المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملا - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٥

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملًا

- ‌فوائد:

- ‌(الثانية: قالت الحنفية: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}(1)مجمل

- ‌(الثالثة: قيل: آية السرقة مجملة

- ‌(الفصل الثاني: في المبيَّن

- ‌تنبيهان:

- ‌ قد يكون بالقول وذلك بالاتفاق(4)، وقد يكون بالفعل

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌ تأخير البيان عن وقت الحاجة

- ‌فائدتان:

- ‌فائدة

- ‌(الفصل الثالث: في المبيَّن له

- ‌(الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: أنه واقع وأحالته اليهود

- ‌(الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن

- ‌(الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافًا للمعتزلة)

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل

- ‌فائدة:

- ‌يجوز نسخ الحكم دون التلاوة

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: يجوز نسخ الخبر المُسْتَقبل

- ‌(الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة

- ‌(الثانية: لا يُنسخ المتواتر بالآحاد

- ‌(الثالثة: الإجماع لا يُنسخ

- ‌(الرابعة: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌(الخامسة: زيادة صلاة ليس بنسخ

- ‌ زيادة العبادة المستقلة. أما زيادة غير(2)المستقلة، كزيادة ركعة أو ركوع

- ‌(الكتاب الثاني: في السنة

- ‌(الأولى: في عصمة الأنبياء(2)عليهم الصلاة والسلام)

- ‌(الثانية: فِعْله المجرد يدل على الإباحة عند مالك

- ‌ بيان الطرق التي تُعرف(1)بها الجهةُ

- ‌(الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌(الخامسة: أنه عليه السلام قبل النبوة تُعُبِّد(1)(2)بشرع، وقيل: لا)

- ‌الأول: فيما كان صلى الله عليه وسلم عليه قبل أن يبعثه الله تعالى برسالته

- ‌البحث الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم هل تُعُبِّد بعد النبوة بشرعِ مَنْ قبله:

- ‌فروع:

- ‌فائدة:

- ‌(الباب الثاني: في الأخبار

- ‌(الفصل الثاني: فيما عُلِم كذبه

- ‌(الفصل الثالث: فيما ظُنَّ صدقه

- ‌أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌(الطرف(1)الثاني: في شرائط(2)العمل به

- ‌فائدة:

- ‌ أحكام التزكية

- ‌(الأولى: شُرِط العدد في الرواية والشهادة

- ‌فائدة

- ‌ الثاني: فأن لا يخالفه قاطع

- ‌ الثالث مِنْ شرائط العمل بخبر الواحد: وهو الكلام في الخبر

- ‌الأولى: في بيان ألفاظ الصحابي ومراتِبها

- ‌(الثانية: لغير الصحابي أن يروي إذا سمع الشيخ أو قرأ عليه

- ‌الأولى: أن يسمع من لفظ الشيخ

- ‌الثانية: أن يقرأ عليه

- ‌الثالثة: أن يقرأ على الشيخ

- ‌الرابعة: أن يقرأ على الشيخ ويقول له: هل سمعته؟ فيسكت الشيخ

- ‌الخامسة: أن(4)يكتب الشيخ إلى شخص:

- ‌السادسة: أن يشير الشيخ

- ‌السابعة: الإجازة

- ‌(الثالثة: لا يقبل المُرْسل خلافًا لأبي حنيفة ومالك)

- ‌(الرابعة: يجوز نَقْل الحديث بالمعنى خلافًا لابن سيرين

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: إن زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قُبِلت

- ‌(الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌ الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الأولى: قيل: محال كاجتماع الناس في وقتٍ واحد على مأكولٍ واحد

- ‌ الإجماع حجةٌ شرعية يجب العمل به

- ‌(الثالثة: قال مالك: إجماع أهل المدينة حجة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌(الخامسة: قال القاضي أبو خازم: إجماع الخلفاء الأربعة حجة

