الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الفصل الثالث: فيما ظُنَّ صدقه
.
وهو خبر العدل الواحد. والنظر في طرفين: الأول: في وجوب العمل به. دل عليه السمع، وقال ابن سريج والقفال والبصري: دلَّ العقل أيضًا. وأنكره قومٌ؛ لعدم الدليل، أو للدليل على عدمه شرعًا أو عقلا. وأحاله آخرون. واتفقوا على الوجوب قي الفتوى، والشهادة، والأمور الدنيوية).
القسم الثالث من أقسام الخبر: (ما لا يقطع بصدقه ولا بكذبه)
(1)
.
وله أحوال؛ لأنه إما أن يترجَّح احتمال صدقه، أو كذبه: كخبر العدل، والفاسق. أو يتساوى الأمران
(2)
: كخبر المجهول. وإنما يجب العمل بالقسم الأول؛ فلذلك اقتصر على ذِكْره هنا.
فقوله: "العدل" احترازٌ عن القسمين الآخَرَيْن.
وقوله: "الواحد" احتراز عن المتواتر؛ فإن المراد بخبر الواحد عند الأصوليين: ما لم يبلغ حد التواتر مما لا سبيل إلى القطع بصدقه أو كذبه، سواء نَقَله واحدٌ أم جمع منحصرون
(3)
وقد يُخْبِر واحدٌ فيُعلم صدقه
(1)
في (ت)، و (غ):"ما لا يقطع بكذبه ولا بصدقه".
(2)
سقطت من (ص).
(3)
انظر: نهاية الوصول 7/ 2800، الإحكام 2/ 31، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، شرح الكوكب 2/ 345، المحلي على الجمع 2/ 129، اللمع ص 72، شرح اللمع 2/ 578، المستصفى 2/ 179 (1/ 145).
كالنبي، ولا يُعد ذلك مِنْ أخبار الآحاد
(1)
.
ويَدخل في خبرِ الواحدِ المستفيضُ
(2)
، قال الآمدي: وهو ما نقله
(1)
في هذا نظر، لأن خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبر آحاد مقطوع بصدقه، فالقطع من جهة كونه صلى الله عليه وسلم نبيًا معصومًا من الكذب، لا من جهة ذات خبره. ولذلك عَرَّفوا الخبر بأنه: ما احتمل الصدق والكذب لذاته. فقيد "لذاته" احتراز عن المقطوع بصدقه، والمقطوع بكذبه، لكن لا لذاته، بل لأمرٍ خارج، كما هو الحال في خبر النبي صلى الله عليه وسلم مقطوع بصدقه لكونه نبيًا، لا لمجرد الخبر. انظر: شرح السلم للدمنهوري ص 9 - 10، حاشية الباجوري على السلم ص 47. وهذا الذي قاله الشارح ذهب إليه القرافي رحمه الله، إذا قسَّم الخبر إلى متواتر، وآحاد، ولا متواتر ولا آحاد: وهو خبر الواحد إذا احتفَّت به القرائن، فليس متواترًا؛ لاشتراطنا في التواتر العدد، وليس آحادًا؛ لاشتراطنا في الآحاد الظن، وهذا أفاد القطع بالقرائن، فلا يكون آحادًا.
انظر: نفائس الأصول 7/ 2920 - 2921، شرح التنقيح ص 349، 357.
(2)
هذا هو مذهب الجمهور، إذ يقسِّمون الأخبار إلى متواتر وآحاد، ولا واسطة عندهم بين التواتر والآحاد، فالمستفيض من أخبار الآحاد. وذهب عامة الحنفية إلى أن المشهور قسم مستقل، فالأقسام عندهم ثلاثة. وإليه ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، كما نقله عنه إمام الحرمين. وذهب أبو بكر الجصاص وبعض الحنفية وابن فُورك رحمهم الله إلى أن المشهور من قسم المتواتر. انظر: الإحكام 2/ 31، البرهان 1/ 584، المحلي على الجمع 2/ 129، البحر المحيط 6/ 119، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، كشف الأسرار 2/ 360 - 370، تيسير التحرير 3/ 37، المغني في أصول الفقه ص 191 - 194، شرح الكوكب 2/ 345. تنبيه: قد يسمى المستفيض مشهورًا. قال البخاري في كشف الأسرار 2/ 368: "ويسمى هذا القسم مشهورًا ومستفيضًا".
