الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول باب حد الزنا: أن القاضي ابن كج حكى عن بعض الأصحاب وجهًا أنه لو قرأ قارئٌ آية الرجم في الصلاة لم تفسد صلاته
(1)
، والصحيح خلافه
(2)
(3)
.
قال:
(السادسة: يجوز نسخ الخبر المُسْتَقبل
خلافًا لأبي هاشم. لنا: أنه يحتمل أن يقال: لأعاقبن الزاني أبدًا. ثم يُقال: أردتُ سنةً. قيل: يُوهم الكذب. قلنا: ونسخ الأمر يوهم البَدَاء).
هذه المسألة في نسخ الأخبار: والنسخ إما أن يكون لنفس الخبر، أو لمدلوله وثمرته.
فإن كان الأول: فإما أن تُنسخ تلاوته، أو تكليفنا بالإخبار به إذا كنا قد كُلِّفنا بأن نخبر بشيء. فهذان جائزان من غير نزاع، سواء كان ما نُسخت تلاوته ماضيًا، أم مستقبلًا. وسواءٌ كان مما لا يتغيَّر مدلوله، كالإخبار بوجود الله تعالى وحدوث العالم. أو يتغير كالإخبار بكفر زيدٍ
(1)
انظر: العزيز شرح الوجيز 11/ 128.
(2)
انظر: البحر المحيط 5/ 256.
(3)
انظر المسألة الخامسة في: المحصول 1/ ق 3/ 482، الحاصل 2/ 652، التحصيل 2/ 18، نهاية الوصول 6/ 2307، نهاية السول 2/ 572، السراج الوهاج 2/ 658، الإحكام 3/ 141، البرهان 2/ 1312، المحلى على الجمع 2/ 76، البحر المحيط 5/ 252، المعتمد 1/ 386، شرح التنقيح ص 309، العضد على ابن الحاجب 2/ 194، إحكام الفصول ص 403، تيسير التحرير 3/ 204، فواتح الرحموت 2/ 73، أصول السرخسي 2/ 78، شرح الكوكب 3/ 553، العدة 3/ 780، التمهيد لأبي الخطاب 2/ 366.
وإيمانه؛ لأن جميع ذلك حُكْمٌ من الأحكام الشرعية، فجاز كونه مصلحةً في وقت، ومفسدةً في آخر
(1)
لكن هل يجوز أن يُنسخ تكليفنا بالإخبار (عما لا يتغير، بتكليفنا بالإخبار)
(2)
بنقيضه؟
قال الآمدي: قالت المعتزلة: لا يجوز؛ لأنه كذب، والتكليف به قبيح. وهذا مبني على قاعدة الحُسْن والقُبْح الباطلة عندنا. وعلى هذا فلا مانع من التكليف بالخبر بنقيض الحق
(3)
. هذا كلام الآمدي.
ولا يقال عليه: إن الكذب نقصٌ، ونحن نوافق على أنَّ قبحه عقلي؛ لأنا نقول: هو في هذه الصورة نقصٌ في المكلَّف - بفتح اللام - وهو المخبِر، لا المكلِّف - بكسرها - وهو الله تعالى، الآمر بالإخبار.
(1)
انظر: الإحكام 3/ 144، نهاية السول 2/ 574، البحر المحيط 5/ 244، فواتح الرحموت 2/ 75، وفيه:"جاز نسخ إيقاع الخبر بأن يكلِّف الشارع بإخبارٍ بشيءٍ ثم بنهيه عنه (اتفاقًا) وقد وقع أيضًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا هريرة رضي الله تعالى عنه بإخبار مَن لاقاه: مَنْ قال: لا إله إلا الله - دخل الجنة. فبعد بشارته لأمير المؤمنين، وإمام الأعدلين عمر رضي الله عنه نهاه عنه، كما في صحيح مسلم، والمصلحة في النهى أن لا يتكلوا، فإنه يصل إلى المتكاسلين فيتكلون. وأما ابتداءً فإنما أمره علمًا منه بأنه يخبر أولًا أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، ومثله لا يتكل، بل يجهد غاية الجهد؛ أداءً للشكر".
(2)
سقطت من (ت).
(3)
انظر: الإحكام 3/ 144. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 75، تيسير التحرير 3/ 196، المحلي على الجمع 2/ 85، البحر المحيط 5/ 244، شرح الكوكب 3/ 541.
ويجوز التكليف بما هو نقصٌ في حق العبد؛ لأن له تعالى أن يفعل ما يشاء.
وأما إنْ كان النسخ لمدلول الخبر: فإنْ كان مما لا يتغير
(1)
- فلا خلاف في امتناع نسخه
(2)
.
وإن كان مما يتغير - فهي مسألة الكتاب: ومذهب أكثر المتقدمين
(3)
منهم أبو هاشم
(4)
- فيها المنع، سواء كان الخبر ماضيًا
(5)
، أم مستقبلًا:
(1)
كمدلول الخبر بوجود الله تعالى، ومعنى صفاته، ومعنى حدوث العالم، ومدلول خبر ما كان من الأنبياء والأمم، وما يكون من الساعة وآياتها، كخروج الدجال. انظر: البحر المحيط 5/ 245، الإحكام 3/ 144.
