره، فلو قال: لله عليَّ أن أفعل فعلًا يضاد الزنا، وهو الفعل الفلاني، وعَيَّن فعلًا لم يطلبه الشرع بخصوصه، كالنوم مثلًا، لزمه الوفاء به لكونه مأمورًا به
(6)
في ضمن النهي عن الزنا.
(1)
يعني: ترك الزنا بأي فعل.
(2)
فالضد الأعم: هو كل ما سوى الزنا، أما الضد الأخص: فهو كالوطء المباح فقط.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "أو الانتفاء".
(5)
فالكف ملزوم، والفعل لازم.
(6)
أي: بالنوم، لأن النوم ضد أخص، والكف عن الزنا ضد أعم، وأمره بالكف متضمن لأمره بالنوم؛ لأن الأمر بالأعم أمر بالأخص.
هذا ما كنت أقرره في الفرق. ثم حضر عندي في الحلقة بعض الفضلاء وحصل البحث في هذا الجواب وفي الأجوبة المتقدمة، أعني: جواب شارح المحصول وجوابَي
(1)
القرافي وأنها هل هي صحيحة؟ فكتبت أسأل والدي - أطال الله بقاه - عن السؤال من أصله، وذكرت الأجوبة الثلاثة
(2)
وأنه هل يحصل الجواب بشيء منها وهل يمكن أن يقال في الجواب: هذا الوجه الرابع الذي قررتُه، وأنه هل يمكن الاعتراض على هذا الجواب الرابع: بأن الكف عن الزنا مثلًا إذا كان فعلًا يغاير الزنا كان ضدًا له، ويكون حينئذ أخص من مطلق ضده فلا يحسن، (أوْ أن)
(3)
يقال هناك ثلاثة أمور: الانتفاء، والكف، وفعل الضد، لأن الكف حينئذ فعلُ ضدٍ والمغايرة بينهما مغايرة العام والخاص
(4)
.
أو يقال: الكف أعم؛ وإن كل فعل غاير الزنا فقد اشتمل على الكف عن الزنا، أو يقال هما
(5)
متباينان.
وإذا لم يثبت أنهما متباينان وكانت مغايرتهما مغايرة العام والخاص انقدح الاعتراض على هذا الجواب.
ثانيًا: بأنهم في تلك المسألة قالوا النهي عن الشيء أمرٌ بأحدِ أضداده، والكف الذي جُعِل مطلوب النهي في هذه المسألة يصدق عليه أنه أحد الأضداد.
(1)
في (ص)، و (ك):"وجواب". وهو خطأ.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ت)، و (ص):"أو لا أن". وهو خطأ.
(4)
ففعل الضد هو العام، والكف هو الخاص.
(5)
في (ت): "إنهما".
فحاصل الأمر أنهم قالوا هناك المطلوب واحد مبهم من أمور متعددة وهي الأضداد، وهنا شَخَّصوه في الكف.
المسؤول الجواب عن هذا كله، والمسؤول أيضًا النظر في وجه الصواب في
(1)
مسألة أبي هاشم هل هو معه، أو مع الجماهير؟
فكتب أحسن الله
(2)
إليه ما نصه: الخلاف بين الجمهور وأبي هاشم فالجمهور على أن المطلوب بالنهي فعل ضد المنهي عنه، وعند أبي هاشم نفس أن لا تفعل، وما تضمنه آخِر السؤال هل الصواب معه أو مع الجماهير. فالجواب: أن قول الجمهور المطلوب بالنهي فِعْلُ ضد المنهي عنه ليس بجيد من حيث اللفظ، وقد يكون الخلل في ذلك من جهة مَنْ عَبَّر عنهم؛ فإن النهي قسيم الأمر، والأمر طلب الفعل، فلو كان النهي طلب فعل الضد لكان أمرًا
(3)
، ولكان النهيُ من الأمر.
وقسيم الشيء لا يكون قِسْمًا منه، ولا شك أن كل متلبس (بفعل هو تارك لضده، وكلٌّ من الفعلين الفعل
(4)
والترك، يصح أن يؤمر به وأن)
(5)
يُنْهى عنه. مثاله: السفر والإقامة ضدان والتارك للسفر متلبس بالإقامة. فهل الترك للسفر نفس الإقامة أو معنى آخر؟ فيه بحث يشبه البحث في
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (ص).
