المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصص عموم اللفظ - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٤

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الأولى: أنه حقيقة في القول الطالب للفعل

- ‌تنبيه:

- ‌(الثانية: الطلب بديهي التصور وهو غير العبارات المختلفة

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الأولى: أن صيغة "افعل" تَرِد لستةَ عشرَ معنى:

- ‌(الثانية: أنها حقيقة في الوجوب مجاز في البواقي

- ‌(الثالثة: الأمر بعد التحريم للوجوب

- ‌فائدة

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: المعلَّق بشرطٍ أو صفةٍ مثل:

- ‌(السادسة: الأمر لا يفيد الفور خلافًا للحنفية

- ‌فائدة:

- ‌((الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الأولى: النهي يقتضي التحريم؛ لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا})

- ‌(الثانية: النهي شرعًا يدل على الفساد في العبادات

- ‌(الثالثة: مقتضى النهي فِعْلُ الضد

- ‌(الرابعة: النهي عن أشياء إما عن الجمع كنكاح الأختين، أو عن الجميع كالزنا والسرقة)

- ‌(الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌المقدمة الأولى:

- ‌المقدمة الثانية:

- ‌المقدمة الثالثة:

- ‌فائدة

- ‌المقدمة الرابعة:

- ‌المقدمة الخامسة:

- ‌المقدمة السادسة:

- ‌ الفرق بين العام، والمطلق، والنكرة والمعرفة، والعدد

- ‌(الثانية: العموم إما لغة بنفسه كـ "أي" للكل، و"مَنْ" للعالِمين، و"ما" لغيرهم، و"أين" للمكان، و"متى" للزمان)

- ‌القسم الأول: المفيد لغةً

- ‌تنبيه

- ‌فائدتان:

- ‌ القسم الثاني: وهو ما يفيد العموم من جهة العرف

- ‌(الثالثة: الجمع المنكَّر لا يقتضي العموم

- ‌ مشتملة على بحثين:

- ‌الأول: أن نفي المساواة بين الشيئين هل يقتضي العموم

- ‌البحث الثاني:

- ‌خاتمة:

- ‌(الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الأولى: التخصيص: إخراج(1)بعض ما يتناوله(2)اللفظ

- ‌(الثانية: القابل للتخصيص: حكمٌ ثَبَت لمتعددٍ لفظًا

- ‌تنبيه:

- ‌ الغاية التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌فائدة:

- ‌ العام إذا خُصَّ هل يكون في الباقي حقيقة

- ‌(الخامسة: المخصَّص بمعيَّنٍ حجة

- ‌(السادسة: يُستدل بالعامِّ ما لم يظهر مخصِّصٌ. وابن سريج أوجب طلبه أوَّلًا)

- ‌فائدة:

- ‌(الفصل الثالث: في المخصِّص

- ‌الأُولى: شَرْطه

- ‌أحدهما: أن يكون متصلًا بالمستثنى منه عادةً

- ‌فوائد:

- ‌الشرط الثاني: عدم الاستغراق

- ‌ يشترط أن لا يزيد على النصف

- ‌(الثانية: الاستثناء من الإثبات نفيٌ

- ‌فرع:

- ‌(الثالثة: المتعددة إنْ تعاطفت أو استغرق الأخير(2)الأول عادت إلى المتقدم عليها، وإلا يعود الثاني إلى الأول؛ لأنه أقرب)

- ‌ حكم الاستثناء الواقع عقيب جملٍ عُطِف بعضها على بعض

- ‌فائدة:

- ‌القسم الثاني من أقسام المخصِّصات المتصلة: الشرط

- ‌إحداهما(6): في وقت وجود المشروط:

- ‌المسألة الثانية: في تعدد الشرط والمشروط:

- ‌فائدة:

- ‌(القسم الثالث)(2)من المخصِّصات المتصلة: الصفة

- ‌(الرابع: الغاية:

- ‌(والمنفصل ثلاثةٌ:

- ‌ الأول: العقل

- ‌فرع:

- ‌المخصِّص الثاني من المخصصات المنفصلة: الحس

- ‌الثالث من المخصصات المنفصلة: الدليل السمعي

- ‌الأولى: في بناء العام على الخاص

- ‌(الثانية: يجوز تخصيص الكتاب به، وبالسنة المتواترة، وبالإجماع

- ‌الأول: أنه يجوز تخصيص الكتاب به، أي: بالكتاب

- ‌البحث الثاني: يجوز تخصيص القرآن بالسنة المتواترة

- ‌فرع:

- ‌البحث الثالث: يجوز تخصيص الكتاب بالإجماع

- ‌تنبيه:

- ‌ تخصيص العموم بالمفهوم

- ‌(الخامسة: العادة (التي قَرَّرها رسول الله)

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: خصوص السبب لا يُخَصِّص(4)؛ لأنه لا يعارضه)

- ‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصِّص عموم اللفظ

- ‌البحث الثاني: فيما إذا عمل الراوي بخلاف العموم هل يكون ذلك(1)تخصيصًا للعموم

- ‌خاتمة:

- ‌ أفرد الشارع فردًا من أفراد العام بالذكر

- ‌(الثامنة: (عَطْفُ الخاص)(1)لا يخصِّص

- ‌(التاسعة: عَوْد ضميرٍ خاصٍّ لا يخصِّص

- ‌ فائدة

الفصل: ‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصص عموم اللفظ

يكن مباحًا (لكان حرامًا؛ للإقدام عليه بلا علمٍ بحكمه)

(1)

، فمِنْ هنا دَلَّ التقرير على الإباحة؛ بخلاف السكوت عند السؤال فإنه يُحْمل على عدم نزول الحكم؛ لأن السؤال عما لم يقع أو عما وقع، والسائل ينتظر حكمه، فَيُفْهم من السكوت عَدَمُ الحكم فيبقى واقفًا، بخلاف المقيم على الفعل قد يَعْتَقد إباحته، فهذا فَرْقُ بين المقامين.

فإن قلت: يكفي في تسويغ الفعل البراءة الأصلية.

