الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة:
الخلاف
(1)
المتقدم في أن الاستثناء هل يختص بالأخيرة، أو يعود إلى الجميع، أو غير ذلك - إنما هو فيما إذا لم يقم دليلٌ على واحد بعينه
(2)
. وقد وقع استثناءٌ بعد جملتين، وهو عائد إلى الجملة الأولى وحدها، في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}
(3)
، فإن هذا الاستثناء مختص بالجملة الأولى، أعني: قوله: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} ، ولا يجوز أن يكون عائدًا إلى الأخيرة، أعني: إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} ؛ إذ التقدير حينئذ: إلا من اغترف غرفة بيده فليس مني. والمعنى على خلاف ذلك؛ لأن المقصود أنَّ مَنْ لم يطعمه مطلقًا، ومن اغترف منه غرفة بيده (على حد سواء. ولا يمكن أن يكون التقدير: إلا من اغترف غرفة بيده)
(4)
فإنه مني، على هذا التقدير؛ لأنه لا يُعقل استثناءٌ حينئذ؛ إذ المستثنى
= 1/ 544، التحصيل 1/ 378، نهاية الوصول 4/ 1553، نهاية السول 2/ 430، السراج الوهاج 1/ 548، المحلي على الجمع 2/ 17، الإحكام 2/ 300، المستصفى 3/ 388 (2/ 174)، البحر المحيط 4/ 411، شرح التنقيح ص 249، بيان المختصر 2/ 278، تيسير التحرير 1/ 302، فواتح الرحموت 1/ 332، فتح الغفار 2/ 128، شرح الكوكب 3/ 312، المسودة ص 156، العدة 2/ 678.
(1)
في (ت): "فائدة الخلاف". وهذه الزيادة خطأ.
(2)
انظر: المحلي على الجمع مع البناني 2/ 18، 19.
(3)
سورة البقرة: الآية 249.
(4)
سقطت من (ت).
لا بد أن يغاير حكمُه حكمَ المستثني منه
(1)
.
وكذلك في قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}
(2)
، فإنَّ هذا الاستثناء مختص بالجملة الأولى، أي
(3)
: والله أعلم: لا يحل لك النساء، والنساء أعم من الزوجات والإماء، واستثنى ما يملكه اليمين، وحَرَّم أيضًا أن يتبدل بالأزواج، ولا يمكن عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة؛ إذ تصير: إلا ما قد استثنين من الأزواج، وهن
(4)
لا يمكن كونهن أزواجًا له صلى الله عليه وسلم
(5)
.
ووقع استثناء وهو عائد إلى الجميع بلا اختلاف في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}
(6)
، وهذا يصلح نقضًا على أبي حنيفة، ومُعْتَصَمًا لأصحابنا
(7)
.
(1)
انظر: البحر المحيط 4/ 431، شرح الكوكب 3/ 316، شرح التنقيح ص 252، الاستغناء ص 574.
(2)
سورة الأحزاب: الآية 52.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
أي: الإماء.
(5)
لأنه يلزم من عود الاستثناء على الجملة الأخيرة أن يكون الإماء من زوجاته، وهو ممنوع. انظر: البحر المحيط 4/ 432، شرح الكوكب 3/ 316.
(6)
سورة المائدة: الآيتان 33، 34.
(7)
حكى ابن السمعاني الإجماع على عود الاستثناء في هذه الآية إلى جميع الجمل. انظر: القواطع 1/ 217. وانظر: المحلي على الجمع 2/ 18، البحر المحيط 4/ 430، شرح الكوكب 3/ 319، تفسير القرطبي 6/ 158، زاد المسير 2/ 347.
ووقع استثناء وهو راجع إلى الجملة الأخيرة بلا خلاف، غير راجع إلى الأولى على الصحيح، وفي المتوسطة اختلاف، وذلك في آية القاذف المتقدمة
(1)
، فإن الجلد ثابت سواء أتاب
(2)
القاذف أم
(3)
لم يتب، وإنما الخلاف في قبول الشهادة، وهي الجملة المتوسطة.
فإن قلت: فهذه الآية والآية الأولى ينقضان مذهبكم كما نقضت آية
(1)
قد حكى كثير من الأصوليين الاتفاق على عدم عود الاستثناء إلى الجملة الأولى في آية القذف. انظر: الإحكام 2/ 304، بيان المختصر 2/ 286، البحر المحيط 4/ 431، شرح المحلي على الجمع 2/ 19، نهاية السول 2/ 432، شرح الكوكب 3/ 318. وانظر: فتح القدير 4/ 9، تفسير ابن كثير 3/ 264، لكن قال القرطبي في تفسيره 12/ 178 - 179:"فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: جَلْده، ورَدُّ شهادته أبدًا، وفسقه. فالاستثناء غير عاملٍ في جلده بإجماعٍ، إلا ما رُوي عن الشعبي على ما يأتي. وعامل في فسقه بإجماع. واختلف الناس في عمله في ردِّ الشهادة. . . ويروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت توبته لم يُحَدّ، وقبلت شهادته، وزال عنه التفسيق؛ لأنه قد صار ممن يُرْضَى من الشهداء، وقد قال الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} الآية". إلا أن توبة القاذف عند الشعبي لا تكون إلا بأن يُكَذِّب نفسه في ذلك القذف الذي حُدّ فيه، كما فعل عمر رضي الله عنه، فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة رضي الله عنه:"من أكذب نفسه أجَزْتُ شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أُجِز شهادته"، وهو مذهب الضحاك وأهل المدينة. انظر: التفاسير السابقة، الدر المنثور 6/ 131. فعلى هذا كأن الشارح رحمه الله تعالى يشير بقوله:"غير راجع إلى الأُولى على الصحيح" إلى خلاف الشعبي رضي الله عنه. والله أعلم.
(2)
في (ت): "تاب".
(3)
في (ت): "أو".