- ‌الإجماع وإن كان حجة لكن لا يستدل به على جميع الأحكام

- ‌(الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمَنْ بعدهم إحداث ثالث

- ‌(الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمَنْ بعدهم التفصيل

- ‌فائدة:

- ‌(الثالثة: يجوز الاتفاق بعد الاختلاف خلافًا للصيرفيّ

- ‌(الرابعة: الاتفاق على أحدِ قولي الأولين

- ‌(الخامسة: (إذا اختلفت الأمة)(3)على قولين فماتت إحدى الطائفتين - يصير قول الباقين حجة؛ لأنهم كل الأمة)

- ‌(السادسة: إذا قال البعض وسكت الباقون - فليس بإجماعٍ ولا حجة

- ‌(الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الأولى: أن يكون فيه قول كلِّ عالمي ذلك الفن

- ‌(الثانية: لا بد له من سند؛ لأن الفتوى بدونه خطأ

- ‌(الثالثة: لا يُشترط انقراض المُجْمِعين

- ‌(الرابعة: لا يُشترط التواتر في نقله كالسنة)

- ‌(الخامسة: إذا عارضه(8)نصٌّ أُوِّل القابلُ له(9)، وإلا تساقطا

الفصل: ‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملا

‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملًا

بالنسبة إلى حقائقه إنْ كان ذا

(1)

حقائق، أوْ لا.

والأول: هو المشترك، كقوله تعالى:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، فإنه مجملٌ بالنسبة إلى حقيقتيه، أعني: الطهر والحيض - عند مَنْ يقول: إنَّ القرء موضوعٌ لهما وَضْعًا أوَّلًا، وهو الصحيح.

والثاني: إما أن يكون بالنسبة إلى أفراد حقيقة واحدة أوْ لا.

والأول: مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ، فإن لفظ "البقرة" موضوع لحقيقة واحدة معلومة ولها أفراد، والمراد واحدٌ منها مُعَيَّن، على كلامٍ فيه، سيأتي إن شاء الله في الفصل التالي لهذا.

والثاني: أن يكون الإجمال في الخارج عما وُضع له اللفظ، وإنما يكون ذلك بأن تنتفي الحقيقة، أي: يَظْهَر إرادةُ عدمها، وتتكافأ مجازاتها، أي: تتساوى و

(2)

أما إذا ترجَّح أحد المجازات فيتعيَّن العملُ به، ولا يكون اللفظ مُجْملًا. وللترجيح أسباب ذَكَرها في الكتاب:

أحدها: أن يكون أقرب إلى الحقيقة من المجاز الآخر

(3)

، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بطُهور"

(4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

سقطت من (غ).

(2)

سقطت الواو من (ت)، و (غ).

(3)

سقطت من (ت).

(4)

مثل الأصفهاني في شرحه 1/ 438، والإسنوي في نهاية السول 2/ 514، والبدخشي في مناهج العقول 2/ 143، والجزري في معراج المنهاج 1/ 406: بحديث: =

ص: 1567

(1)

. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث، وقوله:"لا صيام لمن لم يُبَيِّت الصيام قبل الفجر"

(2)

، وهذا الحديث لفظه هكذا غير معروف، ولكن رواه

(3)

عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم

(4)

عن ابن شهاب عن سالم

(5)

عن أبيه عن حفصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، وهذا إسناد صحيح. قال الحاكم أبو عبد الله: على شرط البخاري. فحقيقة هذين الخبرين نَفْيُ ذاتِ الصلاةِ عند عدم الطهارة، وذاتِ الصومِ عند عدم النية المبيَّتة، وهذه الحقيقة غيرُ

= "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب". وقد مثل الجاربردي في السراج الوهاج (1/ 615) بنفس الحديث الذي مثل به الشارح، رحمهم الله جميعًا.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

في (ت)، و (غ):"روى".

