المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

واعتُرِض عليه: بأن الرواية تقتضي شرعًا عامًّا، فاحتيط فيها، بخلاف - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٥

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملًا

- ‌فوائد:

- ‌(الثانية: قالت الحنفية: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}(1)مجمل

- ‌(الثالثة: قيل: آية السرقة مجملة

- ‌(الفصل الثاني: في المبيَّن

- ‌تنبيهان:

- ‌ قد يكون بالقول وذلك بالاتفاق(4)، وقد يكون بالفعل

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌ تأخير البيان عن وقت الحاجة

- ‌فائدتان:

- ‌فائدة

- ‌(الفصل الثالث: في المبيَّن له

- ‌(الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: أنه واقع وأحالته اليهود

- ‌(الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن

- ‌(الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافًا للمعتزلة)

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل

- ‌فائدة:

- ‌يجوز نسخ الحكم دون التلاوة

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: يجوز نسخ الخبر المُسْتَقبل

- ‌(الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة

- ‌(الثانية: لا يُنسخ المتواتر بالآحاد

- ‌(الثالثة: الإجماع لا يُنسخ

- ‌(الرابعة: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌(الخامسة: زيادة صلاة ليس بنسخ

- ‌ زيادة العبادة المستقلة. أما زيادة غير(2)المستقلة، كزيادة ركعة أو ركوع

- ‌(الكتاب الثاني: في السنة

- ‌(الأولى: في عصمة الأنبياء(2)عليهم الصلاة والسلام)

- ‌(الثانية: فِعْله المجرد يدل على الإباحة عند مالك

- ‌ بيان الطرق التي تُعرف(1)بها الجهةُ

- ‌(الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌(الخامسة: أنه عليه السلام قبل النبوة تُعُبِّد(1)(2)بشرع، وقيل: لا)

- ‌الأول: فيما كان صلى الله عليه وسلم عليه قبل أن يبعثه الله تعالى برسالته

- ‌البحث الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم هل تُعُبِّد بعد النبوة بشرعِ مَنْ قبله:

- ‌فروع:

- ‌فائدة:

- ‌(الباب الثاني: في الأخبار

- ‌(الفصل الثاني: فيما عُلِم كذبه

- ‌(الفصل الثالث: فيما ظُنَّ صدقه

- ‌أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌(الطرف(1)الثاني: في شرائط(2)العمل به

- ‌فائدة:

- ‌ أحكام التزكية

- ‌(الأولى: شُرِط العدد في الرواية والشهادة

- ‌فائدة

- ‌ الثاني: فأن لا يخالفه قاطع

- ‌ الثالث مِنْ شرائط العمل بخبر الواحد: وهو الكلام في الخبر

- ‌الأولى: في بيان ألفاظ الصحابي ومراتِبها

- ‌(الثانية: لغير الصحابي أن يروي إذا سمع الشيخ أو قرأ عليه

- ‌الأولى: أن يسمع من لفظ الشيخ

- ‌الثانية: أن يقرأ عليه

- ‌الثالثة: أن يقرأ على الشيخ

- ‌الرابعة: أن يقرأ على الشيخ ويقول له: هل سمعته؟ فيسكت الشيخ

- ‌الخامسة: أن(4)يكتب الشيخ إلى شخص:

- ‌السادسة: أن يشير الشيخ

- ‌السابعة: الإجازة

- ‌(الثالثة: لا يقبل المُرْسل خلافًا لأبي حنيفة ومالك)

- ‌(الرابعة: يجوز نَقْل الحديث بالمعنى خلافًا لابن سيرين

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: إن زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قُبِلت

- ‌(الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌ الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الأولى: قيل: محال كاجتماع الناس في وقتٍ واحد على مأكولٍ واحد

- ‌ الإجماع حجةٌ شرعية يجب العمل به

- ‌(الثالثة: قال مالك: إجماع أهل المدينة حجة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌(الخامسة: قال القاضي أبو خازم: إجماع الخلفاء الأربعة حجة

- ‌الإجماع وإن كان حجة لكن لا يستدل به على جميع الأحكام

- ‌(الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمَنْ بعدهم إحداث ثالث

- ‌(الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمَنْ بعدهم التفصيل

- ‌فائدة:

- ‌(الثالثة: يجوز الاتفاق بعد الاختلاف خلافًا للصيرفيّ

- ‌(الرابعة: الاتفاق على أحدِ قولي الأولين

- ‌(الخامسة: (إذا اختلفت الأمة)(3)على قولين فماتت إحدى الطائفتين - يصير قول الباقين حجة؛ لأنهم كل الأمة)

- ‌(السادسة: إذا قال البعض وسكت الباقون - فليس بإجماعٍ ولا حجة

- ‌(الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الأولى: أن يكون فيه قول كلِّ عالمي ذلك الفن

- ‌(الثانية: لا بد له من سند؛ لأن الفتوى بدونه خطأ

- ‌(الثالثة: لا يُشترط انقراض المُجْمِعين

- ‌(الرابعة: لا يُشترط التواتر في نقله كالسنة)

- ‌(الخامسة: إذا عارضه(8)نصٌّ أُوِّل القابلُ له(9)، وإلا تساقطا

الفصل: واعتُرِض عليه: بأن الرواية تقتضي شرعًا عامًّا، فاحتيط فيها، بخلاف

واعتُرِض عليه: بأن الرواية تقتضي شرعًا عامًّا، فاحتيط فيها، بخلاف الشهادة.

وقد يجاب: بأن باب الشهادة أضيق؛ فكانت

(1)

بالاحتياط أجدر

(2)

. والثاني: إجماع الكل على إحضار الصبيان مجالس الحديث.

وفيه نظر؛ فإن الإحضار لعله لقصد البركة

(3)

.

‌فائدة:

الكافر إذا تحمل في حال كفره ثم أدى في الإسلام قُبِل على الصحيح، وممن ذكر المسألة من الأصوليين القاضي في "مختصر التقريب والإرشاد"

(4)

.

قال: (الثاني: كونه من أهل القبلة. فتقبل رواية الكافر الموافق كالمُجَسِّمة إن اعتقدوا حرمة الكذب، فإنه يمنعه عنه. وقاسه القاضيان بالفاسق، والمخالف. ورُدَّ: بالفَرْق).

الكافر إما أن لا يكون منتميًا إلى الملة الإسلامية، كاليهودي، والنصراني - فلا تقبل روايته بالإجماع

(5)

.

(1)

في (ت)، و (غ):"فكان". بعود الضمير إلى الباب.

(2)

انظر: الإحكام 2/ 72.

(3)

انظر: نهاية السول 3/ 123، تيسير التحرير 3/ 39، فواتح الرحموت 2/ 139.

(4)

انظر: التلخيص 2/ 350، وانظر أيضًا: شرح التنقيح ص 359، المسودة ص 258، تيسير التحرير 3/ 41، فواتح الرحموت 2/ 139، البحر المحيط 6/ 142، 148، شرح الكوكب 2/ 383، الاقتراح في بيان الاصطلاح ص 231.

(5)

انظر: نهاية الوصول 7/ 2874، المحصول 2/ ق 1/ 567، المعتمد 2/ 135، =

ص: 1899

وإما أن يكون منتميًا إليها وهو معنى قولنا: مِنْ أهل القبلة، وذلك كالمُجَسِّمة إذا قلنا بتكفيرهم

(1)

. فإن عَلِمنا مِنْ مذهبهم جوازَ الكذب إما لنصرة رأيهم أو غير ذلك - لم تقبل روايتهم. وقد ادعى الاتفاق على ذلك مُدَّعُون

(2)

، وهذا عندي فيه تفصيل: فإن اعتقدوا جواز الكذب مطلقًا - فالأمر كذلك. وإن اعتقدوا جوازه في أمرٍ خاص، كالكذب فيما يتعلق بنصرة العقيدة، أو الترغيب في الطاعة، والترهيب عن المعصية - لم يتجه الاتفاق إلا على رَدِّ روايتهم

(3)

فيما هو متعلِّق بذلك الأمر الخاص فقط

(4)

.

