الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالتها على مسماها إليه، مِن غير عكس. ومراعاة دلالة المتبوع أولى من مراعاة دلالة التابع؛ ولأنه أكثر
فائدة
وأظهر دلالة، فكان بالرعاية أجدر. (والله أعلم)
(1)
.
فائدة:
سألت والدي أطال الله بقاه في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(2)
، وقول الشافعي رضي الله عنه: إن ذلك في الأحرار، بدليل أن العبد لا يملك
(3)
.
فقلت: إن
(4)
هذا مِنْ عَطْف الضمير الخاص على العام، فلا يقتضي التخصيصَ على الصحيح.
فقال: ليس هذا من ذلك القبيل؛ لأن ذلك في لفظ عامٍ يتقدم، ويأتي بعده ضمير لا يستقل بنفسه، بل يعود على ذلك اللفظ المتقدم العام. وهنا خطاب، والمخاطَب لم يتحقق فيه عموم ولا خصوص، والمرجع فيه إلى
(1)
لم ترد في (ت)، و (ص).
(2)
سورة النساء: الآية 3.
(3)
عبارة الشافعي رضي الله عنه كما في "أحكام القرآن" 1/ 180 (جَمْع البيهقي رضي الله عنه: فكان بَيِّنًا في الآية والله أعلم: أن المخاطبين بها الأحرار؛ لقوله عز وجل: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ؛ لأنه لا يملك الا الأحرار. وقوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} فإنما يعول من له المال، ولا مال للعبد، وانظر: الأم 5/ 41.
(4)
سقطت من (ص)، و (ك).
قَصْد المتكلم، وما يدل عليه. فقوله
(1)
: {فَانْكِحُوا} خطابٌ لمخاطَبِين لم يتحقق دخول العبيد في موضوعه، بل بحسب ما يريد التكلم مِنْ مخاطبِه، فإذا دلَّ دليل في آخر الكلام أو في أوله على المراد - حُمِل عليه، وهنا قد دَلَّ دليلٌ في آخره وهو قوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وفي أوله وهو:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}
(2)
، فإنه إنما يخاطَب به مَنْ يلي أمرَ اليتيم، والعبد لا يلي أمرَ اليتيم.
فقلتُ: الخطاب الأول
(3)
لجميع الناس الأحرار والعبيد، بدليل قوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
(4)
.
فقال: لنا في الجواب طريقان:
أحدهما: ما قررناه غير مرة مِنْ أن
(5)
أَيًّا
(6)
نكرة وهي المنادى، (ووُصِفت)
(7)
بالناس، فالألف واللام في "الناس" للعهد، والمعهود هي النكرة المقصودة، وهو الذي ناداه المتكلم، والعهد متقدم
(8)
على العموم.
(1)
في (ت)، و (غ):"بقوله". وهو خطأ.
(2)
سورة النساء: الآية 3.
(3)
وهو قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا. . .} .
(4)
سورة النساء: الآية 1.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
أي: في قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ. . . .} .
(7)
في (ص): "وُصِف" وفي (غ): "ووصف" فيكون الضمير عائدًا إلى "المنادى".
(8)
في (ص): "مقدم".
والثاني: أن يُسَلَّم أنها للعموم، ويقوم دليلٌ على أن الخطاب بعدها لبعضهم مثاله: أن يقول لعشرة: افعلوا كذا. ثم يقول لبعضهم: افعلوا كذا. فليس تخصيصًا للأول، وإنما هو خطاب لغير مَنْ خُوطب أوَّلًا، وهو بعض منه. وهو يشبه الالتفات، فليس من باب عَوْد الضمير المقتضي للتخصيص على خلافٍ فيه، بل هذا لا يقتضي التخصيص قولًا واحدًا، لأن كلَّ واحدٍ من الكلامين مستقل بنفسه، وإنْ كان بينهما التئام. (والله أعلم)
(1)
(2)
.
قال: (تذنيب: المطلق والمقيَّد إن اتحد سببُهما حُمِل المطلق عليه، عملًا بالدليلين. وإلا فإن اقتضى القياسُ تقييدَه قُيِّد، وإلا فلا).
