الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الباب الثاني: في أنواع الإجماع
.
وفيه مسائل:
الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمَنْ بعدهم إحداث ثالث
؟ والحق أن الثالث إن لم يرفع مُجْمعًا عليه جاز وإلا فلا. مثاله: ما
(1)
قيل في الجد مع الأخ: الميراثُ للجَدّ. وقيل: لهما. فلا سبيل إلى حرمانه).
لك ها هنا
(2)
مناقشتان:
إحداهما: كان من حُسْن
(3)
الوضع تأخير هذا الباب عن الذي بعده، وهو الثالث في شرائط الإجماع.
والثانية: أنَّ الإجماع شيءٌ واحدٌ ليس تحته أنواع، لكنه أراد بالأنواع ما لا يكون إجماعًا عند طائفة دون آخرين، وما هو إجماع بالاتفاق.
ثم غرض الفصل: أنه إذا اختلف أهلُ العصر في مسألةٍ على قولين هل يجوز لمَنْ بعدهم إحداثُ قولٍ ثالث؟ وفيه ثلاثة مذاهب:
الأول: المنع مطلقًا. وعليه الجمهور
(4)
.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
في (ص): "هنا".
(3)
في (ص): "جنس". وهو تحريف.
(4)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 179، نهاية الوصول 6/ 2527، شرح التنقيح ص 326، العضد على ابن الحاجب 2/ 39، شرح الكوكب 2/ 264، تيسير التحرير 3/ 250.
والثاني: الجواز مطلقًا. وعليه طائفة من الحنفية، والشيعة، وأهل الظاهر
(1)
.
والثالث: وهو الحق عند المتأخرين، وعليه الإمام وأتباعه والآمدي
(2)
: أنَّ الثالثَ إنْ لَزِم منه رفْعُ ما أجمعوا عليه لم يَجُز إحداثه وإلا جاز.
مثال الأول: إذا مات رَجلٌ وخَلَّف جَدًّا
(3)
وإخوة ذهب بعض العلماء إلى الاشتراك، وذهب الباقون إلى سقوط الإخوة بالجد
(4)
، فلو قال قائل: بإسقاط الجد بالإخوة - لم يجز؛ لأنه رافع لأمرٍ مُجْمَعِ عليه مستفادٍ من القولين المتقدمين: وهو أن الجد يرث
(5)
إما منفردًا أو مشاركًا للإخوة، فإذا أسقطنا الجد فقد رَفعنا أمرًا مجمعًا عليه.
(1)
وهو قول بعض المتكلمين. انظر: المسودة ص 326، تيسير التحرير 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 235، الإحكام لابن حزم 1/ 561، التمهيد لأبي الخطاب 3/ 311، شرح الكوكب 2/ 266، نهاية الوصول 6/ 2527.
(2)
وابن الحاجب، وأبو الحسين البصريّ، والقرافيّ، والطوفيّ، والشارح في "جمع الجوامع"، وابن بدران. قال الزركشي:"وكلام الشافعي في "الرسالة" يقتضيه". انظر: المحصول 2/ ق 1/ 180، الحاصل 2/ 697، التحصيل 2/ 59، نهاية الوصول 6/ 2527، الإحكام 1/ 268، العضد على ابن الحاجب 2/ 39، المعتمد 2/ 46، مختصر الطوفي ص 134، المحلي على الجمع 2/ 197، البحر المحيط 6/ 518، الرسالة ص 595 - 596، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، شرح التنقيح ص 326، شرح الكوكب 2/ 264.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر: المغني 7/ 64، بداية المجتهد 2/ 346.
(5)
سقطت من (ت).
وهذا المثال سبق المصنفَ بذكره الإمامُ والآمديُّ
(1)
وغيرُهما وهو صحيح وإنْ صَحَّ ما نقله ابن حزم الظاهري مِنْ ذهاب بعضهم إلى انفراد الأخ بالمال؛ لأن الإجماع وقع بعد ذلك على خلافه.