= الإحكام 2/ 73، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، المحلي على الجمع 2/ 146، أصول السرخسي 1/ 346، البحر المحيط 6/ 142.

(1)

انظر: كفاية الأخيار 2/ 125، الفرق بين الفرق ص 215. قال المطيعي رحمه الله تعالى:"الخلاف في المبتدع المُجَسِّم الذي يلزم من بدعته كفر: وهو القائل بأنه جسم كالأجسام. أما مَنْ قال: إنه جسم لكن لا كالأجسام، فنفى لوازم الأجسام حتى لم يبق منها شيء إلا مجرد التسمية (أي: الابتداع بالتسمية التي لم تثبت بنص) - فهذا كما قال شيخنا (أي: الشربيني رحمه الله: لا وجه للخلاف فيه؛ لأنه لم يبق إلا مجرد تسميته للجسم". سلم الوصول 3/ 125، وانظر: شرح المحلي مع البناني، وتقريرات الشربيني 2/ 147.

(2)

كصفي الدين الهندي في نهاية الوصول 7/ 2875.

(3)

في (ص): "رواياتهم".

(4)

نقل هذا التفصيلَ الزركشيُّ عن الشارح - رحمهما الله تعالى - معبِّرًا عن الشارح بقوله: "وقيَّده بعضهم. . ." البحر 6/ 143، كما هو دأب الزركشي رحمه الله في عدم التصريح باسم الشارح في "البحر".

ص: 1900

وإن اعتقدوا حرمة الكذب - ففيه مذهبان:

أحدهما: أنه لا يُقبل. وهو مذهب القاضي أبي بكر، والقاضي عبد الجبار، والغزالي، والآمدي، والأكثرين

(1)

.

والثاني: يقبل. وهو رأي الإمام وأتباعه، وأبي الحسين البصري

(2)

.

واستدلوا عليه: بأن اعتقادهم حرمة الكذب يزجرهم عن الإقدام عليه، فيحصل ظنُّ صدقه، فيجب العمل به. قال القرافي: وفيه نظر؛ فإنَّ مِن أهل الكتاب

(3)

مَنْ يستقبح الكذب غاية الاستقباح، ومع ذلك لا تُقبل روايته بالإجماع

(4)

.

واحتج القاضيان أبو بكر وعبد الجبار: بقياسه على الفاسق، قالا: فإنه أعظم من الفاسق نكرًا، والفاسق مردودُ الرواية، فليكن هذا هكذا بطريق الأوْلى، وبالقياس على الكافر المخالف في الملة

(5)

بجامع الكفر.

والجواب: أن الفرق بينه وبين الفاسق جَهْلُه بفسق نفسه، فَيَحْتَرِزِ عن

(1)

انظر: التلخيص 2/ 377، المعتمد 2/ 135، المستصفى 2/ 230 (1/ 157)، الإحكام 2/ 73، نهاية الوصول 7/ 2875.

(2)

وهو اختيار الكمال بن الهمام رحمه الله من الحنفية. انظر: المحصول 2/ ق 1/ 567، الحاصل 2/ 789، التحصيل 2/ 131، نهاية الوصول 7/ 2875، المعتمد 2/ 135، تيسير التحرير 3/ 41.

(3)

سقطت من (ت).

(4)

انظر: نفائس الأصول 7/ 2952.

(5)

في (ت)، و (غ):"القبلة".

ص: 1901

الكذب لذلك، بخلاف الفاسق. وأن الفرق بينه وبين المخالف (أن كفر المخالف)

(1)

أغلظ

(2)

وقد فرق الشرع بينهما في أمورٍ كثيرة.

ولك أن تقيم هذا جوابًا عن اعتراض القرافي الذي أوردناه، فنقول إنما لم تُقبل رواية أهل الكتاب وإن استقبحوا الكذب غايةً؛ لأن كفرهم أغلظ، فكانوا بزيادة الإهانة أجدر

(3)

. والله أعلم.

قال: (الثالث: العدالة: وهي مَلَكَةٌ في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر، والرذائل المباحة).

ومن شروطه أن يكون عدلًا. ومعرفة كون الراوي عدلًا يتوقف على معرفة العدالة، والعدالة عندنا عبارة عن: استقامة السيرة والدين. وحاصلها يرجع إلى أنها: مَلَكَةٌ في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر، واقتراف الرذائل المباحة. كالأكل في الطريق، والبول في الشارع

(4)

.

(1)

سقطت من (ت).

(2)

لأنه منكر لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، والقرآن، وما ينبني عليهما من أصول وفروع، وقد يكون منكرًا للصانع، بخلاف المنتمي إلى الملة. انظر: نهاية الوصول 7/ 2877.

(3)

قلت: قد أورد القرافي رحمه الله هذا الجواب اعتراضًا على مَنْ قاس الكافر المتأول على الأصلي. انظر: نفائس الأصول 7/ 2953.

(4)

انظر: تعريف العدالة في: المستصفى 2/ 231 (1/ 157)، نهاية الوصول 7/ 2879، المحلي على الجمع 2/ 148، البحر المحيط 6/ 149، الإحكام 2/ 76، شرح التنقيح ص 361، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، تيسير التحرير 3/ 44، فواتح الرحموت 2/ 143، كشف الأسرار 2/ 399، شرح الكوكب 2/ 383.

ص: 1902

والضابط: أن كل ما لا يُؤْمَن معه الجرأة على الكذب تُرَدُّ به الرواية، وما لا فلا

(1)

.

فإن قلت: تعاطي الكبيرة الواحدة والرذيلة الواحدة تقدح، وتعبيره بالكبائر والرذائل ينفي ذلك، والإصرار على الصغيرة قادح، ولا ذكر له في التعريف.

قلت: أما الأول: فالمراد جنس الكبائر والرذائل الصادق بواحدة.

وأما الثاني: فقد قيل: هذا من محاسن الكلام؛ لأن الصغيرة بالإصرار تصير كبيرة

(2)

، فلو ذكر الإصرار على الصغيرة لأطال وكرر من غير فائدة.

فإن قلت: التوقي عن الرذائل المباحة من المروءة التي هي شرطٌ في قبول الشهادة (والرواية)

(3)

وليست شرطًا في العدالة، وكلامكم إنما هو (في العدالة)

(4)

نفسها.

(1)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 571، المعتمد 2/ 134.

(2)

قال القرافي رحمه الله: "الإصرار: أن يكون العزم حاصلًا على معاودة مثل تلك المعصية. أما مَنْ تقع منه الصغيرة فيقلع عنها ويتوب، ثم يواقعها من غير عزم سابق على تكرار الفعل - فليس بإصرار". شرح التنقيح ص 361. وقال محمد أمين رحمه الله في تيسير التحرير 3/ 44: "والإصرار: أن تكرر فيه الصغيرة تكرارًا يُشعر بقلة مبالاته بدينه، كما يُشعر به ارتكاب الكبيرة".

(3)

سقطت من (ص).

(4)

في (ص): "في العدالة والرواية". وهذه الزيادة خطأ ظاهر.

ص: 1903

قلت: صحيح، ولكن لما كان الغرض الكلام

(1)

في مقبول

(2)

الرواية أُخِذ في وصف العدالة شَرْطُ القبول، وهو تساهل

(3)

، ولو كانت العبارة: مقبول الرواية: ذو الملكة النفسية التي تحمل على ملازمة التقوى والمروءة - لكانت أَسَدَّ

(4)

وأوضح.

