الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه يُنَصَّف
(1)
على العبد
(2)
.
وأما عكس ذلك: وهو تخصيص الإجماع بالكتاب والسنة المتواترة - فلم يذكره في الكتاب، وهو غير جائز بالإجماع؛ ولأن إجماعهم على الحكم العام مع سبق المُخَصِّص خطأ، ولا يجوز الإجماع على الخطأ
(3)
.
تنبيه:
معنى قولنا: يجوز تخصيص الكتاب بالإجماع: أنهم يجمعون على تخصيص العام بدليلٍ آخر، فالمخصِّص سند الإجماع، ثم يلزم مَنْ بعدهم متابعتُهم وإنْ جَهِلوا المخصِّص. وليس معناه: أنهم خَصُّوا العام بالإجماع؛ لأن الكتاب والسنة المتواترة موجودان في عهده عليه السلام، وانعقاد الإجماع
(4)
بعد ذلك على خلافه خطأ، فالذي جَوَّزناه إجماعٌ على التخصيص، لا تخصيص بالإجماع
(5)
. والله أعلم.
قال: (الثالثة: يجوز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، ومنع قوم، وابن أبان: فيما لم يخصَّص بمقطوع
(6)
، والكرخي: بمنفصل).
(1)
في (ت): "تنصف". والضمير هنا يعود إلى الثمانين، وفي "ينصف" يعود إلى الحد.
(2)
انظر: نهاية السول 2/ 459، البحر المحيط 4/ 481، شرح التنقيح ص 202.
(3)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 124، نهاية الوصول 4/ 1670.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر: نهاية السول 2/ 459، البحر المحيط 4/ 481، فواتح الرحموت 1/ 352، شرح العضد على ابن الحاجب مع حاشية السعد 2/ 150.
(6)
سقطت من (ت)، و (ك)، و (غ).
هذه المسألة في تخصيص المقطوع بالمظنون، وفيها بحثان:
الأول: في جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
(1)
.
وفيه مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقًا. وهو المنقول عن الأئمة الأربعة
(2)
، واختاره الإمام وأتباعه
(3)
منهم المصنف، وبه قال إمام الحرمين
(4)
(وطوائف،
(1)
بيَّن ابن السمعاني في "القواطع" أن أخبار الآحاد ضربان: أحدهما: ما اجتمعت الأمة على العمل به، كقوله عليه الصلاة والسلام:"لا ميراث لقاتل"، و"لا وصية لوارث"، وكنهيه عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وابنة أخيها، فيجوز التخصيص به، ويصير كتخصيص العموم بالسنة المتواترة؛ لأن هذه الأخبار بمنزلة المتواترة؛ لانعقاد الإجماع على حكمها، وإن لم ينعقد الإجماع على روايتها. وأما الضرب الثاني من الآحاد: وهو مما لم تجمع الأمة على العمل به - فهو المسألة التي اختلف العلماء فيها. انظر: القواطع 1/ 185، البحر المحيط 4/ 488.
(2)
وكذا قال الآمدي وابن الحاجب. انظر: الإحكام 2/ 322، منتهى السول والأمل ص 131، بيان المختصر 2/ 318. قال الشيخ المطيعي رحمه الله تعالى في بيان مذهب الحنفية:"المذكور في كتب الحنفية أصولًا وفروعًا: أنه لا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وكذا تخصيص السنة المتواترة بخبر الواحد ما لم تُخَصَّ بقطعيٍ دلالةً وثبوتًا. وأجاز الباقون من علماء الأصول مطلقًا، سواء خُصَّ بقطعي قبله أم لا". سلم الوصول 2/ 460. وانظر: فواتح الرحموت 1/ 349. وعلى هذا فما نسبه البيضاوي - ومِنْ قبله الإمام وأتباعه وغيرهم - إلى ابن أبان هو في الحقيقة مذهب جمهور الحنفية كما في كشف الأسرار 1/ 294. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 131، التحصيل 1/ 390، الحاصل 1/ 562، نهاية الوصول 4/ 1622، الإحكام 2/ 322، المنتهى ص 131، المحلي على الجمع 2/ 27.
(3)
انظر: المراجع السابقة.
(4)
انظر: البرهان 1/ 427.
وتبعهم الآمدي
(1)
. قال إمام الحرمين)
(2)
: ومَنْ شك في
(3)
أن الصديق لو رَوَى خبرًا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في تخصيص عموم الكتاب لابتدره
(4)
الصحابة قاطبة بالقبول - فليس على دراية من قاعدة الأخبار
(5)
(6)
.
والثاني: المنع مطلقًا. ونقله ابن بَرْهان في "الوجيز" عن طائفة من المتكلمين، وشرذمة من الفقهاء
(7)
.
والثالث: قاله عيسى بن أبان، أنه لا يجوز في العام الذي لم يُخَصَّص، ويجوز فيما خُصِّص؛ لأن دلالته تضعف، وشَرَط أن يكون الذي خُصِّص به دليلًا قطعيًا
(8)
.
والرابع: إنْ كان التخصيص بدليلٍ منفصل - جاز، وإن لم يُخَصَّ، أو
(9)
كان بمتصل - فلا يجوز. قاله أبو الحسن
(1)
انظر: الإحكام 2/ 322.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
سقطت من (ص).
(4)
في (ص): "لا تبدره". وهو خطأ؛ لأن الشك في الابتدار، لا في عدمه.
(5)
جملة: فليس على دراية. . . إلخ - جواب الشرط: "ومن شك".
(6)
انظر: البرهان 1/ 427 - 428.
(7)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 260، البحر المحيط 4/ 483، العدة 2/ 552، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 106، وقد نقل المجد ابن تيمية عن أبي الخطاب أنه لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد على وجه عند الحنابلة. انظر: المسودة ص 119.
(8)
قد سبق الإحالة إلى عيسى بن أبان رحمه الله تعالى.
(9)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"وإن". وهو خطأ.
الكرخي
(1)
(2)
.