(3)
لأن الأمر ضد النهي.
(4)
سقطت من (غ)، و (ك).
(5)
سقطت من (ت).
الحركة هل هي الحصول في حيزٍ مسبوقٌ بالحصول في غيره، أو هي نفس الانتقال من حيز إلى حيز؟
وفيه قولان للمتكلمين
(1)
، وإن كان كلٌّ منهما
(2)
يلزم الآخر، فمتى انتقل من حيز فقد حصل في غيره، ومتى حصل في غيره بعد حصول فيه فقد انتقل، فكل من الحصولين أمر ثبوتي يمكن أن يُعْقَل وحده
(3)
حصوله فيه والانتقال أمر نسبي لا يعقل إلا بينهما، فكذلك المنهي عنه
(4)
ارتكابه شيء لا يحتاج في تصوره إلى غيره، وفعل ضده
(5)
(شيء لا يحتاج في تصوره إلى غيره، والانتهاء شيء ثالث، وهو عندي هو المطلوب)
(6)
بالنهي، لا كما قاله الجمهور ولا كما قاله أبو هاشم، وعندي أن الجمهور إنما أرادوا ما قلته، ولكن العبارة عنهم لم تُحَرَّر، فإذا
(7)
قلتَ: لا تُسافر - فقد نهيتَه عن السفر والنهيُ يقتضي الانتهاء؛ لأنه مطاوعة
(8)
، تقول: نهيته
(1)
انظر: المطالب العالية للرازي 4/ 288، 289.
(2)
أي: كل من المعنيين: الحصول، والانتقال.
(3)
يعني: يمكن أن يعقل الحصول في الحيز الأول وحده، وكذا الثاني، فَتَعَقُّل كلٍّ من الحصولين مستقل؛ لأنهما ثبوتيان.
(4)
كالزنا مثلًا.
(5)
كالأكل، أو النوم.
(6)
سقطت من (ت).
(7)
في (غ): "وإذا".
(8)
الفعل المطاوع: هو الفعل اللازم الذي يقبل الأثر مِنْ فعلٍ غيره، مثل: كسَّرته فانكسر، فالفعل إنكسر مطاوِع لكسَّرته، أي: متأثر به، وكذا نهيته فانتهى.
فانتهى.
والانتهاء: هو الانصراف عن المنهي عنه، وهو
(1)
الترك، وهو
(2)
الانزجار المطاوع لزَجَر، والانكفاف
(3)
وما أشبه ذلك
(4)
.
ولغة العرب تشهد لهذا، والمعقول أيضًا يشهد له، ويُفَرَّق في العقل وفي اللغة بين قولنا: لا تسافر، (وبين قولنا)
(5)
: أَقِمْ.
وأنَّ "أقِم" أمْرٌ بالإقامة من حيث هي، فقد لا يستحضر معها السفر، وأنَّ "لا تسافر" نهيٌ عن السفر وزجر، (فمن أقام قاصدًا تَرْكَ السفر)
(6)
- يقال فيه انتهى عن السفر، ومن لم يخطر له
(7)
السفر بالكلية لا يقال له انتهى عن السفر. ويقال له مقيمٌ، والانتهاء أمرٌ معقول، وهو فِعْلٌ، ويصح التكليف به، وكذلك في جميع المناهي الشرعية كالزنا والسرقة والشرب ونحوها المقصود في جميعها الانتهاء عن تلك الرذائل، ولا يفهم في وضع اللسان وتصور العقل غير ذلك، ومِنْ لازم ذلك الانتهاءِ التلبسُ بفعلِ ضدٍ مِنْ أضداد المنهي عنه.
(1)
أي: الانتهاء.
(2)
أي: الانتهاء.
(3)
أي: المطاوع لكَفَفْتُه.
(4)
فكل هذه معانٍ مترادفة للانتهاء.
(5)
في (ت)، و (غ)، و (ك)"وقولنا".
(6)
سقطت من (غ).
(7)
في (غ): "بباله".
فالعبارة المحررة أن يقال إن المطلوب بالنهي الانتهاء. ويلزم من الانتهاء فعلُ ضدِ المنهيِّ عنه
(1)
.
ولا يُعْكَس فيقال: المطلوب ضِدُّ المنهي عنه ويلزم به الانتهاء؛ لأن الانتهاء متقدم في الرتبة في العقل على فعل الضد، فكان معه كالسبب مع المسبب.