(4)

هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي البخاري المدنيّ، أبو محمد الحافظ صاحب المغازي وشيخ ابن إسحاق. قال ابن عبد البر:"كان من أهل العلم ثقة فقيهًا محدثًا مأمونًا حافظًا، وهو حجة فيما نقل وحَمَل". مات سنة 135 هـ. انظر: سير 5/ 314، تهذيب 5/ 164، تقريب ص 297.

(5)

هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدويّ، أبو عمر ويقال: أبو عبد الله المدني الفقيه. وأمه أمُّ ولد، ومولده في خلافة عثمان رضي الله عنه. قال ابن المسيب:"كان عبد الله أشْبَهَ ولد عمرَ به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به". وقال مالك: "لم يكن أحدٌ في زمان سالم بن عبد الله أشْبَه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه". وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. مات سنة 106 هـ في ذى القَعْدة، أو ذي الحِجة. انظر: سير 4/ 457، تهذيب 3/ 436.

ص: 1568

مرادةٍ؛ لأنا نُشَاهِد الذاتَ قد تقع بدون هذين الشرطين، فتَعيَّن الحملُ على المجاز، وهو إضمار الصحة أو الكمال، وإضمار الصحة أرجح، لكونه أقرب إلى الحقيقة؛ لأن نَفْي الذات يستلزم نفي كل الصفات، ونَفْي الصحة أقرب بهذا المعنى؛ إذ لا يبقى معه وصفٌ ألبتة، بخلاف نَفْي

(1)

الكمال، فإن الصحة تبقى معه، وهي وصف

(2)

.

ولك أن تقول: ما ذكرتموه في هذين الحديثين منقدحٌ إذا قلنا: إن الصحة والفساد مما يعتوران الماهية الجَعْلية، أما إذا قلنا: إن

(3)

الفساد يزيل اسمها - فَمَعْنى

(4)

الحقيقة موجود

(5)

.

(1)

في (ت)، و (غ):"وصف". والمعنى: بخلاف نفي وصف الكمال.

(2)

انظر: سلم الوصول 2/ 514، مناهج العقول 2/ 143.

(3)

سقطت من (ص).

(4)

في (ص): "فنفي". وهو تحريف.

(5)

المعنى: أن هذا التأويل للحديثين السابقين بحملهما على الصحة لا الكمال منقدح أي متجه وصحيح، إذا قلنا: إن وصف الصحة والفساد مما يتعاقبان على الماهية الجعلية، أي على نفس الذات التي جعلت ماهية، فهذه الذات لا يتحقق كونها ماهية إلا بوصف الصحة، وتنتفي ماهيتها بوصف الفساد. أما إذا جعلنا وصف الصحة والفساد متعاقبان على الماهية الموجودة - فهنا يكون ورود الصحة والفساد على الماهية حال وجودها، أي: الصلاة موجودة ماهيتها أولًا، ثم يرد على هذا الموجود وصف الصحة أو الفساد، فليست الصحة مُثْبِتة للوجود، ولا الفساد نافيًا له، بل مزيلًا للاسم فقط، أي مزيلًا عن هذه الماهية اسم الصلاة، وأما هي فموجودة. وهذا ينافي المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بطهور" وهو أن الصلاة لا وجود لماهيتها إلا بالطهور، فيكون التأويل بالصحة أبعد من التأويل بالكمال إذا قلنا بأن =

ص: 1569

الثاني: أنْ يكون أحد المجازَيْن أظهر عرفًا وأشهر، كقوله صلى الله عليه وسلم:"رفع عن أمتى الخطأ والنسيان"

(1)

، فإنَّ ظاهره رفعُ نفسِ [الخطأ]

(2)

ونفسِ النسيان، وليس بمراد

(3)

؛ فتعين حَمْله على المجاز بإضمار الحكم، أي: حكم الخطأ والنسيان أو الحرج

(4)

يعني: الإثم، أي: إثمهما. والحمل على الإثم أظهر من جهة العرف؛ لتبادره إلى الذهن مِنْ قول السيد لعبده: رفعتُ عنك الخطأ والنسيان. ولأنه لو قال ذلك، ثم أخذ يعاقبه على ما أخطأ فيه أو نسيه - عُدَّ مناقِضًا.

