الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتج مانعو النسخ: بأن الأمر بالشيء يقتضي حسنه، والنهي عنه يقتضي قبحه، فيلزم من وقوع النسخ اجتماعُ الضدين، أعني: الحسن والقبح، وهو محال.
أجاب: بأن
(1)
هذا مبني على فاسدٍ، وهو قاعدة التحسين والتقبيح، ومع هذا - أي: ولو سلمنا صحة تلك القاعدة - فيحتمل أن يحسن لواحد، ويقبح لآخر. أو يحسن له في وقت، ويقبح عنده في وقت آخر؛ وذلك لأن المصلحة كما تَقَدَّم تتغير بتغير الأوقات والأشخاص
(2)
.
قال:
(الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن
(3)
، ومنع أبو مسلم الأصبهاني
(4)
. لنا: أن قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}
(5)
نُسخت
(1)
في (ص): "أن".
(2)
انظر أدلة وقوع النسخ وجوازه في: المحصول 1/ ق 3/ 440، الحاصل 2/ 641، التحصيل 2/ 10، نهاية الوصول 6/ 2244، نهاية السول 2/ 554، السراج الوهاج 2/ 642، المستصفى 9/ 48 (1/ 111)، الإحكام 3/ 115، المعتمد 1/ 370، البرهان 2/ 1300، نهاية الوصول 2/ 13، شرح اللمع 1/ 482، التلخيص 2/ 467، البحر المحيط 5/ 208، شرح التنقيح ص 303، العضد على ابن الحاجب 2/ 188، إحكام الفصول ص 391، كشف الأسرار 3/ 157، تيسير التحرير 3/ 181، فواتح الرحموت 2/ 55، شرح الكوكب 3/ 533، المسودة ص 195، العدة 3/ 769.
(3)
في نهاية السول 2/ 560، والسراج الوهاج 2/ 647، ومناهج العقول 2/ 168:"بعض القرآن ببعض". أي: بزيادة كلمة (ببعض).
(4)
في (ت): "الأصفهاني". وكلاهما صحيح؛ لأن أصل الحرف في اللغة الفارسية ب، فالبعض ينطقها باءً، وآخرون ينطقونها فاءً.
(5)
سورة البقرة: الآية 240.
بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
(1)
. قال: قد تعتد الحامل بسنة. قلنا: لا بل تعتد
(2)
بالحمل، وخصوص السَّنَة لاغٍ. وأيضًا تقديم
(3)
الصدقة على نجوى الرسول وَجَبَ بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ}
(4)
الآية، ثم نُسخ. قال: زَالَ لِزَوال سَبَبِه، وهو التمييز بين المنافق وغيره. قلنا: زال كيف كان. احتج بقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ}
(5)
. قلنا: الضمير للمجموع).
اللائق بهذه المسألة أن تُذكر في الفصل التالي لهذا الفصل الذي أودعه: ما يَنْسخ، وما يُنْسخ.
وحاصلها: أن نسخ جميع القرآن ممتنع إجماعًا، كما صرح به بعضهم
(6)
، وأشار إليه المصنف في آخر المسألة، وكذا الإمام في أثنائها
(7)
.
وأما نسخ بعضه - فجائز، ومنع منه
(8)
أبو مسلم الأصبهاني، كما
(1)
سورة البقرة: الآية 234.
(2)
سقطت من (ت)، و (غ).
(3)
في (غ): "تقدم".
(4)
سورة المجادلة: الآية 12.
(5)
سورة فصلت: الآية 42.
(6)
انظر: الحاصل 2/ 647، نفائس الأصول 6/ 2441 - 2442، المحلي على الجمع 2/ 76، فواتح الرحموت 2/ 73، تيسير التحرير 3/ 204، نهاية السول 2/ 560، البحر المحيط 5/ 251.
(7)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 467.
(8)
سقطت من (ت).
نقله عنه
(1)
الإمام وأتباعه
(2)
منهم المصنف. وقد تقدم النقل عنه أنه منع وقوعَه مطلقًا.
واحتج في الكتاب بوجهين:
أحدهما: أن الله تعالى أمر المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولًا في قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}
(3)
، ثم نُسخ ذلك بأربعة أشهر وعشرًا. وقال أبو مسلم: الاعتداد بالحول لم يَزُل بالكلية؛ لأنها لو كانت حاملًا، ومدة حملها حولٌ كامل - لكانت عدتها حولًا كاملًا، وإذا بقي هذا الحكم في بعض الصور كان تخصيصًا لا نسخًا
(4)
.