قلت: هذا كافٍ في الإباحة؛ لأن إبقاء الشارع بحكم البراءة الأصلية حكم، وهي دليل شرعي، وإنما نقول بالتحريم إذا أقدم بلا سبب، فهذا يُنْكر عليه سواء كان هناك حكم أمْ لا، فإذا لم يُنْكِر دل على الإباحة، ويُحْمل على أنَّ فاعله أقدم عن علم، بخلاف السائل فإنَّ ظاهر حالِه أنه واقفٌ عن الاعتقاد، منتظرٌ للجواب

(2)

، فلا تحصل

(3)

مفسدة. والله أعلم.

قال: ‌

‌(السادسة: خصوص السبب لا يُخَصِّص

(4)

؛ لأنه لا يعارضه)

.

هذه المسألة مشتملة على بحثين:

‌الأول: في أن خصوص السبب لا يخصِّص عموم اللفظ

(5)

. ومن

(1)

في (ص): "لكان حرامًا الإقدام عليه، فلا علم بحكمه".

(2)

في (ص): "منتظر الجواب".

(3)

في (ص): "فلا يحصل".

(4)

في (غ)، و (ص)، و (ك):"لا يخص".

(5)

قال الزركشي رحمه الله تعالى: "محل الخلاف أن لا تظهر قرينة تُوجب قَصْره على السبب من العادة ونحوها، فإن ظهرت وجب قَصْره بالاتفاق". البحر المحيط =

ص: 1503

الناس من أطلق الكلام في هذه المسألة، كالمصنف، والتحقيق تفصيلٌ:

وهو أن الخطاب إما أن يكون جوابًا

(1)

لسؤالِ سائلٍ أوْ لا، فإن كان جوابًا فإما أن يستقل بنفسه أوْ لا.

فإن لم يستقل فلا خلاف أنه على حسب الجواب، إنْ كان عامًا فعام، وإنْ كان خاصًا فخاص

(2)

.

وإن استقل فهو أقسام؛ لأنه إما أن يكون أخص، أو مساويًا، أو أعم.

والأخص مثل: قول القائل: مَنْ جامع في نهار رمضان - فعليه ما على المظاهر. في جواب مَنْ سأله عمن أفطر في نهار رمضان. وهذا جائز بشرائط:

أحدها: أن يكون فيما خرج من الجواب تنبيه

(3)

على ما لم يخرج منه.

والثاني: أن يكون السائل مجتهدًا وإلا لم يفد التنبيه

(4)

.

= 4/ 288، وقال أيضًا:"ليس المراد بالسبب هنا السبب الموجِب للحكم، كزَنَى ماعزٌ فَرُجِم، بل السبب في الجواب. قاله ابن السمعاني، وسبق منقول أبي الحسين بن القطان عن الفقهاء في ذلك". البحر المحيط 4/ 292، وانظر: القواطع 1/ 193.

(1)

سقطت من (ت)، و (غ)، و (ص).

(2)

انظر: البحر المحيط 4/ 269، المحلي على الجمع مع تقريرات الشربيني 2/ 37، تخصيص العام ص 402، فواتح الرحموت 1/ 289، تيسير التحرير 2/ 263، شرح الكوكب 3/ 168.

(3)

في (ص): "ينبه". وهو خطأ.

(4)

قال الزركشي رحمه الله تعالى: "ولعلهم أرادوا بالمجتهد من له قوة التنبه وإن لم يبلغ رتبة الاجتهاد". البحر المحيط 4/ 272.

ص: 1504

والثالث: أن لا تفوت المصلحة باشتغال السائل بالاجتهاد

(1)

.

وأما المساوي: فلا إشكال فيه

(2)

.

وأما الأعم: فهو منقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون أعمَّ منه فيما سُئل عنه، كقوله عليه السلام لما سئل عن ماء بئر بُضاعة

(3)

: " (إن الماء طهورٌ)

(4)

لا يُنَجِّسه شيء

(5)

". (رواه أبو

(6)

داود والترمذي، وقال: حسن)

(7)

.

(1)

وذلك لئلا يلزم التكليف بما لا يطاق. انظر الشروط الثلاثة في: المحصول 1/ ق 3/ 188، ونهاية الوصول 5/ 1742، والبحر المحيط 4/ 272.

(2)

أي: فيجب حمله على ظاهره بلا خلاف. انظر: البحر المحيط 4/ 271.

(3)

قال ابن الأثير رحمه الله: "هي بئرٌ معروفة بالمدينة، والمحفوظ ضم الباء، وأجاز بعضهم كسْرها، وحكى بعضهم بالصاد المهملة". النهاية 1/ 134.

(4)

في (ت): "خلق الله الماء طهورًا".

(5)

في (ت) زيادة في الحديث: "إلا ما غيَّر طعمه أو لونه".

(6)

سقطت من (ت).

(7)

أخرجه أحمد في المسند 3/ 31، وأبو داود في السنن 1/ 53 - 55، كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة، رقم 66، 67. والترمذي 1/ 95 - 96، في الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء حديث رقم 66، وقال: هذا حديث حسن، وقد جَوَّد أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة. والنسائي 1/ 174، في المياه، باب ذكر بئر بضاعة، حديث رقم 326، 327. قال ابن الملقِّن في خلاصة البدر المنير 1/ 7:"وصحَّحه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما. ونَفْي الدارقطني ثبوته مردود بقول هؤلاء". وانظر: تلخيص الحبير 1/ 3 - 4، إرواء الغليل 1/ 45 - 46.

ص: 1505

وإما أن يكون عامًا في غير ما سئل عنه، كقوله عليه السلام حين سئل عن التوضؤ بماء البحر:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"

(1)

(2)

. وحكم هذا القسم التعميم بالنسبة إلى ما سئل عنه، وإلى غيره من غير خلاف

(3)

.

وأما القسم الأول: فقد جعلوه من محل الخلاف، الذي سنستقصي

(4)

القول فيه إنْ شاء الله تعالى. وقال والدي أيده الله تعالى: الذي يتجه القَطْعُ بأنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظ؛ لأن عدول المجيب عن الخاص المسئول عنه إلى

(1)

فقوله: "الحل ميتته" عام في غير ما سئل عنه.

