الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ممنوعًا لو لم يَجِبْ كالركوعين في الخسوف. والندب بقصد القربة مجردًا وكونه قضاء لمندوب).
تقدم أنَّ المتابعة مأمورٌ بها، وأنَّ مِنْ شرطها العلمَ بجهة الفعل، وهذه المسألة في
بيان الطرق التي تُعرف
(1)
بها الجهةُ
، وقد عرفتَ أن فعله صلى الله عليه وسلم منحصر في الواجب، والمندوب، والمباح. فالطريق حينئذٍ قد يعم
(2)
هذه الأمور، وقد يخص البعض منها.
فالعام أربعة:
أحدها: أن يُنَصَّ على كونه من القسم الفلاني
(3)
.
وثانيها: أن يُسَوِّيَه بفعلٍ عُلِمت جهتُه، كما إذا قال: هذا الفعل مساوٍ للفعل الفلاني. وكان ذلك الفعل المشار إليه معلومَ الجهة.
والثالث: أن يقع امتثالًا لآية دلت على أحد هذه الثلاثة.
والرابع: أن يقع بيانًا لآية مجملة دلت على أحدها
(4)
. وإلى هذا القسم أشار بقوله: "أو بيانها"، وهو مرفوع عطفًا على قوله:"امتثال"، أي:
(1)
في (ص): "يعرف".
(2)
في (غ): "تعم".
(3)
أي: من قسم الواجب، أو المندوب، أو المباح. انظر: نهاية السول 3/ 30، السراج الوهاج 2/ 700.
(4)
كأن يطوف بعد إيجاب الطواف لِتُعْلم صفته، فَيُعْلم وجوب الصفة التي وقعت، ككونه سبعًا، والابتداء بالحَجَر، وجَعْلِ البيت عن يساره. انظر: حاشية البناني على المحلي 2/ 98.
وتُعلم
(1)
جهةُ فِعْله بسبب عِلْم أن ذلك الفعلَ امتثالُ آية، أو بيان.
قوله: "وخصوصًا"، أي: ويُعلم خصوصًا الوجوبُ بالعلامات الدالة عليه، وذلك في أشياء:
أحدها: أن يقع على صفةٍ تقرَّر في الشريعة أنها أمارة الوجوب، كالصلاة بأذان وإقامة
(2)
.
والثاني: أن يكون جزاءَ شرطٍ، كفعلِ ما وَجَبَ بالنذر، بأن يقول مثلًا: لله عليَّ إنْ جَرَى الأمرُ الفلاني صومُ غد. ثم نرى جَرَيَانَ ذلك الأمرِ وصومَه في غدٍ.
واعلم أن وقوع النذر من النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ متصوَّرٍ إنْ قلنا بكراهته، وهو الذي حكاه الشيخ أبو علي السنجي عن نص الشافعي، كما نقل ابن أبي الدم
(3)
.
(1)
في (ص): "ويعلم".
(2)
أي: الصلاة المصحوبة بالأذان والإقامة؛ لأنهما علامة الوجوب، قال جلال الدين المحلي رحمه الله تعالى:"لأنه ثبت باستقراء الشريعة أنَّ ما يؤذن لها واجبة، بخلاف ما لا يؤذن لها كصلاة العيد والاستسقاء". شرح المحلي على الجمع 2/ 98. وانظر: شرح الأصفهاني 2/ 509.
(3)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن أبي الدم الهَمْدانيُّ الحمويُّ الشافعيّ. ولد بحماة سنة 583 هـ. ولي القضاء بحماة، وصنَّف "أدب القضاء"، و"مشكل الوسيط"، وجمع تاريخًا، وألف في الفرق الإسلامية، وغير ذلك. وله نظم جَيّد وفضائل وشُهرة. توفي سنة 642 هـ. انظر: سير 23/ 125، الطبقات الكبرى 8/ 115، شذرات 5/ 213.
والثالث: أن يكون ممنوعًا لو لم يَجِبْ
(1)
، كالإتيان بالركوعين في صلاتي الخسوف والكسوف
(2)
، وكالختان
(3)
.
ولقائل أن يقول: هذا ينتقض بسجود السهو، وسجود التلاوة، فإنهما سنتان
(4)
وممنوع منهما لولا المقتضِي لهما
(5)
.
(1)
أي: فعدم المنع علامة على وجوب ما أصله المنع.