ثم اعلم أن المروءة التي هي شرطٌ في قبول الشهادة: هي التوقي عن الأدناس

(5)

. ومنها ما هو مشترط في أصل العدالة، ومِنْ مجامع القول في

(1)

سقطت من (ت).

(2)

في (ت)، و (غ):"قبول".

(3)

المعنى: أن التوقي عن الرذائل المباحة شرطٌ في الشهادة والرواية؛ لأنها من المروءة التي هي شرطٌ فيهما. وليس التوقي عن الرذائل المباحة شرطًا في العدالة، لأن العدالة: هي القيام بالواجبات، وترك المحرمات. فالرذائل المباحة غير داخلة فيها، والكلام هنا في هذا الشرط عن العدالة نفسها، لا عن قبول الرواية التي يُشترط فيها المروءة. فأجاب: بأن هذا الاعتراض صحيح، ولكن لما كان الغرض من الكلام هو بيان مقبول الرواية - أُخِذ في وصف العدالة التوقي عن الرذائل المباحة؛ لأنها شرطٌ لقبول الرواية، ولكن هذا في الحقيقة تساهل، والصواب عدم إدخال ذلك في العدالة.

(4)

في (ص): "أشد". وهو خطأ.

(5)

في تيسير التحرير 3/ 44: (والمروءة) بالهمز، ويجوز تركه وتشديد الراء: وهي صيانة النفس عن الأدناس، وما يشينها عند الناس. وقيل: أن لا يأتي ما يُعتذر منه مما يَبخسه من مرتبته عند العقلاء. وقيل: السمت الحسن وحفظ اللسان والاجتناب من السخف. أي: الارتفاع عن كل خلقٍ دنيء. اهـ. وقال النووي رحمه الله تعالى: "المروءة: تَخَلُّقٌ بخُلُق أمثاله في زمانه ومكانه". قال الرملي في الشرح: "لاختلاف العُرْف في هذه الأمور غالبًا، بخلاف العدالة: فإنها ملكة راسخة في النفس، لا تتغير بعروضِ منافٍ لها. والمراد بذلك تَخَلُّقُه بخلق أمثاله المباحة غير المزرية". انظر: نهاية =

ص: 1904

ذلك ما ذكره القاضي الماوردي إذ قال: "المروءة على ثلاثة أضرب: ضربٌ شَرْطٌ في العدالة، قال: وهو مجانبة ما سخف من الكلام المُودِي إلى الضحك، وتركُ ما قبح من الفعل الذي يلهو به، أو يُستقبح، فمجانبة ذلك من المروءة المشترطة

(1)

في العدالة، وارتكابها مفسِّق

(2)

.

وضربٌ لا يكون شرطًا فيها: وهو الإفضال بالمال والطعام، والمساعدة بالنفس والجاه.

وضربٌ مُخْتَلَف فيه، وهو على ضربين عادات، وصنائع.

فأما العادات: فهو أن يقتديَ فيها بأهل الصِّيانة، دون أهل البِذْلة

(3)

- في مأكله، وملبسه، وتصرفه. فلا يتعرى من ثيابه في بلدٍ يلبس فيه أهل الصيانة ثيابهم، ولا ينزع سراويله في بلدٍ يلبس فيه أهله السراويلات، ولا يأكل على قوارع الطرق، ولا يخرج عن العرف في مَضْغه، ولا يغالي بكثرة

= المحتاج 8/ 283.

وانظر: شرح التنقيح ص 361، كتاب:"المروءة وخوارمها"، لأبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان.

(1)

(غ): "المشروطة".

(2)

عبارة الماوردي رحمه الله تعالى: "وارتكابها مُفْضٍ إلى الفسق". الحاوي 21/ 162.

(3)

أي: الامتهان. وفي المصباح 1/ 47: "وبذل الثوب، وابتذله: لبسه في أوقات الخدمة والامتهان. والبِذْلة، مثال سِدْرة: ما يُمتهن من الثياب في الخدمة، والفتح لغة. قال ابن القوطية: بذَلت الثوب بِذْلة: لم أصنه. وابتذلتُ الشيءَ: امتهنتُه. والمبذلة، بكسر الميم: مثله. والتبذل: خلاف التصاون". وفي اللسان 11/ 50: "والبِذْلة والمِبْذلة من الثياب: ما يُلبس ويُمتهن ولا يُصان". وانظر: الصحاح 4/ 1632، مادة (بذل).

ص: 1905

أكله، ولا يباشر ابتياعَ مأكولِه ومشروبِه، وحَمْلَه بنفسه في بلدٍ تتجافاه

(1)

أهلُ الصيانة.

وفي اعتبار هذا الضرب من المروءة في شرط العدالة أربعة أوجه:

أحدها: أنه غير معتبر فيها.

والثاني: أنه معتبر فيها، وإن لم يُفَسَّق.

والثالث: إنْ كان قد نشأ عليها من صِغَره لم تقدح في عدالته، وإن استحدثها في كِبَره قدحت

(2)

.

والرابع: إن اختصت بالدِّين قدحت، كالبول قائمًا، وفي الماء الراكد، وكشفِ عورته إذا خلا، وأن يتحدث بمساوي الناس. وإن اختصت بالدنيا لم تقدح، كالأكل في الطريق، وكشف الرأس بين الناس

(3)

"

(4)

. هذا كلام الماوردي.

وتحصلنا منه على أن المروءة شرطٌ في أصل العدالة في الضرب الأول، وفي الضرب الثالث عند بعضهم، فيصح قول المصنف: إن المروءة ركن في

(1)

في (ص): "تتحاماه".

(2)

لأنه يصير بالمنشأ مطبوعًا بها، وبالاستحداث مختارًا لها. انظر: الحاوي 21/ 164.

(3)

لأن مروءة الدين مشروعة، ومروءة الدنيا مستحسنة. انظر: الحاوي 21/ 165.

(4)

انظر: كلام الماوردي في الحاوي 21/ 162 - 165، والشارح اختصره، مع بعض التصرف.

ص: 1906

أصل العدالة.

فإن قلت ما المراد بالكبائر المذكورة في التعريف؟ قلت: في حدِّ الكبيرة أوجه:

أحدها: أنها المعصية الموجبة لحدٍّ

(1)

.

والثاني: ما لَحِقَ صاحِبَها وعيدٌ شديد بنص كتاب أو سنة

(2)

.

والثالث: كل جريمة تُؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة

(3)

.

والرابع: كل فعل نَصَّ الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حد

(4)

.

هذا ما ذكروه في الضبط، والتفصيل مستوعب في الفقهيات

(5)

.

(1)

وبه قال البغوي وغيره. انظر: الزواجر 1/ 5.

(2)

ونسبه الرافعي إلى الأكثر. انظر: شرح المحلي على الجمع 2/ 152، شرح الكوكب 2/ 400.

(3)

هذا هو ما اختاره الشارح في "جمع الجوامع"، ونسبه لإمام الحرمين رحمه الله، وفي هذه النسبة نظر. انظر: شرح المحلي على الجمع مع البناني 2/ 152، غاية الوصول ص 100، الزواجر 1/ 6.

(4)

انظر: البحر المحيط 6/ 153، الزواجر 1/ 6. قال الزركشي رحمه الله:"الظاهر أن كلَّ قائلٍ ذَكَر بعضَ أفرادها، ويجمع الكبائرَ جميعُ ذلك". البحر 6/ 153.

(5)

انظر حد الكبيرة في: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 5، التعريفات للجرجاني ص 161، تيسير التحرير 3/ 45، فواتح الرحموت 2/ 143، العضد على ابن الحاجب =

ص: 1907

فإن قلت: وما المراد بالصغائر، وبالإصرار عليها؟

قلت: أما الصغيرة فالمعصية التي ليست كبيرة.