(2)

رواه مالك في الموطأ 1/ 22، في كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء، رقم 12، وانظر 2/ 495. وأحمد في المسند 2/ 361. وأبو داود 1/ 64، في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، رقم 83. والترمذي 1/ 100 - 101، في أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، رقم 69، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي 1/ 50، في كتاب الطهارة، باب ماء البحر، رقم 59. وابن ماجه 1/ 136، في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، رقم 386. وقد أخرج الحاكم الشطر الأول من الحديث عن ابن عباس قال: "سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ماء البحر، فقال: ماء البحر طهور". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ثم ذكر الحاكم شواهد لرواية مالك رضي الله عنه، وذكر أن هذا الحديث أصل صَدَّر به مالك كتابه "الموطأ"، وتداوله فقهاء الإسلام رضي الله عنهم من عصره إلى وقتنا هذا. انظر: المستدرك 1/ 140 - 142.

(3)

انظر: نهاية الوصول 5/ 1743، البحر المحيط 4/ 274.

(4)

في (ص): "سيستقصى".

ص: 1506

العام - دليلٌ على إرادة العموم.

وأما الخطاب الذي لا يرد جوابًا لسؤال سائل، بل واقعة وقعت: فإما أنْ يَرِد في اللفظ قرينةٌ تُشْعر بالتعميم، كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}

(1)

، والسبب رجلٌ سَرَق رداء صفوان، فالإتيان بالسارقة معه قرينة تدل على عدم الاقتصار على المعهود.

وكذلك العدول عن الإفراد إلى الجمع، كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(2)

نزلت في عثمان بن طلحة

(3)

، أخذ مفتاح الكعبة وتغيب به، وأبى أن يدفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنَّ عليًا رضي الله عنه أخذه منه وأبى أن يدفعه إليه؛ فنزلت، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، وقال:"خذوها يا بني طلحة خالدةً مخلدة فيكم أبدًا لا ينزعها منكم إلا ظالم"

(4)

.

(1)

سورة المائدة: الآية 38.

(2)

سورة النساء: الآية 58.

(3)

هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة - واسمه عبد الله - بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار العبدري حاجب البيت. قُتِل أبوه طلحة وعمه عثمان بن أبي طلحة بأحد، ثم أسلم عثمان بن طلحة في هدنة الحديبية، وهاجر مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه مفتاح الكعبة. وهو أحد الذين دخلوا الكعبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح. ثم سكن مكة إلى أن مات بها سنة 42 هـ. انظر: الإصابة 2/ 460، تهذيب 7/ 124، تقريب ص 384.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 120، حديث رقم 11234، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:"خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم". وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة =

ص: 1507

وإن لم يكن ثَمَّ قرينة، وكان مُعَرَّفًا بالألف واللام فمقتضى كلامِهم الحملُ على المعهود، إلا أن يُفْهم مِنْ نفس الشرع تأسيسُ قاعدةٍ؛ فيكون دليلًا على العموم.

وإنْ كان العمومُ لفظًا آخرَ غيرَ الألف واللام - فيحسن أن يكون ذلك هو محل الخلاف.

إذا عرفت ذلك - فالصحيح الذي عليه الجمهور، وبه جزم في الكتاب: أنَّ العبرةَ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

(1)

.

وخالف في ذلك مالكٌ

(2)

، (والمزني، وأبو ثور)

(3)

، فقالوا: إنَّ خصوصَ السببِ يكون مخصِّصًا لعموم اللفظ.

قال إمام الحرمين: "وهو الذي صح عندنا مِنْ مذهب الشافعي"

(4)

.

= ابن أبي طلحة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم. كذا قال ابن كثير رحمه الله. انظر: تفسير ابن كثير 1/ 515 - 516، الدر المنثور 2/ 570 - 571.

(1)

انظر: المحلي على الجمع 2/ 38، البحر المحيط 4/ 276، 277، نهاية الوصول 5/ 1744، فواتح الرحموت 1/ 290، شرح الكوكب 3/ 177.

(2)

لمالك رضي الله عنه روايتان: رواية موافقة للجمهور، والأخرى التخصيص بالسبب، ولكن أكثر المالكية على الرواية الأولى الموافقة للجمهور. انظر: شرح التنقيح ص 216، إحكام الفصول ص 270، وفي نشر البنود (1/ 259) أن الرواية المشهورة عن مالك رضي الله عنه عدم التخصيص بالسبب.

(3)

في (ك): "وأبو ثور والمزني".

(4)

انظر: البرهان 1/ 372.

ص: 1508

وكذلك قال الغزالي في "المنخول"

(1)

. وقال في "مختصر التقريب والإرشاد": "نُقِل المذهبان جميعًا عنه"

(2)

.

واعلم أن الذي صَحَّ من مذهب الشافعي رضي الله عنه موافقة الجمهور، خلاف ما ذكره

(3)

إمام الحرمين. قال الإمام في كتابه الموضوع في "مناقب الشافعي" رحمه الله: "ومعاذ الله أن يصح هذا النقل عنه

(4)

، وكيف وكثيرٌ من الآيات نزلت في أسباب خاصة، ثم لم يقل الشافعي رحمه الله بأنها

(5)

مقصورةٌ على تلك الأسباب! قال: والسبب في وقوع هذا النقل الفاسد عنه

(6)

أنه يقول: إن دلالته على سببه أقوى؛ لأنه لما وقع السؤال عن تلك الصورة - لم يجز أن لا يكون اللفظ جوابًا عنه، وإلا تأخَّر البيان عن وقت الحاجة. وأبو حنيفة عكس ذلك، وقال: دلالته على سبب النزول أضعف، وحَكَم بأن الرجلَ لا يلحقه ولدُ أَمَتِهِ وإنْ وطئها ما لم يُقِر بالولد، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش وللعاهر الحَجَر"

(7)

إنما ورد في أَمَةٍ، والقصة مشهورة في قضية

(8)

عبد بن زَمْعة،

(1)

لم يعز الغزالي للشافعي رضي الله عنه في "المنخول". انظره ص 151.

