الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقهاء والزهاد، وأنفق
(1)
عليهم إلا المبتدعة. وإلا فللأخيرة)
(2)
.
هذه المسألة في
حكم الاستثناء الواقع عقيب جملٍ عُطِف بعضها على بعض
(3)
(4)
فإنَّ هذا استثناء وقع بعد ثلاث جمل: الأولى آمرةٌ بجلدهم، والثانية ناهية عن قبول شهادتهم، والثالثة مخبرة
(1)
في نهاية السول 2/ 430، وشرح الأصفهاني 1/ 392، ومناهج العقول 2/ 104:"أو أنفق". والمثبت موافق لما في السراج الوهاج 1/ 550.
(2)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"فالأخيرة". والمثبت موافق لما في نهاية السول 2/ 430، السراج الوهاج 1/ 550، شرح الأصفهاني 1/ 392.
(3)
قال العضد الإيجي رحمه الله تعالى: "إذا تعاقبت جملٌ عُطِف بعضها على بعض بالواو، ثم ورد بعدها استثناء فيمكن أن يُرَدَّ إلى الجميع، وإلى الأَخيرة خاصة. ولا نزاع فيه، إنما الخلاف في الظهور، فقال الشافعي: ظاهرٌ في رجوعه إلى الجميع، أي: كل واحدٍ من الجمل. وقالت الحنفية: إلى الجملة الأخيرة". شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 139. والنزاع إنما هو فيما تجرد عن القرائن، وأمكن عوده إلى الأخيرة وإلى الجميع، أما إذا وجدت القرينة على عوده للكل أو للبعض فلا خلاف أن العمل بالقرينة. انظر: شرح المحلي على الجمع مع حاشية البناني وتقريرات الشربيني 2/ 18، شرح الكوكب 3/ 312، 320، الاستغناء ص 572. والتعبير بالجُمَل في هذه المسألة إنما وقع على الغالب، وإلا فلا فرق بينها وبين المفردات، كذا قال الإسنوي في التمهيد ص 399، وقد أشار الشارح رحمه الله تعالى إلى هذا في جمع الجوامع، ففيه مع شرح المحلي 2/ 19: (و) الاستثناء (الوارد بعد مفردات) نحو: تصدق على الفقراء، والمساكين، وابن السبيل، إلا الفسقة منهم (أولى بالكل) أي: بعوده للكل من الوارد بعد جملٍ؛ لعدم استقلال المفردات. اهـ. فأفهم كلامه بالأولوية بوجود خلاف، وإلا لقال: يعود إلى الكل اتفاقًا، أو نحو هذا من العبارات.
(4)
سورة النور: الآيتان 4، 5.
بفسقهم. وقد اختلف العلماء فيها على مذاهب:
الأول: وهو مذهبنا
(1)
، أنه يعود إلى الجميع، لكن بشروط:
أحدها: أن تكون الجمل معطوفة
(2)
.
والثاني: أن يكون العطف بالواو الجامعة، فأما إن كان بثم اختَصَّ بالأخيرة
(3)
، ذكره. . . . . . . . . . . .
(1)
ومذهب المالكية والحنابلة، وبعض النحويين كابن مالك، وابن حزم من الظاهرية. انظر: الإحكام 2/ 300، البحر المحيط 4/ 411، شرح التنقيح ص 249، شرح الكوكب 3/ 312، فواتح الرحموت 1/ 332، الإحكام لابن حزم 4/ 440.
(2)
فأما من أطلق المسألة، كالرازي حيث قال في المحصول 1/ ق 3/ 63:"الاستثناء المذكور عقيب جملٍ كثيرة، هل يعود إليها بأسرها أم لا؟ " - فمحمول كلامه على الجمل المتعاطفة، وأنه سكت عن ذلك لوضوحه، قال الزركشي رحمه الله تعالى في البحر 4/ 419:"وأمثلتهم وكلامهم يرشد إلى أن المسألة مصورة بحالة العطف". وكذا قال الإسنوي في نهاية السول 2/ 432: "واستدلال الإمام والمصنف وغيرهما يقتضيه". وممن صَرَّح بهذا الشرط القاضي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم. انظر: الإحكام 2/ 300، المنتهى ص 125، بيان المختصر 2/ 278، نهاية الوصول 4/ 1553، التلخيص 2/ 78، تيسير التحرير 1/ 302. وقد نازع في هذا الشرط القرافي. انظر: شرح التنقيح ص 254، الاستغناء ص 570.