وأما الإصرار: فقال ابن الرفعة: لم أظفر فيه (بما يثلج الصدر)

(1)

. وقد عَبَّر

(2)

عنه بعضهم: بالمداومة. وحينئذ هل المعتبر المداومة على نوعٍ واحد من الصغائر، أم الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع واحد

(3)

أو أنواع؟

قال الرافعي: منهم مَنْ يميل كلامه إلى الأول، ومنهم مَنْ يُفهِم كلامُه الثاني، ويوافقه قول الجمهور مَنْ تغلب معاصيه طاعتَه كان مردودَ الشهادة. قال: وإذا قلنا به لم تضر المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غَلَبت الطاعات، وعلى الأول تضر.

قال ابن الرفعة: وقضية كلامه أن مداومة النوع تضر على الوجهين، أما على الأول: فظاهر. وأما على الثاني: فلأنه في ضمن حكايته قال: إن الإكثار من النوع الواحد كالإكثار من الأنواع، وحينئذ لا يحسن معه التفصيل

(4)

. نعم يظهر أثرهما فيما إذا أتى بأنواع من

= 2/ 63، الفروق للقرافي 1/ 121 شرح التنقيح ص 361.

(1)

في (ص): "بما يبلج الصدر". وفي (غ): "بما يثلج الصدور".

(2)

سقطت من (ت).

(3)

سقطت من (ص).

(4)

أي: لا يحسن التفصيل في حق المداوم على نوع واحدٍ على مقتضى القولين؛ لأن حكمه واحد، فالمداومة تضره بمقتضى القول الأول، وتضره أيضًا بمقتضى القول الثاني؛ لأن الإكثار من المعاصي من نوع واحد يضر على مقتضى القول الثاني، =

ص: 1908

الصغائر، إن قلنا بالأول - لم تضر، وإن قلنا بالثاني - ضَرَّ

(1)

.

واعلم أن الصغائر كما تصير بالإصرار كبيرة، كذلك بعض المباحات تصير بالإصرار صغيرة. قال الغزالي في أثناء كتاب التوبة من "إحياء علوم الدين" وهو الكتاب الأول مِنْ رُبْع المُنْجيات: "الصغيرة تكبر بالمواظبة، كما أن المباح يصير صغيرة بالمواظبة، كاللعب بالشِّطْرَنج

(2)

، والترنم بالغناء على الدوام وغيره"

(3)

.

فإن قلت: هذا التعريف الذىِ قدمتوه في العدالة قضيته: أنَّ مَن لم يُقْدِم على كبيرة ولا رذيلة، ولم يكن في نفسه ملكة تمنعها عن اقتراف هذين، وإنما كَفَّ عنهما كَفًّا من غير أن يكون في نفسه ملكة

= فكيف بالمداومة!

(1)

يعني: يظهر أثر الفرق بين القولين فيما إذا أتى بأنواع من الصغائر، فإنها تضره على مقتضى القول الثاني، ولا تضره على مقتضى القول الأول، وكذا لو أكثر من نوع واحدٍ من الصغائر بطريق الأَوْلى، فإنها تضره على مقتضى القول الثاني، ولا تضره على مقتضى القول الأول. والحاصل أن الفرق بين القولين يظهر في الإكثار من الصغائر لا في المداومة على نوعٍ واحد.

(2)

قال النووي - رحمه الله تعالى - في "فتاويه" ص 261، عن حكم اللعب بالشطرنج:"إنْ فَوَّت به صلاةً عن وقتها، أو لعب على عِوَضٍ (أي: مال من الجانبين، أو أحدهما) - فهو حرام، وإلا فمكروه عند الشافعي رضي الله تعالى عنه، وحرام عند غيره". وانظر: نهاية المحتاج 8/ 280، الزواجر 2/ 200، كف الرعاع ص 320، الحاوي 21/ 191، روضة الطالبين 8/ 203.

(3)

انظر: إحياء علوم الدين 4/ 22.

ص: 1909

تدعوه إلى ذلك - لا يكون عدلًا، فهل في هذا مخالفة لكلام الفقهاء، فإنهم يقولون: إن العدل من لا يُقدم على كبيرة، ولا يصر على صغيرة، ولا

(1)

يُقدم على ما يَخْرم المروءة. وذلك أعم مِنْ أن يكون بداعية الملكة النفسية أوْ لا؟

قلت: ظاهره المخالفة، ولكنا نقول: متى حصلت تلك الملكة - لم يحصل الإقدام على ما يُخِلُّ بالعدالة، ومتى أقدم - علمنا أن الملكة غير حاصلة، فإن الملكة مستقلة بالمنع، فمتى حصلت لا بد وأن يحصل الامتناع.

فإن قلت: هل يحرم تعاطي المباحات التي تُرَدُّ بها الشهادة؛ لإخلالها بالمروءة؟

قلت: قد حكى ابن الرفعة: أنه سمع قاضي القضاة تقي الدين أبا عبد الله محمد بن الحسن بن رزين يقول: إن بعض مَن لقيه بالشام من المشايخ كان يحكي في ذلك ثلاثة أوجه.

ثالثها: إنْ تعلقت به شهادةٌ حرمت، وإلا فلا. لكن في "البسيط" و"النهاية"، الجزم بعدم التحريم، وهو الظاهر.

قال: (فلا

(2)

تقبل رواية مَنْ أقدم على الفسق عالمًا، وإنْ جَهِل قُبِل. قال القاضي: ضَمُّ جهلٍ إلى فسق. قلنا: الفرق عدم الجرأة).

(1)

في (ص)"فلا". وهو خطأ.

(2)

في (ص): "ولا".

ص: 1910

لما كانت العدالة شرطًا - لم يجز قبول رواية مَنْ أقْدَم على الفسق

(1)

عالمًا بكونه فسقًا، وقد حُكي الإجماع على هذا

(2)

.

وهذا واضح إن كان ما أقدم عليه مقطوعًا بكونه فسقًا، وأما إن كان مظنونًا - فيتجه تخريج خلافٍ فيه، إذ حُكي وجه فيمن شرب النبيذ وهو يعتقد تحريمه: أن شهادته لا تُرد

(3)

. قال صاحب "البحر": وهو الذي مال إلى ترجيحه المتأخرون من الأصحاب

(4)

. ولا فرق بين الرواية والشهادة فيما يتعلق بالعدالة، وإن افترقا في أمور أُخَر

(5)

.

وأما الجاهل بكونه فسقًا فقد يَجْهل الحال بالكلية، ويكون ساذِجًا

(6)

، والأمر من المظنونات، كما لو شرب النبيذ ساذِج

(7)

لا يعتقد الحِلَّ ولا التحريم

(8)

: ففي فسقه ورد شهادته بعد إقامة

(1)

في (ص): "المفسِّق".

(2)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 572، التلخيص 2/ 376، المعتمد 2/ 134.

(3)

انظر: العزيز شرح الوجيز 13/ 20.

(4)

قال النووي في روضة الطالبين 8/ 208: "وأما إذا شربه مَن يعتقد تحريمه - فالمذهب أنه يُحد، وتُرد شهادته". وانظر: الحاوي 21/ 199.

(5)

انظر: البحر المحيط 6/ 157.

(6)

أي: جاهلًا جهلًا بسيطًا، وهو الجهل الخالص. وفي المعجم الوسيط 1/ 424: الساذَج: الخالص غير المَشُوب، وغير المنقوش، وهي ساذَجة. يقال: حُجَّةٌ ساذَجةٌ: غير بالغة. (مُعَرَّب، فارسيَّته: سادَه). اهـ. وانظر: لسان العرب 2/ 297، مادة (سذج).

(7)

في (غ): "ساذجًا".