وشبهته: أن تخصيصه بمنفصلٍ يُصَيِّره مجازًا، كما هو رأيه، وإذا كان مجازًا ضعف؛ فيتسلط عليه التخصيص. فمدار ابن أبان والكرخي على القوة والضعف، غير أنَّ مَدْرك الكرخي في القوةِ الحقيقةُ والمجاز
(3)
، ومَدْرَك
(4)
الآخر القطع بالمجاز وعدم القطع
(5)
.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 131، الإحكام 2/ 322، العضد على ابن الحاجب 2/ 149، شرح التنقيح ص 208.
(2)
عند التأمل في هذا المذهب لا يظهر فرق بينه وبين مذهب جهور الحنفية المشترطين في التخصيص الاستقلال والمقارنة، أي: أن يكون المخصِّص مستقلًا مقارنًا للمخصِّص، أما إذا كان المخصِّص متصلًا كالاستثناء والشرط ونحوهما - فهذه ليس مخصِّصات عند الحنفية، كما سبق بيانه، وإذا كان المخصِّص متراخيًا كان ناسخًا، كما سبق بيانه قريبًا في بناء العام على الخاص. والحاصل أن الكرخي رحمه الله تعالى لم يخرج عن جمهور الحنفية في هذا الرأي، ومثله ابن أبان؛ ولذلك لم يُفرد الحنفية رأيهما عن بقية آراء جمهور الحنفية. انظر: فواتح الرحموت 1/ 349، كشف الأسرار 1/ 294، ميزان الأصول ص 323، أصول السرخسي 1/ 133، تخصيص العام وأثره في الأحكام الفقهية ص 285.
(3)
أي: أن الكرخي يرى أن المخصوص بمتصل يكون حقيقة؛ فيكون قويًا؛ فلا يسلط عليه خبر الواحد بالتخصيص. أما المخصوص بمنفصل فإنه يكون مجازًا، فيكون ضعيفًا؛ فيتسلط عليه خبر الواحد بالتخصيص. انظر: نهاية السول 2/ 460، نفائس الأصول 5/ 2097.
(4)
في (غ): "والمدرك".
(5)
أي: أن ابن أبان يرى أن المخصوص بمقطوع قُطِع بكونه مجازًا؛ فَقُطِع بضعفه؛ فسُلِّط عليه حينئذٍ خبر الواحد يخصِّصه. وإن لم يُخصَّ بمقطوع - لم يقطع بضعفه؛ فلم يجز تخصيصه بخبر الواحد. انظر: نفائس الأصول 5/ 2095.
و
(1)
قوله: "والكرخي: بمنفصل"، أي: ومنع الكرخي فيما لم يُخَصَّص بمنفصل.
وقد اقتصر في الكتاب على الأربعة.
وفي المسألة مذهب خامس: وهو الوقفُ في المحلِّ الذي يتعارض فيه الخبر ومقتضى لفظ الكتاب، وإجراءُ اللفظِ العام
(2)
من الكتاب في بقية مسمياته. ذهب إليه القاضي، كما نقله عنه إمام الحرمين، والغزالي، والإمام، والآمدي
(3)
. ونقل عنه ابن بَرْهان في "الوجيز": أنهما يتعارضان ويتساقطان، ويجب الرجوع إلى دليل آخر
(4)
. وهو عند التحقيق غير القول بالوقف، وكلامه في "مختصر التقريب" مُحْتَمِلٌ لكل من النقلين، إلا أنه لِمَا نقله ابن بَرْهان أقرب، فإنه قال: إذا تقابلا يتعارضان في القدر الذي يختلفان فيه، ولا يُتَمسك بواحدٍ منهما، ويتمسك بالصيغة العامة في بقية المسميات التي لم يتناوَلْها الخبرُ الخاص، فَيُنَزَّل الخبرُ مع العموم فيما يَخْتَلِف فيه ظاهرُهما منزلةَ خبرين مختلفي الظاهرِ نُقِلا مُطْلَقَيْن. انتهى.
وحَكَى في "مختصر التقريب" مذهبًا سادسًا: وهو أنه يجوز التعبد بتخصيص العموم بخبر الواحد، وعدمِه
(5)
- عقلًا، لكن لم يدل دليلٌ على
(1)
سقطت الواو من (ت)، و (غ)، و (ك).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
انظر: البرهان 1/ 426، المستصفى 3/ 338 (2/ 120)، المحصول 1/ ق 3/ 131، الإحكام 2/ 322.
(4)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 260.
(5)
أي: ويجوز التعبد بعدم تخصيص العموم بخبر الواحد، يعني: بأن يُتمسك بالعموم ويترك خبر الواحد.
أحدِ القسمين
(1)
. وهذا أيضًا قول بالوقف.
وهنا فوائد:
إحداها
(2)
: أن هذا الخلاف الذي في تجويز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، هل هو جارٍ في تخصيص السنة المتواترة به؟
الظاهرُ وهو الذي صَرَّح به في الكتاب: نعم. والمصنفُ وإن كان منسوبًا في ذلك إلى التفرد عن الإمام وأصحابه
(3)
، وغيرهم من المتأخرين
(4)
- فهو آت بحق، فقد سبقه بذلك القاضي رضي الله عنه، فقال في "مختصر التقريب": "القول في تخصيص الكتاب والسنة المقطوع بها بأخبار الآحاد: اعلم وفقك الله أنَّ هذا باب عظم
(5)
اختلاف العلماء فيه"
(6)
، ثم ساق المذاهب المذكورة
(7)
.
الثانية: لعلك تقول: قد سبق أنَّ ابن أبان يرى أنَّ العام المخصوص ليس بحجةٍ، فكيف الجمع بينه وبين ما ذكره هنا؟ والجواب: أن
(1)
انظر: التلخيص 2/ 109.
(2)
في (غ): "أحدها".
(3)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 131، الحاصل 1/ 561، التحصيل 1/ 390، نهاية الوصول 4/ 1622.
(4)
انظر: شرح التنقيح ص 208، نهاية السول 2/ 460.
(5)
في (ص): "عظيم".
(6)
انظر: التلخيص 2/ 106.