انظر: المحلي على الجمع 2/ 129، فواتح الرحموت 2/ 111، شرح الكوكب 2/ 345، تشنيف المسامع 2/ 959، غاية الوصول ص 97.
جماعةٌ تَزيد على الثلاثة والأربعة
(1)
.
وقيل: المستفيض: ما تلقته الأمة بالقبول
(2)
.
(وقال)
(3)
الأستاذ أبو بكر بن فورك: "الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول محكوم بصدقه". قال إمام الحرمين: "وفَصَّل ذلك في مصنفاته فقال: إن اتفقوا على العمل به لم يُقطع بصدقه، وحُمِل الأمر على اعتقادهم
(4)
وجوبَ العمل بخبر الواحد. وإنْ تلقوه بالقبول قولًا ونطقًا حُكِم بصدقه. قال القاضي: لا يُحكم بصدقه وإنْ تلقوه بالقبول قولًا ونُطقًا، فإنَّ تصحيح الأئمة للخبر مُجْرى على حكم الظاهر، فإذا استجمع شروطَ
(1)
انظر: الإحكام 2/ 31، وعبارة الآمدي رحمه الله تعالى فيها تسامح، ومقصوده: أنه ما فوق الثلاثة. وهذا هو الذي نقله بعض الأصوليين عنه، وهو الذي ذهب إليه ابن الحاجب وبعض الحنابلة. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 55، شرح الكوكب 2/ 345 - 346، نهاية السول 3/ 103. قال شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى: المشهور: ماله طرق محصورة بأكثر من اثنين، ولم يبلغ حد التواتر. سُمِّي بذلك لوضحه، وسماه جماعة من الفقهاء المستفيض لانتشاره، مِنْ فاض الماء يفيض فيضًا. ومنهم مَنْ غاير بينهما: بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء. والمشهور أعم من ذلك. ومنهم مَنْ عكس". انظر: تدريب الراوي 2/ 173، نزهة النظر ص 43. قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في غاية الوصول ص 97:(وأقله) أي: المستفيض، أي: أقل عدد راويه (اثنان) وهو قول الفقهاء (وقيل: ما زاد على ثلاثة) وهو قول الأصوليين. وقيل: ثلاثة، وهو قول المحدثين. اهـ.
(2)
انظر: البحر المحيط 6/ 119.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "اعتقاد".
الصحة أطلق عليه المحدثون الصحة، فلا وجه للقطع والحالة هذه". قال إمام الحرمين: "ثم لو قيل للقاضي: لو رفعوا هذا الظنَّ، وباحوا بالصدق
(1)
- فماذا تقول؟ - لقال
(2)
مجيبًا: لا يُتصور هذا؛ فإنهم لا يَصِلون إلى العلم بصدقه، ولو قطعوا لكانوا مجازفين، وأهل الإجماع لا يجتمعون
(3)
على باطل"
(4)
.
وقال الأستاذ أبو إسحاق: المستفيض ما تتفق عليه أئمة الحديث. وزعم أنه يقتضي العلم نظرًا، والمتواتر يقتضيه ضرورةً. وضَعَّف إمام الحرمين ما قاله الأستاذ: بأن العرف واطراد الاعتياد
(5)
لا يقتضي الصدق قطعًا، بل قصاراه غلبة الظن
(6)
.
والمختار: أن المستفيض ما يعده الناس شائعًا، وقد صَدَر عن أصل
(7)
؛
(1)
يعني: لو أن الأئمة صَرَّحوا بصدق هذا الخبر، وجزموا بذلك، مع كونه خبر آحاد.
(2)
قوله: "لقال" جواب "لو" الأولى في قوله: "ثم لو قيل. . .".
(3)
في (ت)، و (غ):"لا يجمعون".
(4)
انظر: البرهان 1/ 584 - 585.
(5)
في (ص): "الاعتبار". وهو خطأ.
(6)
انظر: البرهان 1/ 584.
(7)
قال البناني رحمه الله تعالى: "الأصل: هو الإمام الذي ترجع إليه النَّقَلة". حاشية البناني 2/ 129. ويقصد بالإمام: الراوي الأصل الذي روى عنه مَنْ بعده. وفي نشر البنود 2/ 36: "وفسر السبكي المستفيض: بأنه الشائع عن أصل، أي: إسناد. فخرج الشائع لا عن أصل".