(3)
قال الزركشي في البحر 4/ 420: "والظاهر أن ثم، والفاء، وحتى - مثل الواو في ذلك، وقد صَرَّح القاضي أبو بكر في "التقريب" بالفاء وغيرها، فقال: وهذه سبيل جُمَلٍ عُطِف بعضها على بعض، بأي حروف العطف عُطفت، من: فاء، وواو، وغيرها. انتهى. وأطلق ابن القشيري والشيخ أبو إسحاق أن صورة المسألة: أن يجمع بين الجمل بحرفٍ من حروف العطف جامعٍ في مقتضى الوضع". وهذا هو الذي ذهب إليه الشارح في جمع الجوامع، أما هنا فهو يَحْكِي شروط الشافعية، ففي الجمع المحلي 2/ 17:(و) الاستثناء (الوارد بعد جملٍ متعاطفةٍ) عائدٍ (للكل) حيث صلح =
الآمدي
(1)
، قال الأصفهاني: ولم أَرَ مَنْ تقدمه به
(2)
.
قلت: وقد تقدمه إمام الحرمين، كما نصَّ عليه في "النهاية"
(3)
، وفي مختصرٍ له في أصول الفقه، ونقله الرافعي في كتاب الوقف عنه
(4)
.
والثالث: نقله الرافعي عن رأي إمام الحرمين أيضًا، أن لا يتخلل بين الجملتين كلامٌ طويل، فإنْ تخلل اختُصَّ بالأخيرة
(5)
. قال الرافعي: كما لو قال: وقفت على أولادي، على أنَّ مَنْ مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن لم يُعْقِب فنصيبه للذين في درجته. فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق واحد منهم - فيختص الاستثناء بالإخوة
(6)
(7)
.
= له؛ لأنه الظاهر مطلقًا (وقيل: إن سيق الكل لغرض. وقيل: إن عُطِف بالواو) عاد للكل، بخلاف الفاء، وثم مثلًا - فللأخيرة، وعلى هذا الآمدي حيث فرض المسألة في العطف بالواو. اهـ. وواضح أن تصديره المسألة للجمل المتعاطفة دون التقييد بالواو يدل على أن (ثم، والفاء، وحتى) يجرى فيها خلاف الواو؛ لأنها تفيد الجمع كالواو. وكذا قال ابن الهمام، وصاحب المسلَّم وشارحه. انظر: تيسير التحرير 1/ 302، فواتح الرحموت 1/ 332، وانظر: سلم الوصول 2/ 431، شرح الكوكب 3/ 312.
(1)
لم يصرِّح الآمدي بهذا، لكنه مقتضى تصويره للمسألة، وقوله:"الجمل المتعاقبة بالواو إذا تعقبها الاستثناء. . ." انظر: الإحكام 2/ 300 - 301.
(2)
انظر: شرح الأصفهاني على المحصول 4/ 478، البحر المحيط 4/ 420.
(3)
انظر: نهاية السول 2/ 432.
(4)
انظر: البحر المحيط 4/ 420.
(5)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"بالأخرة". قال في المصباح 1/ 11: والأخرة، وزان قصبة، بمعنى الأخير، يقال: جاء بأخرة، أي: أخيرًا.
(6)
في (ك): "بالأخيرة".
(7)
انظر: البحر المحيط 4/ 421، التمهيد ص 398، 399.
المذهب الثاني: وإليه ذهب أبو حنيفة
(1)
، أنه يعود إلى الأخيرة خاصة، حتى لا تُقبل شهادة القاذف وإن تاب وصار من الأبرار.
والثالث: التوقف. وإليه ذهب القاضي
(2)
، والغزالي منا
(3)
، والمرتضى من الشيعة، إلا أن القاضي توقف لعدم العلم. بمدلوله لغةً
(4)
. وقال الإمام: إنه الذي نختاره في المناظرة
(5)
. والمرتضى توقف لكونه عنده مشتركًا بين عوده إلى الكل، وعوده إلى الأخيرة فقط
(6)
.
واعلم أن القول بالاشتراك إنما يكون من باب الاشتراك في المركبات
(1)
وأكثر أصحابه، واختاره الإمام في "المعالم"، ونقله أبو الحسين عن الظاهرية، وذهب إليه المجد ابن تيمية، وأبو علي الفارسي من النحويين. انظر: تيسير التحرير 1/ 302، فواتح الرحموت 1/ 332، المعتمد 1/ 245، المعالم ص 93، المسودة ص 156، البحر المحيط 4/ 412، الوصول إلى الأصول 1/ 256، شرح الكوكب 3/ 313.
(2)
انظر: التلخيص 2/ 81.
(3)
انظر: المستصفى 3/ 391 (2/ 177)، وهو مذهب الأشعرية. انظر: التبصرة ص 173، البحر المحيط 4/ 415، العدة 2/ 679.