(7)
وكذا نصَّ على هذه الصورة والخلاف فيها إمام الحرمين في البرهان 1/ 429، وابن السمعاني في القواطع 1/ 185، وانظر: البحر المحيط 4/ 488.
الجمع بينهما: أنه لا يحتج بالعام المخصوص؛ لكونه صار مجازًا، وليس بعض المحامل أولى من البعض، فيصير مُجْملًا عنده، فإذا جاء مُخَصِّص بعد ذلك - جزمنا بإخراج ما دلَّ عليه، بعد أن كنا لا نحكم عليه بشيء، ويبقى الباقي على ما كان عليه لا يُحْتج به، (ولا يُجْزم)
(1)
بعدم إرادته. فالمخصِّص مبيِّن لكون ذلك الفرد غيرَ مرادٍ، وساكتٌ عن الباقي، فلا منافاة بين الكلامين. وهذا الجمع قرره والدي أحسن الله إليه، ورأيت أنا بعد ذلك القاضي في "مختصر التقريب" قال بعد حكاية مذهب ابن إبان: هذا مبنيٌّ على أصلٍ له قدمناه، وهو أن العموم إذا خُصَّ بعضُه صار مُجْملًا في بقية المسميات، لا يسوغ الاستدلال به فيها، فَيُجْعل الخبر على التحقيق مُثْبِتًا حكمًا ابتداء، وليس سبيلُه سبيل التخصيص إذا حَقَّقْتَه، فإنه لا يَجُوز الاستدلال باللفظ المجمل في عمومٍ ولا خصوص قبل ورود الخبر وبعده
(2)
. انتهى. وهذا حسن نفيس.
الثالثة: قال القرافي: المحدِّثون والنحاة على عدم صرف "أبان". قال: ونقله ابن يعيش في "شرح المفصل" عن الجمهور، وقال: إنه بناء على أنَّ وَزْنَه "أفْعل"، وأصله "أبْيَن" صيغة
(3)
مبالغة في الظهور، الذي هو البيان والإبانة، فنقول: هذا أبْيَن مِنْ هذا. أي: أظهرُ منه وأوضح، فَلُوحظ أصْلُه مع العلمية التي فيه؛ فلم يصرف
(4)
.
(1)
في (ص): "ولا نجزم".
(2)
انظر: التلخيص 2/ 108 - 109.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
أي: الذين منعوا صرفه عَلَّلُوا ذلك بأن أصل "أبان" أَبْيَن، أي: أصله على وزن =
قال (لنا: إعمال الدليلين ولو من وجه أولى. قيل: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رُوي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه، وإنْ خالفه فردوه". قلنا: منقوض بالمتواتر. قيل: الظن لا يُعارِض القطعَ. قلنا: العام مقطوع المتن مظنون الدلالة، والخاص بالعكس؛ فتعادلا. قيل: لو خَصَّص لَنَسَخ. قلنا: التخصيص أهون).
احتج على الجواز مطلقًا: بأن فيه إعمالًا للدليلين: أما الخاص ففي جميع ما دل عليه، وأما العام فَمِنْ وجه: وهو الأفراد التي لم تُخَصَّص، دون وَجْهٍ: وهو ما خُصِّص.
ومَنْعُ التخصيص يفضي إلى إلغاء أحدِ الدليلين وهو الخاص، وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إلغاء
(1)
أحدهما. وقد سبق مثل هذا.
واحتج المانع مطلقًا بثلاثة أوجه:
أحدها: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رُوي عني حديثٌ فاعرضوه على كتاب الله، فإنْ وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه". وهذا الحديث مخصوص بالكتاب، فلا يدل على السنة المتواترة
(2)
، كما هي طريقة
= الفعل المضارع، مثل: أحمد، ويشكر، وتغلب، ونحوها. فاجتمع مع وزن الفعل العَلَمية فَمُنِع من الصرف. وأما مَنْ صَرَفَه فَعَلى أن وزنه "فَعَال" من أبان يبين. انظر: نفائس الأصول 2/ 2095، 2096، نهاية السول 2/ 401 - 402، المحلي على الجمع 2/ 29.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
يعني فلا يدل على العرض على السنة المتواترة.
المصنف
(1)
. وقد رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" موصولًا من حديث أبي هريرة واللفظ: "إنه ستأتيكم
(2)
عني أحاديث مختلفة، فما أتاكم عني موافقًا لكتاب الله وسنتي فهو مني، وما أتاكم مخالفًا لكتاب الله وسنتي فليس مني"
(3)
. وفي سنده مقال. ورواه البيهقي في
(1)
أي: في جعل المسألة واحدة، فتخصيص الكتاب بخبر الواحد، كتخصيص السنة المتواترة بخبر الواحد، فالخلاف فيهما واحد. ومقتضى هذا أن يُعرض خبر الواحد على السنة المتواترة، كما يعرض على الكتاب، لكن الحديث لا يدل على ذلك، بل هو خاص بالكتاب، فيكون دليل الخصم صالحًا لجزء الدعوى، لا لجميعها.
(2)
في (ك): "سيأتيكم".
(3)
لم أجده في مسند أبي يعلى المطبوع، ولكن في الباب حديث ثوبان:"اعرضوا حديثي على الكتاب، فما وافقه فهو مني، وأنا قلته". قال الهيثمي قي المجمع 1/ 170: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه يزيد بن ربيعة، وهو متروك منكر الحديث". وانظر: المعجم الكبير للطبراني 2/ 94، حديث رقم 129. وفيه حديث ابن عمر:"وإنه ستفشو عني أحاديث، فما أتاكم مِنْ حديثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلتُه، وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله". قال الهيثمي في المجمع 1/ 170: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه، وهو منكر الحديث". وانظر: المعجم الكبير للطبراني 12/ 316، حديث رقم 13224. وفيه حديث أبي هريرة:"إذا حُدِّثتم عني حديثًا فوافق الحقَّ فأنا قلتُه". قال الهيثمي في المجمع 1/ 150: "رواه البزار، وفيه أشعث بن براز، ولم أَرَ مَنْ ذكره". قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص 36، حديث رقم 59: "الدارقطني في الأفراد، والعُقيلي في الضعفاء، وأبو جعفر بن البختري في الجزء الثالث عشر من فوائده من حديث محمد بن عون الزيادي حدثنا أشعث بن نزار عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة به مرفوعًا، وقال الدارقطني: إن أشعث تفرد به. انتهى. وهو شديد الضعف. والحديث منكر جدًا، استنكره العقيلي وقال: إنه ليس له إسناد يصح. . . =
"المدخل" من طريق الشافعي رضي الله عنه من طريق منقطعة.