المطلق والمقيَّد كالعام والخاي، وكل ما يجوز فيه تخصيص العام من الأدلة إما على الوفاق أو الخلاف - فإنه يجوز به تقييد المطلق من غير تفاوت، ولذلك جعل المصنف الكلام فيهِ ذُنَابَةً
(3)
، وتتمة
(1)
لم ترد في (ت)، و (غ)، و (ك).
(2)
انظر المسألة التاسعة في: المحصول 1/ ق 3/ 208، الحاصل 1/ 580، التحصيل 1/ 406، نهاية الوصول 5/ 1763، نهاية السول 2/ 489، السراج الوهاج 1/ 590، مناهج العقول 2/ 136، الإحكام 2/ 336، المحلي على الجمع 2/ 32، المعتمد 1/ 283، شرح التنقيح ص 218، العضد على ابن الحاجب 2/ 152، فواتح الرحموت 1/ 356، تيسير التحرير 1/ 320، شرح الكوكب 3/ 389، المسودة ص 138، العدة 2/ 614.
(3)
أي: مؤخَّرًا. وفي اللسان 1/ 391، 392، مادة (ذنب):"وذَنَبة الوادي والنهر، وَذُنَابَتُه، وذِنَابَتُه: آخره، الكسر عن ثعلب. . . . وذنابة العين، وذِنابها، وذَنَبُها: مؤخَّرها".
للعام والخاص. والأخذ في شرح ما أورده يستدعي تقديمَ مقدِّمةٍ، فنقول: المطلق منقسمٌ إلى حقيقي، وإضافي.
أما الحقيقي: فهو المطلق من كل وجه. وقد يقال: المطلق على الإطلاق: وهو المجردُ عن جميع القيود، الدالُّ على ماهية الشيء من غير أن يدل على شيءٍ مِنْ أحوالها وعوارضها. على ما ذكرناه
(1)
في باب العموم.
وأما الإضافي، مثل قولك: أعتق رقبة، واضرب رجلًا - فليس هو
(2)
مطلقًا من كل وجه، بل: هو دال على واحدٍ شائع في الجنس. وهما قيدان زائدان على الماهية، وهذا مُطْلق بالنسبة إلى قولنا: رقبة مؤمنة. ومُقيَّدٌ بالنسبة إلى اللفظ الدال على ماهية الرقبة، من غير أن يكون فيها دلالة على كونها واحدة أو كثيرة، أو شائعًا في الجنس، أو مُعَيَّنًا.
وإذا عرفت انقسام المطلق إلى قسمين - فاعلم أن المُقَيَّد (ينقسم أيضًا)
(3)
إلى قسمين مقابِلَيْهما:
فالمقيَّد من كل وجه، أو على الإطلاق: هو اللفظ الذي لا اشتراك فيه أصلًا. كأسماء الأعلام.
وأما المقيَّد من وجه دون وجه - فنَحْو: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، ورجل عالم
(4)
.
(1)
في (ص): "ما ذكرنا".
(2)
في (ت): "هذا".
(3)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"أيضًا ينقسم".
(4)
انظر تعريف المطلق والمقيد في: نهاية الوصول 5/ 1771، الإحكام 3/ 3، المحلي =
إذا
(1)
عرفت ذلك فلْنَعُد إلى الشرح، والمقصودِ (من الكلام)
(2)
في حمل المطلق على المقيد.
اعلم أن مُتعَلَّق حكم المطلق إما أن يكون عَيْن
(3)
متعلَّق حكم المقيَّد، أَوْ لا يكون.
فإنْ كان الثاني فلا يُحْمل المطلق على المقيد وفاقًا
(4)
؛ لأنه لا مناسبة بينهما، ولا تعلق لأحدهما بالآخر أصلًا. ومثلوا هذا بتقييد الشهادة بالعدالة، وجريان ذِكْر الرقبة في الكفارة مطلقًا مُعَرَّى العدالة.