واعلم أن الحديث الذي أورده المصنف رواه الحافظ أبو القاسم التيمي

(5)

من حديث ابن عباس، وروى ابن ماجه معناه، وصححه ابن حبان، وقال أحمد

(6)

: لا يثبت.

= الصحة ترد على الماهية الموجودة. فجعل الصحة والفساد يردان على الماهية الجعلية هو الذي يُصحح التأويل المذكور، فالصحة تثْبِت الماهية من حيث هي، والفساد يزيل الماهية، ومن ثَمَّ فوجود الماهية متفرع عن الصحة، وعدمها متفرع عن الفساد.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

في (ص)، و (ت)، و (غ):"الحرج". وهو خطأ، والصواب ما أثبته، ولذلك كتب ناسخ (ص) في الهامش: صوابه الخطأ.

(3)

لاستحالة رفع الشيء بعد صدوره. انظر: نهاية السول 2/ 519.

(4)

قوله: "أو الحرج" معطوف على "الحكم" في قوله: "بإضمار الحكم".

(5)

هو يوسف بن بحر بن عبد الرحمن، أبو القاسم التميميّ البغداديّ، ثم الطرابلسيّ. قاضي حمص، ثم نزل جَبْلة، الإمام الرَّحَّال. قال ابن عديّ:"ليس بالقوىّ، رفع أحاديث وأتى عن الثقات بمناكير". وقال الدارقطني: "ضعيف". وقال مرةً: "ليس بالقويِّ". انظر: سير 13/ 122، تاريخ بغداد 14/ 305، لسان 6/ 318.

(6)

في (ت)، و (غ):"الحاكم".

ص: 1570

الثالث: أن يكون أعظم مقصودًا من غيره، كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

(1)

، وقوله عليه السلام في البحر:"الحل ميتته"، فإن حقيقة اللفظ إضافةُ الحرمة والحل إلى نفس العين

(2)

، كما ذهب إليه الكرخي

(3)

، وهو عندنا باطل؛ إذ الأحكام عندنا إنما تتعلق بالأفعال

(1)

سورة المائدة: الآية 3.

(2)

أي: عين الميتة.

(3)

هذه النسبة إلى الكرخي - رحمه الله تعالى - غير صحيحة، فإن الكرخي لا يرى إضافة الحرمة والحل إلى نفس العين، ولذلك نُسب له قوله بأن النصوص التي يضاف فيها الحكم إلى الأعيان - مجملة، كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ، {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} ، ونحوها، وذلك لأنه لما كان إسناد التحريم أو التحليل إلى العين لا يصح؛ لأنه إنما يتعلق بالفعل، فلا بد من تقديره، وهو محتمل لأمور، ولا حاجة إلى جميعها، ولا مرجِّح لبعضها، فكان مجملًا. هذا هو المشهور عن الكرخي، كما في كثير من المصادر، ولكن نسب له صاحب كشف الأسرار (2/ 106) أنه لا يقول بالإجمال، بل يُسنِد الحكم إلى الفعل المقصود، لا إلى مطلق الفعل؛ فلا يكون مجملًا. فمثلًا: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} المراد تحريم فعل مقصود معين، والعرف يدل عليه قطعًا، وهو تحريم الوطء والاستمتاع. وكذلك قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ، المراد تحريم أكلها، وعُرْف أهل اللغة يدل على المعنى المقصود المراد من مثل هذا الكلام، فلا إجمال. انظر: فواتح الرحموت 2/ 33، تيسير التحرير 1/ 166، المحصول 1 / ق 3/ 241، نهاية الوصول 5/ 1813، الإحكام 3/ 12، المحلي على الجمع 2/ 59، البحر المحيط 5/ 69. والحاصل أن نسبة الشارح هذا القول - إضافة الحرمة والحل إلى العين - إلى الكرخي غير صحيحة قطعًا، بل الصواب أن القائلين بهذا هم بعض الحنفية كالبزدوي والسرخسي وغيرهما، إذ قالوا: بأن التحريم والتحليل المضافان إلى =