وأجاب المصنف: بأن هذا منقوض بالسنة المتواترة، فإنها مخالفة ويجوز التخصيص بها اتفاقًا، كما سبق
(1)
.
وقال الشافعي - رضوان الله عليه - ما هو أحسن من هذا الجواب، وهو ما نصه: وليس يخالف الحديثُ القرآن، ولكنه مبيِّن مَعْنَى ما أراد خاصًا وعامًا، وناسخًا ومنسوخًا. ثم يلزم الناس ما بَيَّن
(2)
بفرض الله عز وجل، فمَنْ قَبِل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قَبِل. قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}
(3)
. انتهى.
الثاني: أن الكتاب مقطوع به، وكذا
(4)
السنة المتواترة، والآحاد مظنون
(5)
، والمقطوع أولى من المظنون.
= وقد سُئل شيخنا عن هذا الحديث فقال: إنه جاء من طرق لا تخلو من مقال، وقد جمع طرق البيهقي في كتاب المدخل". وانظر: الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 103 - 104.
(1)
المعنى: أن ظاهر هذا الحديث يقتضي عدم تخصيص القرآن بالسنة المتواترة، مع أن جواز ذلك متفق عليه، فهذا النقض يضعف الأخذ بظاهر الحديث، ويجعل مَحْمَلَه - على فرض ثبوته- على الحديث الذي يشك فيه. انظر: سلم الوصول 2/ 461 - 462.
(2)
في (ت)، و (غ):"ما يبين".
(3)
سورة الحشر: الآية 7.
(4)
في (ت): "وكذلك".
(5)
في (ص)، و (ك)، و (غ):"مظنونة".
أجاب: بأن العام الذي فيه الكلام وهو الكتاب والسنة المتواترة مقطوع في متنه؛ (إذ لا شك)
(1)
في كونه من القرآن إنْ كان من الكتاب، (ولا أن رسول الله)
(2)
صلى الله عليه وسلم قاله إنْ كان من السنة المتواترَة. وأما الخاص فبالعكس متنه مظنون؛ لأنه من رواية الآحاد، فلا يُقْطع
(3)
بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، ودلالته مقطوع بها؛ لأنه لا يحتمل إلا ما يَعْرِض له، فكلٌّ منهما مقطوع به من وجه، مظنونٌ من آخر؛ فتساويا.
فإن قلت: إذا تعادلا فلا ينبغي أن يُرَجَّح أحدهما على الآخر؛ إذ هو حينئذ ترجيحٌ من غير مرجِّح.
قلت: يُرَجَّح الخاص بأن فيه إعمالًا للدليلين.
وقد ضَعَّف الأصفهاني شارحُ "المحصول" هذا الدليل: بأن خبر الواحد يحتمل المجاز والنقل وغيرهما مما يمنع القطع، غايةُ ما في الباب أنه لا يحتمل التخصيص، وذلك لا ينفع. نعم يمكن أن يُدَّعى قوةُ دَلالةِ الخاصِّ على مدلوله، فإنها أقوى من دلالة العام عليه.
الثالث: أنه لو جاز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد - لجاز نسخهما به، واللازم منتف بالاتفاق على أنه لا يجوز نسخ المتواتر بخبر الواحد.
(1)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"إذ لا نشك".
(2)
في (ت)، و (غ):"ولا أن الرسول".
(3)
في (ت): "فلا نقطع".
وبيان الملازمة أن كل واحد منهما تخصيص، لكن أحدهما وهو النسخ تخصيص في الأزمان، والآخر تخصيص في الأعيان.
وأجاب: بأن التخصيص أهون من النسخ؛ لأن النسخ يرفع الحكم بالكلية، بخلاف التخصيص، ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف أن يكون مُؤَثِّرًا في الأقوى.
قلتُ: وهذا الدليل وجوابه يمشيان على طريقة
(1)
المصنف، فإنه قال:"لا يُنسخ المتواتر بالآحاد"، وهي طريقة فيها كلام؛ لأن جماعةً نقلوا الاتفاق على الجواز، وجعلوا محل الخلاف في الوقوع. وجماعة جَزَموا بالجواز من غير حكاية خلاف، كالإمام وغيره، كما ستعرف ذلك إن شاء الله في النسخ. فالعجب ليس من المصنف؛ لأنه مشى على طريقته
(2)
، وهي صحيحة كما
(3)
سنبين ذلك في كتاب النسخ، بل من الإمام حيث لم ينبه على ذلك
(4)
، إذ ذَكَر الدليل
(1)
في (ص): "طريق".
(2)
أي: لم يتناقض كلامه هنا مع كلامه في كتاب النسخ، فحكى هنا المنع من نسخ المتواتر بالآحاد، وكذا حكاه في كتاب النسخ.
(3)
سقطت من (ص).
(4)
أي: حيث لم ينبه على أن هذا الجواب إنما يصح على طريقة مَنْ يقول بمنع نسخ المتواتر بالآحاد، وحيث إن الإمام نفسه - رحمه الله تعالى - يرى جواز نسخ المتواتر بالآحاد عقلًا، وأنه غير واقعٍ شرعًا، فكان المناسب في الجواب أن ينقض دعوى الخصم بالتزام هذا اللازم، وأنه يجوز عقلًا نسخ المتواتر بالآحاد، إلا أنه غير واقعٍ شرعًا. فاكتفاءُ الإمام بالجواب الذي ذكره المصنف هنا من غير تنبيه على أن هذا على طريقة من يمنع نسخ المتواتر بالآحاد - يجعل كلامَه هذا متناقضًا، مع ما ذهب إليه في النسخ. انظر كلامه في النسخ في: المحصول 1/ ق 3/ 498.