(4)
وكذا الغزالي.
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 67.
(6)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 64، نهاية الوصول 4/ 1555، قال الزركشي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر عزو الأصوليين هذا القول للمرتضى:"قلت: والذي حكاه صاحب "المصادر" عن الشريف المرتضى: أنه يقطع بعوده إلى الجملة الأخيرة، وتوقف في رجوعه إلى غيرها لما تقدم، فَجَوَّز صَرْفه إلى الجميع، وقَصْره على الأخيرة، كمذهبه في الأمر. هذا لفظه، وهو أثبت منقول عنه؛ لأنه على مذهبه الشيعي". البحر المحيط 4/ 416. قلت: ما قاله صاحب "المصادر" لا ينافي عزو الأصوليين؛ لأن الخلاف في العود وعدمه إنما هو في غير الجملة الأخيرة، أما هي فمحل اتفاق، كما سيأتي بيانه قريبًا.
لا في المفردات، ويكون مبنيًا على وضع المركبات، ولا يمكن أن يقال العود من المفردات
(1)
. ذكره القرافي
(2)
.
ولما تغاير توقُّفُ القاضي والمرتضى - حَصَلْنا من التوقف على مذهبين
(3)
، فنقول:
والمذهب الخامس: وإليه ذهب أبو الحسين، وقال الإمام:"إنه داخل في التحقيق. وإنه حق"
(4)
، أنه إنْ كان بين الجمل تَعَلُّقٌ عاد الاستثناء إليها.
(1)
لأن المراد بالعود هنا عود جملة الاستثناء على ما قبلها، وهي قوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ، فالقول بالاشتراك هنا مبني على القول بوضع المركبات.
(2)
انظر: شرح التنقيح ص 253، نفائس الأصول 5/ 2036، الاستغناء ص 572، وقال فيه:". . . وهو مبني على أن العرب هل وضعت المركبات، كما وضعت المفردات، أم لا؟ وفيه خلاف، والصحيح أنها وضعت المركبات والمفردات معًا".
(3)
قال العضد رحمه الله تعالى عن مذهب القاضي والمرتضى في الوقف: "وهذان موافقان للحنفية في الحكم، وإن خالفا في المأخذ؛ لأنه يرجع إلى الأخيرة فيثبت حكمه فيها، ولا يثبت في غيرها، كالحنفية، لكن هؤلاء لعدم ظهور تناولها، والحنفية لظهور عدم تناولها". ومِثْله قال السعد رحمه الله تعالى عن مذهب القاضي والمرتضى: "مذهبه ومذهب الاشتراك موافقان لمذهب الحنفية في الحكم، وهو أنه إنما يفيد الإخراج من مضمون الجملة الأخيرة دون غيرها، لكن عندهما لعدم الدليل في الغير، وعندهم لدليل العدم، وهذا معنى اختلاف المآخذ". انظر: شرح العضد على ابن الحاجب مع حاشية التفتازاني 2/ 139، وكذا قال الشربيني، ونقله عن العضد والسعد. انظر: تقريرات الشربيني على البناني 2/ 18، وكذا ذكر ابن الهمام أن التوقف إنما هو فيما قبل الأخيرة، أما هي فمحل اتفاق في ظهور عود الاستثناء إليها. انظر: تيسير التحرير 1/ 303، 305، 307.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 64، 67.
والتعلق: أن يكون حكم الأولى أو اسمها مضمرًا في الثانية:
في الحكم، نحو: أكرم الفقهاءَ والزهادَ إلا المبتدعة. تقديره: وأكرم الزهاد
(1)
.
وفي الاسم، نحو: أكرم الفقهاء، وأنفق عليهم إلا المبتدعة. أي: على الفقهاء
(2)
.
وقد أشار المصنف إلى المثالين، فتيقظ
(3)
لذلك.
وإن لم يكن بين الجمل تَعَلُّقٌ اختص بالأخيرة؛ لأن الظاهر أنه ما انتقل عن جملة مستقلةٍ بنفسها إلى جملة أخرى إلا وقد تم غرضه من الأولى، فلو رجع الاستثناء إلى الجميع لم يكن مقصوده من الأولى قد تَمّ
(4)
.
(1)
فلو قال: أكرم الفقهاء وأكرم الزهاد إلا المبتدعة - لم يرجع الاستثناء إلى الكل، بل إلى الجملة الأخيرة، لأن كلًا من الجملتين مستقل، فالظاهر أنه لم ينتقل من إحداهما إلا وقد تم غرضه بالكلية منها. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 65.