فالكافر إذا أسلم فقد وجد منه ثلاثة أشياء:
كُفْره أولًا المنهيُّ عنه.
ثم انتهاؤه عنه. والترتيب بينهما في الزمان.
ثم تلبسه بالإيمان. والترتيب بينه وبين الانتهاء عن الكفر ليس في الزمان
(2)
، وإنما هو في الرتبة ترتب المعلولية على العلية وهما في زمان واحد.
كذلك الانتهاء وفعل الضد في زمان واحد. والانتهاء متقدم بالرتبة تقدم العلية على المعلولية حتى لو فرض أن الانتهاء يحصل بدون فعل الضد حصل المطلوب به، ولم يكن حاجة إلى فعل الضد، لكن ذلك فَرْضٌ غير ممكن، وهذا المعنى حاصل في جميع
(3)
الأفعال، وكلما يتلبس به الإنسان، والمقصود بالذات هو الانتهاء، وأما فعل الضد فلا يقصد إلا بالالتزام بل قد
(1)
فقولنا: لا تكفر. المطلوب المطابقي له: هو الكف عن الكفر، وهو الانتهاء، ويلزمه لكي يتحقق الإيمان.
(2)
يعني: حصولهما معًا، ليس هناك فاصل زمني بينهما، فإذا انتهى عن الكفر فقد تلبس بالإيمان في لحظة واحدة.
(3)
سقطت من (ص).
لا يُقْصد أصلًا، ولا يستحضره المتكلم، ومتى قَصَد المتكلم
(1)
فعلَ الضد وطَلَبه من حيث هو - كان أمرًا لا نهيًا عن ضده، ومتى أتى بصيغة أمْرٍ في معنى الانتهاء كقوله
(2)
: اترك - فهذا لفظه لفظ الأمر ومعناه معنى النهي، وبينهما فرق، وهو أنا قلنا: إن الانتهاء له طرفان أحدهما من جانب المنهي عنه، والثاني من جانب ضده الذي به يحصل الانتهاء، فقوله:"لا تفعل" جانب المنهي عنه أقوى، وقوله:"اترك" الجانب الآخر
(3)
فيه أقوى، ولا مانع أن يترجَّح أحد الجانبين على الآخر، وإن كانا جميعًا مقصودين. أما إذا مُحِّض الأمرُ بهذا للضد، (أو بذلك)
(4)
- فلا نهي البتة
(5)
، وقد لا يستحضر معه الطرف الآخر
(6)
فعلى ما قلناه
(7)
ينبغي أن يُحمل كلام الجمهور، ومَنْ عَبَّر عنهم بتلك العبارة فإما غير متأمل لمعناها، وإما قصده تقريبُ المعاني إلى الطالب المبتدي، فإن التعمق في المعاني يضر المبتدي، ومِنْ آداب المُعَلِّم أنْ يُرَبيَ الناس بصغار العلم قبل كباره.
(1)
سقطت من (غ)، و (ك).
(2)
في (ت): "كقولك".
(3)
وهو وفعل الضد.
(4)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"أو بذاك". والمعنى: أو بضدٍ آخر.
(5)
يعني: إذا جعلنا المقصود بالنهي هو فعل الضد، ومحضنا النهي لذلك، فإن معنى النهي ينتفى، ويصبح أمرًا لا نهيًا.
(6)
أي: قد لا يُستحضر مع فعل الضد الانتهاء، وهو المقصود بالطرف الآخر، وقد سبق بيان أن الانتهاء لا يتحقق إلا بقصده.
(7)
أي: من كون النهي له طرفان: طرف الانتهاء عن المنهي عنه، وطرف فعل الضد.
وأما قول أبي هاشم: إن المطلوب نفس أن لا تفعل
(1)
- فهو وإن كان يبتدر إلى الذهن في الأول؛ لأن حرف النهي ورد على الفعل فقد طلب منه عدمه، لكن نفسَ أن لا تفعل عدمٌ مَحْضٌ فلا يكلَّف به ولا يُطلب، وإنما يُطلب من المكلف ما له قدرة على تحصيله، فلعل مراد أبي هاشم العدم الذي هو من الانتهاء، والانتهاء فِعْل، فإن أراد ذلك تقارب المذهبان، ويكون الجمهور نظروا إلى حقيقة ما هو مكلَّف به، وأبو هاشم نظر إلى المقصود به، وهو إعدام دخولِ المنهي عنه في الوجود.