والجواب
(1)
(2)
.
قال: (وبالقياس، ومَنَع أبو عليٍ، وشَرَط ابن أبان التخصيص، والكرخي بمنفصل، وابن سريج الجلاء في القياس، واعتبر حجةُ الإسلام أرجحَ الظنين، وتوقف القاضي وإمام الحرمين).
البحث الثاني: في جواز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالقياس.
أي: بقياسِ نصٍّ خاصٍّ، كذا صرح به الغزالي
(3)
.
وقوله: "و
(4)
بالقياس" معطوف على قوله: "بخبر الواحد"، أي: يجوز تخصيص الكتاب والسنة
(5)
المتواترة بخبر الواحد وبالقياس. والخلاف في هذه المسألة على مذاهب:
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 143، 146 - 147.
(2)
انظر تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الآحاد في: المحصول 1/ ق 3/ 131، الحاصل 1/ 561، التحصيل 1/ 390، نهاية الوصول 4/ 1622، الوصول إلى الأصول 1/ 260، القواطع 1/ 185، البرهان 1/ 426، الإحكام 2/ 322، المستصفى 3/ 322 (2/ 114)، نهاية السول 2/ 459، السراج الوهاج 1/ 568، مناهج العقول 2/ 120، البحر المحيط 4/ 482، المحلي على الجمع 2/ 27، شرح التنقيح ص 208، العضد على ابن الحاجب 2/ 149، فواتح الرحموت 1/ 349، كشف الأسرار 1/ 294، شرح الكوكب 3/ 359، المسودة ص 119، العدة 2/ 550.
(3)
انظر: المستصفى 3/ 340 (2/ 122).
(4)
سقطت الواو من (ت)، و (ص).
(5)
سقطت من (غ)، و (ك).
أحدها: الجواز مطلقًا. وبه قال الأئمة الأربعة
(1)
، والشيخ أبو الحسن، وأبو هاشم بعد أن كان يوافق أباه
(2)
، وهو المختار في الكتاب
(3)
.
والثاني: المنع مطلقًا. قاله أبو علي الجبائي
(4)
، ونقله القاضي عن طائفة من المتكلمين، منهم ابن مجاهد
(5)
من أصحابنا
(6)
.
والثالث: إن تطرق إليهما التخصيص بغير القياس - جاز تخصيصهما
(1)
القياس مخصِّص عند الحنفية بعد التخصيص بغيره؛ لأن العام المخصوص ظني عند الحنفية، بخلاف ما قبل التخصيص، فإنه قطعي لا يصلح القياس مغيِّرًا له عندهم. انظر: فواتح الرحموت 1/ 357، سلم الوصول 2/ 463، تيسير التحرير 1/ 321. ولأحمد رضي الله عنه روايتان في التخصيص بالقياس إحداهما بالجواز، والأخرى بالمنع. ولأصحابه كذلك وجهان. انظر: العدة 2/ 559، المسودة ص 119، نزهة الخاطر 2/ 169.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
وإليه ذهب أبو الحسين البصري. انظر: المعتمد 2/ 275، المستصفى 3/ 340 (2/ 122)، الإحكام 2/ 337، التلخيص 2/ 118، المحصول 1/ ق 3/ 148، البحر المحيط 4/ 489، شرح التنقيح ص 203.
(4)
انظر: المراجع السابقة.
(5)
هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أبو بكر البغداديّ، المحدِّث النحويّ، شيخ المقرئين، ومصنف كتاب "القراءات السبعة". ولد سنة 245 هـ. وكان ثقة حجة انتهى إليه علم القراءات وتصدر مدة. توفي سنة 324 هـ. انظر: سير 15/ 272، معرفة القراء 1/ 216.
(6)
انظر: التلخيص 2/ 117 - 118، اللمع ص 37. واختاره الإمام في "المعالم" ص 171، 172. قال صاحب البحر 4/ 489: "وهذا الكتاب موضوع لاختياراته، بخلاف "المحصول" فإنه موضوع لنقل الذاهب وتحرير الأدلة".
به، وإلا فلا. قاله ابن أبان
(1)
، ونقله ابن بَرْهان في "الوجيز" عن أصحاب أبي حنيفة
(2)
.
والرابع: إن تطرق إليهما التخصيص بمنفصل - جاز، وإلا فلا. قاله الكرخي
(3)
.
والخامس: يجوز تخصيصهما بالقياس الجلي دون الخفي. وهو رأي ابن سريج، وجماعة من أصحابنا
(4)
.
واختلف هؤلاء في تفسير الجلي، والخفي:
فقيل: الجلي: قياس العلة
(5)
. والخفي: قياس الشبه
(6)
.
(1)
انظر: الإحكام 2/ 337، المحصول 1/ ق 3/ 148.
(2)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 266.
(3)
انظر: المحلي على المجمع 2/ 30، مع المراجع في هامش (6)، ص 394. ومذهب ابن أبان، والكرخي في الحقيقة هو مذهب الحنفية؛ إذ مذهبهم كما سبق بيانه أنه لا بد من تخصيص العام بقاطع أولًا؛ ليجوز بعد ذلك تخصيصه بالقياس. وشَرْط المخصِّص أيضًا عند الحنفية أن يكون مستقلًا، أي: منفصلًا، أما قَصْر العام بالمتصل الذي هو غير مستقل فهو ليس بتخصيص عندهم، فلا يجوز التخصيص بعده بالقياس. وقد سبق بيان مثل هذا في التخصيص بخبر الواحد. انظر: سلم الوصول 2/ 464، تخصيص العام وأثره في الأحكام الفقهية ص 317.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 149، الإحكام 2/ 337، شرح التنقيح ص 203، وإليه صار الطوفي من الحنابلة. انظر: شرح الكوكب 3/ 378، البلبل ص 109 - 110.
(5)
قياس العلة: هو ما صُرِّح فيه بالعلة. انظر: الإحكام 4/ 4.