وأجاب في الكتاب: بأنا نمنع أن الحامل قد تعتد بسنة، بل إنما تعتد بوضع الحمل، سواء حصل لسنةٍ، أم أقل، أم أكثر، وخصوص السنة إنْ وَقَع لاغٍ لا عبرةَ به.
وهو
(5)
جواب صحيح، إلا أنَّ أبا مسلم لم يَدَّعِ عدمَ النسخ في الآية بهذا التقرير المذكور، بل بتقريرٍ غيره.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 460، الحاصل 2/ 644، التحصيل 2/ 13، شرح التنقيح ص 306، البحر المحيط 5/ 251، المحلي على الجمع 2/ 76.
(3)
سورة البقرة: الآية 240.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 461.
(5)
في (غ): "وهذا".
فنقول: اختلف العلماء في هذه الآية:
فذهب جمهور المفسرين إلى أنها منسوخة
(1)
بقوله: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
(2)
، كما ادعاه الأصوليون
(3)
، وهو الذي رواه البخاري في الصحيح عن ابن عباس
(4)
.
وذهب مجاهد
(5)
، كما رواه البخاري بسنده إليه: إلى أنها غير منسوخة، وأنها إن لم تختر السكنى
(6)
كانت عدتها أربعة
(1)
انظر: تفسير القرطبي 3/ 174، 226، جامع البيان 5/ 254، تفسير ابن كثير 1/ 296.
(2)
سورة البقرة: الآية 234.
(3)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 460، شرح التنقيح ص 306، الإحكام 3/ 117، شرح الكوكب 3/ 557.
(4)
انظر: صحيح البخاري 4/ 1647، كتاب التفسير، باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
…
} رقم 4257، فتح الباري 8/ 193، عمدة القاري 15/ 37، وكذا أخرجه ابن جرير في التفسير 5/ 255، رقم 5574، 5585، وانظر: تفسير ابن كثير 1/ 296، شرح السنة للبغوي 9/ 302.
(5)
هو مجاهد بن جَبْر، أبو الحجاج المخزوميّ مولاهم، المكي. ثقةٌ إمام في التفسير وفي العلم، وهو تابعيٌّ متفق على جلالته وإمامته. قاال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباسٍ ثلاثين مرة. وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد. وقال أبو نُعيم: مات مجاهد وهو ساجد سنة ثنتين ومائة. انظر: طبقات ابن سعد 5/ 466، حلية 3/ 279، سير 4/ 449، تهذيب 10/ 42، تقريب ص 520.
(6)
أي: البقاء في بيت زوجها وأخذ النفقة من ماله، كما هو مقتضى آية:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . =
أشهرٍ وعشرًا، كما في إحدى الآيتين. وإن اختارت اعتدت بحول، كما في الآية الأخرى، فَحَمَل الآيتين على حالتين
(1)
(2)
.
= والمعنى كما قال ابن جرير رحمه الله تعالى: "والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون: أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولًا، كما قال تعالى ذِكْرُه في سورة النساء {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}، ثم تَرَك ذِكْر: (كتب الله)، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه". انظر: جامع البيان 5/ 253.
(1)
انظر: صحيح البخاري 4/ 1646، فتح الباري 8/ 193، عمدة القاري 15/ 37. لكن نقل ابن كثير رحمه الله تعالى عن ابن أبي حاتم قولَه:"وروى عن أبي موسى الأشعري وابن الزبير ومجاهد. . . أنها منسوخة". أي: آية عدة الحول. انظر: تفسير ابن كثير 1/ 296، وقال ابن كثير عن قول مجاهد رضي الله عنه:"وهذا القول له اتجاه، وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس بن تيمية، وردَّه آخرون منهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر". تفسير ابن كثير 1/ 297، وانظر: التفسير الكبير 6/ 170.
