الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا الحديث الذي تمسك به الشيخ تقي الدين وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بول"
(1)
الاستقبال مطلق، وبدخول النهي عليه صار عامًا، فكل استقبال منهي عنه. والاستقبال في الشام أو غيره لو أُخْرج لبطل العموم، فإدراجه
(2)
في النهي مِنْ جهة أداة العموم
(3)
لا من جهة عموم موضوعه
(4)
.
المقدمة الخامسة:
اتفقت النحاة على أن أربع صيغ من جموع التكسير، وأن جموع
(1)
أخرجه البخاري 1/ 66، في كتاب الوضوء، باب لا تُسْتَقْبل القبلة بغائطٍ أو بولٍ إلا عند البناء جدارٍ ونحوه، رقم 144. وفي كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشَّأم والمشرق، رقم 386. ومسلم 1/ 224، في كتاب الطهارة، باب الاستطابة، رقم 264. وأبو داود 1/ 19، في كتاب الطهارة، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، رقم 9. والترمذي 1/ 13، في أبواب الطهارة، باب في النهي عن استقبال القبلة بغائطٍ أو بول، رقم 8. والنسائي 1/ 21، في كتاب الطهارة، باب النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة، رقم 20. وفي باب النهي عن استدبار القبلة عند الحاجة 1/ 22، حديث رقم 21. وفي باب الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة، حديث رقم 22. وابن ماجه 1/ 115، في كتاب الطهارة، باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول، رقم 318.
(2)
أي: إدراج الاستقبال في الشام أو غيره.
(3)
أي: من جهة النهي الداخل على الفعل: تستقبلوا.
(4)
أي: لا من جهة عموم الفعل لغة، فهو ليس بعام بل مطلق، فالعموم مستفاد من النهي الداخل على الفعل.
السلامة مذكَّرًا كان أو مؤنثًا للقلة
(1)
: وهي العشرة فما دونها
(2)
، وهي التي يجمعها قَوْلُ الشاعر:
بأفْعُلٍ وبأفعالٍ وأفْعِلةٍ
…
وفِعْلةٍ يُعْرف الأدنى من العددْ
وسالمِ الجمع أيضًا داخلٌ معها
…
فهذه الخمسُ فاحفظها ولا تَزِدْ
نحو: أفْلُس، وأَحْمال، وأرْغِفَة، وصِبْيَة، ومُسْلمين، ومسلمات. واتفق الأصوليون القائلون بالعموم - وهم أكثر حملة الشريعة - على أنَّ صيغة المشركين وما شابهها للعموم، وكذلك الأحمال، والأرغفة. فقد يقال: هاتان فرقتان عظيمتان تنقل عن العرب، وكل واحدة نقلت عكس ما نقلته الأخرى، فأين العموم الذي هو غير متناهي الأفراد من العشرة فما دونها! ولا سبيل إلى تكذيب كلِّ واحدةٍ من هاتين الفرقتين العظيمتين، فما وجه الجمع بين كلاميهما؟
والجواب: ما ذكره إمام الحرمين وقال: إنه الذي استقر عليه نظره في محاولة الجمع بين مسالك الأئمة في ذلك: وهو أن قول النحاة: إنها للعشرة فما دونها - إنما هو فيما إذا كان الجمع مُنَكَّرًا نحو: مشركين، وأحمال. ونَقْلُ الأصوليين إنما هو حالَ التعريف بالألف واللام، فإنه حينئذ يَعُمُّ كلُّ جمع
(3)
، وذلك بمنزلة "رجل" المنكَّر، فإنه للواحد من بني آدم، وبالتعريف
(1)
انظر: شرح الأشموني على الألفية 4/ 120، 121.
(2)
انظر: شرح ابن عقيل على الألفية 2/ 452، وفيه: فجمع القلة يدل حقيقةٌ على ثلاثة فما فوقها إلى العشرة. اهـ. وانظر: أوضح المسالك لابن هشام 3/ 254.
(3)
أي: سواء كان جمع قلة أو جمع كثرة، فكل جمع معرَّف للعموم، وكل جمع منكَّر لغير العموم.
يعم كلَّ فرد
(1)
.
وأما الجمع حال التنكير
(2)
فلا يقول فيه بالتعميم إلا مَنْ شَذَّ كالجبائي، أو مَنْ
(3)
حمل المشترك على معنييه
(4)
(5)
، وجَعَل ذلك
(6)
من باب العموم، فالسؤال عليه منقدح يحتاج إلى جواب
(7)
.
