الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليخرج الشائعُ لا عن أصل
(1)
. وأقل المستفيض اثنان
(2)
.
وقد حصر المصنف مقصود هذا الفصل (في طرفين)
(3)
:
أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد
.
قال الجمهور: يجب
(4)
العمل به سمعًا
(5)
.
(1)
وهذا هو الذي اختاره الشارح رحمه الله في جمع الجوامع، والزركشي رحمه الله. انظر: المحلي على الجمع 2/ 129، البحر المحيط 6/ 120. بقي أن نبيِّن معنى المشهور عند الحنفية، ففي مسلَّم الثبوت مع شرحه 2/ 111: (وعند عامة الحنفية ما ليس بمتواتر آحادٌ، ومشهور: وهو ما كان آحاد الأصل) بأن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحد واثنان، وبالجملة عددٌ غير بالغٍ حد التواتر (متواترًا في القرن الثاني والثالث) ومَنْ بعدهم (مع قبول الأمة) وإن لم يكن كذلك فهو خبر الواحد. اهـ. وانظر: تيسير التحرير 3/ 37.
(2)
وهو الذي اختاره الشيخ أبو حامد الإسفراييني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأبو حاتم القزويني، وإليه ميل إمام الحرمين.
انظر: البحر المحيط 6/ 121، تشنيف المسامع 2/ 959، تيسير التحرير 3/ 37، شرح الكوكب 2/ 346. تنبيه: ذكر الزركشي في "تشنيف المسامع" أن أبا إسحاق المروزي قائل بهذا المذهب، وفي "البحر المحيط" اكتفى بأن الشيخ أبا إسحاق قال به. والمراد به هو الشيرازي، كما هو العادة في إطلاق "الشيخ" عليه، رحمه الله تعالى. وقد صرح أمير بادشاه به في "تيسير التحرير"، وهو موجود في "التنبيه" لأبي إسحاق.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ت): "ويجب".
(5)
انظر: نهاية الوصول 7/ 2813، الإحكام 2/ 51، المحصول 2/ ق 1/ 507 نهاية السول 3/ 104، شرح التنقيح ص 356، تيسير التحرير 3/ 82، فواتح الرحموت 2/ 131.
وقال أحمد بن حنبل، والقفال، وأبو العباس بن سريج منا، (وأبو الحسين)
(1)
: دلَّ عليه العقل مع السَّمع
(2)
.
وقد عرفت في أوائل الشرح اعتذار القاضي والأستاذ عمن قضى بدلالة العقل على ذلك مِنْ أصحابنا أهل السنة، كأحمد، وابن سريج، والقفال
(3)
.
ومن الناس مَنْ أنكر التعبد به، وقد انقسموا ما بينهم إلى مذاهب:
الأول: أنه لم يوجد ما يدل على أنه حجة، فوجب القطع بأنه ليس بحجة
(4)
. وهذا معنى قول المصنف: لعدم الدليل عليه.
والثاني: أن الدليل السمعي قام على أنه غير حجة. وهو رأي
(1)
سقطت من (ت).
(2)
وقال به طائفة من الحنابلة منهم أبو الخطاب الكلوذاني، وذكر أن أحمد رضي الله عنه نَصَّ عليه في رواية جماعة.
انظر: المعتمد 2/ 106 التمهيد 3/ 44، المسودة ص 237، مختصر ابن اللحام ص 84، تيسير التحرير 3/ 86، والمراجع السابقة.
(3)
إذ إن الوجوب العقلي معناه: إثبات حكم الوجوب به، وهذا هو مذهب المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وهؤلاء الفضلاء المذكورون من أهل السنة - رضوان الله عليهم - مُنزهون عن هذا القول الباطل، ولكنهم قالوه ولم يقصدوا معناه ولازمه الباطل، بخلاف أبي الحسين البصري رحمه الله فإن معتزلي قائل بالحكم العقلي.
(4)
انظر: نهاية الوصول 7/ 2812، المحصول 2/ ق 1/ 508.
القاساني
(1)
، وابن داود، والرافضة
(2)
.
والثالث: أن الدليل العقلي قام على امتناع العمل به. وعليه جماعة من المتكلمين، منهم الجبائي
(3)
.
فإن قلت: ما وجه
(4)
الجمع بين مَنْع الجبائي هنا التعبدَ به عقلًا، واشتراطِه العدد كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - النقلُ عنه؛ فإن قضية اشتراطه العددَ القولُ به؟
قلت: قد يجاب بوجهين:
أقْرَبُهما: أنه أراد بخبر الواحد الذي أنكره هنا ما نقله العدل منفردًا به، دون خبر الواحد المصطلح، أعني: الشاملَ لكل خبرٍ لم يبلغ حد التواتر، ولهذا كانت عبارة إمام الحرمين:"ذهب الجبائي إلى أن خبر الواحد لا يُقبل، بل لا بد من العدد، وأقله اثنان"
(5)
.
(1)
هو أبو بكر محمد بن إسحاق القاسانيّ الظاهريّ. حمل العلم عن داود، إلا أنه خالفه في مسائل كثيرة من الأصول والفروع. من مصنفاته: الرد على داود في إبطال القياس، إثبات القياس، الفتيا الكبير. انظر: طبقات الفقهاء ص 176، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 3/ 1147، الفهرست ص 267.
(2)
وجماعة من القدرية. انظر: الإحكام 2/ 51، العدة 3/ 861، المسودة ص 238، إحكام الفصول ص 334، والمراجع السابقة.
(3)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 508، البرهان 1/ 600.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر: البرهان 1/ 607. فإمام الحرمين رحمه الله يريد بخبر الواحد هنا: خبر المنفرد، لا خبر الواحد المصطلح عليه.
والثاني: أنه يجعله من باب الشهادة.
واعلم أن القائلين بهذا المذهب أحالوه، وقد صَرَّح المصنف بالمغايرة بين مذهب مَنْ منعه عقلًا ومَنْ أحاله. حيث قال بعد قوله عقلًا:"وأحاله آخرون"، وهو وَهَم
(1)
.
ثم إن المصنف أشار إلى تحرير محل النزاع بأنه ليس في
(2)
الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية كلها
(3)
(4)
، بل أطبق علماء الأمة على العمل بخبر الواحد في تلك الأمور
(5)
.
قال: (لنا: وجوه: الأول: أنه تعالى أوجب الحذر بإنذار طائفةٍ من الفِرْقة، والإنذار: الحبر المخوف. والفِرْقة: ثلاثة. فالطائفة
(6)
: واحدٌ أو
(1)
قال الإسنوي رحمه الله: "وذهب آخرون إلى أن ورود العمل به مستحيل عقلًا. واعلم أن كلام المحصول يُوهم المغايرة بين هذا المذهب وما قبله، فتابعه المصنف والذي يظهر أنه متحد به فتأمله". نهاية السول 3/ 104.