(2)
قال البغوي - رحمه الله تعالى - في شرح السنة 9/ 303: "واختلفوا في السكنى للمعتدة عن الوفاة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا سكنى لها، بل تعتد حيث شاءت، وهو قول علي، وابن عباس، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، والحسن، وإليه ذهب أبو حنيفة، واختاره المزني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لفُريعة أن ترجع إلى أهلها". وقولُه لها آخِرًا: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتابُ أجلَه" - استحبابٌ. والقول الثاني: لها السكنى، وهو الأصح، وهو قول عمر، وعثمان، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وإليه ذهب مالك، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق. وقالوا: إذْنه لفُريعة أولًا صار منسوخًا بقوله آخِرًا: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". وفيه دليل على جواز نسخ الحكم قبل الفعل".
وذهب أبو مسلم الأصبهاني
(1)
إلى قولٍ ثالث: وهو أن معنى الآية: أن الذين يُتوفون إنْ كانوا قد وصُّوا وصيةً لأزواجهم بنفقةِ الحول، وسكنى الحول - فالعدة بالحول. فإنْ خرجن قبل ذلك، وخالفن وصيةَ الزوج بعد المدة التي ضربها الله تعالى لهن - فلا حرج فيما فعلن في أنفسهن من معروف، أي: نكاحٍ صحيح؛ لأن إقامتهن بهذه الوصية غير لازمة. قال: والسبب في ذلك أنهم كانوا في زمان الجاهلية يُوصون بالنفقة والسكنى حولًا كاملًا، وكان يجب على المرأة الاعتداد بالحول، فَبَيَّن الله تعالى في هذه الآية أن ذلك غير واجب.
وعلى هذا التقدير فالنسخ زائل عند أبي مسلم، ولكن ليس بالطريقة المتقدمة من أن الحامل قد تعتد بسنة، وحينئذ لا يصح الاستدلال بالآية عليه
(2)
. وقوله هذا هو الذي اختاره الإمام في "التفسير" وقال: إنه في غاية الصحة
(3)
.
وقد وافق والدي أطال الله بقاه
(4)
مجاهدًا وأبا مسلم على أن الآية غير منسوخة، وذهب إلى رأي رابع ارتضاه: وهو أن الله تعالى أنزل في المتوفى عنها زوجها آيتين:
إحداهما: آية العدة بأربعة أشهر وعشرًا.
(1)
في (ت): "الأصفهاني".
(2)
لأنه تَأَوَّل الآيتين بما يرفع التعارض عنهما الموجِبَ للنسخ.
(3)
انظر: التفسير الكبير 6/ 171.
(4)
في (ص): "أحسن الله إليه".
والثانية: آية الوصية، ومعناها: أنه تعالى جَعَل
(1)
للأزواج وصيةً منه سبحانه وتعالى سكنى حول كاملٍ بعد وفاة أزواجهن، سواء أوصى
(2)
الزوج بذلك أم لم يوص، وهذا هو ظاهر الآية فلا يُخرج عنه بلا دليل
(3)
.
الوجه الثاني: أنه تعالى أمر بتقديم الصدقة بين يدي نَجْوى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}
(4)
، ثم نسخ ذلك بقوله:{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}
(5)
الآية. قال الواحدي: أجمعوا على أنها منسوخة الحكم بها.
واعترض أبو مسلم: بأن ذلك إنما زال لزوال سببه، وهو التمييز بين المنافق وغيره؛ لأن المؤمن يمتثل والمنافق يخالف، فلما حصل بعد ذلك التمييز سقط الوجوب.
وأجاب
(6)
: بأن المُدَّعى إنما هو زوال الحكم بعد ثبوته، سواء كان لزوال سببه، أم لم يكن؛ لأن ذلك معنى النسخ.
(1)
سقطت من (غ).
(2)
في (ت): "وصَّى".
(3)
أي: فليس بين الآيتين تعارض؛ لأن الأولى هي آية العدة، والثانية آية الوصية بأحقية سكنى الزوجة في بيت زوجها حولًا كاملًا.
(4)
سورة المجادلة: الآية 12.
(5)
سورة المجادلة: الآية 13.
(6)
سقطت من (غ).
وهو جواب ضعيف من وجهين:
أحدهما: أنه سيأتي في كلامه - إن شاء الله تعالى - أن زوال الشيء لزوال سببه أو شرطه ليس بنسخ.
