الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقائل: أن يقول: سفر الواحد منفردًا ليس بحرام، إنما هو مكروه، بل الجواب: أن الخلاف ليس في لفظ "الجمع" ولا لفظ "الجماعة"، كما تقدم
(1)
.
فائدة:
للخلاف في هذه المسألة فائدة أصولية، وفوائد فروعية:
أما الأصولية: فهي النظر في الغاية التي ينتهي التخصيص إليها، وهي المسألة المتقدمة. وقال الأستاذ أبو إسحاق في أصوله - بعد أن عَزَا (ما ذكرناه)
(2)
إلى بعض الأصحاب: هذه فائدة مُزَيَّفة
(3)
؛ لأن أئمتنا مجمعون
(1)
انظر: نهاية السول 2/ 393، فواتح الرحموت 1/ 271. قال العلامة المحدث عبد الله الغماري رحمه الله: وقول البيضاوي: "فقيل: أراد به جواز السفر" يرده أمران: الأول: ما ورد في بعض طرق الحديث مما يفيد أن المراد جماعة الصلاة، وذلك ما أخرجه أحمد (المسند 5/ 254): من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي، فقال: ألا رجل يتصدق على هذا يصلي معه. فقام رجل فصلى معه، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان جماعة". قال الحافظ (التلخيص 3/ 82): هذا عندي أمثل طرق هذا الحديث؛ لشهرة رجاله وإن كان ضعيفًا. الثاني: ما ورد في بعض الأحاديث مما يفيد النهي عن سفر الاثنين إذا لم يكن معهما ثالث، وذلك ما أخرجه أحمد (المسند 2/ 186، 214)، وأبو داود (3/ 80)، والترمذي (4/ 166)، والحاكم (2/ 102) بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب". اهـ. انظر: الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 90 - 91، مع بعض الاختصار.
(2)
في (ص): "ما ذكره". وهو خطأ؛ لأن ضمير المفرد الغائب ليس له مرجع، إنما المرجع لضمير الجمع المتكلم، وهو ما سبق أن ذكره الشارح من الفائدة الأصولية.
(3)
في (ص): "مربعة" وهو تصحيف.
على جواز تخصيص الجمع والعموم بما هو دليل إلى أن يبقى تحته واحد. انتهى. وهي فائدة، وقد عرفت الخلاف المتقدم
(1)
.
وأما الفوائد الفروعية:
فمنها: لو قال: له عليَّ دراهم - لزمه ثلاثة. وحُكِي وجهٌ أنه يلزمه درهمان
(2)
.
ومنها: قيل
(3)
: يُكْتَفى في الصلاة على الميت باثنين. حكاه الرافعي عن "التهذيب"، وقال: إنه بناءً على أن أقل الجمع اثنان
(4)
.
ومنها: لو أوصى لأقاربه، وليس له إلا قريب واحدٌ - فوجهان في أنه هل يُصْرف إليه الكلُّ أو الثلث. وحكى الأستاذ أبو منصور
(5)
وجهًا أنه
(1)
فقول الأستاذ: لأن أئمتنا مجمعون. . . إلخ - مردودٌ بالخلاف المتقدم. وانظر: البحر المحيط 4/ 196.
(2)
انظر: العزيز شرح الوجيز 5/ 313، روضة الطالبين 4/ 34.
(3)
في (ت)، و (غ):"هل".
(4)
انظر: فتح العزيز مع المجموع 5/ 189، العزيز شرح الوجيز 2/ 442، وحكى الرافعي أيضًا قول من يشترط ثلاثة بناءً على أنه أقل الجمع.
(5)
هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميميّ، أبو منصور البغداديّ. العلّامة البارع، المتفنن الأستاذ. كان أكبر تلامذة أبي إسحاق الإسفراييني، وكان يدرِّس في سبعةَ عشر فَنًّا، ويُضرب به المثل، وكان رئيسًا محتشمًا مُثريًا. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني:"كان من أئمة الأصول، وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل". من مصنفاته؛ "التكملة" في الحساب، "التفسير"، "الفَرْق بين الفِرَق"، "التحصيل" في أصول الفقه، "فضائح الكرَّامية"، وغيرها. توفي سنة 429 هـ. انظر: سير 17/ 572، الطبقات الكبرى 5/ 136.