(2)

انظر: التلخيص 2/ 154.

(3)

في (ت): "ما ذكر".

(4)

سقطت من (ص).

(5)

في (ص): "إنها".

(6)

سقطت من (ت)، و (غ).

(7)

أخرجه البخاري 2/ 724، في البيوع، باب تفسير المُشَبَّهات، رقم 1948. ومسلم 2/ 1080، في الرضاع، باب الولد للفراش وتوقِّي الشبهات، رقم 1457.

(8)

في (ت)، و (غ):"قصة".

ص: 1509

فبالغ الشافعي في الرد على مَنْ يُجَوِّز إخراج السبب، وأطْنَبَ في أن الدلالة عليه قطعية؛ لدلالة

(1)

العام عليه بطريقين:

أحدهما: العموم.

وثانيهما: كونه واردًا لبيان حكمه.

فَتَوَهَّم المتوهم أنه يقول: إن العبرة بخصوص السبب. هذا حاصل ما ذكره الإمام، وهو بليغ.

وأما ما ذكره إمام الحرمين فلعله اطلع على نص مرجوح

(2)

عنه، أو غير ذلك، فإن الخلاف فيه غير بعيد عن المذهب

(3)

، ولذلك اختلف الأصحاب في أن العرايا

(4)

هل تختص بالفقراء، أم يشترك فيها الأغنياء والفقراء؟

والصحيح التعميم، مع أنها وردت على سبب خاص وهو الحاجة

(5)

والغرض أن الصحيح من مذهبه موافقة الجمهور، وفروعه تدل على ذلك

(6)

.

(1)

في (ص): "كدلالة". وهو خطأ.

(2)

في (غ)، و (ك)"مرجوع".

(3)

انظر: البحر المحيط 4/ 279 - 285.

(4)

بيع العرايا: هو بيع رطب في رؤوس نخله بتمرٍ كيلًا. انظر: القاموس الفقهي ص 250، المغني 4/ 181؛ بداية المجتهد 2/ 216.

(5)

انظر: التمهيد ص 412، الأم 3/ 56، البحر المحيط 4/ 278، نهاية السول 2/ 480.

(6)

انظر: نهاية السول 2/ 479.

ص: 1510

قال الأصحاب في مَنْ دخل عليه صديقه. فقال: تَغَدَّ معي، فامتنع. فقال: إن لم تتغد معي فامرأتي طالقٍ. (فلم يفعل)

(1)

: لا يقع الطلاق. ولو تَغَدَّى بعد ذلك معه وإنْ طال الزمان - انحلت اليمين. فإنْ نوى الحال فلم يفعل وقع الطلاق. وهو يخالف قولَ الأصوليين: إن الجوابَ الذي يستقل بنفسه، إلا أن العُرْف

(2)

يقتضي عدم استقلاله، مِثْلَ هذه الصورة - في حكم

(3)

الذي لا يستقل بوضعه؛ فيكون على حسب السؤال

(4)

. ورأي البغوي حَمْلُ المُطْلق (على الحال للعادة)

(5)

، وهو يوافق

(1)

سقطت من (ص).

(2)

في (ص): "الفرق". وهو تصحيف.

(3)

قوله: "في حكم. . . ." شبه الجملة جواب "إن" في قوله: "إن الجوابَ".

(4)

المعنى: أن قول الفقهاء بعدم وقوع الطلاق في صورة ما إذا لم ينو الحال - يخالف قولَ الأصوليين: إن الجوابَ المستقل بنفسه، لكن العرف لا يقتضي استقلاله، مثل الصورة المُمَثَّل بها: أنه في حكم غير المستقل بوضعه؛ فيكون على حسب السؤال، إن كان السؤال عامًا فعام، وإن خاصًا فخاص. يعني: أن قول القائل لصديقه: "إن لم تتغد معي فامرأتي طالق" مُطْلقٌ غير مُقَيَّد بزمن من حيث اللفظ، لكنه مُقَيَّد من حيث العرف، فهو كلام مستقل بنفسه لفظًا لا عرفًا، فَيُنَزَّل عند الأصوليين منزلةَ غير المستقل، فيعملون بمقتضى العرف لا بمقتضى اللفظ، فيُوقِعون الطلاق؛ لأن المراد عرفًا هو الغداء الذي في الحال، لا أيَّ غداء. وكلام الفقهاء هنا يخالف مقتضى القاعدة عند الأصوليين في حمل الكلام المستقل على العرف والعادة.

(5)

في (ص): "على إكمال العادة". وهو خطأ؛ لأن المعنى: أن البغوي يوافق الأصوليين في حمل المطلق - وهو زمن الغداء الوارد في المثال، فإنه مطلق يتحقق بأي زمن - على الحال، أي: على الغداء الذي يكون في حال التكلم، لا أي غداء في المستقبل، وذلك حملًا للكلام على العادة.

ص: 1511

قول الأصوليين هذا.

وأفتى القاضي الحسين في امرأةٍ صعدت بالمفتاح إلى السطح، فقال زوجها: إن لم تُلْقِ المفتاح فأنتِ طالق، فلم تُلْقه ونزلت: أنه لا يقع. ويُحمل قوله: "إن لم تُلقه" على التأبيد، وأَخَذ ذلك مما قاله الأصحاب في المسألة المذكورة.

وفي الرافعي عن "المبتدأ في الفقه" للقاضي الروياني: أنه لو قيل له: كَلِّم زيدًا - فقال: والله لا كلمته. انعقدت اليمين على الأبد، إلا أن ينوي اليوم. فإنْ كان ذلك في طلاق

(1)

، وقال: أردتُ اليومَ - لم يُقْبل في الحكم.