(8)

هذا يدل على أن المراد بالساذج هنا: هو من لا يعتقد الحِلَّ ولا الحرمة مع علمه =

ص: 1911

الحد

(1)

عليه وجهان، حكاهما الماوردي في "الحاوي"

(2)

- لا بد من جريان مثلهما في رَدِّ روايته. على أن الوجهين المذكورين لا بد مِنْ فرضهما في رجل جاهل بالقاعدة المشهورة: وهي أن المكلف لا يجوز له أن يُقدم على فعلٍ حتى يعرف حكم الله فيه. وقد حكى الشافعي رضي الله عنه في "الرسالة" الإجماع على هذه القاعدة، وكذلك حكاه الغزالي

(3)

. ثم إنهما، أعني: الوجهين - لا يتجهان إلا تخريجًا على حكم الأشياء قبل ورود الشرع

(4)

، والماوردي كثيرًا ما يُخَرِّج على ذلك.

وقد يكون ظانًا الحلَّ فتقبل روايته.

= بوجود خلافٍ في الحل والحرمة. فقيام الخلاف في المسألة جَعَله لا يعتقد حِلًا ولا حُرْمة. كذا صَوَّر المسألة الماوردي في الحاوي 21/ 200، ومثله الزركشي في البحر المحيط 6/ 158.

(1)

في (ت)، و (غ):"البينة". وهو خطأ.

(2)

انظر: الحاوي 21/ 200.

(3)

انظر: شرح الكوكب 2/ 409.

(4)

لأن هذا الساذج في حكم مَنْ كان قبل ورود الشرائع، لا يتعلق بهم حكم لعدم تكليفهم بالشرع، فهذا الساذج وإن كان مخاطبًا بحكم النبيذ، إلا أنه لجهله غير مكلّفٍ به، فمن يقول بالتحريم في حقه، أو الإباحة - لا بد أن يخرّج ذلك على قول مَنْ يُثبت حكمًا للأشياء قبل ورود الشرع. فمن يقول بأن حكم الأشياء قبل ورود الشرع التحريم - يُثبت هذا الحكم في حق الساذج، فيرد شهادته. ومَنْ يقول بأن حكم الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة - يُثبت هذا الحكم في حقه، ولا يرد شهادته. وكذا لا يرد شهادته مَنْ يقول بأنه لا حكم يتعلق به، بناءً على أن حكم الأشياء قبل ورود الشرع التوقيف. أي: لا يتعلَّق بها حكم، كما بُيِّن في مكانه.

ص: 1912

أما إن كان ما أقدم عليه من المظنونات - فقد حَكَى الإمام فيه الاتفاق

(1)

. قال الهندي: "والأظهر أن فيه خلافًا، كما في الشهادة؛ إذ نُقِل وجهٌ في الشهادة أنها ترد به"، ولكن الصحيح أنها لا تُرَدُّ

(2)

. قال الشافعي رضي الله عنه: "أقبل شهادة الحنفي وأحَدُّه إذا شرب النبيذ"

(3)

.

وإن كان من القطعيات - فكذلك على المختار

(4)

، خلافًا للقاضي أبي بكر، والجبائي، وأبي هاشم، وتبعهم الآمدي

(5)

.

قال الشافعي رضي الله عنه: أقبل شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية

(6)

من

(1)

أي: الاتفاق على قبول رواية مَنْ أقدم ظانًا الحل، فيما هو من المحرمات المظنونة. انظر: المحصول 2/ ق 1/ 572، شرح التنقيح ص 362.

(2)

انظر: نهاية الوصول 7/ 2881، مع بعض التصرف. وانظر: الإحكام 2/ 83.

(3)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 572، المستصفى 2/ 240. قال القرافي رحمه الله:"وقال مالك: أحده، ولا أقبل شهادته. كأنه قطع بفسقه". شرح التنقيح ص 362، وانظر: نشر البنود 2/ 45. وما قاله مالك رضي الله عنه هو رواية عن أحمد رضي الله عنه. انظر: شرح الكوكب 2/ 408، لكن قال ابن تيمية رحمه الله:"فأما مَنْ فعل محرمًا بتأويل - فلا تُرد روايته في ظاهر المذهب". المسودة ص 265.

(4)

وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، والأكثرين، واختاره الغزالي، والإمام، وأبو الحسين البصري، رحمهم الله جميعًا. انظر: الإحكام 2/ 83، نهاية الوصول 7/ 2882، المستصفى 2/ 242، المحصول 2/ ق 1/ 573، المعتمد 2/ 135.

(5)

انظر: التلخيص 2/ 376، المعتمد 2/ 134، الإحكام 2/ 83.

(6)

هم أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع، مولى بني أسد. وهم يقولون: إن الإمامة كانت في أولاد علي، إلى أن انتهت إلى جعفر الصادق، ويزعمون أن =

ص: 1913

الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم

(1)

.

لنا: أن ظَنَّ صِدْقِه راجح، والعمل بالظن واجب.

واحتج القاضي ومَن نحا نحوه: لأن الإقدام على الفسق من العالِم قبيح موجب للرد، والجاهل إذا أقدم عليه كان أولى بالرد؛ إذ زاد قبيحًا آخر على الفسق وهو الجهل. فإذا مَنَع الفسقُ بمجرده من القبول - فلأن يمنع والجهل مضافٌ إليه أولى.

وأجاب المصنف: بأن الفرق بين مَنْ أقدم عالمًا، ومن أقدم جاهلًا: أن إقدام الأول يدل على الجرأة، وقلة المبالاة بالمعصية؛ فيغلب على الظن كذبه، بخلاف الجاهل.

قلت: ولعل القاضي رحمه الله يقول: تَرْك استرشاده في الشبهات تهاونٌ بالدين، فصار فاسقًا. وبهذه الكلمة اعتل مَنْ ذهب إلى تفسيق الساذِج الذي لا يعتقد الحل ولا التحريم، كما تقدمت حكايته

= الأئمة كانوا آلهة، وكان أبو الخطاب يزعم أولًا أن الأئمة أنبياء، ثم زعم أنهم آلهة، وأن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباءه. وكان يقول: إن جعفرًا إله، فلما بلغ ذلك جعفرًا لعنه وطرده. وكان أبو الخطاب يدعي بعد ذلك الإلهية لنفسه، وزعم أتباعُه أن جعفرًا إله، غير أن أبا الخطاب أفضل منه، وأفضل من علي. وقد صلبه أبو جعفر المنصور في كناسة الكوفة، وافترق أتباعه بعده إلى خمس فرق، كلُّهم كفار مارقون من دين الإسلام. انظر: الفرق بين الفرق ص 247، الملل والنحل 2/ 15.

(1)

انظر: الكفاية ص 194، المحصول 2/ ق 1/ 573.

ص: 1914

آنفًا. وهو هنا أبلغ؛ (لأن الأمر هنا قطعي فلا يعذر في ترك استرشاده فيه)

(1)

، بخلاف الأمر الظني المجتهد فيه

(2)

.

قال: (ومن لا تُعرف عدالته لا تُقبل روايته؛ لأن الفسق مانع، (فلا بد)

(3)

من تحقق عدمه، كالصبا والكفر، والعدالةُ تُعرف بالتزكية. وفيها مسائل).

مجهول العدالة

(4)

لا تقبل روايته عند الشافعي، وأحمد، وأكثر أهل العلم

(5)

، بل لا بد من البحث عن سيرته باطنًا

(6)

، وعليه الإمام وأتباعه

(1)

سقطت من (ص).