ص: 1571

المقدورة للمكَلَّف

(1)

، وليست العَيْن كذلك؛ فلا يتعلق بها حِلٌّ ولا حرمة؛ فيتعين المجاز بالإضمار، فيضمر إما: الأكل، أو البيع، أو نحوهما. والأكل أولى؛ لأنه أعظم المقصود من تلك الأشياء عُرْفًا؛ فيحمل اللفظ عليه.

وقد ذهب جماعة من الأصوليين إلى دعوى الإجمال في الأمثلة المذكورة، متمسكين: بأن الحقيقة غير مرادة، والمجازات متعددة، فلا يُضْمر الجميع؛ لأن الضرورة تندفع بالبعض،

= الأعيان هما على وجه الحقيقة، كالتحريم والتحليل المضافين إلى الفعل، فيوصف المحل أولًا بالحرمة، ثم تثبت حرمة الفعل بناءً عليه، فيثبت التحريم عامًا. انظر: كشف الأسرار 2/ 106، وفيه أيضًا نقلًا عن عبد القاهر البغدادي:"يصح وصف العين بالحرمة حقيقة، كما يصح وصف الفعل بها، ومعنى اتصافها بها خروجها من أن تكون محلًا للفعل شرعًا، كما أن معنى وصف الفعل بالحرمة خروجه من الاعتبار شرعًا، فإذا أمكن العمل بحقيقته - لا معنى للإضمار؛ لأنه ضروري يُصار إليه عند تَعَذُّر العمل بظاهر اللفظ. ولأن الحرمة عبارة عن المنع، قال تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} أي: منعنا، وقال جل جلاله: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: منعهم شراب الجنة وطعامها"، ومنه حرم مكة؛ لمنع الناس عن الاصطيادِ فيه وغيرِه، فيوصف الفعل بالحرمة على معنى أن العبد منع عن اكتسابه وتحصيله، فيصير العبد ممنوعًا، والفعل ممنوعًا عنه، وتوصف العين بالحرمة على معنى أن العين منعت عن العبد تصرفًا فيها، فتصير العين ممنوعة، والعبد ممنوعًا عنها، فعرفنا أن وصف العين بالحرمة صحيح". كشف الأسرار 2/ 107، مع اختصار وتصرف يسير. وانظر: أصول السرخسي 1/ 195.

(1)

هذا هو رأي الجمهور. انظر: شرح الكوكب 3/ 419، شرح التنقيح ص 275، نهاية الوصول 5/ 1812، فواتح الرحموت 2/ 33.

ص: 1572

وليس بعضها بأولى

(1)

من بعض؛ فيترجح

(2)

الإجمال

(3)

.

والجواب: أنا نضمر البعض، ولا نسلِّم عدم الأولوية، فإنَّ بعضها أرجح وأولى؛ لما تقدم.

واعلم أن المجمل ليس منحصرًا فيما ذَكَره، بل بقيَت أشياء أهملها:

أحدها: الإجمال العارض للفظ بواسطة الإعلال، كالمختار، فإنه صالح لاسم الفاعل واسم المفعول

(4)

.

والثاني: بواسطة جَمْع الصفات وإرْدافها بما يصلح أن يرجع إلى كلِّها، أو إلى بعضها. نحو قولك: زيد طبيب أديب خياط ماهر.

فقولك: "ماهر" يصلح

(5)

أن يكون راجعًا إلى الكل أو إلى

(1)

في (ت): "أولى".

(2)

في (ت): "فيرجح".