(2)
فلو قال: أكرم الفقهاء وأنفق على الفقهاء إلا المبتدعة - لم يرجع الاستثناء إلا إلى الأخيرة.
(3)
في (ت)، و (ص):"فسقط": "فقط". وكلاهما تحريف.
(4)
انظر: المعتمد 1/ 246، 247، المحصول 1/ ق 3/ 66، وعلى هذا فرأي أبي الحسين - رحمه الله تعالى - أن لا يعود الاستثناء في آية القذف إلا إلى الجملة الأخيرة؛ لأن كل جملةٍ من الجمل الثلاث مستقلة بنفسها. قال الإمام عن رأي أبي الحسين رحمهما الله:"والإنصاف أن هذا التقسيم حق، لكنا إذا أردنا المناظرة اخترنا التوقف، لا بمعنى دعوى الاشتراك، بل بمعنى أنا لا نعلم حكمه في اللغة ماذا؟ وهذا هو اختيار القاضي". المحصول 1/ ق 3/ 67.
قال: ((لنا: الأصل)
(1)
اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلَّقات، كالحال، والشرط، وغيرهما
(2)
. قيل: الاستثناء
(3)
خلافُ الدليل خُولف في الأخيرة للضرورة، فبقيت الأولى على أصلها
(4)
. قلنا: (منقوض بالصفة والشر)
(5)
).
احتج الشافعي رضوان الله عليه: بأن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في جميع المُتَعَلَّقات: كالحال، والشرط، وكالصفة، والجار
(6)
والمجرور، والظرف، فيجب أن يكون الاستثناء كذلك. والجامع أنَّ كلًا غيرُ مستقلٍ بنفسه.
ومثال اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحال: أكرم ربيعة، وأعط مضر نَازِلَيْن بك.
(1)
"لنا ما تقدم أن الأصل". وكذا في نهاية السول 2/ 430، والسراج الوهاج 1/ 550، ومناهج العقول 2/ 105، لكن سقطت منه "أن"، والمثبت موافق لما في شرح الأصفهاني 1/ 392.
(2)
في نهاية السول 2/ 430، والسراج الوهاج 1/ 550، ومناهج العقول 2/ 105، وشرح الأصفهاني 1/ 392، زيادة بعد هذا وهي:"فكذلك الاستثناء".
(3)
لم ترد في (ت)، و (ص)، و (غ).
(4)
في نهاية السول 2/ 431، والسراج الوهاج 1/ 551، ومناهج العقول 1/ 105، وشرح الأصفهاني 1/ 392:"عمومها" والمثبت موافق لما في "م" من شرح الأصفهاني.
(5)
في (ص): "منقوص بالصفة والغاية والشرط". ولا وجود للغاية في الشرح، فالظاهر أنها زيادة من الناسخ.
(6)
في (ص): "وكالجار".
وفي الصفة: الطوال.
وفي الشرط: إن نزلوا بك.
وفي الجار والمجرور: اضرب زيدًا، وأهِنْ عَمْرًا في الدار.
وفي الظرف: صم، وصَلِّ يوم الخميس.
وقد نَقَل الإمامُ عن الحنفية موافَقَتَنا على عود الشرط إلى الكل
(1)
. وأما الحال والظرف والمجرور فقال: "إنا نخصهما بالأخيرة
(2)
على قول أبي حنيفة"
(3)
. وحينئذ لا يحسن استدلال المصنف بها على الحنفية
(4)
.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 80، 96.
(2)
في (ت)، و (غ):"بالأخرة".
(3)
عبارة الإمام في المحصول 1/ ق 3/ 84: "لا نسلم التوقف في الحال والظرفين، بل نخصهما بالجملة الأخيرة على قول أبي حنيفة رحمه الله، أو بالكل على قول الشافعي رضي الله عنه". وكذا الصفة يقول أبو حنيفة بعودها إلى الأخيرة فقط، ولا يقول بالعود إلى الكل إلا في الشرط فقط. انظر: فواتح الرحموت 1/ 335.
(4)
أي: استدلال المصنف بالحال والظرف والجار والمجرور على الحنفية بأنها تعود إلى الكل، فالاستثناء مثلها - غير صحيح؛ لأن الحنفية لا يسلِّمون بعود الحال والظرف والجار والمجرور إلى جميع الجمل، بل يقولون بعودها إلى الأخيرة فقط، فالاستدلال بها عليهم لا يصح إلا إذا وافقوا على عودها إلى الكل، أما وهم يُجْرون الخلاف فيها فلا يصح. وإنما الذي يصح الاستدلال به عليهم هو الشرط؛ إذ وافقوا على عوده إلى الكل، ولكنهم يفرقون بين الشرط والاستثناء: بأن الشرط إنما يكون للحكم التعليقي، والاستثناء إنما يكون للحكم التنجيزي، فلا يلزم من كون الشرط يعود إلى الكل - عَوْدُ الاستثناء أيضًا. ألا ترى أن الشرط قد يفيد انتفاء الجزاء بالكلية، والاستثناء ليس كذلك. انظر: سلم الوصول 2/ 435.