وإنْ كان الأول: فإما أن يتحد السبب أو يختلف، وعلى التقديرين: إما أنْ يكون كل واحد من المطلق والمقيد أمرًا، أو نهيًا، أو أحدهما أمرًا والآخر نهيًا. فهذه أقسام ستة:
أحدها: أن يكون السبب واحدًا، وكل واحد منهما أمرًا. نحو أن نقول: أعتقوا رقبةً مؤمنة إذا حنثتم. ثم نقول مرة أخرى: أعتقوا رقبةً إذا
= على الجمع 2/ 44، البحر المحيط 5/ 5، شرح التنقيح ص 266، العضد على ابن الحاجب 2/ 155، نشر البنود 1/ 264، كشف الأسرار 2/ 286، فواتح الرحموت 1/ 360، شرح الكوكب 3/ 392، المسودة ص 147، مختصر ابن اللحام ص 125.
(1)
في (ص): "وإذا".
(2)
في (غ)، و (ص)، و (ك):"الكلام".
(3)
في (ص): "غير" وهو خطأ.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 214، نهاية الوصول 5/ 1773، المعتمد 1/ 288، البحر المحيط 5/ 9، شرح التنقيح ص 266، الفواتح 1/ 361، الإحكام 3/ 4، كشف الأسرار 2/ 287، التلخيص 2/ 166.
حنثتم. فها هنا لا خلاف أن المطلق محمولٌ على المقيَّد
(1)
. وكذا لو قال أوَّلًا: أعتقوا رقبة. ثم قال: أعتقوا رقبة مؤمنة. وكذا لو لم يُعلم التاريخ بينهما؛ لأن مَنْ عمل بالمقيَّد فقد عمل بالمطلق، ضرورةَ أنَّ المطلق جزءٌ من المقيَّد، والآتي بالكل آتٍ بالجزء، فيكون العمل بالمقيَّد عملًا بالدليلين. وأما العمل بالمطلق فليس عملًا بالمقيَّد؛ لأن الآتي بالجزء لا يكون آتيًا بالكل، بل يكون
(2)
تاركًا له، فيكون العمل بالمطلق يستلزم الترك لأحد الدليلين بالكلية، فإذا كان الجمع بين الدليلين واجبًا مع استلزامه الترك لشيء من مدلولات أحدهما فليجب حيث لا يستلزم ذلك بطريقٍ أولى، ولا يُخَرَّج ذلك على الخلاف في تقابل العام المتأخر والخاص المتقدم؛ لهذا الذي ذكرناه.
فإنْ قلت: مقتضى
(3)
الإطلاق: التمكن مِنْ أي فردٍ شاء المكلَّف. والتقييد يزيل
(4)
التمكن من ذلك، فلِمَ كانَ هذا أولى مِنْ حَمل الأمر بالمقيَّد على الندب؟
قلت: هذا الحكم الذي هو التمكن حالة الإطلاق - غيرُ مدلولٍ عليه باللفظ؛ لأن اللفظ: وهو أعتق رقبة، مثلًا - إنما دل على
(1)
انظر: البحر المحيط 5/ 10، شرح الكوكب 3/ 396، 397، المسودة ص 146، الإحكام 3/ 4، كشف الأسرار 2/ 287.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ص): "فمقتضى".
(4)
في (غ): "مزيل".
إيجاد
(1)
عِتْق رقبة، وكون الكافرة في حالة الإطلاق مجزئةً، إنما جاء من تركيب العقل مع النقل؛ لأنك تقول هذه الكافرة تجزئ؛ لأنها رقبة، والرقبة تجزئ، لقوله: أعتق رقبة. فَكَوْن الكافرة تجزئ غير مدلول عليه لفظًا، والمقيد: وهو أعتق رقبة مؤمنة - مدلول عليه باللفظ، فكان أولى بالرعاية.
الثاني: أن يكون كُلُّ واحدٍ من المطلَق والمقيَّد نهيًا. نحو: أن تقول: لا تعتق رقبة. ثم تقول مرة أخرى: لا تعتق رقبة كافرة. فمن يقول بمفهوم الخطاب يلزمه أن يخصِّص النهي
(2)
العام بالكافرة؛ لأن النهي الثاني عنده يدل على إجزاء من ليست كافرة
(3)
.