(3)

قد سبق بيان أن الكرخي قال بهذا القول على ما نسبه الأكثر إليه، وقال به أيضًا تلميذه أبو عبد الله البصري من المعتزلة، وصار إليه أيضًا بعض الشافعية والحنابلة. انظر: الإحكام 3/ 12، البحر المحيط 5/ 69، نهاية الوصول 5/ 1813، اللمع ص 51، شرح اللمع 1/ 458، المحلي على الجمع 2/ 59، شرح الكوكب 3/ 420، المسودة ص 91.

(4)

فـ "مختار" ما قبل آخره حرف علة وهي الألف، وهي لا تظهر عليها الفتحة ولا الكسرة، فيستوي اسم الفاعل واسم المفعول، وإنما يُعْرف أحدهما بالسياق، وتقدَّر الفتحة أو الكسرة على الألف. انظر: شذا العَرْف ص 79، المحلي على الجمع 2/ 61، العضد على ابن الحاجب 2/ 158.

(5)

في (ت)، و (غ):"يصح".

ص: 1573

البعض فقط، وذلك البعض يصح أن يكون هو الأخير أو غيره

(1)

.

الثالث: المجمل بواسطة استثناء المجهول، كما تقدم في العام إذا خُصَّ بمجهول، كما في قوله تعالى:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}

(2)

.

والرابع: المجمل بواسطة التركيب، كقوله تعالى:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}

(3)

، فإنَّ مَنْ بيده العقدة يحتمل أن يكون هو الزوج أو الولي؛ ولذلك اختلف العلماء فيه: فأخذ بالأول الشافعي

(4)

، وبالثاني مالك

(5)

رحمهما الله.

والخامس: المجمل بسبب التردد في عود الضمير إلى ما تقدمه، كقولك: كلما عَلِمه الفقيه فهو كما عَلِمه. فإن الضمير في "هو" مترددٌّ بين العود إلى الفقيه، وإلى معلوم الفقيه. والمعنى يكون مختلفًا، حتى إنه إذا

(1)

فيصح أن يكون هو زيد، أو طبيب، أو أديب. انظر: شرح المحلي على الجمع 2/ 62.

(2)

سورة المائدة: الآية 1. سورة الحج: الآية 30.

(3)

سورة البقرة: الآية 237.

(4)

في قوله الجديد، وأخذ به أيضًا أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وابن شبرمة، والأوزاعي، وأحمد، وابن جرير الطبري رضي الله عنهم جميعًا.

(5)

والشافعي في القديم، وروي عن علقمة، والحسن، وعطاء، وطاوس، والزهري، وربيعة، وزيد بن أسلم، وإبراهيم النخعي، وعكرمة في أحد قوليه، ومحمد بن سيرين في أحد قوليه. انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/ 206، تفسير ابن كثير 1/ 289، زاد المسير 1/ 281، أحكام القرآن للجصاص 1/ 439، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 219.

ص: 1574

قيل بعوده

(1)

إلى الفقيه - كان معناه: فالفقيه كمعلومه. وإن عاد إلى معلومه كان المعنى: فمعلومه على الوجه الذي عَلِم.

والسادس: المجمل بسبب تردد اللفظ بين جَمْع الأجزاء وبين جَمْع الصفات نظرًا إلى اللفظ، وإنْ كان أحدهما يتعيَّن بدليلٍ من خارج. وذلك نحو قولك: الثلاثة زوج وفرد. فإنه بالنظر إلى دلالة اللفظ لا يتعين أحدهما، وبالنظر إلى صدق القائل يتعين أن يكون المراد منه جمع الأجزاء؛ فإنَّ حَمْله على جمع الصفات أو على جمعهما يوجب كذبه

(2)

.

والسابع: الإجمال بسبب الوقف والابتداء، كما في قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ}

(3)

، فالواو في قوله:{وَالرَّاسِخُونَ} مترددةٌ بين العطف والابتداء، ويختلف المعنى بذلك

(4)

.

(1)

في (ت): "يعود".