والثاني: أنه إنْ
(1)
أراد التمييز للنبي صلى الله عليه وسلم فهو عليه السلام كان عالمًا بأعيانهم، وسَمَّاهم لحذيفة بن اليمان صاحب سره. وإن أراد التمييز للصحابة فلا نُسَلِّم حصولَ التمييز لهم، كيف وقد قيل: ما كانت إلا ساعةً من نهار حتى
(2)
نسخت. ومن البعيد حصول التمييز في ساعةٍ واحدة.
بل الجواب: أن الإجماع قد قام على أنها منسوخة، كما حكيناه عن الواحدي، وأن التمييز لا يحصل في ساعة من نهار كما ذكرناه.
وأما قول الإمام في الجواب: لو كان كذلك
(3)
لكان من لم يتصدق صار
(4)
منافقًا، وهو باطل لأنه رُوي أنه لم يتصدق غير علي رضي الله عنه، ويدل عليه قوله تعالى:{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}
(5)
(6)
- فهو ضعيف
(7)
؛ لأن عدم الصدقة إنما يدل على النفاق لو وجدت النجوى معه،
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ت)، و (غ):"ثم".
(3)
يعني: لو كان الغرض من الآية التمييز بين المؤمنين والمنافقين.
(4)
سقطت من (ص)، و (غ).
(5)
سورة المجادلة: الآية 13.
(6)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 462 - 463.
(7)
هذا جواب الشرط في قوله: وأما قول الإمام.
وذلك لم يُوجد لأنه لم يناج أحدٌ من الصحابة بدون التصدق، بل لم يصح (أنَّ أحدًا ناجاه)
(1)
غير علي رضي الله عنه. وأما علي فقيل: لم يصح أنه ناجاه، واحْتُجَّ بذلك على جواز نسخ الحكم قبل العمل به. وهذا يشهد له قوله تعالى:{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} إذا جعلتَ إذ على بابها
(2)
، والمعنى: أنكم تركتم ذلك فيما مضى. ولكن روى ليث عن مجاهد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن في كتاب الله لآيةً ما عمل بها أحدٌ قبلي ولا يَعْمل بها أحد بعدي آية النجوى، كان عندي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم قدمتُ بين يدي نجواي درهمًا، ثم نُسِخت فلم يَعْمل بها أحدٌ"
(3)
. وعلى هذا يجب إخراج "إذْ" عن بابها
(4)
، وإما أن تكون بمعنى إذا، كما قيل في:{إِذِ الْأَغْلَالُ}
(5)
، وإما أن تكون بمعنى إن الشرطية. وسواء أصح
(6)
المنقول عن علي، أم لم يصح -
(1)
في (غ): "أنه ناجاه".
(2)
أي: ظرفًا يدل على الزمان الماضي. انظر: مغني اللبيب 1/ 94، إعراب القرآن الكريم وبيانه 10/ 23.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 482، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وانظر: تفسير ابن كثير 4/ 326، أسباب النزول للواحدي ص 276. وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن مجاهد في قوله:{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ} قال علي: "ما عمل بهذا أحد غيري حتى نُسخت". قال: أحسبه قال: "وما كانت إلا ساعة". انظر: تفسير القرآن لعبد الرزاق 2/ 280.
(4)
أي: على القول بالنسخ يجب إخراج "إذ" عن الدلالة على الزمان الماضي، فتكون دالةً على المستقبل.
(5)
سورة غافر: الآية 71.
(6)
في (ت)، و (غ):"صح".
فعدم الصدقة إنما كان لعدم النجوى
(1)
، فلا يحصل الجواب بما ذكره الإمام.
فإن قلت: كيف لم يعمل غيرُ عليٍّ مِنْ أكابر الصحابة - بالآية قبل نسخها، كأبي بكر، وعمر، وعثمان
(2)
رضي الله عنهم.
قلت: إن صَحَّ أنهم لم يعملوا بها - فإما لسرعة نسخها، وإما لأنهم فهموا أن المقصود الكفُّ عن المناجاة تعظيمًا للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن سبب نزول الآية: أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، وأراد الله أنْ يُخفف عن نبيه. كذا ذكره حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما
(3)
، فيكون كَفُّهم عن المناجاة مبالغةً في التعظيم. فإنْ قلتَ: لِمَ لا فَعَل عليٌّ رضي الله عنه ما فعلوه مبالغةً في التعظيم؟
قلت: لعل
(4)
الضرورة ألجأته إلى المناجاة، وذلك غير مستبعد؛ لأنه كان قريبه الأقرب، وزوج ابنته، والعادة تقتضي
(5)
بأن يكون أحوج إلى مناجاته صلى الله عليه وسلم.