ولقائل أن يقول: وجود المطلق والمقيد في جانب (النفي والنهي)
(4)
يُصَيِّر المطلق عامًا، والمقيَّد خاصًا؛ لأن ذلك نكرة في سياق النفي فلا يُتَصَوَّران في هذين الجانبين.
الثالث: أن يكون أحدهما أمرًا والآخر نهيًا، وهو قسمان؛ لأنه إما أن
(1)
في (ص): "اتخاذ": "اتحاد". وكلها خطأ.
(2)
سقطت من (غ).
(3)
ومن لا يقول بالمفهوم كالحنفية لا يحمل النهي العام على الكافرة. ووافقهم على ذلك الآمدي وابن الحاجب من جهة عدم المنافاة بينهما؛ إذ الرقبة الكافرة فرد من أفراد عموم الرقبة. انظر: كشف الأسرار 1/ 287، الإحكام 3/ 5، المنتهى ص 135 - 136، العضد على ابن الحاجب 2/ 155 - 156، شرح الكوكب 3/ 399 - 400، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 178.
(4)
في (ص): "النهي والنفي".
يكون المطلق أمرًا، والمقيَّد نهيًا، نحو: أن تقول: أعتق رقبة. ثم تقول: لا تعتق رقبة كافرة، أو بالعكس، نحو: لا تعتق رقبة. ثم تقول: أعتق رقبة مؤمنة. ففي هاتين الصورتين يُوجب المقيَّدُ تقييد المطلق بضده بلا خلاف
(1)
.
الرابع: أن يكون كل واحدٍ منهما أمرًا، ولكن السبب مختلف. نحو: قوله تعالى في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}
(2)
، وقوله في كفارة القتل:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤْمِنَةٍ}
(3)
، فها هنا اختلفوا على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه
(4)
يحمل عليه من غير حاجةٍ إلى دليل آخر، فإن تقييد أحدهما يوجب تقييد الآخر لفظًا. وبه قال بعض أصحابنا
(5)
. قال إمام الحرمين: "وأقرب طريق لهؤلاء أن كلام الله تعالى في حكم الخطاب الواحد، (وحق الخطاب الواحد أن)
(6)
يترتب المطلق فيه على المقيد".
(1)
انظر: الإحكام 3/ 5، نهاية الوصول 5/ 1778.
(2)
سورة المجادلة: الآية 3.
(3)
سورة النساء: الآية 92.
(4)
في (ص): "أن".
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 218، نهاية الوصول 5/ 1779. وإليه صار أيضًا بعض المالكية. انظر: إحكام الفصول ص 281، وهو رواية عن أحمد رضي الله عنه، واختارها القاضي أبو يعلى رحمه الله تعالى. انظر: العدة 2/ 637، 638، التمهيد 2/ 180. وقال الماوردي والروياني في باب القضاء: إنه ظاهر مذهب الشافعي. انظر: البحر المحيط 5/ 14.
(6)
سقطت من (غ).
قال: "وهذا من فنون الهَذَيان، فإن قضايا الألفاظ في كتاب الله تعالى مختلفة متباينة، لبعضها حكم التعليق
(1)
والاختصاص، ولبعضها حكم الاستقلال والانقطاع فمن ادعى تنزيلَ جهات الخطاب على حكمِ كلامٍ واحد، مع العلم بأن في
(2)
كتاب الله تعالى النفي والإثبات، والأمر والزجر، والأحكام المتغايرة - فقد ادعى أمرًا عظيمًا، ولا مَعْني
(3)
في مثل ذلك الإشارة إلى اتحاد الكلام الأزلي، ومُضْطرب المتكلمين في الألفاظ وقضايا الصيغ، وهي مختلفة لا مِرَاء في اختلافها؛ فيسقط
(4)
هذا الفن"
(5)
.
والمذهب الثاني: وعليه الحنفية، أنه لا يجوز الحمل عليه
(6)
بحال
(7)
؛
(1)
هكذا في جميع النسخ، والذى في البرهان 1/ 435:"التعلق". وكذا هو في البحر المحيط (5/ 15) نقلًا عن إمام الحرمين.