(2)
في (ص): "من". وهو خطأ.
(3)
أي: يجب العمل بما يفتي به المفتي، وبما يشهد به الشاهد بشرطه، وبإخبار طبيبٍ بمضرة شيءٍ أو نفعه، ونحو ذلك من الأمور الدنيوية. وليس في هذه الأمور الثلاثة نزاع، إنما النزاع في أخبار الآحاد التي يثبت بها شرع عام، وهذه الأمور الثلاثة ليست كذلك. انظر: المحلي على الجمع مع البناني 2/ 131، غاية الوصول ص 97 - 98، نهاية الوصول 7/ 2814.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 508، شرح التنقيح ص 356، تشنيف المسامع 2/ 961، البحر المحيط 6/ 129، أصول السرخسي 1/ 321.
(6)
في (ت)، و (ص):"والطائفة".
اثنان. قيل: "لعلَّ" للترجي. قلنا: تَعَذَّر فَيُحْمل
(1)
على الإيجاب لمشاركته
(2)
للتوقع. قيل: الإنذار: الفتوى
(3)
. قلنا: يلزم تخصيص الإنذار والقوم بغير المجتهدين، والرواية ينتفع بها المجتهد وغيرُه. قيل: فيلزم أن يُخْرج من كل ثلاثةٍ واحد. قلنا: خُصَّ النَّصُّ فيه).
إقامة البرهان على وجوب العمل بخبر الواحد صريحة في الرد على مَنْ قال: إنه لم يقم دليل على ذلك، واستند إلى ما لا يَعْصِم فقال: ليس في العقل ما يُوجب ذلك، وليس في كتاب الله ناصٌّ عليه، ولا سنةٌ متواترة تُرشد إليه، ولا مطمع في الإجماع مع قيام النزاع، ويستحيل أن يثبت خبر الواحد (بخبر الواحد)
(4)
، وإذا انحسم المسلك العقلي والسمعي - فقد حصل الغرض.
(وقد بنى)
(5)
هذا القائل كلامه على أمور هو فيها مُنَازَع بحقٍّ واضح، وهي قوله:
إن العمل به غير مستند إلى نص كتاب. وما نُورده من الآي رادٌّ عليه. ولا إلى سنةٍ متواترة
(6)
، ولا إجماع. وهو أيضًا باطل؛
(1)
في نهاية السول 3/ 105، وشرح الأصفهاني 2/ 539:"فحمل".
(2)
في (ص): "بمشاركته".
(3)
في (ص)، و (غ):"للفتوى".
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ص): "وقدمنا". وهو تحريف.
(6)
لاحظ أن رقم اللوحة مكتوب في (ص) 34، وهو خطأ من المرقم، وعلى هذا فسينقص العدد هنا فيما يأتي عن المكتوب في المخطوطة.
فإنهما قائمان على ذلك، وهما المسلك الذي نختار
(1)
الاعتماد عليه في
(2)
إثبات العمل بخبر الواحد
(3)
.
والرأي الكلام على تقرير ما في الكتاب، ثم إيضاحهما، فنقول: استدل على وجوب العمل بخبر الواحد بأوجه:
الأول: قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
(4)
. (وجه الاحتجاج: أنه تعالى أوجب الحذر بإخبار طائفة؛ لأنه أوجبه بإنذار الطائفة في قوله: {مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ})
(5)
، وكلمة "لعل" للترجي، وهو محال في حقه تعالى
(6)
، فوجب حمله على المجاز: وهو طلب الحذر؛ لأنَّ مِنْ لازم الترجي الطلب
(7)
، وطلب الله: هو الأمر، فثبت الأمرُ بالحذر عند إنذار الطائفة، والإنذار: هو الإخبار؛ لأنه عبارة عن: الخبر المخوف
(8)
، (والخبر داخل في
(1)
في (ص): "يختار".
(2)
في (ت): "إلى".
(3)
انظر: البرهان 1/ 603 - 604، والشارح رحمه الله مقتبسٌ منه بتصرف.
(4)
سورة التوبة: الآية 122.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
لأن الترجي عبارة عن: توقع حصول الشيء الذي لا يكون المتوقِّع عالمًا بحصوله، ولا قادرًا على إيجاده. انظر: نهاية السول 3/ 106.
(7)
لأن مَنْ ترجَّى شيئًا طلبه لا محالة. انظر: نهاية الوصول 7/ 2816.
(8)
انظر: لسان العرب 5/ 202، المصباح المنير 2/ 267، مادة (نذر).
الخبر المخوف)
(1)
. والطائفة ها هنا عدد لا يفيد قولهم العلم؛ لأن كل ثلاثة فرقة
(2)
، وقد أوجب الله تعالى أن يَخْرج من كل فرقة طائفة، والطائفة من الثلاثة واحدٌ أو اثنان، وقول الواحد أو الاثنين لا
(3)
يفيد العلم، وقد أوجب به الحذر، فثبت وجوبُ العمل بالخبر الذي لا يُقْطع بصدقه، ولكن يُظن، وذلك هو خبر الواحد
(4)
.
واعلم أن هذا التقرير مبني على أن المتفَقِّهة هم الطائفة النافرة، وأن الضمير في قوله:{لِيَتَفَقَّهُوا} {وَلِيُنْذِرُوا} راجعٌ إليها. وهذا قولٌ لبعض المفسرين
(5)
، والصحيح أن المتفقهة الفِرَق المقيمة
(6)
، والمراد: أن الفرق التي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفر من كل فرقة منهم
(7)
طائفة إلى الجهاد، وتبقى
(8)
بقيتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليتفقهوا في الدين (عند رسول الله)
(9)
صلى الله عليه وسلم؛ ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم من الجهاد. فالطائفة النافرة ليست
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: التفسير الكبير 16/ 233، المحصول 2/ ق 1/ 510، 519.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 509 - 510.
(5)
قاله الحسن البصري رضي الله عنه، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى. انظر: جامع البيان 14/ 573.
(6)
قاله مجاهد وقتادة رضي الله عنهما، ورجحه القرطبي رحمه الله تعالى. انظر: الجامع لأحكام القرآن 8/ 294 - 295.
(7)
سقطت من (ت).
(8)
في (ت): "ويبقى".
(9)
في (ت): "عند النبي".