(2)

انظر شروط قبول الراوي في: المحصول 2/ ق 1/ 563، الحاصل 2/ 787، التحصيل 2/ 130، نهاية الوصول 7/ 2869، نهاية السول 3/ 119، السراج الوهاج 2/ 749، الإحكام 2/ 71، المستصفى 2/ 223 (1/ 155)، البرهان 1/ 611، القواطع 2/ 295، المحلي على الجمع 2/ 146، البحر المحيط 6/ 140، إحكام الفصول ص 362، شرح التنقيح ص 358، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، كشف الأسرار 2/ 392، أصول السرخسي 1/ 345، تيسير التحرير 3/ 39، فواتح الرحموت 2/ 138، شرح الكوكب 2/ 379، مختصر الطوفي ص 57، العدة 3/ 924.

(3)

في (ص): "ولا بد".

(4)

وهو المستور: الذي جُهل باطنه دون ظاهره. أي: لم يظهر منه نقيض العدالة، ولم يُعرف منه سوى الإسلام. وقد عَرَّف الحنفية المستور بأنه: الذي لم يُعرف عدالته ولا فسقه. وهو لا يختلف في المعنى عن التعريف السابق. انظر: البرهان 1/ 614، البحر المحيط 6/ 161، نهاية الوصول 7/ 2886، كشف الأسرار 3/ 20، فواتح الرحموت 2/ 146، مناهج العقول 2/ 244.

(5)

منهم المالكية. انظر: شرح التنقيح ص 364، إحكام الفصول ص 367، العضد على ابن الحاجب 2/ 64.

(6)

أي: بالنظر في معاملاته. انظر: أصول السرخسي 1/ 351.

ص: 1915

منهم المصنف

(1)

.

وقال أبو حنيفة: يُكْتفى في قبول الرواية بظهور الإسلام، والسلامة عن الفسق ظاهرًا

(2)

.

(1)

انظر: الإحكام 2/ 78، شرح اللمع 2/ 639، المحصول 2/ ق 1/ 576، الحاصل 2/ 792، التحصيل 2/ 133، نهاية الوصول 7/ 2886، البرهان 1/ 614، المستصفى 2/ 233 (1/ 157)، البحر المحيط 6/ 159، جمع الجوامع مع المحلي 2/ 150، شرح الكوكب 2/ 411، المسودة ص 252.

(2)

هذا المنقول عنه رضي الله عنه هو في غير ظاهر الرواية، والرواية الظاهرة عنه هو عدم قبول رواية مجهول العدالة. وإلى قبول رواية مجهول العدالة ذهب أحمد رضي الله عنه في رواية عنه، والأستاذ أبو بكر بن فُورَك، وسليم الرازي، من الشافعية رحمهم الله تعالى. قال ابن الصلاح رحمه الله:"ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم". علوم الحديث لابن الصلاح ص 101. وذهب بعض الحنفية كالسرخسي والبزدوي إلى قبوله إذا كان من أهل الصدر الأول، وهي القرون الثلاثة بشرط أن يشهد الثقات بصحته ويعملوا به، أو إن سكتوا عنه، أو اختلفوا، أو لم يظهر فيما بينهم ولكن يوافقه القياس ولا يرده. قال المطيعي رحمه الله: "ظاهر مذهب الحنفية عدم قبول رواية المستور كغيرهم، وما جعله بعضهم قول أبي حنيفة إنما هو رواية عنه على خلاف ظاهر المذهب". سلم الوصول 3/ 139، مع اختصار يسير. وذهب إمام الحرمين وابن حجر رحمهما الله تعالى إلى التوقف في رواية مجهول العدالة، وإن روى تحريمَ شيءٍ يُكف عنه احتياطًا. انظر: تيسير التحرير 3/ 48، فواتح الرحموت 2/ 146، كشف الأسرار 2/ 400، 3/ 20، أصول السرخسي 1/ 352، 370، كشف الأسرار للنسفي 2/ 29، شرح الكوكب 2/ 412، مختصر الطوفي ص 58، المحلي على الجمع 2/ 150، البحر المحيط 6/ 159، البرهان =

ص: 1916

مثاله ما رَوَى المخالف عن أم سلمة: أنها قالت: "كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا"

(1)

. وهذا رواه أبو سهل

(2)

عن

= 1/ 615، نزهة النظر ص 99. تنبيه: مع كون الحنابلة لا يقبلون رواية المستور إلا أن أبا الخطاب رحمه الله تعالى قال: أما العدالة الباطنة فهل تُعتبر في الخبر؟ يحتمل أن تُعتبر، كما اعتُبرت في الشهادة. ويحتمل أن لا تُعتبر، وهو اختيار شيخنا؛ لأن اعتبارها يشق. . ." التمهيد 3/ 122 - 123، وانظر: العدة 3/ 937.

(1)

أخرجه أحمد 6/ 300، 303، 304، 309 - 310. وأبو داود 1/ 217 - 219، في كتاب الطهارة، باب ما جاء في وقت النُّفَسَاء، حديث رقم 311، 312. والترمذي 1/ 256، في الطهارة، باب ما جاء في كم تمكث النُّفَسَاء، رقم 139، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مُسَّة الاُزدية عن أم سلمة. وابن ماجه 1/ 213، في كتاب الطهارة وسننها، باب النفساء كم تجلس، رقم 648. والدارقطني 1/ 221 - 222، في كتاب الحيض، رقم الحديث 76. والحاكم 1/ 175، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي 1/ 341.

وقد صحح الحديث الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وذكر أن له إسنادين صحيحين، وذكر تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، وقال:"ونقل ابن حجر في بلوغ المرام تصحيح الحاكم وأقره فلم يعترض عليه".

انظر: سنن الترمذي 1/ 257 - 258، بلوغ المرام ص 41، تلخيص الحبير 1/ 171، حديث رقم 238. وقد حَسَّن الألباني الحديث في إرواء الغليل 1/ 222، رقم الحديث 201.

(2)

هو كثير بن زياد، أبو السهل البُرْسانيُّ الأزديُّ العتكيُّ البصريّ. سكن بلخ. قال ابن حجر في التقريب: ثقة.

انظر: تهذيب 8/ 413، تقريب ص 459.

ص: 1917

مُسَّة

(1)

(2)

الأزدية عن أم سلمة وأبو سهل ومُسَّة

(3)

مجهولان، ذكره القاضي أبو الطيب. ومثل ذلك كثيرٌ.

فإن قيل: قد قبلتم المجهول، وذلك أن عبد الرحمن بن وعلة المصري

(4)

رجل مجهول، وقد روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيما إهاب دُبغ فقد طهر" ونقل عن أحمد بن حنبل أنه ذُكِر له حديثُه هذا، فقال: ومَنِ ابن وعلة! . قلنا: ليس ابن وعلة مجهولًا

(5)

، بل هو ثقة روى عنه زيد بن أسلم

(6)

، ويحيى بن سعيد

(7)

وغيرهما. ووثقه ابن

(1)

هي مُسَّة - بضم أولها وتشديد السين - الأزدية، أمُّ بُسَّة، بضم الموحَّدة والتشديد أيضًا. قال ابن حجر في التقريب:"مقبولة من الثالثة". أي: وفاتها كانت بعد المائة، كما هو مصطلح ابن حجر رحمه الله. انظر: تهذيب 12/ 451، تقريب ص 753.

(2)

في (ت): "مسية". وهو خطأ.

(3)

في (ت): "ومسية". وهو خطأ.

(4)

هو عبد الرحمن بن وَعْلة، ويقال: ابن السُّمَيْفع بن وعلة المِصْريُّ السَّبَائيّ. قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ. وذكره ابن حبان في الثقات. وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات التابعين من أهل مصر. وضعَّفه أحمد في حديث الدِّباغ. وقال ابن حجر في التقريب: "صدوق، من الرابعة". انظر: تهذيب 6/ 293، تقريب ص 352، ميزان 2/ 596.

(5)

سقطت من (ت).

(6)

هو الإمام الحجة القدوة زيد بن أسلم أبو عبد الله العمريُّ المدنيُّ الفقيه. كان والده أسلم مولى عمر رضي الله عنه. توفي سنة 136 هـ. انظر: سير 5/ 316، تهذيب 3/ 395.