(6)
تعريف الشبه لغة: المثل، قال ابن منظور: الشَبَهُ والشِبْهُ والشَبِيهُ: المثل، والجمع أشباه. وأشبه الشيءُ الشيءَ ماثله، وفي المثل: من أشبه أباه فما ظلم. وقال صاحب القاموس: وأمور مشْتَبِهَة ومشبَّهة: مشكلة، والشُبْهَةُ: بالضم الالتباس والمثل، وفي القرآن المحكم والمتشابه. ينظر: لسان العرب: مادة (شبه)، والقاموس المحيط:1610. =
وقيل: الجلي: ما تتبادر علته إلى الفهم عند سماع الحكم. نحو: تعظيم الأبوين عند سماع قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}
(1)
، ونحو: اندهاش العقل عن
(2)
تمام الفكر عند سماع قوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"
(3)
. والخفي: ما ليس كذلك.
وقيل: الجلي: ما يُنْقَض قضاء القاضي بخلافه. والخفي: ما ليس
= وفي الاصطلاح: عرفه القاضي أبو بكر الباقلاني، فيما نقله عنه الإمام الرازي في المحصول، والآمدي في الإحكام، والبيضاوي في المنهاج وغيرهم بـ "أنَّ الوصف: إما أن يكون مناسبًا للحكم بذاته،
وإما أن لا يناسبه بذاته، لكنه يكون مستلزمًا لما يناسبه بذاته،
وإما أن لا يناسبه بذاته ولا يستلزم ما يناسبه بذاته.
فالأول: هو الوصف المناسب، والثاني: هو الشبه، والثالث: هو الطرد".
ينظر: المحصول: ج 2/ ق 2/ 277 - 278، والإحكام للآمدي: 3/ 324، شرح الإسنوي مع البدخشي على المنهاج: 3/ 61 - 62.
(1)
سورة الإسراء: الآية 23.
(2)
في نهاية الوصول 4/ 1685: "عند". وهو خطأ. والشارح ناقل منه، وانظر العبارة سليمة في المحصول 1/ ق 3/ 150.
(3)
أخرجه ابن ماجه 2/ 776، في كتاب الأحكام، باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان، رقم 2316، بلفظ:"لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان". وأخرجه البخاري 6/ 2616، في كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يُفتي وهو غضبان، رقم 6739، بلفظ:"لا يقضينَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان". وبنحوه أخرجه مسلم 3/ 1342 - 1343، في كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي يقضي وهو غضبان، رقم 1717. وكذا أبو داود 4/ 16، في كتاب الأقضية، باب القاضي يقضي وهو غضبان، رقم 3589. وكذا أيضًا الترمذي 3/ 620، في كتاب الأحكام، باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان، رقم 1334. والنسائي 8/ 247، في كتاب آداب القضاة، باب النهي عن أن يقضي في قضاء بقضاءَيْن، رقم 5421.
كذلك
(1)
.
والسادس: إنْ تفاوت العام والقياس في إفادة غلبةِ الظن رَجَّحنا الأقوى، وإن تساويا فالتوقف
(2)
. وهو مذهب حجة الإسلام الغزالي
(3)
. واعترف الإمام في أثناء المسألة بأنه حق
(4)
، واستحسنه القرافي
(5)
، وقال الأصفهاني: إنَّه حق واضح. وكذلك قال الهندي في أثناء المسألة
(6)
.
والسابع: الوقف. ذهب إليه القاضي، وإمام الحرمين
(7)
. واقتصر المصنف على حكاية هذه المذاهب السبعة.
والثامن: قاله الآمدي، إنْ كانت العلة منصوصةً أو مُجْمعًا عليها - جاز التخصيص به، وإلا فلا
(8)
.
والتاسع: إنْ كان الأصل المقيس عليه مُخْرَجًا من عام - جاز
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 149 - 150، المستصفى 3/ 347، شرح التنقيح ص 203، نهاية السول 2/ 464، البحر المحيط 4/ 492.
(2)
في (ص): "فالتوقيف".
(3)
انظر: المستصفى 3/ 348 (2/ 132).
(4)
عبارته في المحصول 1/ ق 3/ 157: "وعند هذا يظهر أن الحق ما قاله الغزالي رحمه الله".
(5)
انظر: شرح التنقيح ص 206، نفائس الأصول 5/ 2107.
(6)
انظر: نهاية الوصول 4/ 1695، 1697، وقال القرطبي:"لقد أحسن في هذا الاختيار أبو حامد، فكم له عليه من شاكرٍ وحامد". انظر: البحر المحيط 4/ 494.
(7)
انظر: التلخيص 2/ 119، البرهان 1/ 428.
(8)
انظر: الإحكام 2/ 337.
التخصيص
(1)
، وإلا فلا
(2)
وهذا الخلاف كلُّه في القياس المستنبط من الكتاب، (أو من السنة)
(3)
المتواترة، بالنسبة إلى عموم الكتاب، أو عمومها، أو عموم خبر الواحد. وأما القياس المستنبط من خبر الواحد بالنسبة إلى خبر الواحد - فعلى الخلاف أيضًا. وأما بالنسبة إلى عموم الكتاب - فيرتب على جواز تخصيصه بخبر الواحد:
فمن لا يُجَوِّز ذلك، لا يُجَوِّز تخصيصه بالقياس المستنبط منه بطريق الأَوْلى.
وأما مَنْ يُجَوِّزه
(4)
- قال الهندي: "فيحتمل أن لا يُجيز ذلك؛ لزيادة الضعف. ويحتمل أن يُجَوِّز ذلك، كما في القياس المستنبط من الكتاب، إذ قد يكون قياسه
(5)
أكثر قوة من ذلك العموم بأن يكون قد تطرق إليه
(6)
تخصيصات كثيرة. ويحتمل أن يُتوقف فيه
(7)
؛ لتعادلهما، إذ قد يظهر له ذلك"
(8)
.
(1)
يعني: إن كان الأصل المقيس عليه مخصَّصًا من نص عام، ثم يقاس على ذلك الأصل، فيخصَّص بالقياس على المخصَّص بالنص.