المتفقِّهة، بل هي التي تُنْذَر. ومما يُوَضِّح هذا أن المتفقه
(1)
هو المقيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه ويتلقى عنه، والآية نزلت لأن المؤمنين لما نزلت الآيات في المتخلفين
(2)
بعد تبوك - صار المؤمنون كلما جَهَّز النبي صلى الله عليه وسلم فرقةً للغزو بادروا إلى الخروج، واسْتَبَقُوا إليه، فأنزل الله هذه الآية
(3)
. والمعنى والله أعلم: وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فهلا نفرت طائفة مِنْ كل فرقة منهم؛ ليحصل
(4)
التفقه للباقين عند النبي صلى الله عليه وسلم.
واعترض الخصم على الاحتجاج بهذه الآية على التقرير المذكور في الكتاب بثلاثة أوجه:
أحدها: أن مدلول "لعل" الترجي لا الإيجاب.
والجواب: ما سبق من أنه لما تَعَذَّر الحمل على الترجي حُمِل على الإيجاب؛ لمشاركته للترجي في الطلب. وقال في الكتاب: "لمشاركته
(5)
له في التوقع". وليس ذلك بمستقيم؛ إذ يلزم من اشتراكهما في التوقع - ما يلزم مِنْ حَمْل "لعل" على حقيقتها بعينه
(6)
؛ لأن التوقع في حقه تعالى محال.
(1)
في (ت)، و (غ):"المُفَقِّه".
(2)
في (ت): "المخلفين".
(3)
انظر: زاد المسير 3/ 516، التفسير الكبير 16/ 231، أسباب النزول للواحدي ص 178 - 179.
(4)
في (ص): "لتحصيل".
(5)
في (ص): "بمشاركته".
(6)
أي: بعين اللازم من حمل "لعل" على حقيقتها؛ لأن التوقع يمكن أن يقع، ويمكن أن لا يقع، فيكون المانع من حمل "لعل" على حقيقتها موجودًا بعينه في الإيجاب. انظر: نهاية السول 3/ 111.
الثاني: لا نسلم أن المراد بالإنذار في الآية: الخبر المخوف مطلقًا، بل المراد به: التخويف الحاصل من الفتوى، وقول الواحد فيها مقبول اتفاقًا، كما عرف
(1)
. ويُؤيِّد ذلك أنه أُوجب التفقه من أجل الفتوى، والتفقه إنما يُفتقر إليه في الفتوى لا الرواية
(2)
.
والجواب: أنه يلزم مِنْ حَمْله على الفتوى تخصيصُ الإنذار المذكور في الآية، وهو عامٌّ فيه وفي الرواية. وتخصيصُ القوم المنذَرين بغير المجتهدين؛ إذ المجتهد لا يقلد مجتهدًا فيما أفتى به
(3)
، بخلاف ما إذا حُمِل على ما هو أعم من (الفتوى والرواية، فإنه لا يلزمه التخصيص:
أما تخصيص "الإنذار": فلأنه الخبر المخوف، وهو أعم من)
(4)
أن يكون بالفتوى أو بغيرها، فانتفاءُ التخصيص منه إذا حُمِل على ما هو أعم - واضحٌ.
وأما "القوم" فلأن الرواية ينتفع بها المجتهد والمقلد: أما المجتهد - ففي
(1)
قال المطيعي رحمه الله تعالى: "حاصل الاعتراض: أن المراد بالإنذار: الفتوى العامة، لا رواية الحديث، فهو خارج عن محل النزاع؛ لأن النزاع إنما هو في رواية الحديث بطريق الآحاد" سلم الوصول 3/ 111.
(2)
أوضح هذا الإسنويُّ بقوله: "وإنما قلنا: إن المراد الفتوى؛ وذلك لأن الإنذار هنا متوقف على التفقه؛ إذ الأمر بالتفقه إنما هو لأجله (أي: لأجل الإنذار)، والمتوقف على التفقه إنما هو الفتوى لا الخبر". نهاية السول 3/ 111.
(3)
سقطت من (ت)، و (غ).
(4)
سقطت من (ت)، و (غ).
الاستدلال على الأحكام. وأما المقلد - ففي الانزجار، وحصول الثواب لو نقلها لغيره، بل يلزم من انتفاع المجتهد بها انتفاع العاميِّ بها؛ لأنها أصله
(1)
.
الثالث: أنه
(2)
لو كان المراد من الفِرْقة ثلاثةً - للزم منه أن يجب على كل ثلاثة أن يَخْرج منهم واحد للتفقه، وذلك باطل بالإجماع.
وأجاب: بأن ذلك هو ظاهر الآية، إلا أن النصَّ في ذلك خُصَّ بالإجماع؛ لانعقاده على أنه لا يجب على كل ثلاثة أن يخرج منهم واحد، بل يكفي فقيه واحدٌ في خلق كثير لإرشادهم إلى
(3)
ما تُعُبِّدوا به
(4)
، وإذا خُصَّ من هذا الوجه بقي على عمومه فيما عداه.
(1)
أي: لأن الآية أصل لانتفاع المجتهد، فالمجتهد ينتفع بها مباشرة، والعامي ينتفع بانتفاع المجتهد، فأصبحت الآية أصلًا لانتفاع الفريقين. ولو قال الشارح رحمه الله: لأنه أصله، أي: لأن انتفاع المجتهد أصل لانتفاع العامي - لكان هذا أوضح وأحسن. والله أعلم.
(2)
سقطت من (ت)، و (ص).
(3)
في (غ): "على".
(4)
قال النووي رحمه الله: "ولو خلت البلدة من مُفت - فقيل: يحرم المقام بها، والأصح لا يحرم إنْ أمكن الذهاب إلى مفت. وإذا قام بالفتوى إنسان في مكان سقط به فرض الكفاية إلى مسافة القصر من كل جانب". المجموع 1/ 27. وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 414.
ومن الواضح أن اشتراط الذهاب إلى المفتي في جواز الإقامة بالبلد التي لا مفتي بها ليس بلازم في هذه العصور التي تطورت فيها وسائل الاتصال.
قال: (الثاني: أنه لو لم يُقْبل لما عُلِّل بالفسق؛ لأن ما بالذات لا يكون بالغير، والتالي باطل؛ لقوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
(1)
. الثالث: القياس على الفتوى والشهادة. قيل: يقتضيان شرعًا خاصًّا، والرواية عامًّا. ورُدَّ بأصل الفتوى).
الدليل الثاني على وجوب العمل بخبر الواحد: أنه لو لم يجز قبول خبر الواحد في الجملة - لما كان عدم قبول خبر الواحد الفاسق مُعَلَّلًا بكونه فاسقًا. والتالي باطل، فالمُقَدَّم مثله.