وإن لم يرد أبو هاشم ذلك، وأراد [أن]
(2)
العدم المحض
(3)
الذي لا صنع للمكلَّف في تحصيله - فهو باطل.
إذا عُرِف هذا فَقَوْل شارح المحصول: إن هذه المسألة لا تشتبه بأن النهي عن الشيء أمر بضده؛ لأن الكلام في ذلك لفظي وفي هذه معنوي - ليس بجيد، أما أوَّلًا فلأنه ليس الكلام في تلك لفظيًا فقط، بل لفظيًا ومعنويًا، وحقيقة (النهي والأمر)
(4)
أمران نفسانيان
(5)
يُعبَّر عنهما بلفظٍ، والكلام في حقائقهما
(6)
.
(1)
في (ت): "أن لا يفعل".
(2)
حذف (أن) أولى وأحسن.
(3)
في (ت)، و (غ):"الصِّرف".
(4)
في (ت)، و (غ):"الأمر والنهي".
(5)
أي: أنهما معنيان معقولان في النفس، فالخلاف بينهما معنوي.
(6)
يعني: الكلام في مسألة النهي عن الشيء أمر بضده: عن حقائق النهي والأمر، وهل هما شيء واحد، أم متلازمان؟ وهذا خلاف معنوي.
وأما ثانيًا فلأن الأمر بالشيء لفظًا يقتضي أن المطلوب المعنوي مأمور به على ما قال، فيحصل الاشتباه
(1)
.
وأما الذي
(2)
قاله القرافي فالوجه الأول صحيح، ولكنه لا يفيده جوابًا، ولا شك أن المتعلِّق بكسر اللام غير المتعلَّق بفتحها، والفرق بينهما صوري، ولا يلزم منه عدم تداخل إحدى المسألتين في الأخرى.
و
(3)
أما الوجه الثاني فقوله: إنَّ النهي عن الشيء أمرٌ بضده التزامًا - صحيحٌ، وقوله: المطلوب بالنهي فعل الضد مطابقة - ليس بصحيح؛ لما قدمناه، لكنه
(4)
موافقٌ لظاهر كلامِ الأصوليين، فحينئذ هذا الجواب الثاني من كلام القرافي ينبغي أن يكون هو العمدة على ظاهر كلام الأصوليين، لكنا لا نوافق عليه لما قدمناه، فالمختار عندنا في المسألتين أن الكلام في الالتزام لا في المطابقة
(5)
، وحينئذ نقول، وأُقَدِّم على ذلك
(6)
زيادةً في بيان
(1)
فالأمر بترك الزنا مثلًا طلب لفظي، والتلبس بضده مطلوب معنوي، أي: مستفاد من معنى اللفظ، فالخلاف في مسألة النهي عن الشيء أمر بضده، خلاف لفظي معنوي، ومن ثم فهي تشتبه بمسألة مقتضى النهي هل هو عدم المنهي عنه، أو التلبس بضده؟
(2)
في (غ)، و (ك):"ما".
(3)
سقطت الواو من (ت).
(4)
في (ت): "ولكنه". والضمير في لكنه، يعود إلى قوله: المطلوب بالنهي فِعْل الضد مطابقة.
(5)
فالنهي عن الشيء هل هو أمر بضده؟ هذا من جهة الالتزام، ومقتضى النهي هل هو عدم المنهي عنه أو فعل ضده؟ هذا أيضًا من جهة الالتزام؛ لأن مدلول النهي المطابقي هو الانتهاء، كما سبق من الوالد تقريره.
(6)
سقطت من (ص).
ما كنا فيه: أن النفيَ له في اللغة معنيان:
أحدهما: فِعْلُ الفاعلِ النفي
(1)
. تقول: نفيتُ الشيءَ فانتفى. وهذا هو أظهر المعنيين.