واحتج أبو مسلم: بأنه تعالى وصف كتابه بأنه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
(1)
أي: فلا يدل على النفاق، كما يقول الإمام؛ لأن النفاق يكون عند عدم الصدقة مع النجوى، وهذا لم يحصل.
(2)
في (ص): "وعثمان وعلي". وذِكْر عليٍّ رضي الله عنه خطأ واضح.
(3)
انظر: تفسير ابن كثير 4/ 327.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ص): "تقضي".
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}
(1)
، فلو نُسخ لأتاه الباطل.
وأجاب المصنف: بأن الضمير في {يَأْتِيهِ} عائد إلى مجموع القرآن، أعني: الهيئة الاجتماعية. لا لجميعه، أعني: كلَّ فردٍ فردٍ
(2)
، سواء كان مجتمعًا مع غيره أم لم يكن. وإذا كان عائدًا إلى المجموع - لم يكن دليلًا على محل النزاع؛ لأن مجموع القرآن لا يُنسخ اتفاقًا كما سلف، وإنما الكلام في بعضه.
وفي هذا الجواب نظر من وجهين:
أحدهما: أنَّك لِمَ قلتَ بعوده لمجموعه دون جميعه، ولم لا كان العكس
(3)
!
الثاني: أن الضمير في "يأتيه" عائدٌ إلى القرآن، والقرآن من الألفاظ المتواطئة يطلق على كله وعلى بعضه، كما تقدم في الحقيقة (والمجاز، فليس حَمْله على الكل بأولى من حمله على البعض)
(4)
.
فإن قلت: ولا حَمْلُه على البعض أيضًا بأولى من العكس، وحينئذ يبطل استدلال أبي مسلم بالآية؛ لما ذُكِر مِنْ أنَّ الحمل على واحد يقتضي
(1)
سورة فصلت: الآية 42.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
لأن عوده لجميعه يستلزم عوده لمجموعه دون العكس، وهذا أولى؛ إذ القرآن كل آية منه لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، أي: فالقرآن لا يُنسخ بعضه، كما لا يُنسخ كله.
(4)
سقطت من (غ).
الترجيح من غير مرجِّح.
قلت: الحمل على البعض أولى؛ لوقوع الاتفاق عليه، إذْ مَنْ حمل على الكل حمل على البعض، من غير عكس
(1)
.
وقد أجاب الإمام: بأن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله تعالى ما يُبطله، ولا يأتيه مِنْ بعده
(2)
.
وأجاب غيره: بأن النسخ ليس باطلًا، بل
(3)
هو حق
(4)
، والباطل يضاد الحق، فوجب حمل الباطل على غير النسخ، وكلا الجوابين صحيح حسن
(5)
.
(1)
أي: مَنْ قال بحمل لفظ "القرآن" على الكل، فإنه يحمله على البعض؛ لأن الكل شامل للبعض. ومَنْ حمله على البعض، فإنه لا يحمله على الكل، فأصبح حَمْل القرآن على البعض متفقًا عليه، فيحمل الضمير في {يَأْتِيهِ} على بعض القرآن.
(2)
أي: ما يبطله أيضًا. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 467. قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في زاد المسير 7/ 262: قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: التكذيب، قاله سعيد بن جبير. والثاني: الشيطان. والثالث: التبديل، رُويا عن مجاهد. قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن يُنقص منه حقًا، ولا يزيد فيه باطلًا. وقال مجاهد: لا يُدْخِل فيه ما ليس منه. وفي قوله: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} أقوال: أحدها: بين يَدَيْ تنزيله، وبعد نزوله. والثاني: أنه ليس قبله كتاب يُبْطله، ولا يأتي بعده كتاب يُبْطله. والثالث: لا يأتيه الباطل في إخباره عما تقدم، ولا في إخباره عما تأخر. اهـ.
(3)
في (ص): "إذ".
(4)
لأنه إبطال لا باطل. انظر: نهاية السول 2/ 562.
(5)
انظر المسألة الثانية في: المحصول 1/ ق 3/ 460، الحاصل 2/ 644، التحصيل =