أما بيان الملازمة: فإن كون الراوي الواحد واحدًا أمر لازمٍ لشخصه المعيَّن، يمتنع انفكاكه عنه عقلًا. وأما كونه فاسقًا - فهو وصف عرضي يطرأ ويزول، وإذا اجتمع في المحلِّ وصفان: أحدهما لازم، والآخر عَرَضي مفارق، وكان كل واحد منهما مستقلًا باقتضاء الحكم - كان الحكم مضافًا إلى اللازم لا محالة؛ لأنه كان حاصلًا قبل حصول المفارِق وموجِبًا لذلك. وحين حل
(2)
العرضي
(3)
المفارِق كان ذلك الحكم حاصلًا بسبب
(4)
ذلك اللازم، وتحصيل الحاصل مرةً أخرى محال، فيستحيل إسناد ذلك الحكم إلى ذلك المفارق
(5)
.
(1)
سورة الحجرات: الآية 6.
(2)
في (ت)، و (ص):"حال". وهو خطأ، ولعله سهو من الناسخ، والكلام منقول من المحصول 2 / ق 1/ 523، وعبارته:"جاء".
(3)
في (ص): "العرض".
(4)
في (ت): "لسبب".
(5)
أي: يستحيل إسنادُ ردِّ خبر الواحد إلى وصف الفسق - الذي هو وصف مفارق - إذا كان خبر الواحد مردودًا بوصف ملازم وهو كون راويه واحدًا؛ لأن الوصف =
مثاله: الميت يستحيل ويُستهجن أن يقال: لا يَكْتب لعدم الدواة والقلم عنده؛ لأن الموت لما كان وصفًا لازمًا له إلى حين يبعث، وكان مستقلًا بامتناع صدورِ الكتابة عنه - لم يجز تعليل امتناع الكتابة بالوصف العرضي، وهو عدم الدواة والقلم
(1)
.
وإذا أردتَ اعتبارَ ذلك مثالًا بالجزئيات الفقهية - قلتُ: خيار المجلس ثابت، لقوله صلى الله عليه وسلم:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"
(2)
وهو اسم مشتق من معنى، والحكم مهما نيط باسم مشتق من معنى - كان معللًا به
(3)
، فكأنه قيل: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ لكونهما متبايعين.
= الملازم سابق في الوجود على الوصف المفارق، وتحصيل الحاصل ممتنع. ولما كان ردُّ خبر الواحد مُسْنَدًا إلى وصف الفسق - دلَّ على أن الوصف الملازم غير موجود، وهو ردُّه لكونه خبر واحد؛ فثبت المطلوب.
(1)
انظر هذا الدليل في: المحصول 2/ ق 1/ 522 - 524.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري 2/ 742، في كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، رقم 2001، وفي 2/ 743، باب إذا لم يوقِّت في الخيار هل يجوز البيع، رقم 2003، وانظر الأرقام: 2005، 2007، 2010. ومسلم 3/ 1163، في كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، رقم 1531. وأبو داود 3/ 732 - 735، في كتاب البيوع والإجارات، باب في خيار المتبايعين، رقم 3454. والنسائي 7/ 248، في البيوع، باب ذكر الاختلاف على نافع في لفظ حديثه، رقم 4465 - 4480. والترمذي 3/ 547، في البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، رقم 1245. وابن ماجه 2/ 736، في التجارات، باب البيعان بالخيار مالم يتفرقا، رقم 2181. وفي الباب حديث أبي برزة، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وسمرة، وأبي هريرة، كما ذكر الترمذي، وبعضها مخرَّج في الصحيح. انظر: جامع الترمذي 3/ 548.
(3)
سقطت من (ت). والضمير في "به" يعود إلى الاسم المشتق.
فإن قال الخصم: نحمل الخيار على خيار القبول، فإنه إذا صدر الإيجاب من البائع ولم يتصل به القبول من المشتري - فإن المشتري بالخيار بين أن يقبل وأن لا يقبل، فكذلك البائع بالخيار بين
(1)
أن يَثْبت على الإيجاب، وأن يرجع.
قلنا له: هذا فاسد؛ لأن قبول البيع حق ثابت له
(2)
بكونه آدميًا، لا بمقتضي البيع، فهو
(3)
مستفاد بالذات، أعني: كونه آدميًا، فلا يجوز أن يَستند
(4)
إلى الوصف العرضي وهو البيع.
وأما بيان بطلان التالي: فإن الله تعالى عَلَّل عدم قبول خبرِ الفاسق بكونه فاسقًا في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
(5)
، أمر بالتبين
(6)
إذا كان المخبر فاسقًا، والحكم المعلَّق على الوصف المشتق المناسب يقتضي كونه معللًا بما منه الاشتقاق، ولا مِرَاء في أن الفسق وصف يناسب عدم القبول، فثبت
(7)
بما ذكرناه: أن خبر الواحد لو وجب أن لا يُقبل - لامتنع تعليلُ عدم قبول نبأ الواحد بكونه فاسقًا، ولكنه قد عُلِّل به؛ فوضح أن خبر الواحد لا يجب أن لا يُقبل، فهو إذن غير مردود، فيكون مقبولًا في الجملة، وهو الغرض.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
أي: قبول البيع.
(4)
في (غ): "يُسند".
(5)
سورة الحجرات: الآية 6.
(6)
في (ت)، و (ص):"بالتبيين".
(7)
في (غ): "فيثبت".
ومن الناس مَنْ تمسك بالآية على وجه آخر: وهو أن الأمر بالتبين
(1)
مشروط بمجيء الفاسق، والمفهوم حجةٌ، وهو قاضٍ بأنه إذا لم يكن فاسقًا يُعمل به.
واعترض الآمدي: بأن المفهوم وإن كان حجةً لكنه ظني، فلا يكفي في باب الأصول
(2)
.
و
(3)
من المتمسكين بهذا الوجه الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه، كما نقله القاضي في "مختصر التقريب"
(4)
في الكلام على مفهوم الصفة، وذلك يقتضي أنه يقول بالمفهوم، وقد تقدم الكلام فيه في مكانه.
والمفهوم هنا شرطٌ وصفةٌ، فالشرط مستفاد من صيغة "إنْ"، والصفة مكتسبة من لفظة "فاسق".
واعترض على هذا الاستدلال: بأن ما ذكرتم وإنْ دلَّ على أنَّ عدم القبول معلَّل بكون الراوي فاسقًا، لكن قوله تعالى:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}
(5)
يدل على أنه معلل بعدم إفادته العلم؛ إذ الجهالة هنا عبارة عن: عدم القطع بالشيء، (لا القطع بالشيء)
(6)
مع كونه ليس كذلك،
(1)
في (ت)، و (ص):"بالتبيين".
(2)
انظر: الإحكام 2/ 59.