وهذه الصور كلها شاهدةٌ لأن العبرة بعموم اللفظ، ومُخَالِفةٌ لما قال

(2)

الأصوليون في الجواب الذي يقتضي العرفُ عدمَ استقلاله دون الوضع. والحق مع الفقهاء؛ لأن اللفظ عامٌّ، والعادةُ لا تخصِّص. وأما ما وقع في كتابي "طبقات الفقهاء" في ترجمة الإمام من أن الشافعيَّ في "الأم" في الجزء الرابع من أجزاء تسعة في باب

(3)

ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع، وهو بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة، وقبل: الحجة في البتة

(4)

وما أشبهها - نصَّ على ما ذكره

(1)

بأن يقول: إن كلمته فامرأتي طالق.

(2)

في (ك): "قاله".

(3)

في (ص): "كتاب".

(4)

في (ت)، و (غ)، و (ص):"النية". وهو تصحيف، والمثبت موافق لما في الأم 5/ 260.

ص: 1512

الإمام عنه مِنْ أن العبرة بعموم اللفظ - فذلك (خطأ مني في الفَهْم

(1)

، وأردتُ أن أنبه على ذلك)

(2)

هنا؛ لئلا يُغْتَرَّ به، فإنَّ حَذْفه من ذلك الكتاب تَعَذَّر لانتشار النُسَّخ به

(3)

.

وبيان ذلك أنه قال ما نصه: ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع. قال الشافعي رضي الله عنه: ذَكَرَ الله تعالى في كتابه الطلاق والفِرَاق والسَّراح فقال عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}

(4)

(5)

، وقال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}

(6)

، وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في أزواجه:{إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}

(7)

الآية. قال الشافعي: فمَنْ خاطب امرأته فأفرد لها اسمًا من هذه الأسماء فقال: أنتِ طالقٌ، أو طلقتك، أو فارقتك، أو سَرَّحْتك - لَزِمه الطلاق (وإن لم ينوه)

(8)

في الحكم، ونَوَّيناه فيما بينه وبين الله عز

(1)

قوله: "فذلك خطأ مني في الفهم" جواب الشرط في قوله: "وأما ما وقع في كتابي طبقات الفقهاء".

(2)

سقطت من (ت).

(3)

انظر إلى أمانة السلف وورعهم، وقارِن هذا بحالنا وما صرنا إليه؛ لتعلم أن العلم عندنا أصبح تجارةً وسمعةً ورياءً، فنسألك اللهم أن تلطف بنا، وأن تلحقنا بعبادك الصالحين، وتغفر لنا ولجميع المسلمين.

(4)

سورة البقرة: الآيتان 231، 232.

(5)

الآية المذكورة في "الأم": {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .

(6)

سورة الطلاق: الآية 2.

(7)

سورة الأحزاب: الآية 28.

(8)

في "الأم": "ولم يُنَوَّ".

ص: 1513

وجل

(1)

. ويسعه إن لم يُرِدْ بشيء منه طلاقًا أن يمسكها، ولا يسعها أن تقيم؛ لأنها لا تعرف مِنْ صِدْقه ما يَعْرف مِنْ صدق نفسه. وسواءٌ فيما يلزم من الطلاق ولا يلزم: تَكَلَّم به الزوجُ عند غضب، أو مسألة طلاق، أو رضًا وغيرِ مسألة طلاق. ولا تصنع الأسبابُ شيئًا، إنما تصنعه الألفاظ؛ لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب، ولا يكون مُبْتدأَ الكلام (الذي حُكِمَ)

(2)

فيقع

(3)

. فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئًا - لم يصنعه بما

(4)

بعده (ولم يمنع ما بعده)

(5)

أن يصنع ما له حكم إذا قيل

(6)

(7)

.

(1)

أي: جعلنا ما نواه من عدم نية الطلاق - فيما بينه وبين الله عز وجل، فإن كان صادقًا في دعواه فالطلاق غير واقع، أما في القضاء فلا نحكم بنيته؛ لعدم دليلٍ يدل على صدقه.

(2)

في (ص): "الذي له حُكِم". وهي موافقة لما في "الأم"، لكن العبارة المثبتة نقلها الزركشي في البحر المحيط 4/ 277، والإسنوي في نهاية السول 2/ 479، وقال:"هذا لفظه بحروفه، ومن الأم نقلته".

(3)

أي: ولا يكون السبب مبتدأ الكلام الذي حُكِم، يعني: أن مُبْتدأ الكلام وحكمه قد لا يكون مقصودًا به السبب، فلا يقع الحكم المذكور في أول الكلام على السبب لهذا الاحتمال. وقول الشافعي رضي الله عنه:"فيقع": يعني: فيقع لو كان السبب مبتدأ الكلام، لكن السبب - على هذا الاحتمال - ليس مُبْتدأ الكلام فلا يقع حكمُ أول الكلام عليه.

(4)

في (ت)، و (ص)، و (غ)، و (ك):"ما". والمثبت من "الأم"، وفي نهاية السول 2/ 479:"لما".

(5)

سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).

(6)

يعني: لم يمنع السبب ما بعده من الكلام أن يُحمل على حكم العموم إذا قيل.

(7)

انظر: الأم 5/ 259.

ص: 1514

انتهى. فتوهمتُ أنا ما توهمتُ مِنْ قوله: "ولا تصنع الأسباب شيئًا" إلى آخره، وهو وَهَم، وإنما مراده: أن الغضب وغيره من الأسباب التي يرد عليها الطلاق لا تَدْفع وقوع الطلاق، ولا تعلق لذلك بالمسألة الأصولية

(1)

.

وقد احتج المصنف على أن

(2)

العبرة بعموم اللفظ: بأن اللفظ صالح لتناول الأفراد؛ إذ هو عام، وكونه ورد على سببٍ لا يعارضه؛ لأنه لا منافاة بينهما، بدليل أن المُجيب لو قال: احملِ اللفظَ على عمومه، ولا تخَصِّصْه بخصوصِ سببهِ - كان ذلك جائزًا.