و
(1)
في الدليل نظر آخر: وهو أنه لا يلزم من اشتراك الشيئين من بعض الوجوه اشتراكهما في جميع الأحكام، واللغة لا تُثْبَت قياسًا، مع أنَّ الفرق ثابت؛ فإن الشرط متقدم على المشروط من جهة المعنى، وإنْ تأخر من جهة اللفظ، بخلاف الاستثناء فإنه مُؤَخَّرٌ من الجهتين
(2)
.
واحتج أبو حنيفة: بأن الاستثناء خلاف الأصل؛ لتنزله منزلة الإنكار بعد الإقرار كما سبق، وإذا كان على خلاف الدليل كان مرجوحًا، لكن خالفنا مقتضى الدليل في الجملة الأخيرة للضرورة؛ لأن الاستثناء غير مستقل، ولا يمكن إلغاؤه، وإنما جعلناه للجملة الأخيرة لأنها أقرب، فبقي ما عداها على الأصل.
أجاب: بأن هذا الدليل منقوض بالصفة والشرط، فإنهما عائدان إلى الكل مع وجود المعنى الذي قلتموه بعينه فيهما. وفي النقض بالصفة نظرٌ، فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بعودها إلى الجميع، بل هي عنده كالاستثناء في الاختصاص بالأخيرة، كما نقله عنه جماعة
(3)
، فالأولى
(1)
سقطت الواو من (ص).
(2)
أي: لو سلَّمنا جواز القياس في اللغة، فإن قياس الاستثناء على الشرط قياس مع الفارق؛ لأن رتبة الشرط التقديم، فهو وإن تأخر لفظًا لكنه مقدَّم تقديرًا؛ لأن له صدارة الكلام باتفاق النحاة، فيصح تعلقه بالأول؛ لأنه مقارن له تقديرًا، بخلاف الاستثناء فإنه مؤخر لفظًا ورتبة، فلا يتعلق إلا بما يليه، فقياسه على الشرط قياس مع الفارق. انظر: سلم الوصول 2/ 435، العضد على ابن الحاجب 2/ 141.
(3)
انظر: فواتح الرحموت 1/ 335، سلم الوصول 2/ 434.
الاكتفاء بالنقض بالشرط.
فإن قلت: لأبي حنيفة أن يعتذر عن الشرط بأن له صدر الكلام
(1)
، كما تقدم.
قلتُ: سلَّمنا أنَّ رتبته التقدم، ولكن على الجملة الأخيرة التي هي مشروطة لا على جميع الجمل.
فإنْ قلت: لما حصل الشك في أن الشرط هل هو شرط
(2)
للجميع، أو للأخيرة فقط، بمقتضى اختلاف الأئمة
(3)
، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط - لَمْ يُرَتَّب
(4)
(5)
الحكم في المشروط إلا بعد وجوده (لأنه ما لم يتحقق وجود الشرط)
(6)
فالمشروط
(7)
مشكوك فيه.
قلت: قد يُمنع هذا، ويقال: الأصل عدم كونه شرطًا، فيرتب
(8)
الحكم ما لم يثبت شرطيته للجميع
(9)
.
(1)
أما الصفة والاستثناء فلهما آخر الكلام، أي: فلما كان الأصل في الشرط التقدم على المشروط من جهة المعنى، وإن كان يؤخر عنه من جهة اللفظ - عاد الشرط إلى جميع الجمل؛ لأنه متقدم عليها كلها معنى، كما سبق بيانه.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
أي: اختلافهم في الشرط، وقيل: يعود إلى الكل اتفاقًا. انظر: شرح المحلي على الجمع 2/ 22.
(4)
قوله: لم يرتب. . . إلخ جواب الشرط في قوله: لما حصل الشك.
(5)
في (ت): "لِمَ رُتِّب". والظاهر أنه خطأ.
(6)
أي: وجود الشرط.
(7)
سقطت من (ص).
(8)
في (غ)، و (ص):"فترتب". وفي (ت): "فرتب".
(9)
انظر مسألة الاستثناء من الجمل المتعاطفة في: المحصول 1/ ق 3/ 63، الحاصل =