(2)
سقطت من (غ).
(3)
في (ص)، و (ك):"ولا يعني". ولعل المقصود به: "ولا يغني"، كما هو في البرهان 1/ 435، ونسخة (غ) وفي البحر المحيط 5/ 15:"ولا تغني".
(4)
في (غ)، و (ك):"فسقط".
(5)
انظر: البرهان 1/ 435. وقال الإمام عن هذا المذهب: إنه ضعيف جدًا. المحصول 1/ ق 3/ 219. وقال عنه الغزالي رحمه الله تعالى: "وهذا تحكم محض، يخالف وضع اللغة". المستصفى 3/ 399. وانظر: شرح اللمع 1/ 418.
(6)
أي: على المقيَّد.
(7)
انظر: فواتح الرحموت 1/ 365، كشف الأسرار 2/ 287. وإليه صار أيضًا أكثر المالكية. انظر: شرح التنقيح ص 266، نشر البنود 1/ 268، وهو رواية عن أحمد رضي الله عنه، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا، والمجد ابن تيمية. انظر: العدة 2/ 638، التمهيد 2/ 180، نزهة الخاطر 2/ 194، المسودة ص 145.
لأن ذلك الدليل إنْ كان دون المطلق في القوة لم يصلح لنسخه، وإنْ كان مثله - فإن عُلِم شَرْط النسخ كان نَسْخًا له، وإلا كان تعارضًا
(1)
، فهو غير محمول على المقيد بحال.
والثالث: وهو قول الشافعي وجمهور الأصحاب
(2)
أنه إنْ وُجد قياس، وكذا دليلٌ غيره يقتضي تقييده - قُيِّد، وإلا فلا. وهذا ما جزم به في الكتاب.
الخامس: أن يكون كل واحدٍ منهما نهيًا، والسبب مختلف. نحو:"لا تعتق رقبة" في كفارة الظهار مثلًا، ثم نقول:"لا تعتق رقبة مؤمنة"، في كفارة القتل. فالقائل بالمفهوم، وبتقييد
(3)
المطلق بالمقيَّد إنْ وُجِد دليل
(4)
- (يلزمه تخصيص النهيَ العامَّ بالكافرة إنْ وجد دليل)
(5)
(6)
.
(1)
في (ت): "معارِضًا".
(2)
ومُحَقِّقو المالكية كالقاضي أبي بكر، والقاضي عبد الوهاب، وابن الحاجب، وغيرهم. وهو رواية عن أحمد رضي الله عنه واختارها أكثر الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 156، التلخيص 1/ 167، 168، الإحكام 3/ 5، نهاية الوصول 5/ 1779، نهاية السول 2/ 505، المحلي على الجمع 2/ 51، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 126، شرح الكوكب 3/ 402.
(3)
في (ص): "وتقييد".
(4)
قوله: "وبتقييد المطلق بالمقيد إن وجد دليل" يعني به: الشافعيَّ وجمهور الأصحاب رضي الله عنهم، كما سبق بيانه في المذهب الثالث من القسم الرابع.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
قوله: "إن وجد دليل" هذا خاص بالشافعي وجمهور الأصحاب ومَنْ وافقهم، لا بمن يُجَوِّز ذلك بالمفهوم فقط، كما هو رأي بعض الشافعية، كما سبق في الصورة الرابعة.
السادس: أن يكون أحدهما أمرًا والآخر نهيًا، والسبب مختلف. وهو قسمان؛ لأنه إما أن يكون المطلق أمرًا، نحو: أعتق رقبة. في كفارة الظهار. (والمقيَّد نهيًا، نحو)
(1)
: لا تعتق رقبة كافرة. في كفارة القتل.
أو بالعكس، نحو: لا تعتق رقبة في كفارة الظهار، ثم يقول: أعتق رقبةً مسلمة. في كفارة القتل.
وحكمهما واحد، لا
(2)
يخفى عليك مما سبق. وقد ذكر المصنف ما إذا اتحد السبب، وما إذا اختلف. ولا يعسر عليك فَهْمُ كلامه بعد الصغو إلى ما ألقيته لك من الشرح
(3)
.