واعترض على هذا: بأنه لا ينافي كونَ السبب يدل بطريق الظهور على تخصيص العام به؛ لأن الذي ذُكِر احتمالٌ، والاحتمال لا ينافي الظهور،

(1)

قد ذكر الزركشي اعتراض الشارح وتأويله لقول الشافعي دون أن يُصَرِّح باسم الشارح على عادته في كتابه "البحر المحيط" ينقل عنه كثيرًا، ويستفيد من فرائده وتحريراته كثيرًا، ولا يذكر اسمه بل يقول: قال بعضم، أو نحو هذا. وهذا خلاف الأولى، بل لا ينبغي. ثم اعترض على تأويله لكلام الشافعي فقال: ونحن نقول: بل العبرة في كلام الشافعي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله: "لا عمل للأسباب" على عمومه، ولا يخصه سياقه. اهـ. انظر: البحر المحيط 4/ 277 - 278. وكذا نقل الإسنوي رحمه الله تعالى كلام الشافعي رضى الله عنه مستدلًا به على المسألة الأصولية، ورادًا به على دعوى إمام الحرمين رحمه الله تعالى، وقال بعد أن أورده: "فهذا نصٌّ بَيِّن دافع لما قاله (أي: ما قاله إمام الحرمين)، ولا سيما قوله: ولم يمنع ما بعده إلخ". نهاية السول 2/ 479.

(2)

سقطت من (غ).

ص: 1515

كما أنه لو صَرَّح بإرادة الخصوص في العمومات من غير سبب - جاز ذلك، مع كون هذا الاحتمال لا ينافي ظهور صيغة العموم في الاستغراق.

وذكر الإمام دليلًا آخر: وهو إجماع الأمة على أنَّ آية اللعان والظهار وغيرهما إنما نزلت في أقوامٍ مُعَيَّنين، مع تعميم الأمة حكمهما

(1)

، وما قال أحدٌ: إنَّ ذلك التعميمَ خلافُ الأصل

(2)

.

واحتج الخصم: بأن الجواب لو عَمَّ لم يكن مطابقًا للسؤال، والمطابقة بين السؤال والجواب شرط؛ ولهذا لم يجز أن يكون الجواب خاصًا.

وبأن السبب لو لم يكن مُخَصِّصًا - لما نقله الراوي؛ لعدم فائدته.

وأجيب عن الأول: بأنك إنْ أردتَ بمطابقة الجواب أن يَسْتَوعب السؤالَ، ولا يغادرَ منه شيئًا فمسلم. والأعم يحصل فيه المطابقة بهذا المعنى، بخلاف الأخص.

وإن أردتُ بالمطابقة اختصاصَ الجواب بالسؤال - فلا نسلم اشتراطها بهذا المعنى.

وعن الثاني: بأن فائدتَه معرفةُ السبب. وقد صنَّف بعض المتأخرين في معرفة أسباب الحديث، كما صنفت العلماء في معرفة أسباب النزول. ومِنْ فوائد ذلك امتناعُ إخراج صورةِ السببِ عن العموم بالاجتهاد، فإنه لا

(1)

في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"حكمها" وهو خطأ.

(2)

انظر: المحصول 1/ ق 3/ 189، الإحكام 2/ 239، شرح التنقيح ص 216.

ص: 1516

يجوز إخراج تلك الصورة التي ورد عليها السبب بالإجماع، نَصَّ عليه القاضي في "مختصر التقريب"، والآمدي (في "الإحكام")

(1)

؛ وطائفة

(2)

. وحُكِي عن أبي حنيفة أنه يُجَوِّز إخراجها

(3)

، وقد عرفتَ ذلك مِنْ قَبْلُ. وقد قال العلماء: إنَّ دخولَ السبب قطعيٌ؛ لأن العام يدل عليه بطريقين كما مر، ومِنْ ذلك نشأ كونه لا يخرج بالاجتهاد

(4)

.

قال والدي أبقاه الله: وهذا عندي ينبغي أن يكون إذا دلت قرائنُ حاليةٌ أو مقالية على ذلك، أو على أن اللفظ العام يشمله بطريق الوضع لا محالة، وإلا فقد ينازع الخصم في دخوله وَضْعًا تحت اللفظ العام، ويَدَّعي أنه قد

(5)

يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب، وبيان أنه ليس داخلًا في الحكم، فإن للحنفية أن يقولوا في حديث عبد بن زمعة: إن قولَه صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش" وإنْ كان واردًا في أَمةٍ - فهو واردٌ لبيان حكم ذلك الولد، وبيانُ حُكْمِه إما بالثبوت أو بالانتفاء، فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة؛ لأنها التي

(6)

يتخذ لها الفراش غالبًا، وقال:"الولد للفراش" - كان فيه حَصْر أن الولد للحرة، وبمقتضى ذلك لا يكون

(1)

سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).

(2)

انظر: التلخيص 2/ 158، الإحكام 2/ 240، نهاية السول 2/ 480.

(3)

نفى الحنفية عن أبي حنيفة رضي الله عنه هذا القول. انظر: تيسير التحرير 1/ 265، فواتح الرحموت 1/ 290، سلم الوصول 2/ 479.

(4)

انظر: نهاية السول 2/ 478، البحر المحيط 4/ 293.

(5)

سقطت من (ت)، و (غ).

(6)

في (ص)، و (ك)، و (غ):"الذي".

ص: 1517

للأمة، فكان فيه بيانٌ للحكمين

(1)

جميعًا: نَفْي النعسب عن السبب وإثباته لغيره، ولا يليق دعوى القطع هنا، وذلك مِنْ جهة اللفظ. وهذا في الحقيقة نزاع في أن اسم الفراش هل هو موضوع للحرة والأمة

(2)

الموطوءة، أو للحرة فقط؟ والحنفية

(3)

يدعون الثاني

(4)

، فلا عموم عندهم له

(5)

في الأمة

(6)

، فتخرج المسألة من باب أن العبرة بعموم اللفظ (أو بخصوص)

(7)

السبب.

نعم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد بن زمعة: "هو لك يا عَبْدُ، وللعاهِر الحَجَر"

(8)

بهذا التركيب يقتضي أنه ألحقه به على حكم السبب؛ فيلزم أن يكون مرادًا من قوله: "للفراش"

(9)

. فليتنبه لهذا البحث فإنه نفيس جدًا

(10)

. ولا يقال: إن الكلام إنما هو حيث تَحقَّق دخولُه في اللفظ العام

(1)

في (ك): "الحكمين".