(3)
سقطت الواو من (ت).
(4)
انظر: التلخيص 2/ 185.
(5)
سورة الحجرات: 6.
(6)
سقطت من (ت).
فإن خبر الفاسق لا يفيد ذلك، حتى يحسن أن يقال:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} ، بل إنما يفيد النوع الأول
(1)
، وخبر الواحد العدل يشاركه في ذلك؛ فوجب أن لا يُقبل.
وأجيب: بأن الظن كثيرًا ما يطلق على العلم
(2)
، والعلم على الظن
(3)
، فالجهالة والجهل يُستعمل
(4)
فيما يقابل هذين المعنيين
(5)
، فالمَعْنِيُّ من الجهالة هنا: ضد العلم الذي بمعنى الظن، فتكون عبارة عن: عدم الظن، فالعمل بخبر الفاسق عمل
(6)
بجهالة؛ لأنه ليس فيه علم، أي: ظن. وأما العمل بخبر
(1)
أي: إنما قلنا: بأن خبر الفاسق لا يفيد القطع بالشيء مع كونه ليس كذلك؛ وذلك ليحسن التعليل بعدم قبوله في قوله تعالى: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} ، والجهالة عبارة عن عدم القطع بالشيء، فيكون خبر الفاسق مفيدًا لذلك، ومن أجله رددناه. وإلا فلو كان مفيدًا للقطع فكيف يستقيم تعليل ردِّه بالجهالة!
(2)
ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ، وقوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} .
(3)
ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} .
انظر: التفسير الكبير 29/ 306.
(4)
في (ت)، و (غ):"فيستعمل". وهو خطأ، والمثبت موافق لما في نهاية الوصول 7/ 2829، والكلام منقول منه.
(5)
المعنى: أن العلم يطلق على الظن، وبالعكس. فالجهالة والجهل يستعمل فيما يقابل هذين المعنيين، يعني: أن الجهالة تستعمل إما مقابل العلم، وإما مقابل الظن، فهي ضد العلم والظن.
(6)
في (ص): "تحمل". وهو خطأ.
الواحد العدل فليس كذلك
(1)
.
الدليل الثالث: قياس خبر الواحد على الفتوى والشهادة بجامع تحصيل المصلحة المظنونة، أو دفع المفسدة المظنونة.
واعترض الخصم فقال: الفرق أن الفتوى والشهادة يقتضيان شرعًا خاصًا ببعض الناس، وهو المستفتي والمشهود له أو عليه، بخلاف الرواية فإنها تقتضي شرعًا عامًا لكل الناس، فلا يلزم مِنْ تجويز العمل بالظن الذي هو مَعْرِض الخطأ والصواب في حق الواحد - تجويزُ العمل به في حق كافة الناس.
وأجيب: بأن هذا مردودٌ بشرعية أصل الفتوى، فإنه أمرٌ لكل الخلق باتباع الظن.
وفيه نظر؛ فإن عموم شرع الفتوى ليس كعموم شرع الرواية؛ لأن الرواية تشمل المكلفين أجمعين، والفتوى ليست حجة على المجتهدين، فكان العموم فيها دون العموم في الرواية
(2)
.
وأيضًا فالمسألة علمية، والقياس غير كاف فيها.
وقد ذكر القاضي في "مختصر التقريب" هذا الوجه، أعني: القياس
(1)
أي: العمل بخبر الواحد العدل ليس عملًا بجهالة؛ ضرورة أنه يفيد الظن، فليس فيه جهالة بمعنى عدم الظن.
انظر: نهاية الوصول 7/ 2829.
(2)
يعني: فتوى المجتهد ليست حجة على غيره من المجتهدين، بل حجة على العوام المقلِّدين؛ فكان العموم في الفتوى دون العموم في الرواية.
على الفتوى والشهادة، وقال: "لست أختار لك التمسك به
(1)
، فإنك تكون في ذلك طاردًا، ولا تستمر دلالتك
(2)
على سير الأصوليين
(3)
، وقصاراه أن يقول لك الخصم: قد ثبتت (الشهادة والفتوى)
(4)
بدلالة قاطعة لم يثبت الخبر بمثلها، فتلجئك الضرورة إلى ذِكْر الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد"
(5)
.
هذا تقرير الأوجه المذكورة في هذا
(6)
الكتاب.
والمختار عندي في ذلك طريقة القاضي وعصبته، كإمام الحرمين، والغزالي، وغيرهما: وهي الاستدلال على وجوب العمل بخبر الواحد بمسلكين قاطعين لا يماري فيهما منصف:
أحدهما: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد، وذلك في وقائع شتى لا تنحصر، وآحادها إن لم تتواتر فالمجموع منها متواتر، ولو أردنا استيعابها لطالت الأنفاس وانتهى القرطاس فلا وجه
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ص): "دلائلك".
(3)
أي: قياسك لخبر الواحد على الفتوى والشهادة يجعلك تقول بطرد هذا القياس، أي: بجريه في جميع أحكام الفتوى والشهادة، وهذا ليس بصحيح. ثم إن استدلالك بهذا القياس لا يتفق مع طريق الأصوليين في القياس؛ إذ يشترطون مساواة الفرع للأصل في العلة، وما أنت فيه ليس كذلك.
(4)
في (ص): "الفتوى والشهادة".
(5)
انظر: التلخيص 2/ 346.
(6)
سقطت من (ت)، و (غ).
لتعدادها؛ إذ نحن على قطع بالقدر المشترك منها: وهو رجوع الصحابة إلى خبر الواحد إذا نزلت بهم المعضلات، واستكشافهم عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع الحادثات، وإذا رُوي لهم تسرعوا
(1)
إلى العمل به، فهذا ما لا سبيل إلى جحده، ولا إلى حصر الأمر فيه. فإن قيل: لئن ثبت عنهم العمل بأخبار الآحاد - فقد ثبت عنهم ردُّها:
فأول مَنْ ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما سَلَّم من اثنتين، فقال له ذو اليدين
(2)
: أقُصِرت الصلاة أم نسيت - فلم يُعَوِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله، وسأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
ورَدَّ أبو بكر الصديق رضوان الله عليه خبرَ المغيرةِ بن شعبةَ فيما رواه مِنْ ميراث الجد
(3)
إلى غير ذلك من وقائع كثيرة
(4)
.
قلنا: قال القاضي: "ليس في شيء من هذا معتصم، فأما قصة ذي
(1)
في (ت): "تشرعوا". وهو خطأ. والجملة مستفادة من التلخيص 2/ 333.