(2)

يعني: يحتمل أن يكون تقدير الكلام "الثلاثة زوج وفرد": أجزاء الثلاثة زوج وفرد؛ لأن أجزاءها واحد واثنان. ويحتمل أن يكون التقدير: صفات الثلاثة زوج وفرد. فالثلاثة يحتمل أن الحكم عليها بهذا الحكم (زوج وفرد) باعتبار أجزائها؛ فلا يلزم اتصافها بالصفتين، بل اتصاف أجزائها، أي: جزأيهما بهما. ويحتمل أن الحكم عليها باعتبار صفاتها؛ فيلزم اتصافها بالصفتين، مع استحالته. وهذه الاستحالة ليست مفهومة من ذات اللفظ، بل من دليل خارج، وهو كون هذا الوصف في الواقع والحقيقة كذبًا، فَرَفْع الإجمال عن اللفظ وتعيين جَمْع الأجزاء لا جَمْع الصفات - ليس من ذات اللفظ، بل من دليل خارج. انظر: حاشية البناني على شرح المحلي لجمع الجوامع 2/ 62.

(3)

سورة آل عمران: الآية 7.

(4)

انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 6/ 201، تفسير القرطبي 4/ 16، تفسير ابن كثير 1/ 346، تفسير النسفي 1/ 146، زاد المسير 1/ 354.

ص: 1575

الثامن: الإجمال بصلاحية اللفظ لمتشابهين بوجهٍ ما، كالنور: للعقل، ونور الشمس

(1)

.

التاسع: بصلاحيته لمتماثلين، كالجسم

(2)

: للسماء، والأرض. والرَّجل: لزيد، وعمرو. قال الغزالي: "وقد يكون موضوعًا لهما من غير تقدم وتأخر

(3)

، وقد يكون مستعارًا لأحدهما من الآخر، كقولك: الأرض أُمُّ البشر. والأم إنما وضعت للوالدة"

(4)

.

وهذا كله في الإجمال في اللفظ، والمصنف جَعَل اللفظ مَوْرد التقسيم، فأفهم بذلك أن الإجمال لا يكون في الفعل، وليس بجيد، بل قد يكون فيه

(5)

(6)

.

(1)

وجه الشبه بينهما هو الاهتداء بكلٍّ منهما. وقد أُورد على هذا المثال: أن إطلاق النور على العقل مجازي، وعلى نور الشمس حقيقي، ولا إجمال في مجرد ثبوت معنى حقيقي ومعنى مجازي للفظ. وأجيب: بأن استعماله في العقل مجاز مشهور، والمجاز المشهور بمنزلة الحقيقة، فيكون اللفظ بمنزلة المشترك، وإن لم تصر الحقيقة مرجوحة. انظر: حاشية البناني على المحلي 2/ 61.

(2)

وهو المركب من جزأين فصاعدًا. انظر: حاشية البناني 2/ 61.

(3)

الذي في "المستصفى": "وتأخير".

(4)

انظر: المستصفى 3/ 57 - 58 (1/ 361).

(5)

انظر صور الإجمال في اللفظ في: المحصول 1/ ق 3/ 233، الحاصل 1/ 587، التحصيل 1/ 413، نهاية الوصول 5/ 1805، نهاية السول 2/ 508، السراج الوهاج 2/ 614، مناهج العقول 1422 /، الإحكام 3/ 9، المستصفى 3/ 57 (1/ 361)، المحلي على الجمع 2/ 60، البحر المحيط 5/ 63، البرهان 1/ 421، نشر البنود 1/ 276، العضد على ابن الحاجب 2/ 158، فواتح الرحموت 2/ 32، تيسير التحرير 1/ 160، شرح الكوكب 3/ 415، نزهة الخاطر 2/ 43.

(6)

لأن مجرد وقوع الفعل لا يدل على وجه وقوعه، إلا أنه قد يقترن به ما يدل على =

ص: 1576