(1)
انظر: البرهان 1/ 334 - 337. ونقل الشارح رحمه الله تعالى ملخص كلام إمام الحرمين، وحاصل هذا الجمع كما هو واضح أنه لا فرق بين قول الفريقين، فالنحويون يتكلمون عن حال التنكير، والأصوليون عن حال التعريف. وانظر: البحر المحيط 4/ 121 - 123.
(2)
سواء كان جمع قلة أو جمع كثرة. وستأتي المسألة فيما بعد. وانظر: رفع الحاجب 3/ 89 - 90، التمهيد ص 316، 317، سلم الوصول 2/ 347.
(3)
سقطت من (ت)، وفي (ص):"ممن".
(4)
بأن يجعل مسلمات مثلًا لجمع القلة، وللتعميم، فيكون اللفظ مشتركًا بينهما.
(5)
ذهب الجمهور إلى أن الجمع المنكَّر لا يعم، وذهب بعض الشافعية وبعض الحنفية إلى أنه يعم. انظر: اللمع ص 26، تيسير التحرير 1/ 205، فواتح الرحموت 1/ 268، شرح الكوكب 3/ 142.
(6)
أي: جَعَلَ حَمْلَ المشترك على معنييه.
(7)
يعني: كيف يُجْمع بين قول النحاة الحاملين لجمع القلة حال التنكير على ثلاثة، وبين قوله بالتعميم؟ تنبيه: لاحظ أن الإشكال والسؤال هنا إنما هو في حال التنكير، والسؤال الأول الذي سبقه هو سؤال عام، فبعد أن بيَّن الشارح رحمه الله تعالى أن إطلاق الأصوليين لا ينافي إطلاق النحويين؛ إذ مراد الأولين حال التعريف، ومراد الآخرين حال التنكير - عطف على هذا السؤال بسؤال آخر: وهو أن هناك من الأصوليين مَنْ يقول بالتعميم في حال التنكير، مع أن الجمهور لا يقولون بالتعميم، فمَنْ قال بالتعميم منهم في حال التنكير هو الذي بينه وبين النحويين خلاف؛ إذ =
ولقائل أن يقول: اتفقت
(1)
الفقهاء على أنَّ مَنْ أقرَّ بدراهم (قُبِل منه)
(2)
تفسيرها بثلاثة، وهي جمع كثرة، وأقلُّه باتفاق النحاة أحدَ عشر
(3)
، فما الجمع بين الكلامين؟
(4)
اللهم إلا أنْ يَدَّعِيَ الفقيه أنَّ العُرْف
= كلام النحويين أن جمع القلة في حال التنكير يحمل على الثلاثة، فما وجه الجمع بينهما؟ فحال التعريف للجمع لا خلاف فيها بين النَّحْويين والأصوليين، وإنما الخلاف في حال التنكير. والله تعالى أعلم.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
في ت: "قبل منه في".
(3)
للنحويين قولان في جمع الكثرة: أحدهما: ما ذكره الشارح رحمه الله تعالى، وهو أنَّ أقله أحد عشر إلى ما لا يتناهى. والآخر: أقله ثلاثة إلى ما لا يتناهى، وهو قول السعد التفتازاني وغيره، فالفرق بين جمع القلة والكثرة - على هذا القول - من جهة النهاية لا من جهة المبدأ، ويكون الذي ينوب عن الآخر جمع القلة؛ إذ ينوب عن جمع الكثرة في الدلالة على أحد عشر فصاعدًا، أما جمع الكثرة فدلالته حينئذ على الثلاثة إلى العشرة ليست بالنيابة عن جمع القلة، ولكن بالأصالة، ودلالته هذه حقيقة لا مجاز، وبهذا يندفع السؤال الذي أورده الشارح. قال الخضري - رحمه الله تعالى - بعد أن حكى القولين:"وبذلك يندفع ما أورده القرافي على قول الفقهاء فيمن أقَرَّ بدراهم: أنه يقبل بثلاثة - من أنه جمع كثرة، وأقله أحد عشر، فكيف يُقبل المجاز مع إمكان الحقيقة! ويدفع أيضًا (أي: قول الفقهاء): بأن دراهم ليس مجازًا في الثلاثة؛ لأنه ليس لمفرده (وهو درهم) جمع قلة". انظر: حاشية الخضري على ابن عقيل 2/ 153، وانظر: حاشية الصبان على الأشموني 4/ 120، تعليق محمد محيي الدين على ابن عقيل 2/ 452.
(4)
لاحظ أن هذا السؤال اعتراض جديد، ولا علاقة له بالسؤال الأول الذي فيه الإشكال بين كلام النحويين وكلام الأصوليين، والمعنى: أننا جمعنا بين كلام =