يكون له النصف، حكاه الرافعي عنه، ولم يُعَلِّله
(1)
، قال ابن الرفعة في "المطلب": ولم أفهم له معنى، وإنْ تُخُيِّل أنه بناه
(2)
على أن أقل الجمع اثنان - لزمه أن يقول فيما إذا أوصى للفقراء: بجواز الاقتصار عليهما أيضًا
(3)
، ولم نر مَنْ قال به
(4)
.
ومنها: في الرافعي في فروع الطلاق: أنه لو
(5)
قال: إن تزوجتُ النساءَ أو اشتريتُ العبيد فهي طالق - لم يحنث إلا إذا تزوج ثلاثَ نسوةٍ، أو اشترى ثلاثة عبيد
(6)
. وقياس الخلافِ الأصولي جريانُ وَجْه تحنيثه باثنين. فإن قلتَ: ولِمَ لا يقال في هذه الصورة: إنه لا يحنث بشيء؛ لأنه علَّق على جميع نساء العالمين وعبيدهم، بدليل إدخاله الألفَ واللامَ المقتضيةَ للعموم، وهو تعليقٌ على مستحيل، والصحيح في التعليق على المستحيل أنه لا يقع.
قلت: لما كان إعمال الكلام أولى من إهماله حُمِل على جنس الجمع في ذلك
(7)
.
(1)
انظر: العزيز شرح الوجيز 7/ 100.
(2)
في (ص): "بناءً".
(3)
أي: بجواز الاقتصار على فقيرين فقط، حَمْلًا على أقل الجمع. انظر: البحر المحيط 4/ 195.
(4)
انظر: العزيز شرح الوجيز 7/ 91 - 93.
(5)
في (ت): "إن".
(6)
انظر: العزيز شرح الوجيز 9/ 159.
(7)
أي جعلنا الألف واللام للجنس، فيكون الجمع "النساء"، و"العبيد" لجنس الجمع، لا للعموم، وجنس الجمع (أي: ماهيته) يتحقق بثلاثة، أو اثنين على الخلاف.
وقال الرافعي في كتاب الأيمان فيما إذا حلف لا يكلِّم الناس: ذكر ابن الصباغ وغيره أنه يحنث إذا كلم واحدًا، كما إذا قال: لا آكل الخبز. ولو حلف: لا يكلم ناسًا - حُمِل على ثلاثة
(1)
. انتهى.
فإن قلت: هذا عجيب، "ناسٌ" المنكَّر يحمل على الجمع، فإذا دخلت عليه
(2)
الألف واللام المُعَمِّمَةُ تُخرجه عن ذلك.
قلت: كأن الألف واللام والحالة هذه المراد بها الجنس من حيث هو، بخلاف ما إذا كان مُنَكَّرًا.
وأما قياس "لا يكلم الناس" على "لا آكل الخبز" ففيه نظر؛ لصدق الخبز على القليل والكثير صدقًا واحدًا، كالماء والعسل
(3)
.
قال: (الرابعة: العام المخصوص مجاز وإلا لاشترك. وقال بعض الفقهاء: إنه حقيقة. وفَرَّق الإمام بين (المُخصِّص المتصل)
(4)
والمنفصل؛
(1)
انظر: العزيز شرح الوجيز 12/ 347.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
انظر المسألة الثالثة في: المحصول 1/ ق 3/ 15، الحاصل 1/ 530، التحصيل 1/ 368، نهاية الوصول 4/ 1461، الإحكام 2/ 283، شرح اللمع 1/ 342، نهاية السول 2/ 385، السراج الوهاج 1/ 522، المحلي على الجمع 2/ 3، المستصفى 3/ 311 (2/ 91)، الوصول إلى الأصول 1/ 318، المعتمد 1/ 236، شرح التنقيح ص 224، إحكام الفصول ص 248، نشر البنود ص 232، تيسير التحرير 1/ 326، فواتح الرحموت 1/ 306، فتح الغفار 1/ 108، نزهة الخاطر 1/ 154، شرح الكوكب 3/ 271.
(4)
في (ص)، و (ك):"المخصَّص بالمتصل". والمثبت هو الموافق لما في نهاية السول 2/ 394، والسراج الوهاج 1/ 529، شرح الأصفهاني 1/ 371.