(2)
يقال هو الخرباق السلميّ، وفَرَّق بينهما ابن حبان. انظر: الإصابة 1/ 422، 489.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ 2/ 513، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، رقم 4. وأحمد في المسند 4/ 225 - 226. وأبو داود في السنن 3/ 316 - 317، كتاب الفرائض، باب في الجدة رقم 2894. والترمذي في السنن 4/ 365 - 366، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة، رقم 2100، 2101. وابن ماجه في السنن 2/ 909 - 910، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، رقم 2724. والحاكم في المستدرك 4/ 338 - 339، كتاب الفرائض، وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
(4)
انظر: التلخيص 2/ 339 - 341.
اليدين - فدليلٌ على الخصم، فإنه صلى الله عليه وسلم قَبِل فيها خبر أبي بكرٍ وعمر، والخصم إذا أنكر خبر الآحاد ينكر خبر الثلاثة، كما ينكر خبر الواحد"
(1)
هذا جواب القاضي في "مختصر التقريب"، وبمثله يجاب عن قضية المغيرة (بن شعبة)
(2)
فإن
(3)
أبا بكر قَبِله لما وافقه عليها محمد بن مَسْلمة
(4)
(5)
.
ولقائل أن يقول: خبر هؤلاء الثلاثة وإن لم يُفد العلم - فقد
(6)
أفاد
(1)
انظر: التلخيص 2/ 341. قال صفي الدين الهندي رحمه الله مجيبًا عن توقف النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين رضي الله عنه: "وجوابه: أنه عليه السلام إنما توقف للتهمة، حيث انفرد بذلك مع حضور غيره؛ فإن ذلك مما يُوهم الغلط والسهو، فلما انتفت هذه التهمة بشهادتهما له - قَبِل، ولو كان ذلك لكونه خبر واحد - لما قبل عند شهادتهما له أيضًا؛ لأنه لم يخرج خبره عند انضمام أخبارهما إليه عن أن يكون خبر واحد". نهاية الوصول 7/ 2862 - 2863. وانظر هذا الجواب أيضًا في الإحكام 2/ 69.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ص): "لأن".
(4)
هو محمد بن مَسْلمة بن سلمة أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، الأنصاريّ الأوسيّ، من نجباء الصحابة، شهد بدرًا والمشاهد. استخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض غزواته على المدينة، وآخى بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما. اعتزل الفتنة فلم يشهد الجملَ ولا صِفِّين بل اتخذ سيفًا من خشب. قتله شقيٌّ من أهل الأردن لكونه اعتزل عن معاوية في حروبه، وذلك في سنة 43 هـ، وله من العمر 77 سنة.
(5)
انظر: التلخيص 2/ 347.
(6)
سقطت من (ت).
الظن، وإذا ظَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صِدْقهم حصل القطع بكونهم صادقين، (ضرورة أنَّ)
(1)
ظنه صلى الله عليه وسلم لا يخطئ، فيجب العمل بهذا الظن، ولا يقاس عليه ظَنُّ مَنْ عداه. وهذا بحث حسن يختص بقضية
(2)
ذي اليدين وما أشبهها، ويستفاد منه التفرقة بين ظان وظان، ولا يقال على هذا: أليس أنَّ خبر ذي اليدين يفيد الظن بمجرده؟ ؛ لأنا نقول: مِنْ أين لكم أن الظن حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بخبره، بل نقول: لو حصل له الظن لاتبعه؛ لِمَا ذكرناه. ثم قال القاضي: إنَّ ما استروح إليه الخصم لا يبلغ أن يكون استفاضةً، بخلاف ما اعتمدنا نحن عليه، فلا يكون مقاوِمًا له
(3)
.
وهذا صحيح، والإنصاف عدم الاعتراض بشيءٍ من هذه الوقائع، فما مِنْ واحدة إلا وفيها جواب يخصُّها، بل لو لم يُعْلم الجواب الخاصُّ بها - لقلنا
(4)
: قضية الجمع بين ما رويناه ورويتموه إنْ تم لكم أنه يعارضه أن نقول: رَدُّوا خبرَ الواحد حيث فَقَد شَرْطًا من شروطه، أو حصل الشك فيه بطريقٍ من الطرق. وقَبِلوه حيث سَلِم عن ذلك، ونحن إنما ندعي قبولَه حالة السلامة عن معارِض أو قادِح.
والمسلك الثاني: السنة، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل، ويُحَمِّلهم تبليغ الأحكام،
(1)
في (ص): "ضرورةً، إذ".
(2)
في (غ): "بقصة".
(3)
هذا معنى ما قاله القاضي. انظر كلامه في التلخيص 2/ 346 - 347.
(4)
في (ت)، و (غ):"لدلنا".
وتفصيل الحلال والحرام، وربما كان يُصْحِبُهم الكتبَ وكان نَقْلُهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الآحاد، ولم تكن العصمة لازمةً لهم، بل كان
(1)
خبرهم في مَظِنَّة الظنون، قال إمام الحرمين:"وَجَرى هذا مقطوعًا به متواترًا، لا اندفاع له إلا بدفع التواتر، ولا يدفع التواتر إلا مباهت". قال: "وهذا مسلكٌ لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدفعه إلا معاند"
(2)
.
واعترض الآمدي وغيره
(3)
على هذا المسلك بأنا سلمنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يُنْفِذ الآحاد، ولكن لِمَ قلتم: إنَّ
(4)
ذلك لتبليغ الأخبار التي هي مدارك الأحكام الشرعية، بل إنما كان ذلك بطريق الرسالة، والقضاء
(5)
، وأخْذِ الزكوات، والفتوى، وتعليم الأحكام.
(سلمنا صحة التنفيذ بالأخبار التي هي مدارك للأحكام)
(6)
، ولكن لا نسلم دلالة ذلك على أن خبر الواحد حجة، بل جاز أن يكون ذلك لفائدة حصول العلم للمبعوث إليهم بما تواتر بضمِّ خبرِ غير ذلك الواحد إليه، فإنْ بَعْثَ عددِ التواتر دَفْعةً واحدةً متعذر أو متعسر، ومع هذه الاحتمالات لا يثبت كون خَبر الواحد حجة
(7)
.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: البرهان 1/ 600 - 601.
(3)
سقطت من "ص".
(4)
سقطت من (ص).
(5)
يعني: كان إنفاذ الآحاد بطريق الرسالة، أي: أن يكون رسولًا يبلِّغ ما أُمر به من أمور خاصة، وكذلك بطريق القضاء، بأن يكون قاضيًا بين القوم المرْسَل إليهم.
(6)
سقطت من (ت).
(7)
انظر: الإحكام 2/ 63، نهاية الوصول 7/ 2833.