(2)
انظر: العزيز شرح الوجيز 2/ 372 - 373.
(3)
انظر: غاية البيان شرح زبد ابن رسلان ص 39.
(4)
في (ص): "شيئان". وهو خطأ.
(5)
المعنى: أنه جعل ملازمةً بين المنع وعدم الوجوب. فلو لم يجب - لكان ممنوعًا. لكنه غير ممنوع فهو واجب. فعدم المنع علامة على الوجوب. فَتُنْقض الملازمة بسجود السهو والتلاوة فإنهما سنتان وممنوعٌ منهما لولا المقتضي لهما وهو كونهما سنة. فلولا سنية سجود السهو والتلاوة - لكانا ممنوعين. لكنهما غير ممنوعين، فهما سنتان. فعدم المنع علامة على السنية. ملاحظة: ينبغي التنبه إلى التفريق بين المقتضي؛ وسبب المقتضي؛ لأن الأول حكم تكليفي والثاني حكم وضعي، وكلامنا عن التكليفي لا الوضعي. فهنا قلنا: المقتضي لسجود السهو والتلاوة كونهما سنة. ولم نقل: المقتضي لسجود السهو والتلاوة هو السهو وتلاوة آية السجدة؛ لأن هذين سببان في الاقتضاء، أي: في السنية، فهما حكمان وضعيان، وكلامنا هنا عن الحكم التكليفي. فعدم المنع علامة على حكمين تكليفيين: الوجوب والندب. والمقتضي لعدم المنع هما الوجوب والندب، فالوجوب والندب سببان لعدم المنع، وهو مسبب. فهما ملزومان، وعدم المنع لازم، واللازم لا يتخلف عن ملزومه. ويلاحظ أيضًا أن النقض بسجود السهو إنما هو على مذهب الشافعية القائلين بأنه سنة. قال النووي رحمه الله تعالى:"سجود السهو سنة عندنا ليس بواجب. وقال أبو حنيفة: هو واجب يأثم بتركه، وليس بشرط لصحة الصلاة. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: هو سنة، كقولنا. وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: الذي يقتضيه مذهبنا أنه واجب في سهو النقصان. وأوجبه أحمد في الزيادة والنقصان". المجموع 4/ 152، وقد نص الرملي في نهاية المحتاج 2/ 62، وابن حجر في تحفة المحتاج 2/ 169: على أنه سنة مؤكدة.
ويعرف الوجوب أيضًا بكونه قضاء لواجب، وهذا قد ذكره المصنِّف في المندوب، ومن العجب إخلاله به هنا
(1)
.
ويُعرف أيضًا بالمداومة على الفعل، مع عدم ما يدل على عدم الوجوب. وهذا
(2)
دليل ظاهر على الوجوب؛ لأنه لو كان غير واجب لنصب
(3)
عليه دليلًا أو داخل بتركه لئلا يوهم إيجاب ما ليس بواجب
(4)
.
وقوله "والندب"، أي: ويختص معرفة الندب بشيئين:
أحدهما: قصد القربة مجردًا عن أمارةٍ دالةٍ على الوجوب، فإنه يدل على أنه مندوب؛ لأن الرجحان ثبت بقصد القربة، والأصل عدم الوجوب. وفي هذا ما تقدم من الخلاف.
والثاني: كون الفعل قضاءً لمندوب.
ويُعْرف الوجوب والندب كلاهما بالدلالة على أنه كان مخيرًا بينه وبين فعلٍ آخر ثَبَت وجوبُه؛ لأن التخيير لا يقع بين الواجب وما ليس بواجب
(5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1)
انظر: نهاية السول 2/ 32 - 33، المحصول 1/ ق 3/ 384.
(2)
في (غ): "فهذا".
(3)
في (ص): "لنص". وهو خطأ.
(4)
انظر هذا الطريق في: نهاية الوصول 5/ 2163.
(5)
المعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان مخيَّرًا بين فعلين أحدهما ثبت وجوبه - فهذا يدل على وجوب الآخر؛ لأن التخيير لا يقع بين الواجب وما ليس بواجب؛ لأنه لو فرض وقوع التخيير فإن الوجوب ينتفي، ويجوز الترك بالكلية؛ لأن المندوب يجوز تركه، فلا يصح أن يخير بين الواجب والمندوب. وكذا إذا =