ومن أمثلته أيضًا: الجارية الثيب إذا وَطِئها المشتري ثم وجد بها عيبًا قديمًا. قال بعضهم: نمنع الردّ
(2)
. وقال آخرون بالرد مع العُقْر
(3)
. فالقول بالردِّ مجانًا ثالث. كذا صَوَّره الآمديُّ في الثيب، وابن الحاجب في البكر
(4)
.
فإن قلت: كيف قال الشافعيُّ رضي الله عنه ومالكٌ والليثُ في الثيب
(5)
بالردِّ مجانًا
(6)
؟
قلت: لم يثبت تَكلُّم جميع الصحابة في المسألة، بل كان القولان ممن تكلم فيها فقط
(7)
. ولو فُرض كلام جميعهم فلا نسلم استقرار رأيهم على
(1)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 180 - 181.
(2)
أي: فليس للمشتري إلا الرجوع على البائع بقيمة العيب. وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه لكنه قال ذلك أيضًا في البكر. انظر: بداية المجتهد 2/ 182.
(3)
أي: يردها، ويردُّ مهرَ مِثْلها. وبه قال ابن أبي شبرمة وابن أبي ليلى، سواء عندهما البكر والثيب. انظر: بداية المجتهد 2/ 182.
(4)
انظر: الإحكام 1/. . .، العضد على ابن الحاجب 2/ 39، البحر المحيط 6/ 519.
(5)
دون البكر.
(6)
وهو إحدى الروايتين عن أحمد رضي الله عنه. انظر: بداية المجتهد 2/ 182، روضة الطالبين 3/ 150، الشرح الكبير 4/ 88، المحلى 9/ 72.
(7)
ولذلك قال الإسنوي رحمه الله: "وصورة هذه المسألة (أي: مسألة إحداث قولٍ ثالث على القولَيْن السابقَيْن): أن يتكلم المجتهدون جميعُهم في المسألة، ويختلفوا فيها على قولين. . . وأما مجرد نقل القولين عن عصرٍ من الأعصار فإنه لا يكون مانعًا من =
قولين
(1)
. وهذا الفَرْض على تقدير صحة اختلاف الصحابة على هذا الوجه، فإنَّ المنقول أنَّ عمر رضي الله عنه قال بالرد مع الأرش، وأن عليًا رضي الله عنه قال بعدم الرد. وهذا الاختلاف ليس بين جميع الصحابة، بل قد رُوي عن زيد بن ثابت مثل قولنا
(2)
. ثم إنَّ المنقول عن (عمر وعلي)
(3)
لم يصح. قال والدي أيده الله: "وقد وقفت على أسانيد وردت في ذلك عنهما فرأيتها كلَّها ضعيفة، وأمْثَلُها الرواية عن عليٍّ
(4)
وهي منقطعة؛ لأنها من رواية علي بن الحسين وهو لم يدرك جده"
(5)
.
ومثال الثاني: وهو ما لم يَرْفع مجمعًا عليه، ولم يمثِّل له في الكتاب. قيل: يجوز فسخ النكاح بأحد العيوب الخمسة
(6)
. وقيل: لا يجوز بشيء منها
(7)
.
= إحداث الثالث؛ لأنا لا نعلم هل تكلم الجميع فيها أم لا؟ فافهمه ينحل به إشكالات أُوردت على الشافعيّ في مسائل". نهاية السول 3/ 274 - 275.
(1)
انظر: نهاية الوصول 6/ 2529 - 2530، المستصفى 2/ 382 - 383 (1/ 198 - 199).
(2)
انظر المرويَّ عن عمر وعلي وزيد رضي الله عنهم جميعًا - في الشرح الكبير 4/ 88.
(3)
في (ص): "علي وعمر".
(4)
وهي أنه لا يرد الجارية الثيب ويرجع بقيمة العيب.
(5)
انظر: تكملة المجموع للسبكي 12/ 224، تيسير التحرير 3/ 250.
(6)
انظر: كفاية الأخيار 2/ 37، نهاية المحتاج 6/ 302، بداية المجتهد 2/ 50، شرح الزرقاني على خليل 3/ 235، المغني 7/ 580.