والجواب: أن المنصف المطلع على الأخبار والسير لا يمتري في أنَّ الآحاد الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يُرسلهم كان منهم
(1)
الذاهب للقضاء، والخارج لتبليغ الأحكام، والسائر لغير ذلك كإرساله معاذًا إلى اليمن
(2)
، وعَتَّاب بن أَسِيد
(3)
إلى أهل مكة، وعثمان بن أبي العاص
(4)
إلى الطائف، ودِحْية
(5)
إلى قيصر ملك الروم، وعبد الله بن حذافة
(1)
في (ت): "بينهم".
(2)
انظر: صحيح البخاري 4/ 1580، في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع، رقم الحديث 4086، 4088، 4090، 4091. وانظر رقم 6353، الإصابة 3/ 426 - 427.
(3)
هو عَتَّاب بن أَسِيد - بفتح أوله - بن أبي العِيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأمويّ، أبو عبد الرحمن أو أبو محمد المكيّ. له صحبة، وكان أمير مكةَ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما ذكر الواقديّ، لكن ذكر الطبريُّ أنه كان عاملًا على مكة لعمر سنة إحدى وعشرين. انظر: تهذيب 7/ 89، تقريب ص 380.
(4)
هو عثمان بن أبي العاص بن بشر، أبو عبد الله الثقفيُّ الطائفيّ. قدم في وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع، فأسلموا وأمره عليهم لِمَا رأى من عقله وحرصِه على الخير والدين. وكان أصغر الوفد سنًّا. ثم أقرَّه أبو بكر على الطائف، ثم عمر، ثم استعمله عمرُ على عُمان والبحرين سنة خمس عشرة، ثم سكن البصرة حتى مات بها. وكان هو الذي مَنَع ثقيفًا عن الرِّدَّة، خطبهم فقال: كنتم آخرَ الناس إسلامًا، فلا تكونوا أولهم ارتدادًا. توفي رضي الله عنه سنة خمسٍ وقيل: سنة إحدى وخمسين. انظر: سير 2/ 374، الإصابة 2/ 460، تهذيب 7/ 128.
(5)
هو دِحية بن خليفة بن فَرْوة بن فَضالة الكلبيّ القُضاعيّ. صاحبُ النبي صلى الله عليه وسلم ورسولُه بكتابه إلى عظيم بُصرى ليُوصله إلى هِرَقل. أسلم قديمًا ولم يشهد بدرًا وشهد المشاهد. كان أجمل الناس وجهًا. قال الذهبيُّ رحمه الله: "ولا ريب أن دحية كان أجمل =
السهمي
(1)
إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري
(2)
إلى الحبشة. وبعث إلى المقوقس
(3)
صاحب الإسكندرية، وإلى هوذة بن علي الحنفي
(4)
، وغيرهم.
= الصحابة الموجودين بالمدينة، وهو معروف، فلذا كان جبريل ربما نزل في صورته". نزل دمشق وسكن المِزَّة - قرية من قرى دمشق - وعاش إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. انظر: سير 2/ 550، تهذيب 3/ 206، الإصابة 1/ 473، معجم البلدان 5/ 122.
(1)
هو عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عَدِيّ، أبو حذافة السهميّ. أحد السابقين، هاجر إلى الحبشة، ونفَّذه النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وله رواية يسيرة. قيل: إنه شهد بدرًا. تُوفي بمصر في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: سير 2/ 11، تهذيب 5/ 185، الإصابة 2/ 296، مسند أحمد 1/ 243.
(2)
هو عمرو بن أُمَيَّة بن خُويلد، أبو أُمية الضَّمْريّ. أسلم حين انصرف المشركون من أُحد، وكان شجاعًا مِقْدامًا، أول مشاهده بئر معونة. بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً وحده، وبعثه إلى النجاشيِّ في زواج أمِّ حبيبة رضي الله عنها. مات بالمدينة في خلافة معاوية قبل الستين. انظر: سير 3/ 179، تهذيب 8/ 6.
(3)
المقوقس لَقَبٌ، واسمه جُريج بن مينا بن قرقب، أمير القبط بمصر مِنْ قِبَل ملك الروم. ولما كانت سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجع من الحديبية بعث إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، فأكرم حاطبًا رضي الله عنه، وبعث بهدايا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبعث بمال صدقة. لكنه لم يسلم، قال ابن الأثير رحمه الله في ترجمة المقوقس:"ذكره ابن مَنْدة وأبو نُعيم، ولا مَدْخل له في الصحابة، فإنه لم يسلم، ولم يزل نصرانيًا، ومنه فتح المسلمون مصر في خلافة عمر رضي الله عنه". انظر: الإصابة 3/ 530، أُسد الغابة 4/ 480.
(4)
قال القَسْطَلاني في المواهب اللدنية 2/ 148 - 149: "وكتب صلى الله عليه وسلم إلى صاحب اليمامة (وهي من نجد) هُوذة بن عليّ، وأرسل به سليط بن عمرو العامريّ. . . فلما قدم عليه سليط بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختومًا - أنزله وحَبَاه واقترأ عليه الكتاب، فردَّ ردًّا دون ردّ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجلَّه، والعرب تهاب =
وإنما بعث هؤلاء ليدعوا إلى دينه، وليقيموا الحجة عليهم، وعلى هذا جرت عادته صلى الله عليه وسلم، وليس يخفى ذلك على العلماء المُبَرِّزين، بل على الجهال الذين لا خبرة لهم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يَمتري في أنهم بَلَّغوا أخبارًا تلقاها سامعها بالقبول غير ناظرٍ إلى خبرٍ آخرَ يعضدها، ويُصَيِّرها تواترًا، ولا مُلتفتٍ إلى قرينةٍ تساعدها وتُصَيِّر الظن الحاصل بها عِلْما، بل لا يمتري المحدِّث في أنَّ أهل بقاعٍ كثيرةٍ وقرى متفرقةٍ (لم تبلغهم)
(1)
الأحكام إلا مع الآحاد، وعملوا بها ممتثلين مكلَّفين بما بلغهم على يد الآحاد منها. هذا
(2)
ما عندنا في جواب هذين السؤالين، وهو جواب لا يقبله إلا منصف، ولا يرده إلا متعسف.
وقال صفي الدين الهندي: "يمكن أن يجاب عن الأول
(3)
: بأن الإفتاء في الزمان الأول في الأغلب إنما هو برواية الأخبار؛ لاشتراكهم في العلم بما يتوقف عليه استنباط الأحكام من النصوص، كالعلم باللغات، والنحو، والتصريف؛ ولهذا كانوا يسألون عند وقوع الواقعة: مَنْ سمع منكم في هذه الواقعة من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ويبادرون إلى امتثال الخبر عند سماعه، ولو كان
= مكاني فاجعل إليّ بعض الأمر أتبعك. وأجاز سليطًا بجائزة، وكساه أثوابًا من نسج هَجَر. فقدم بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه، وقال: لو سألني سِيابة (أي: قطعة) من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه. فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هُوذة مات. . ."