(2)
انظر: الإحكام 2/ 337، البحر المحيط 4/ 495.
(3)
في (ك): "والسنة".
(4)
في (ص): "يجوز".
(5)
أي: قياس خبر الواحد.
(6)
أي: إلى العموم.
(7)
أي: في التخصيص بقياس خبر الواحد.
(8)
انظر: نهاية الوصول 4/ 1688، المستصفى 3/ 350، المحصول 1/ ق 3/ 151 - 152. وينبغي أن يتنبه إلى أن هذا الكلام الذي ساقه الشارح أخيرًا لا يتعارض مع =
قال: (لنا: ما تقدم. قيل: القياس فرع فلا يُقَدَّم. قلنا: على أصله. قيل: مُقَدِّماته أكثر. قلنا: قد يكون بالعكس، ومع هذا فإعمال الكل أحرى).
استدل على ما اختاره: بأن فيه إعمالًا للدليلين، وإعمال الدليلين ولو من وجهٍ أولى. وهذا هو الذي تقدم، وقد مضى تقريره. قال الغزالي:"وهو فاسد؛ لأن القدر الذي وقع فيه التقابل ليس فيه جمع بين الدليلين، بل هو رفع للعموم، وتجريد للعمل بالقياس"
(1)
.
وهذا حسن، وهو مأخوذ من القاضي، فإنه أجاب به عن هذه الشبهة في "مختصر التقريب". قال: "والمقصود مِنْ ذلك أن القدرَ
= كلامه في أول المسألة، وهو أن محل الخلاف في التخصيص بالقياس على نصِّ خاص؛ لأن النص الخاص شامل لأن يكون من الكتاب، أو السنة المتواترة، أو خبر الآحاد. لكن يستثنى من صور الخلاف صورة القياس القطعي، فلا ينبغي أن يجرى فيه الخلاف السابق؛ لأن القياس متى كان كذلك فهو أشبه شيءٍ بمفهوم الموافقة المساوي إن لم يكن عينه. قال الزركشي رحمه الله تعالى:"أطلق أكثر الأصوليين ترجمة المسألة، لكن محل الخلاف ليس القياس المعارِض للنص العام مطلقًا، فإن بعض أنواع القياس يجب تقديمه على عموم النص، وهو ما إذا كان حكم الأصل الذي يستند إليه حكم الفرع مقطوعًا به، وعلته منصوصة أو مجمعًا عليها مع تصادقهما في الشرع من غير صارف قطعًا. فهذا النوع من القياس لا يتصور الخلاف فيه في أنه يُخَصَّص به عموم النص، فيجب استثناء هذه الصورة من ترجمة المسألة، وقد أشار إلى ذلك الأبياري شارح "البرهان" وغيره". البحر المحيط 4/ 496. وانظر: نهاية السول مع سلم الوصول 2/ 463، غاية الوصول شرح لب الأصول ص 79، حاشية البناني على المحلي 2/ 29، شرح الكوكب 3/ 378.
(1)
انظر: المستصفى 3/ 346.
الذي تحقق اجتماع القياس واللفظ فيه - تركتم
(1)
فيه قضية اللفظ، والقدر الذي بقي من اللفظ لم يمانعه القياس، فينزل
(2)
اللفظ في باقي المسميات منزلة اللفظ
(3)
الأخرى، فبطل ادعاء استعمال الدليلين في محل الاجتماع في الدليلين"
(4)
.
واحتج الجبائي على المنع مطلقًا بوجهين:
أحدهما: أنَّ القياس فرع النص، فلو خَصَّصنا العموم به لقدمنا الفرع على الأصل، وهو ممنوع.
وأجاب: بأن الممتنع تقديم الفرع على أصله، لا على أصل آخر، وإذا خصصنا العمومَ به لم نقدمه على أصله، وإنما قدمناه على أصل آخر، وهو بالنسبة إلى الأصل الآخر ليس فرعًا، بل هو دليلٌ مثله.
والثاني: أن مقدمات القياس أكثر من مقدمات النص؛ لأنه فَرْعه، وكل مقدمة توقَّف النص عليها في إفادة الحكم توقف القياس عليها من غير عكس لاختصاص القياس، بتوقفه على مُقَدمات أخر.
وبيان ذلك: أن جهة الضعف في العامِّ المقطوع المتن منحصرة في أمرين:
أحدهما: احتمال التخصيص.
(1)
في (ص): "توهم". وهو خطأ.
(2)
في (ك): "فَنُزِّل".
(3)
في (غ)، و (ص):"اللفظة".
(4)
انظر: التلخيص 2/ 121.
وثانيهما: احتمال التجوز.
وفي غيره: الاحتمالان المذكوران مع احتمال كذب الناقل.
وأما في القياس: فهذه الثلاثة أو الاثنان؛ لأن الأصل في القياس لا بد وأن يكون نصًا.
ورابع: وهو احتمال أن لا يكون الحكم معللًا بعلة أصلًا.
وخامس: وهو احتمال أن تكون العلة غير ما ظَنَّه القائس علة؛ لأنه ربما لم يستكمل أوصافَ الاجتهاد، وربما قَصَّر في الاجتهاد عامدًا أو مخطأ.
وسادس: وقد ذكره القاضي في "مختصر التقريب": أنه وإن كان ما ظنه علةً فيحتمل أن يكون قد زَلَّ في طريقه فرب مخطئ في الطرق التي تثبت
(1)
بها العلل
(2)
.
وسابع: وهو أنه وإن لم يَزِلَّ في الطريق فيحتمل أن لا تكون موجودة في الفرع مع أنه ظن وجودها فيه.
وثامن: وهو إنها و
(3)
إن وجدت في الفرع، لكن ربما لم يوجد فيه شرط الحكم أو فَقْد مانع وإذا كان كذلك، كان القياس أضعف من العام، لا سيما من المقطوع متنه فلم يجُز تقديمه عليه؛ لامتناع العمل بالمرجوح مع معارضة الراجح. قال القاضي في "مختصر التقريب": فإن قالوا: إنما كلامنا في قياس يصح. قلنا: لا
(4)
يتصور في المجتهدات قياس يُقطع بصحته. ثم إنْ
(1)
في (ص): "ثبتت".