(7)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/ 579: "وروي عن عليٍّ: لا تُرد الحرة بعيب. وبه قال النخعيّ والثوريُّ وأصحاب الرأي. وعن ابن مسعود لا ينفسخ =
فالقول بالفسخ بالبعض دون البعض
(1)
ليس رافعًا لما أجمعوا عليه، بل هو موافق لكل من القولين في بعض مقالته.
ومثاله أيضًا: قيل: يحل أكل متروك التسمية سهوًا وعمدًا
(2)
(3)
. وقيل: لا يحل لا سهوًا ولا عمدًا
(4)
. فالقول بالحل في السهو دون العمد جائز
(5)
.
قال: (قيل: اتفقوا على عدم الثالث. قلنا: كان مشروطًا بعدمه فزال بزواله. قيل: وارد على الوحداني
(6)
. قلنا: لم يُعْتبر فيه إجماعًا).
احتج الجمهور وهم المانعون مطلقًا بوجهين:
أحدهما: أنَّ اختلافَهم على قولين إجماعٌ على أنه يجب الأخذ بأحدهما، ولا يجوز العدول عنهما. وتجويز القول الثالث مُبْطل لذلك،
= النكاح بعيب، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبًا أو عنينًا، فإن للمرأة الخيار. . .". وانظر: الهداية 2/ 306، ملتقى الأبحر 1/ 288.
(1)
في (ص): "بعض".
(2)
في (غ): "أو عمدًا".
(3)
هو قول الشافعي وأصحابه، وهو مرويّ عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، ورواية عن أحمد رحمه الله. انظر: كفاية الأخيار 2/ 148، نهاية المحتاج 8/ 112، بداية المجتهد 1/ 448، المغني 11/ 33.
(4)
وهو قول أهل الظاهر، وابن عمر، والشعبيّ، وابن سيرين. انظر: بداية المجتهد 1/ 448، المحلى 7/ 412.
(5)
وبه قال مالكٌ وأبو حنيفة والثوريُّ رضي الله عنهم، وهو المشهور من مذهب أحمد رحمه الله. انظر: بداية المجتهد 1/ 448، الهداية 4/ 394، ملتقى الأبحر 2/ 215، المغني 11/ 32 - 33.
(6)
في (ت): "الواحد".
فكان مُبْطلًا للإجماع، وذلك باطل.
والجواب: أن اتفاقهم على وجوب الأخذ بأحد القولين، وعدمِ جواز غيرِهما - مشروطٌ بعدم حدوث ثالث، فإذا حدث ثالثٌ انتفى شرطُ الاتفاق على وجوب الأخذ بأحد القولين وامتناعِ الثالث.
واعترض الخصم على هذا الجواب بأنه واردٌ على الوَحْداني؛ إذ الشبهة قائمة بعينها فيه، فيقال: إنما أوجبوا التمسك بالإجماع على القول الواحد بشرط أن لا يظهر الثاني، فإذا ظهر فقد زال شرطه، فيجوز القول بخلافه.
وأجيب عنه: بأن الاحتمال وإنْ كان قائمًا في الإجماع على القول الواحد لكنهم منعوا فيه مِنْ إحداث ما يخالفه، وجزموا بوجوب الأخذ به دائمًا، بخلاف ما إذا اختلفوا على قولين فلم يقطعوا بنفي الاحتمال المذكور، فليس لنا أن نحكم عليهم بالتسوية
(1)
.
وهنا كلامان:
أحدهما: إنَّ في صحةِ وقوعِ اشتراطِ عدم إحداث الثالث في الإجماع على أحد القولين - نظرًا، ومَنْ نقل ذلك!
والثاني: أنه مبني على أنه لا يجوز حدوث إجماع بعد إجماع سبق
(2)
على خلافه، وقد ذهب أبو عبد الله
(3)
إلى أنه يجوز
(1)
في (ت): "بالسوية". والمعنى: ليس لنا أن نحكم على المجتهدين بأن يُسووا بين الإجماعَيْن: الإجماع على قول، والإجماع على قولين، بأن يجزموا بنفي الاحتمال في الثاني، كما جزموا به في الأول؛ لأن صورة الإجماعين مختلفة.