(1)
في (ت): "لم يبلغهم".
(2)
سقطت من (ت).
(3)
هو أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد للفتوى والقضاء وغيرهما، لا لتبليغ الأخبار.
ذلك بطريق الإفتاء لما كان ذلك
(1)
.
وعن الثاني
(2)
: أنه لو كان كما ذكرتم - لكان ينبغي أن لا
(3)
يُنكر عليهم عدمَ الامتثال ما لم يتواتر، لكن ذلك خلاف المعلوم منه عليه السلام، ومن المبعوث"
(4)
.
قال: (قيل: لو جاز لجاز اتباع النبي
(5)
والاعتقاد بالظن، قلنا: ما الجامع؟ قيل: الشرع يتبع المصلحة. والظن
(6)
لا يجعل ما ليس بمصلحة مصلحة. قلنا: منقوض بالفتوى والأمور الدنيوية).
قد علمت أنَّ المنكرين لخبر الواحد فريقان:
قال فريق: لا ننكره لدليل قائمٍ على منعه، بل لعدم دليل على وجوب العمل به. وقد ذكرنا أن هؤلاء تقوم الحجة عليهم بما قررناه من الوجه الدالة على وجوب العمل به.
(1)
يعني: لو كان امتثالهم للخبر بطريق الإفتاء - لما سألوا عن الخبر، بل كان يكفيهم فتوى المفتي منهم، فلما سألوا عن الخبر عُلم أنهم غير مقلِّدين في امتثالهم.
(2)
وهو أن إرسال الآحاد من أجل أن يتحقق التواتر في الإبلاغ، لا لقبول خبر الواحد بمجرده.
(3)
سقطت (لا) من "نهاية الوصول" المحقق، وهو بلا شك خطأ.
(4)
انظر: نهاية الوصول 7/ 2834.
(5)
في (ص)، و (غ):"المتنبي". وفي شعبان 2/ 343: "المتبني"، وهو تصحيف. وفي نهاية السول 3/ 106، وشرح الأصفهاني 2/ 540:"الأنبياء".
(6)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"والشرع". وهو خطأ. والمثبت من نهاية السول 3/ 106، وشرح الأصفهاني 2/ 540، ومناهج العقول 2/ 235.
وقال فريق: إنَّ الدليل قام على منعه، واحتجوا: بأنه لو جاز العمل بخبر الواحد لمجرد إفادته الظن - لجاز اتباع مَن ادعى نبوةً أو رسالةً بمجرد ظنِّ صدقه مِنْ دون إبداء معجزة، ولجاز إثبات الاعتقاد كمعرفة الله تعالى وصفاته بمجرد الظن. وليس كذلك بالاتفاق، والملازمة ثابتة
(1)
بالقياس
(2)
.
والجواب: أن القياس لا بد فيه من إبداء الجامع بين المقيس والمقيس عليه، وما الجامع هنا بين خبر الواحد، والاعتقاد، واتباع المتنبئين؟ !
فإن أبْدَوْا جامعًا بأن قالوا: الجامع دفع ضررِ المظنون. وتقريره: أنكم أيها القائلون بالآحاد قلتم: إذا أخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بهذا الفعل مثلًا - حَصَلَ ظَنُّ وُجْدانِ الأمر، وعندنا مقدمة يقينية، وهي أن المخالفة سببُ العقاب، فيحصل الظن بأنا لو تَرَكنا - لصرنا مستحقين للعقاب، فوجب العمل به؛ لأنه إذا حصل الظن
(3)
الراجح والتجويز المرجوح - قُدِّم الأول. وهذا بعينه موجود في الصورتين اللتين ذكرناهما.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
أي: قياس اتباع من ادعى النبوة، وإثبات الاعتقاد - على العمل بخبر الواحد، بجامع إفادة الظن في كلٍّ. وحاصل هذا الدليل: إلزام القائلين بوجوب العمل بخبر الواحد، وبأنه حجة: بأنه لو كان حجة في العمليات - لكان حجةً أيضًا في الاعتقاديات قياسًا لها على العمليات. انظر: سلم الوصول 3/ 117.
(3)
سقطت من (ت).
فنقول: الفارق قائم وهو أن الاعتقاد والنبوة من أصولِ الدين، والخطأ فيهما يُوجب الكفر والضلال، فلذلك اشترطنا القطع فيهما، بخلاف الروايات المتعلقة بالفروع
(1)
.
واحتجوا أيضًا: بأن الشرع على وَفْق مصاع العباد بالإجماع منا ومنكم، وإن اختلفنا في أنه بطريق الوجوب، أو بطريق الإحسان
(2)
، والظن الحاصل مِنْ خبر الواحد لا يجعل ما ليس بمصلحة مصلحةً
(3)
فإن الظن عرضة للخطأ والصواب، فلا يُعَوَّل عليه.
والجواب: أن هذا موجودٌ في الفتوى، والأمور الدنيوية، مع قيام الإجماع على قبول قول
(4)
الواحد فيهما
(5)
(6)
.
(1)
انظر: نهاية الوصول 7/ 2811.
(2)
في (ص): "الاختبار". وكلاهما خطأ.
(3)
أي: لا يقلب المفسدة مصلحة، وعليه فلا بد من معرفة تلك المصالح بالقاطع، ولا يكفي في ذلك الظن. انظر: سلم الوصول 3/ 118.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
أي: قبول خبر الواحد موجود في الفتوى، فإن قبول قول المفتي واجب اتفاقًا، مع كونه خبر واحد. وكذا قبول خبر الطيب أو غيره بمضرةِ شيءٍ مثلًا، وإخبار شخصٍ عن المالك أنه منع من التصرف في ثماره بعد أن أباحه، وشبه ذلك من الآراء والحروب ونحوها، مع أن كل هذا خبر واحد. انظر: نهاية السول 3/ 104 - 105، 118.
(6)
انظر الفصل الثالث في: المحصول 2 / ق 1/ 507، الحاصل 7752 /، التحصيل 2/ 117، نهاية الوصول 7/ 2812، نهاية السول 3/ 97، السراج الوهاج 2/ 738، المعتمد 2/ 106، البرهان 1/ 599، المستصفى 2/ 186 (1/ 147)، قواطع الأدلة 2/ 264، شرح اللمع 2/ 583، المحلي على الجمع 2/ 131، البحر المحيط =