والثاني: نفس الانتفاء. تقول
(2)
نَفَى الشيءُ
(3)
. هكذا سُمِع من اللغة
(4)
، وعلى هذا المعنى الثاني يكون النفي والإثبات نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، ويكون المراد بالإثبات الثبوت، كما أن المراد بالنفي الانتفاء
(5)
، وأما إذا أردت بالنفي نفيَك الشيء وبالإثبات إثباتَك له - فيكونان ضدين لا نقيضين؛ لأنك قد لا تَنْفي ولا تُثْبت
(6)
، وهذا البحث ليس مما نحن فيه، ولكنه يُحْتاج إلى تصوره، وبَحْثٌ آخرُ منه وهو العدم تارة يكون عدم الشيء في نفسه من حيث هو هو، من غير نظر إلى مُعْدِمٍ، وتارة يكون عدمًا بإعدام غيره، والعدمان في حقيقتهما سواء ولكن الأول بلا فاعل، والثاني بفاعلٍ، وفِعْلُ ضده كذلك
(7)
.
(1)
المراد بالنفي هنا هو الكف؛ لأن العدم لا يدخل تحت القدرة.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (ت).
(4)
فالفعل في المعنى الأول متعد، وفي الثاني لازم.
(5)
يعني: أن الإثبات هو ذات الثبوت، لا أن هناك فاعلًا أثبت الشيء. كما أن النفي هو ذات الانتفاء، لا أن هناك فاعلًا نفي الشيءَ، فالفعلان على هذا المعنى لازمان غير متعديين.
(6)
يعني فقد ارتفعا، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
(7)
أي: أن فعل ضد العدم كذلك على قسمين: فِعْلٌ وجوده في نفسه لا يحتاج إلى فاعل، والثاني. يحتاج إلى فاعل في وجوده.
فأبو هاشم يرى أن المطلوب بالنهي الأول
(1)
.
والجمهور يرون أن المطلوب بالنهي الثاني
(2)
.
والحق معهم لأنه الذي يصح به التكليف، فالعدم من حيث هو أمر
(3)
، وعدم الزنا من حيث هو أخص منه
(4)
، ولا فعل معه
(5)
البتة
(6)
وهو الذي يقول أبو هاشم إنه مطلوب.
وعدم الزنا بفَعْلِ فاعل: وهو كف النفس عنه - شيءٌ ثالث أخص من الثاني، الذي هو أخص من الأول. وفيه
(7)
أمران:
أحدهما: طرف العدم. والثاني: طرف الفعل المُحَصِّل له
(8)
وهو
(9)
من الطرف الأول ليس بشيء؛ لأنه عدم، ولا يكلف به
(10)
، ومن الطرف الثاني ثبوت، ولذلك أطلقنا في كلامنا عليه اسم الشيء، فيصح التكليف
(1)
أي: العدم بدون فاعل.
(2)
أي: العدم بالفاعل.
(3)
هكذا في جميع النسخ، والصواب: من حيث هو أعم؛ لأنه قال بعده: "وعدم الزنا من حيث هو أخص منه".
(4)
أي: من العدم.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
أي: لا فعل يمكن مع عدم الزنا، لأنه عدم خالص، فليس للقدرة عليه سبيل.
(7)
أي: في العدم الثالث.
(8)
يعني: المحصِّل لهذا العدم، أي الذي يتحقق به هذا العدم.
(9)
أي: العدم الثالث الأخص.
(10)
سقطت من (غ).
به، وهو مراد الجمهور. وفِعْل الفاعلِ من حيث هو مع قطع النظر عن العدم الحاصل به
(1)
أمرٌ رابع.
وهو أمر وجودي لا عدم مَعَه، وهو الذي يُراد غالبًا بالضد، فهذا هو المراد بقولنا: الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده أو بأحد أضداده. وإذا علمتَ هذه الأربعة فاعتبِرْها تَجدها في سائر الأمور.
فكل أمرٍ لَكَ إقبالٌ عليه، وانصرافٌ عنه، وتلبسٌ بفعلٍ غيرِه، وفي الانصراف عنه نسبتان، والإمام فخر الدين لما كان يرى أن الحركة هي الحصول في الحيِّز الثاني لا جرم قال: إن المطلوب بالنهي فعل الضد
(2)
.
ونحن نرى أن الحركة: هي الانتقال من الحيِّز الأول إلى الحيِّز الثاني، لا جرم قلنا: إن المطلوب بالنهي الانتهاء: وهو الانصراف عن المنهي عنه إلى غيره، لا يقصد غيرَه بل يَقْصد عدمَ الأول
(3)
، فإنْ فعل غيرَه قاصدًا به
(1)
سقطت من (ت).