(7)

هو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل، أبو سعيد الأنصاريُّ الخزرجيُّ النجاريُّ المدني القاضي عالم المدينة في زمانه، وشيخ عالم المدينة، وتلميذ الفقهاء =

ص: 1918

معين

(1)

والعجلي

(2)

والنسائي

(3)

. وروى له مسلم والأربعة.

فإن قيل: رَوَى خالد بن أبي الصلت

(4)

عن عراك بن

= السبعة. مولده قبل السبعين. قال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث حجة ثبتًا. وقال الثوريُّ: كان أجلَّ عند أهل المدينة من الزهريّ. وقال أحمد: يحيى بن سعيد الأنصاريُّ أثبت الناس. مات سنة 144، وقيل: 146 هـ. انظر: سير 5/ 468، تهذيب 11/ 221، تقريب ص 591.

(1)

هو يحيى بن معين بن عون المريُّ الغطفانيُّ مولاهم، أبو زكريا البغداديّ، أصله من سَرَخْس. إمام الجرح والتعديل. ولد سنة 158 هـ. قال أحمد بن حنبل: كل حديثٍ لا يعرفه ابن معين فليس هو بحديث. وفي رواية: فليس هو ثابتًا. وقال ابن المديني: ما رأيت في الناس مثله. وقال العجلي: ما خلق الله تعالى أحدًا كان أعرف بالحديث من يحيى بن معين، ولقد كان يجتمع مع أحمد وابن المديني ونظرائهم فكان هو الذي ينتخب لهم الأحاديث لا يتقدمه منهم أحد، ولقد كان يُؤتى بالأحاديث قد خلطت وتلبَّست فيقول: هذا الحديث كذا، وهذا كذا. فيكون كما قال. مات رضي الله عنه بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 233 هـ، وله سبع وسبعون سنة إلا نحوًا من عشرة أيام. انظر: سير 11/ 71، تهذيب 11/ 280.

(2)

هو أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم، أبو الحسن العِجْليُّ الكوفيّ. نزيل مدينة أطرابلس المغرب. الإمام الحافظ الأوحد الزاهد. ولد بالكوفة سنة 182 هـ. وقد ذُكر لعباس بن محمد الدوريّ، فقال: ذلك كنا نعدُّه مثل أحمدَ بن حنبل ويحيى بن معين. له مصنف مفيد في الجرح والتعديل. مات سنة 261 هـ. انظر: سير 12/ 505.

(3)

انظر: ميزان 2/ 596، تهذيب 6/ 293. ولم أقف على ترجمته في لسان الميزان 3/ 441.

(4)

هو خالد بن أبي الصلت البصريّ، عامل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مدنيُّ الأصل. قال ابن حجر رحمه الله:"وهو مقبول، من السادسة". أي: الذين ماتوا بعد المائة. انظر: تهذيب 3/ 97، تقريب ص 188.

ص: 1919

مالك

(1)

عن عائشة أنها قالت: "بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم. فقال: أوقد فعلوها، تَحَوَّلُوا بمَقْعَدَتَيَّ إلى القبلة"

(2)

. وخالد مجهول، وحكى أبو بكر بن المنذر

(3)

في "كتابه" هذا

(1)

هو عِرَاك بن مالك الغفاريُّ الكنانيُّ المدينيّ. قال العِجْليُّ: "شاميٌّ تابعيٌّ ثقةٌ من خيار التابعين". وقال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: "ما كان أبي يَعْدِل بعراك بنِ مالكٍ أحدًا". وكان يصوم الدهر. وكان من أشدِّ أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان في انتزاع ما حازوا من الفيء والمظالم من أيديهم، فلما استُخْلِف يزيد بن عبد الملك نَفَى عِراكًا إلى جزيرة دَهْلَك - وهي جزيرة في بحر اليمن ضيِّقة حَرِجة حارة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحدٍ نفوه إليها - فمات هناك رحمه الله في إمرة يزيد. انظر: سير 5/ 63، تهذيب 7/ 172.

(2)

أخرجه ابن ماجه 1/ 117، في كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك في الكنيف وإباحته دون الصحاري، رقم 324. وأحمد في المسند 6/ 183، 227، والدارقطني 1/ 59 - 60. والبيهقي في الكبرى 1/ 92 - 93، في الطهارة، باب الرخصة في الأبنية. وقد حسَّن النووي هذا الحديث في شرحه لمسلم 3/ 154. وقال في المجموع 2/ 78:"وأما حديث عائشة فرواه أحمد بن حنبل وابن ماجه، وإسناده حسن، لكن أشار البخاري في تاريخه في ترجمة خالد بن أبي الصلت إلى أن فيه علَّة". وانظر: التاريخ الكبير 3/ 155 - 156. ونقل الأثرم عن أحمد بن حنبل قوله: "أحسن ما في الرخصة حديث عائشة، وإن كان مرسلًا فإنَّ مخرجه حسن. قلت له: فإن عراكًا يرويه مرة، ويقول: سمعت عائشة. فأنكره، وقال: من أين سمع عراك عائشة، إنما يروي عن عروة عنها". انظر: نصب الراية 2/ 106، تهذيب التهذيب 7/ 173 - 174. والمسألة طويلة الذيل، وقد أفاض في مناقشتها الزيلعي، والمحشِّي عليه. انظر: نصب الراية 2/ 102 - 108.

(3)

هو محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوريُّ الشافعيّ. الإمام الحافظ =

ص: 1920

عن أبي ثور.

قلنا: خالد معروف، روى له ابن ماجه، وروى عنه سفيان بن حسين

(1)

(2)

، ومبارك بن فضالة

(3)

، وغيرهما. و

(4)

ذكره ابن حبان في "الثقات". قال شيخنا الذهبي: "وما علمتُ أحدًا تَعَرَّض إلى لينه"

(5)

. وقال القاضي أبو الطيب: إن أبا بكر بن المنذر أجاب عن هذا

= العلَّامة، شيخ الإسلام، المجتهد المطلق. ولد في حدود موت أحمد بن حنبل رضي الله عنه. وله التصانيف المفيدة السائرة، منها: الأوسط، والإشراف في اختلاف العلماء، والإجماع، والتفسير، وغيرها. توفي سنة 318 هـ. انظر: سير 14/ 490، الطبقات الكبرى 3/ 102.

(1)

في (ت): "حصين". وهو خطأ.

(2)

هو سفيان بن حسين بن الحسن، أبو محمد أو أبو الحسن الواسطيّ. قال ابن معين:"ثقة، في غير الزهريِّ لا يُدفع، وحديثه عن الزهريِّ ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم". وقال ابن حجر: "ثقةٌ في غير الزهريِّ باتفاقهم، من السابعة". انظر: سير 7/ 302، تهذيب 4/ 107، تقريب ص 244، ميزان 2/ 165.

(3)

هو مبارك بن فَضَالة بن أبي أمية، أبو فَضَالة البصريّ، مولى زيد بن الخطَّاب. قال ابن حجر:"صدوق يدلِّس ويُسَوِّي، من السادسة، مات سنة ست وستين على الصحيح". أي: سنة 166 هـ. انظر: ميزان 3/ 431، تهذيب 10/ 28، تقريب ص 519.

(4)

سقطت الواو من (ص).

(5)

انظر: ميزان 1/ 632، وتتمة كلام الذهبي رحمه الله:"لكن الخبر منكر". وقال عنه ابن حجر رحمه الله في التقريب ص 188: "مقبول". وفي التهذيب 3/ 97 - 98: "قال البخاري: خالد بن أبي الصَّلْت عن عِراك مرسل. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا في استقبال البائل القبلة وهو معلّل. . . =

ص: 1921

بأن أحمد بن حنبل قال: مَخْرج هذا الحديث حسن. قال: وقال غيره: روى عنه خالد الحذاء

(1)

، ومبارك بن فضالة، وواصل مولى أبي عُيَيْنة

(2)

. وهؤلاء ثقات، فوجب أن يكون خالدٌ معروفًا.