(2)
انظر: التلخيص 2/ 120.
(3)
سقطت الواو من (ت).
(4)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"فلا".
صَوّرتم قياسًا قاطعًا فصوِّروا صيغة نقطع بعمومها
(1)
، هذا تقرير الوجه الثاني من الوجهين اللذَيْن اعتصم بهما الجبائي.
وأجاب في الكتاب عن هذا
(2)
الثاني بوجهين:
أحدهما: لا نسلم أن مقدمات القياس أكثر مطلقًا، بل قد يكون بالعكس أي: يكون مقدمات العام أكثر من مقدمات القياس، فإن فيه احتمال التجوز، والنسخ، وخطأ الراوي، وغير ذلك. والقياس لا يحتمل شيئًا مِنْ ذلك.
وثانيهما: أنا سلمنا أن مقدمات القياس أكثر مطلقًا، لكن في العمل بهما عمل بالدليلين وهو أحرى، أي: أحوط وأولى، كما سبق.
وقد عرفت ما فيه من النظر، والحق أن الوجهين ضعيفان: أما هذا فلما عرفتَ، وأما الذي قبله فلأن القياس لا بد وأن يستند إلى أصل، وذلك الأصل إن لم يكن مقطوع المتن - تطرقت إليه هذه الاحتمالات، وينضم إليها ما يختص به القياس من المحتملات؛ فيكون الاحتمال فيه أكثر. وإن كان مقطوع المتن فدلالته ظنية، وهي تقبل القوة والضعف، كالقياس. وعند ذلك نقول: الحقُّ في الجواب أن يقال: كميات المقدِّمات قد تُعارِض كيفياتِها فمقدمات
(3)
القياس وإنْ كانت كثيرة، لكنها قد تكون أقوى من مقدمات العام القليلة بحيث تصير مع كثرتها بسبب كيفياتها معادلة
(1)
انظر: التلخيص 2/ 121.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (ص): "بمقدمات". وهو خطأ.
للمقدمات القليلة التي للعام، أو أرجح. ومِنْ أمثلة ذلك أنه لا يخفى على ذي لب أن إلحاق النبيذ بالخمر بالقياس بعلة الإسكار أغلب على الظن من بقائه تحت قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}
(1)
، وكذلك دلالةُ قياس الأرز على البر في الربا - أقوى بالنسبة إلى الدلالة المأخوذة من قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}
(2)
على جواز بيعه متفاضلًا.
وإذا فُهِم هذا لاح وجه الحق مع الغزالي، ووضح أن مذهبه هو المرتضى الذي نختاره.
فإنْ قلت: ما ذَكَره الغزالي من الأخذ بأرجح الظنين يلزمه في خبر الواحد مع العموم، فإنَّ المرجحات المتجهة هنا متجهةٌ ثَمَّ مِنْ جهة غلبة المجاز على أحدهما وقِلَّته في الآخر، وكثرة الإفراد وقلتها ونحو ذلك.
قلت: أجاب الأصفهاني "شارح المحصول": بأن ذلك لا يلزمه، فإنه يرى أن خبر الواحد في دلالته على مَوْرده الخاص كالنص أو هو نص فيه، ودلالة العموم على مورده الخاص ضعيفة؛ لاحتمال الإجمال في صيغة العموم بسبب الاشتراك على رأي قوم، ولا كذلك القياس مع العمومات
(3)
.
فإن قلت: الخلاف في أصل هذه المسألة من جنس الخلاف في القطعيات، أو المجتهدات؟
(1)
سورة الأنعام: الآية 145.
(2)
سورة البقرة: الآية 275.
(3)
انظر: الكاشف عن المحصول 4/ 535 - 536.
قلت: قال الغزالي: "يدل سياق كلام القاضي على أن القول في تقديم خبر الواحد على عموم الكتاب، وفي تقديم القياس على العموم - مما يجب القطع فيه بخطأ المخالف؛ لأنه من مسائل الأصول. قال: وعندي إلحاق هذا بالمُجْتَهَدات أولى؛ فإن الأدلة فيه من الجوانب متفاوتة، غير بالغة مبلغ القطع
(1)
"
(2)
.
قال: (الرابعة: يجوز تخصيص المنطوق بالمفهوم؛ لأنه دليل، كتخصيص: "خَلَق الله
(3)
الماءَ طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غيَّر طعمه، أو ريحه، أو لونه"
(4)
بمفهوم: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا").
(1)
انظر: المستصفى 3/ 351.
(2)
انظر التخصيص بالقياس في: المحصول 1/ ق 3/ 148، الحاصل 1/ 564، التحصيل 1/ 394، نهاية الوصول 4/ 1683، نهاية السول 2/ 463، السراج الوهاج 1/ 572، الإحكام 2/ 337، المحلي على الجمع 2/ 29، البحر المحيط 4/ 489، الوصول إلى الأصول 2/ 266، القواطع 1/ 190، شرح التنقيح ص 203، العضد على ابن الحاجب 2/ 153، فواتح الرحموت 1/ 357، تيسير التحرير 1/ 321، أصول السرخسي 1/ 133، شرح الكوكب 3/ 377، المسودة ص 119، نزهة الخاطر 1692 /.
(3)
سقطت من (ص).
(4)
قال الشيخ الغماري رحمه الله: "لا أصل له بهذا اللفظ، لكن في معناه أحاديث". الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 106. وكذا قال ابن حجر في التلخيص 1/ 14: "لم أجده هكذا". ففي معنى صَدْره حديثُ بئر بضاعة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء طهور لا يُنَجِّسُه شيء" وسيأتي تخريجه قريبًا. وفي معنى الاستثناء ما رواه الدارقطني عن راشد بن سعد مرسلًا: "لا ينجِّس الماء إلا ما غيَّر طعمه أو ريحه". وفي لفظ له: "لا ينجس الماء شيء إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه". وقد سبق تخريجه.