(2)
يعني: النهي عن الشيء له حَيِّزان: الأول: المنهى عنه، وهو المحرم. والثاني: فعل ضد المنهي عنه، وهو الواجب. ولما كانت الحركة عند الإمام هي الحصول في الحيز الثاني قال: المطلوب بالنهي فعل الضد؛ لأن فعل الضد هو الحصول في الحيز الثاني، وهي الحركة عند الإمام.
(3)
أي: لا يقصد بانصرافه غير المنهي عنه، بل يقصد عدم المنهي عنه، يعني: لا يقصد الوصول إلى ضد المنهي عنه؛ لأن الحركة عند السبكي الانتقال من الحيز الأول إلى الحيز الثاني.
الانتهاء كان ممتثلًا: (وإن فعل غيره
(1)
غير قاصد الانتهاء لم يكن ممتثلًا)
(2)
ولكنه لا يأثم لأنه لم يرتكب المنهي عنه، والمقصود في
(3)
الحقيقة إنما هو عدم المنهي عنه، ولو كان المقصود أن يَضُمَّ إلى العدم شيئًا آخر لكان مَنْ لم يَزْنِ ولا قصد الامتثال.
ولا نقول عدم الذم لكونه غافلًا عن النهي فإنا نفرضه فيمن استحضر النهي ولم يفعل المنهيَ عنه ولا قصد شيئًا فإنه لا يُذَمُّ ولا يُحْمد.
وهذا يبيِّن لنا الفرق بين تحريم الشيء وإيجاب الكف عنه؛ فإن إيجاب الكف عنه يقتضي أنه لا يخرج عن العهدة إلا بتحصيل الكف الذي من شرطه إقبال النفس عليه ثم كفها عنه، وليس كذلك
(4)
، وإنما الفعل هو المحرَّم فلا يأثم إلا به.
وقد أطلنا في ذلك فلنرجع إلى غرضنا، ونقول
(5)
: قولهم: المطلوب بالنهي فعل ضد المنهي عنه - مرادهم به الضد العام وهو الانتهاء الحاصل بواحدٍ من أضداد المنهي عنه.
وقولهم: النهي عن الشيء أمر بضده، قد بيّنوا أنه بطريق الالتزام -
(1)
سقطت من (ت)، و (ص).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (غ).
(4)
أي: ليس التكليف في النهي بإيجاب الكف.
(5)
في (غ): "فنقول".
مرادهم به الضد الخاص وهو أحد الأضداد الذي يحصل الانتهاء به أو بغيره.
فإن أرادوا الضد العام لزم مِنْ كلٍّ من المسألتين الأخرى، لكنه لا يكون تكرارًا فلا يكون مسألة واحدة بل هما مسألتان
(1)
، وإن لزم من معرفة حكم إحداهما معرفة حكم الأخرى فلا يضرنا ذلك.
وإنما يحسن السؤال لو كانوا وضعوا مسألة أن النهي عن الشيء هل هو أمر بضده أوْ لا؟ وليس ذلك في "المحصول"، وإنما في "المحصول" أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ (وتكلم غيره في أن النهي عن الشيء هل هو أمر بضده)
(2)
؟ فلو جعلتا مسألتين مترجمًا عنهما ربما كان يرد السؤال، ولكنا لم
(3)
نعمل كذلك بل نبهنا عن هذا في أثناء مسألة، ولا مانع أن ننبه
(4)
في أثناء مسألة على ما تضمنته مسألة أخرى. ولا يقال: إنهما مسألة واحدة متكررة.
والحاصل أنه إن أُريد بالضد الضد العام فالكف أو الانتفاء ضد عام، فيلزم مِنْ إحدى المسألتين الأخرى، ولكن الإمام لم يضعهما مسألتين فلا
(1)
يعني: لكن ذكرهم للمسألتين لا يكون تكرارًا، بل هما مسألتان، فيكون مرادهم بالنهي عن الشيء أمر بضده - الضد الخاص، ومرادهم بالمطلوب بالنهي الضد العام، فلا تكرار.
(2)
في (ص): "وتكلم غيره في النهي عن الشيء، وهل هو أمر بضده".
(3)
سقطت من (ص).
(4)
في (ص): "نبينه".