(2)

في (غ): "وللأمة".

(3)

في (ت): "فالحنفية".

(4)

انظر: عمدة القاري 19/ 227، فتح الباري 12/ 34.

(5)

سقطت من (ص).

(6)

في (ص): "الآية". وهو خطأ؛ والمعنى واضح وهو أن الحنفية يعتبرون الفراش خاصًا بالحرة، فلا يعم الأمة.

(7)

في (ص): "وبخصوص". وهو خطأ.

(8)

سبق تخريجه.

(9)

في (ص): "الفراش".

(10)

المعنى: أن دخول السبب في عموم اللفظ ليس قطعيًا إلا إذا كانت هناك قرائن حالية أو مقالية تدل على القطع. وقد بيَّن والد الشارح - رحمهما الله تعالى - =

ص: 1518

وضعًا؛ لأنا نقول: قد يُتَوهم أن كون اللفظ جوابًا للسؤال يقتضي دخوله، فأردنا أن ننبه على أن الأمر ليس كذلك، والجواب إنما يقتضي بيان الحكم، وإنما أردنا أن دعوى من ادعى أن دلالة العموم على سببه قطعية يمكن المنازعة فيها بالنزاع

(1)

في دخوله تحت اللفظ العام وضعًا لا مطلقًا، والمقطوع به أنه لا بد فيه من بيان حكم السبب، أما كونه يُقْطَع بدخوله في ذلك، أو بخروجه عنه - فلا يدل على تعيين واحدٍ من الأمرين.

ونختم المسألة بعد ذكر هذا البحث النفيس بمثليه:

فأحدهما: أنَّ جميعَ ما تقدم في السبب، وبقية الأفراد التي دل اللفظ العام بالوضع عليها. وبين ذَيْنِك الشيئين رتبةٌ متوسطةٌ، فنقول: قد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة، وتُوضع كلُّ واحدةٍ منها مع ما

(2)

يناسبها من الآي، رعايةً لنظم القرآن، وحسنِ اتساقه. فذلك الذي وُضِعت معه الآية النازلة على سببٍ خاص؛ للمناسبة

(3)

- إذا كان مسبوقًا

(4)

لِما نَزَلَ في معنى، يدخل تحت ذلك اللفظ

= بالمثال كيف أن الحنفية أخرجوا السبب من العموم، فهذا يدل على أن دعوى القطع بالإطلاق فيها نظر. وقد نقل هذا البحث بكامله الزركشي في البحر المحيط 4/ 295، وعَبَّر عن والد الشارح رحمهما الله تعالى - كما هي العادة - بقوله:"وقال بعض المتأخرين". وانظر أيضًا: المحلي على الجمع 2/ 39 - 40، شرح الكوكب 3/ 187.

(1)

في (ص): "فالنزاع".

(2)

سقطت من (ت).

(3)

قوله: "للمناسبة" متعلِّق بقوله: "وضعت معه".

(4)

في (ص)، و (ك)، و (غ):"مسوقًا".

ص: 1519

العام

(1)

أو كان من جملة الأفرد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام

(2)

فدلالة اللفظ عليه يحتمل أن يقال إنه كالسبب فلا يخرج ويكون مرادًا

(3)

من الآية قطعًا ويحتمل أن يقال إنه لا ينتهي في القوة إلى ذلك لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة لشبهه به والحق أن ذلك رتبة متوسطةٌ دون السبب وفوق العموم المجرد، ومثال ذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(4)

فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}

(5)

أن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قَدِم إلى مكة وشاهد قتلى بدر، وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغَزْوِ النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه من أهدى سبيلًا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أوْ هُمْ؟ فقال: أنتم

(6)

. كَذِبًا منه وضلالة، لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق من يشاركه في تلك المقالة،

(1)

سقطت من (ت).

(2)

يعني: إذا كان ذلك المحل مسبوقًا بالآية التي نزلت في معنى، أي: في سبب خاص، يدخل ذلك المعنى وهو السبب الخاص تحت ذلك اللفظ العام الذي في الآية التي بعد آية السبب، وهي آية المناسبة. فالسبب الخاص داخل في عموم الآية التي نزلت من أجله، وداخل في عموم الآية التي بعد آية السبب، وهي آية المناسبة.

(3)

سقطت من (ص).

(4)

سورة النساء: الآية 58.

(5)

سورة النساء: الآية 51.

(6)

انظر: تفسير الطبري 8/ 466 - 471، الدر المنثور 2/ 562 - 564، أسباب النزول للواحدي ص 103 - 104.

ص: 1520

وهم أهلُ كتابٍ يجدون عندهم في كتابهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وقد أُخِذت عليهم المواثيق أن لا يكتموا ذلك وأن ينصروه، و

(1)

كان ذلك أمانة لازمة لهم فلم يؤدوها وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(2)

ولا يَرِد على هذا أن قصة

(3)

كعب بن الأشرف كانت عقب بدر، ونزول:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} في الفتح أو قريبًا منه، وبينهما نحو ست سنين؛ لأن اتحاد

(4)

الزمان إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي يعلم من الله أنها مواضعها.

وثانيهما: سؤال عظيم أورده والدي - أحسن الله إليه - في تفسيره في آية الظهار، وهو قوله:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}

(5)

الآية، وتقريره يتوقف على إعراب الآية، فنقول:{الَّذِينَ} مبتدأ، وخبره:{فَتَحْرِيرُ} ،

(1)

سقطت من (ص).

(2)

فيكون كعب بن الأشرف - لعنه الله - داخلًا في آية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا. . .} الآية، إذ هو سبب نزولها، ويكون داخلًا أيضًا في الآية التي قبلها وهي آية:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ودخوله مناسب لها، إذ أُخذ العهد عليه وعلى جميع أهل الكتاب أن لا يكتموا نعت النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم وأن يظهروه للناس، فكان ذلك أمانة لازمة لهم، ولكنهم خانوا الأمانة فلم يؤدوها، لعنهم الله وغضب عليهم.