ومما أهمله المصنف ما إذا أطلق الحكم في موضعٍ، ثم قَيَّد في موضعين بقيدين متضادين، فمَنْ زعم أن التقييد باللفظ - قال: يبقى المطلق على إطلاقه؛ إذ ليس تقييده بأحدهما أولى مِنْ تقييده بالآخر. ومَنْ حمل المطلق على المقيد بالقياس - حَمَله على ما كان حَمْله عليه أولى
(4)
.
وقد مُثِّل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في الغَسَلات من ولوغ الكلب: "إحداهن بالتراب"، وفي رواية:"أولاهن"، وفي رواية: "فعفروه
(5)
الثامنة"، فلا يُحْمل على إحدى الروايتين دون الأخرى؛ للترجيح مِنْ غير مرجح؛ إذ
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ص): "ولا".
(3)
في (ص): "الشرع".
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 222.
(5)
في (ت): "وعفروه".
القياس هنا متعذر، بل يُرْجع إلى أصل الإطلاق، ونقول: يجوز
(1)
التعفير في كل واحدةٍ
(2)
من المرات عملًا برواية: "إحداهن" المطلقة هكذا ذكروه، وبه أجاب الشيخ أبو العباس القرافي عن اعتراض أورده بعض قضاة الحنفية على الشافعية: بأن
(3)
قاعدتهم حَمْلُ المطلق على المقيد؛ فكان ينبغي أن يوجبوا: "أولاهن"؛ لورود: "إحداهن"، و"أولاهن".
فأجابه القرافي: بأنه قد عارض روايةَ: "أولاهن" روايةُ: أخراهن، يريد بذلك:"فعفروه الثامنة"؛ فيرجع إلى أصل الإطلاق
(4)
.
قال بعض المتأخرين: وعلى هذا ينبغي انحصار الوجوب في الأُولى، (أو الثامنة)
(5)
، ويتخير فيهما.
واعلم أن هذا هو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه في "الأم"، فقال ما نصه: وإذا غسلهن سبع مراتٍ جعل أولاهن أو أخراهن ترابًا، لا يطهر إلا بذلك
(6)
. انتهى. وفي "مختصر البويطي" فقال في أثناء باب غُسْل الجمعة، وهو بعد باب التيمم كيف هو؟ وقبل كتاب الصلاة - ما نصه: وإذا ولغ
(1)
في (ت): "بجواز".
(2)
في (غ): "واحد".
(3)
في (ت): "فإن".
(4)
انظر: نفائس الأصول 5/ 2174، شرح التنقيح ص 269. والمعنى: يَجْزي أيُّ واحدة من السبع أن تكون بالتراب.
(5)
في (غ): "والثامنة".
(6)
انظر: الأم 1/ 6.
الكلب في الإناء غُسِل سبعًا أولاهن أو أخراهن بالتراب، لا يُطَهِّره غير ذلك، وكذلك رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: والخنزير قياسًا عليه يُغْسل سبعًا
(1)
. انتهى. وهو في غاية الغرابة، وعليه جرى المرعشي من أصحابنا في كتابه "ترتيب الأقسام" وعبارته: ما أصاب الكلبُ بلسانه أو بعضو من أعضائه من الماء القليلِ نَجَّسه، ولم يطهر الإناء إلا بأن يُغْسل سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب.
لكن في هذا البحث نظرٌ ذكره والدي، وهو أنه إنما ينبغي حينئذ أن يُوجب كلاهما: الأولى والأخيرة؛ لورود الحديث فيهما، ولا تنافي في الجمع بينهما، اللهم إلا أن يراد بالثامنة ثامنة
(2)
العدد، لا الأخيرة، فإنه حينئذٍ يكون مطلقًا كإحداهن، وتكون رواية إحداهن والثامنة واحدة ومعنى رواية أولاهن، فيعود أصل السؤال.