وقد استدل المصنف على المختار: بأن الفسق مانع من القبول باتفاق، فلا بد من تحقق ظنِ عدمه قياسًا على الصِّبا والكفر، بجامع دفع

(3)

احتمال المفسدة.

= وقال الترمذي في "العلل الكبير": سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولُها. وذكر أبو حاتم نحو قول البخاريّ، وأن الصواب: عِراك عن عروة عن عائشة قولُها، وأنَّ مَنْ قال فيه: عن عراك سمعت عائشة مرفوعًا - وَهِم فيه سندًا ومتنا".

(1)

هو الإمام الحافظ خالد بن مِهْران، أبو المَنَازِل - بفتح الميم، وقيل بضمها، وكسر الزاي - البصريّ، المشهور بالحَذَّاء. ولم يكن حَذَّاءً، بل كان يجلس في سوق الحَذَّائين أحيانًا، فعُرِف بذلك. وقال فهد بن حَيَّان: لم يَحْذُ خالدٌ قط، وإنما كان يقول: احْذُ على هذا النحو، فلُقِّب الحَذَّاء. وثَّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنسائي وجماعة، وحديثه في الصِّحاح. قال ابن حجر:"ثقةٌ يرسل، من الخامسة، أشار حماد بن زيد إلى أنَّ حفظه تغَيَّر لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضُهم دخولَه في عمل السلطان". انظر: سير 6/ 190، تهذيب 3/ 120، تقريب ص 191.

(2)

هو واصل مولى أبي عُيَيْنَةَ بن المهلَّب بن أبي صُفرة الأزديّ البصري. وثَّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والعجلي وابن حبان رضي الله عنهم جميعًا. وقال البزار: ليس بالقويِّ، وقد احتمل حديثُه. قال ابن حجر رحمه الله:"صدوق عابد، من السادسة". انظر: تهذيب 11/ 105، تقريب ص 579.

(3)

في (ص): "رفع". وهو خطأ؛ لأن الفسق مانع، والمنع دفع لا رفع؛ لأن الرفع يقتضي ثبوت الشيء، ثم رفعه، والمانع يمنع ثبوت الشيء ويدفعه أصلًا. فالدفع لما بعده، يعني: مَنْعُ غير الثابت أن يثبت في المستقبل. والرفع لما قبله، يعني: رَفْعُ ما ثبت في الماضي.

ص: 1922

وهذا الدليل فيه نظر؛ لأنا إذا شككنا في المانع فالأصل عدمه

(1)

، فقد حصل ظنُّ عدمه بدليل الأصل؛ لأن عدم المانع ليس شرطًا حتى يُشترط تحقق عدمه، وكثير من الفقهاء يتخيل أنه شرط

(2)

، وليس كذلك، بل عدم المانع ليس بشرط، وعدم الشرط ليس بمانع. ودليله أن الشك في عدم الشرط يمنع ترتب الحكم، والشك في المانع لا يمنع ترتب الحكم؛ لأن القاعدة أن المشكوكات كالمعدومات، فكل شيء شككنا في وجوده أو عدمه جعلناه معدومًا، فلو كان عدمُ الشرط مانعًا، أو عدم المانع شرطًا لزم من الشك فيه أن يرتب

(3)

الحكم؛ لأنه مانع، وأن لا يرتبه

(4)

، لأنه شرط، (فيرتِّبه ولا يرتِّبه)

(5)

، وهذا جمع بين النقيضين

(6)

(7)

.

(1)

يعني: إذا شككنا في الفسق، هل هو موجود أو غير موجود؟ فالأصل عدم الفسق.

(2)

كالإمام وأتباعه - رحمهم الله تعالى - حيث قال في المحصول 2/ ق 1/ 579: "عدم الفسق شرطُ جواز الرواية، فوجب أن يكون العلم به شرطًا لجواز الرواية". وانظر: الحاصل 2/ 793، التحصيل 2/ 133، نهاية الوصول 7/ 2888، الإحكام 2/ 79.

(3)

في (ص): "نرتب".

(4)

في (ص): "لا نرتبه".

(5)

في (ص): "فنرتبه ولا نربته".

(6)

يعني لو قلنا: عدم الشرط مانع. ثم شككنا في عدم الشرط، فباعتبار كونه شرطًا نمنع ثبوت الحكم، وباعتبار كونه مانعًا نثبت الحكم، وهذا جمع بين النقيضين. وكذا لو قلنا: عدم المانع شرط. ثم شككنا في عدم المانع، فباعتبار كونه مانعًا نثبت الحكم، وباعتبار كونه شرطًا نمنع ثبوت الحكم، وهذا أيضًا جمع بين النقيضين؛ فثبت أن عدم الشرط ليس بمانع، وعدم المانع ليس بشرط.

(7)

هذا الاعتراض الذي ذكره الشارح رحمه الله استفاده من القرافي رحمه الله، حيث ذكره قاعدة في نفائس الأصول 7/ 2964، معترِضًا بها على الإمام رحمه الله تعالى.

ص: 1923

واعلم أن أبا حنيفة إنما يقبل رواية المجهول إذا كان في صدر الإسلام حيث الغالب على الناس العدالة، أما في هذا الزمان - فلا، صَرَّح به بعض المتأخرين من أصحابه

(1)

(2)

.

ثم ذكر صاحب الكتاب من الطرق التي تُعْرف بها العدالة التزكية، وأخل بذكر الاختبار، وإن كان هو الأصل؛ إذ ليس مستند التزكية إلا هو، إما بمرتبةٍ، أو بمراتب دفعًا للتسلسل

(3)

؛ لأن مقصود الفصل

(4)

الكلام

(1)

كذا قال القرافي في نفائس الأصول 7/ 2962. وانظر: مناهج العقول 2/ 245.

(2)

انظر رواية المستور في: المحصول 2/ ق 1/ 576، الحاصل 2/ 792، التحصيل 2/ 133، نهاية الوصول 7/ 2886، نهاية السول 3/ 138، السراج الوهاج 2/ 756، الإحكام 2/ 78، المستصفى 2/ 233 (1/ 157)، البرهان 1/ 614، المحلي على الجمع 2/ 150، البحر المحيط 6/ 159، شرح التنقيح ص 364، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، كشف الأسرار 2/ 400، 3/ 20، أصول السرخسي 1/ 352، 370، تيسير التحرير 3/ 48، فواتح الرحموت 2/ 146، شرح الكوكب 2/ 412، مختصر الطوفي ص 58، العدة 3/ 936، التمهيد 3/ 121.

(3)

يعني: التزكية مردها إلى الاختبار: إما بمرتبة، بأن يزكي المزكّي بناءً على سماعه من المختبِر. أو بمراتب بناءً على قول مَنْ سمع من المختبِر؛ دفعًا للتسلسل. والاختبار إنما يحصل باعتبار أحواله، واختبار سره وعلانيته بطول الصحبة والمعاشرة سفرًا وحضرًا، والمعاملةُ معه. ولا يُشترط عدم موافقة الصغيرة، ولكن إذا لم يعثر منه على كبيرة تُهَوِّن على مرلكبها الأكاذيب، وافتعال الأحاديث، ولا تُسقِط الثقة.

انظر: البحر المحيط 6/ 166، شرح التنقيح ص 265، نهاية الوصول 7/ 2894.

(4)

قوله: "لأن مقصود الفصل. . ." تعليلٌ لعدم ذكر الاختبار.

ص: 1924