(2)
في (ت)، و (غ):"سابق".
(3)
هو أبو عبد الله البصري، كما سيأتي.
لكن لا يقع
(1)
. وقال الإمام: "إنه الأولى"
(2)
كما سيأتي.
قال: (قيل: إظهاره يستلزم تخطئة الأولين. وأجيب: بأن المحذور هو التخطئة في واحد. وفيه نظر).
الوجه الثاني: أن
(3)
الذهاب إلى الثالث إنما يجوز لو أمكن كونه حقًا، ولا
(4)
يمكن ذلك إلا أن يكون القولان باطلين؛ ضرورةَ أنَّ الحقَّ واحدٌ، وحينئذ يلزم إجماع الأمة على الخطأ.
وأُجيب: بأنَّ المحذور هو
(5)
تخطئة الأمة في حكمٍ واحد أجمعوا عليه، كثبوت حظ الجد مثلًا في الميراث، أما تخطئة كلِّ فريقٍ في حكمٍ فلا محذور فيه.
قال صاحب الكتاب: "وفيه نظر"، ووجهه: أنه إذا أخطأت كلُّ الأمة في شيئين، كلُّ شطرٍ في شيء
(6)
- دخل تحت عموم قوله: "لا تجتمع أمتي على خطأ" ومَنْ خَطَّأ كلَّ فريق في قولٍ فقد خَطَّأَ كلَّ الأمة
(7)
.
(1)
انظر: البحر المحيط 6/ 519.
(2)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 301.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "ولم".
(5)
في (ص): "وهو".
(6)
أي: كل شطرٍ من الأمة أخطأ في شيء غير الشيء الذي أخطأ فيه الشطر الآخر، فكل شَطْرٍ عنده خطأ وصواب.
(7)
من جهة أن جميع الأمة لم تصب الحق كاملًا، فكلها قد وقع في الخطأ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:"لا تجتمع أمتي على خطأ" عامٌّ؛ لأن الفعل في سياق =
وهذا النظر له أصلٌ مُخْتَلَفٌ فيه: وهو أنه هل يجوز انقسام الأمة إلى شَطْرين كل شَطْرٍ مخطئٌ في مسألة؟ والأكثر على أنه لا يجوز، واختار الآمديُّ خلافَه
(1)
.
واعلم أن الجواب منْ أصله لم يذكره الإمام، بل قال: "هذا الإشكال غير واردٍ على القول بأنَّ كل مجتهدٍ مصيب، فإنه لا يلزم من حَقِّيَّة أحدِ الأقسام فسَادُ الباقي. سَلَّمنا لكن لا يلزم (من
(2)
الذهاب)
(3)
إلى القول الثالث كونه حقًا؛ لأن المجتهد يعمل بما أداه إليه اجتهاده وإن كان خطأ في نفس الأمر"
(4)
.
ولك أن تقول على هذا: إذا كان الذاهب إلى الثالث يعلم انقسام الأمة إلى شطرين، والفرض علمه أن الثالث يستلزم التخطئة، وأنها ممتنعة - فقد علم أن الذهاب إلى الثالث خطأ، فلا يذهب إليه
(5)
.
= النفي يعم، وهذا العموم شامل لاجتماعها على الخطأ المحض، أو على جزء من الخطأ. وانظر: نهاية السول 3/ 273، تيسير التحرير 3/ 252.
(1)
انظر: تيسير التحرير 3/ 252، المحصول 2/ ق 1/ 292.
وانظر: نفائس الأصول 6/ 2763، 2764.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ت): "من القول إلى الذهاب".
(4)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 183، مع تصرف من الشارح.
(5)
انظر مسألة إحداث القول الثالث في: المحصول 2/ ق 1/ 179، الحاصل 2/ 697، التحصيل 2/ 59، نهاية الوصول 6/ 2527، الإحكام 1/ 268، المستصفى 2/ 382 (1/ 198)، المعتمد 2/ 44، العضد على ابن الحاجب 2/ 39، شرح التنقيح =