ويناظر هذا السؤال سؤالان آخران:
أحدهما: أنَّ أبا حنيفة رحمه الله قال: لا يجري التحالف بين المتبايعَيْن إلا إذا كانت السلعة قائمة، أما إذا كانت تالفة فالقول قول المشتري
(3)
. والشافعي رضي الله عنه قال: إذا اختلف المتبايعان - تحالفا، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة
(4)
، مع أنه رَوَى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ("إذا اختلف
(1)
انظر: نهاية السول 2/ 507.
(2)
سقطت من (ت)، و (غ).
(3)
وهو قول أبي يوسف رضي الله عنه أيضًا. انظر: الهداية 3/ 181، ملتقى الأبحر 2/ 112.
(4)
وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله تعالى، كما في المرجعين السابقين. وانظر: =
المتبايعان تحالفا"، ورَوَى أنه صلى الله عليه وسلم قال)
(1)
: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا" فَلِمَ لا حَمَل المطلق على المقيد مع اتحاد القاعدة.
والثاني: إن في كتاب فريضة الصدقة في فريضة الإبل: "فإنْ زادت على عشرين ومائة" وهو مطلق في الزيادة، وجاء مقيَّدًا في حديث ابن عمر:"فإنْ زادت واحدةٌ"
(2)
، فلا ينبغي أن يجب في مائة وعشرين وبعض واحدة إلا ما يجب في مائة وعشرين فقط.
والجواب عن الأول من وجوه:
أحدها: أنه روي من حديث أبي وائل عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان والمبيع مُسْتَهْلك فالقول قول البائع" رواه الدارقطني.
والخصوم رَوَوْا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان (فالقول ما قال)
(3)
البائع، فإنْ اسْتُهْلك فالقول قول المشتري". وهذا يوافق الحديث المقيد بكون السلعة قائمة
(4)
، وهما قيدان
= أصول السرخسي 2/ 25، العزيز شرح الوجيز 4/ 375، روضة الطالبين 3/ 230 - 231.
(1)
سقطت من (غ).
(2)
هذا جزء من حديث فريضة الصدقة الطويل الذي سبق تخريجه.
(3)
في (ت): "فالقول قول".
(4)
أي: الحديث الأخير يوافق حديث: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالف" في التقييد بكون السلعة قائمة؛ لأن أول الحديث مقيَّد بقيام السلعة لأنه قال: "إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع، فإن استهلك فالقول قول المشتري" فمفهوم قوله: "فإن استهلك" أنَّ ما قبله قبل الاستهلاك، يعني: والسلعة قائمة. فهذا الحديث يفيد أنه إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول قول البائع والحنفية لا يقولون =
متضادان
(1)
، فرجعنا إلى أصل الإطلاق
(2)
. ثم إن هذا الحديث يقتضي عدمَ جريان التحالف مطلقًا، وهم لا يقولون به، ثم إنه يرويه الحسن بن عمارة وهو متروك رديء الحفظ
(3)
.
والثاني: أن الحديث المشتمل على التقييد بكون السلعة قائمة - يرويه القاسم بن عبد الرحمن
(4)
عن ابن مسعود، ولم يَلْقَه؛ فيكون مرسلًا، ونحن لا نقول بالمراسيل.
والحق أن الحديث الذي رَوَوْه من التقييد (بقيام السلعة ضعيف،
= بهذا الحكم، بل يقولون بالتحالف كما ورد في الحديث الآخر، لكنهم يعملون بهذا الحديث في حالة الاستهلاك وهو أن القول قول المشتري، مع أن هذا معارَض بحديث:"إذا اختلف المتبايعان، والمبيع مُستهلَكٌ - فالقول قول البائع".
(1)
أي: حديث: "إذا اختلف المتبايعان والمبيع مستهلك فالقول ما قال البائع" مقيد بحالة استهلاك المبيع، والحديث الآخر:"إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع" وهو مقيد بحالة قيام السلعة، كما سبق بيانه في الهامش السابق، وهما قيدان متضادان.
(2)
أي: فلم يعمل الشافعي بأيٍّ من الحديثين؛ لكون القيدين متضادين، فرجع إلى أصل الإطلاق، وهو اختلاف المتبايعين، وأنهما يتحالفان سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة، ولا يترجح قول أحدهما على الآخر.