(3)

في (ت): "قضية".

(4)

سقطت من (ت).

(5)

سورة المجادلة: الآية 3.

ص: 1521

أو: فكفارتهم تحرير. وجاز حذف ذلك لدلالة الكلام عليه، وجاز دخول الفاء في الخبر لتضمن

(1)

المبتدأ معنى الشرط، وتضمن

(2)

الخبر معنى الجزاء، فإذا أُريد التنصيص على أنَّ الخبر مُسْتَحَقٌّ بالصلة دخلت الفاء حتمًا للدلالة على ذلك فإذا

(3)

لم تدخل احتمل أن يكون مستحقًا به أو بغيره كما لو قيل: الذين يظاهرون عليهم تحرير رقبة. وإن كُنَّا نقول: إنَّ ترتيب الحكم على الوصف مشعر

(4)

بالعلية، ولكن ليس بنص، ودخول الفاء نصٌّ وهذا الموضع من المواضع المتفق على جواز دخول الفاء فيها، لعموم الموصول فلو أريد بالموصول خاص بحيث لا يكون فيه عموم فالصحيح عدم جواز دخول الفاء، وكذلك لو وُصل بماض لم يجز دخول الفاء على الصحيح.

إذا عرفتَ هذا فالآية على ذلك لا تَشْمل إلا مَنْ وُجِد منه الظهار بعد نزولها لأن معنى الشرط مستقبل

(5)

فلا يدخل فيه الماضي، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب الكفارة على أوس بن الصامت

(6)

، وذلك لا شك

(7)

فيه من جهة

(1)

في (ص): "لتضمين".

(2)

في (ص): "وتضمين".

(3)

في (ت)، و (غ)، و (ك):"وإذا".

(4)

في (ت): "يشعر".

(5)

وذلك لأن الماضي لا يتأتى فيه الشرط.

(6)

هو أوس بن الصامت بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ، أخو عبادة بن الصامت. شهد بدرًا، وهو الذي ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة. مات في أيام عثمان رضي الله عنه وله خمس وثمانون سنة. انظر: الإصابة 1/ 85، تهذيب 1/ 383.

(7)

في (ص): "لا يشك".

ص: 1522

ما عرفت مِنْ كونه هو السبب، إلا أن هذا الإشكال يعتوره من جهة عدم شمول اللفظ له

(1)

على ما تقرر مِنْ قاعدة دخول الفاء.

ومِنْ جهة أخرى: وهي أن الحكم إنما يثبت من حين نزول الآية وأوس ظَاهَر قبل نزولها، فكيف ينعطف حكمها على ما سبق، لا سيما إذا كان الحكم قبل نزولها أنه طلاق كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ما أراكِ إلا قد حَرُمْتِ عليه"

(2)

، فكيف يرتفع التحريم أو الطلاق بعد وقوعه؟ وهذا الإشكال واردٌ في آيةِ اللعان من الجهتين كما هو وارد هنا

(3)

، ووارد في آية السرقة وآية حد الزنا ونحوهما من الجهة الثانية؛ لإثبات أحكامها لمن صدر منه السبب المتقدم على نزولها وإن لم نجعل الفاء فيها

(1)

سقطت من (ت).

(2)

رواه ابن جرير الطبري في تفسيره 28/ 4. قال السيوطي في الدر المنثور 8/ 77: وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في السنن عن أبي العالية. . . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: "ما أعلم إلا قد حَرُمْتِ عليه". وفي الدر المنثور أيضًا 8/ 72: "وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن خولة أو خويلة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما أراكِ إلا قد حرمتِ عليه".

(3)

وذلك لأن الخبر في آية اللعان مقترن بالفاء {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية، فلفظ:{فَشَهَادَةُ} ، خبر للمبتدأ:{وَالَّذِينَ} ، فأفاد أن الموصول بمعنى الشرط، والشرط معناه للمستقبل، فتكون آية اللعان تفيد الحكم في المستقبل، مع أن سببها الذي نزلت من أجله قد حصل قبل نزولها. والجهة الأخرى أن الحكم إنما يثبت بعد نزول الآية، والسبب قبله، فكيف يدخل السبب في حكم الآية؟

ص: 1523

داخلة على

(1)

خبر المبتدأ

(2)

. هذا تقرير السؤال وهو قوي.

وأجاب عنه بما لا يقاومه فقال: أما إثبات أحكام هذه الآيات لمن وجد منه السبب قبل نزولها فنقول: إن السرقة والزنا ونحوهما من الأفعال التي كانت معلومة التحريم عندهم ووجوب الحد فيها لا يتوقف على العلم، والفاعل لها قبل نزول الآية إذا كان هو السبب في نزولها في حكم المقارِن لها؛ لأنها نزلت مبيِّنة لحكمه، فلذلك يثبت حكمها فيه دون غيره ممن تقدمه، وأما دخول الفاء في الخبر فيستدعي العموم في كل مَنْ يتظاهر من امرأته مثلًا وذلك يشمل الحاضر والمستقبل، وسبب النزول حاضر أو في حكم الحاضر، وأما دلالة الفاء على الاختصاص بالمستقبل فقد يُمْنع، وأما كون الظهار كان طلاقًا فلم يكن ذلك شرْعٌ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أراكِ إلا قد حَرُمتِ عليه" فلم يثبت. وقال بعض الناس: إنه منسوخ بالآية، فإن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فالأمر كذلك، ويكون من نسخ السنة بالكتاب.

قال: (وكذا مذهب الراوي، كحديث أبي هريرة (في الولوغ وعمله)

(3)

؛ لأنه ليس بدليلٍ. قيل: خالف لدليلٍ وإلا

(1)

في (ص): "في".

(2)

المعنى: أن الفاء الداخلة في آية السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} وكذلك في آية الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} ليست داخلة على خبر المبتدأ؛ لأن الخبر مقدر غيرهما.

(3)

في (غ): "وعمله في الولوغ".

ص: 1524