(3)
انظر: تهذيب 2/ 304، تقريب ص 162.
(4)
هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي. قال الذهبي:"يُرسل كثيرًا عن قدماء الصحابة كعليٍّ، وتميم الداريّ، وابن مسعود، ويروي عن أبي هريرة، وفضالة بن عبيد، ومعاوية، وأبي أمامة، وعدة". وقال أبو حاتم: "روايته عن عليٍّ وابن مسعود مرسلة" قال ابن حجر: "صدوق يُغرِب كثيرًا". مات سنة 112 هـ. انظر: سير 5/ 194، تهذيب 8/ 322، تقريب ص 450.
والذي رويناه من التقييد)
(1)
بهلاكها ضعيف
(2)
أيضًا، ولا حاجة إلى التطويل في بيان ذلك، وضَعْف التقييدين يكفي في الرجوع إلى أصل الإطلاق. وقول الغزالي
(3)
في المأخذ فيما يرويه أصحابنا من التقييد بالهلاك: "أجمع أهل الحديث على صحته" - باطلٌ، نبهنا عليه لئلا يقع الاغترار به.
والثالث: أن التنصيص على قيام السلعة إنما كان تنبيهًا على حالة تلفها؛ لأنه إذا كان التحالف ثابتًا عند حالة قيام السلعة، مع أنه يمكن الاستظهار بالرجوع إلى القيمة وتعرف
(4)
صفاتها - (فلأن يتحالفا مع تلفها ولا يمكن الرجوع إلى صفاتها)
(5)
أولى.
وعن الثاني: أنه إنما يَرِد على الإصطخري
(6)
من أصحابنا القائل: بأنه يجب ثلاث بنات لبون فيما إذا زادت بعض واحدة. والصحيح أنه
(7)
إنما
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ت): "ضُعِّف".
(3)
سقطت من (ك).
(4)
في (غ): "ويعرف".
(5)
سقطت من (ت).
(6)
هو الحسن بن أحمد بن يزيد، أبو سعيد الإصْطَخْرِيّ. وُلد سنة 244 هـ. قال الخطيب:"كان أحد الأئمة المذكورين، ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين، وكان ورعًا زاهدًا متقلِّلًا". وقال الداركي: "ما كان أبو إسحاق المروزيُّ يُفتي بحضرة الإصطخريّ إلا بإذنه". قال أبو الطيب الطبري: "وله تصانيف كثيرة، فمن ذلك كتاب أدب القضاء، ليس لأحدٍ مثله". توفي سنة 328 هـ. انظر: تاريخ بغداد 7/ 268، الطبقات الكبرى 3/ 230.
(7)
سقطت من (ت).
تجب حِقَّتان وفاءً بحمل المطلق على المقيد، فاندفع السؤال
(1)
(2)
(3)
.
(1)
انظر: المجموع 5/ 382. وانظر: البحر المحيط 5/ 25 - 26.
(2)
في (ت) 1/ 188: "والله تعالى أعلم، نَجَز الجزء الأول بحمد الله وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، ويتلوه الجزء الثاني، وأوله الباب الرابع في المجمل والمبين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
(3)
انظر صور حمل المطلق على المقيد في: المحصول 1/ ق 3/ 214، الحاصل 1/ 582، التحصيل 1/ 407، نهاية الوصول 5/ 1772، نهاية السول 2/ 494، السراج الوهاج 1/ 595، مناهج العقول 2/ 138، الإحكام 3/ 4، البرهان 1/ 431، المستصفى 3/ 398 (2/ 185)، شرح اللمع 1/ 416، البحر المحيط 5/ 8، المحلي على الجمع 2/ 49، شرح التنقيح ص 266، بيان المختصر 2/ 351، إحكام الفصول ص 280، شرح الكوكب 3/ 395، المسودة ص 144، العدة 2/ 628، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 177، فواتح الرحموت 1/ 361، تيسير التحرير 1/ 330، أصول السرخسي 1/ 267، كشف الأسرار 2/ 287.