(2)
انظر: المحصول 1/ ق 3/ 486، نهاية الوصول 6/ 2317، الإحكام 3/ 144، شرح اللمع 1/ 489، البحر المحيط 5/ 245، شرح التنقيح ص 309، العضد على ابن الحاجب 2/ 195، المعتمد 1/ 387، كشف الأسرار 3/ 163، أصول السرخسي 2/ 59، فواتح الرحموت 2/ 75، العدة 3/ 825، شرح الكوكب 3/ 543.
(3)
من الفقهاء والمتكلمين، بل هو مذهب الجمهور. انظر: إحكام الفصول ص 399، تيسير التحرير 3/ 196، فواتح الرحموت 2/ 75، أصول السرخسي 2/ 59، المعتمد 1/ 387، شرح الكوكب 3/ 543، نشر البنود 1/ 297، المسودة ص 196.
(4)
وأبو علي أيضًا، وأبو بكر الصيرفي، وأبو إسحاق المروزي، والقاضي أبو بكر، وعبد الوهاب، وابن السمعاني، والأصفهاني. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 487، نهاية الوصول 6/ 2319، الإحكام 3/ 144، البحر المحيط 5/ 245، المعتمد 1/ 389، التلخيص 2/ 476، القواطع 3/ 86.
(5)
كقوله: آمن زيد. فلا يجوز عند الجمهور نسخه: بأنه لم يؤمن. أو: أنه عَمَّر زيدًا ألف سنة. ثم يدلنا في المستقبل: أنه عَمَّره ألفًا إلا خمسين. فهذا لا يجوز عندهم. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 195، المعتمد 1/ 388.
وعدًا أم وعيدًا، أو
(1)
خبرًا عن حكم، كالخبر عن وجوب الحج
(2)
واختاره ابن الحاجب
(3)
.
وقال عبد الجبار، وأبو عبد الله، وأبو الحسين، والإمام، والآمدي
(4)
: يجوز مطلقًا.
وفَصَّل بعضهم فقال: إنْ كان مدلوله مستقبلًا جاز، وإلا فلا. وهذا هو الذي اختاره المصنف
(5)
.
وليُعْلم أنَّ محل الخلاف: فيما إذا لم يكن الخبر بمعنى الأمر أو النهي، كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}
(6)
، وقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا
(1)
في (غ): "أم".
(2)
يعني: الخبر عن المستقبل إما أن يكون وعدًا، أو وعيدًا، أو خبرًا عن حكم. فالوعد: نحو قوله: أولئك يدخلون الجنة. والوعيد نحو قوله: لأعذبن الزاني أبدًا. والخبر عن حكم الفعل في المستقبل مَثَّله: أوجبتُ الحج أبدًا. انظر: المحصول 1/ ق 3/ 486، 487، المعتمد 1/ 388، شرح الأصفهاني للمنهاج 1/ 475، نهاية الوصول 6/ 2319، التحصيل 2/ 19.
(3)
وكذا الشارح رحمه الله تعالى. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 195، المحلي على الجمع 2/ 86.
(4)
وبه قال القاضي أبو يعلى، وأبو العباس ابن تيمية ووالده، رحمهم الله جميعًا. انظر: المعتمد 1/ 387 - 388، المحصول 1/ ق 3/ 486، الإحكام 3/ 144، 145، البحر المحيط 5/ 245، العدة 3/ 825، المسودة ص 196، 197.
(5)
ونسبه ابن السمعاني رحمه الله لبعض الأشعرية. انظر: القواطع 3/ 87، وقال الزركشي رحمه الله:"وهذا التفصيل جزم به سليم، وجرى عليه البيضاوي في "المنهاج"، وسبقهما إليه أبو الحسين بن القطان". البحر المحيط 5/ 245.
(6)
سورة البقرة: الآية 228.
الْمُطَهَّرُونَ}
(1)
، فإنَّ هذا يجوز نسخه، ولا نعرف فيه خلافًا
(2)
، ولا يتجه؛ لأنه بمعنى الأمر والنهي. قال الهندي: "وما نَقَل الإمامُ وغيرُه مِنَ الخلاف في الخبر عن حكمٍ شرعي - ليس هو هذا؛ لأن ذلك محمول على ما هو خبر في اللفظ والمعنى، وإنما مدلوله حكم شرعي. وما نحن فيه ليس إلا صيغة الخبر استُعْملت في الأمر على وجه التجوز، فهو في معنى الأمر
(3)
. ونحن على جزمٍ بأن الصيغة لا مَدْخل لها في تجويز النسخ وعدمه، فهو في معنى الأمر"
(4)
.
وقد استدل المصنف على ما اختاره: بأنه يصح أن يُقال: لأعاقبن الزاني أبدًا؛ إذ لا يلزم من وقوعه محال. ثم يقال: أردتُ سنةً واحدة، ولا نعني بالنسخ إلا هذا، فإن النسخ إخراج بعض الزمان، وهو موجود هنا.
(1)
سورة الواقعة: الآية 79.
(2)
هكذا قال صفي الدين الهندي رحمه الله تعالى، والشارح ناقل منه، وكذا قال ابن بَرْهان، وابن الحاجب. انظر: نهاية الوصول 6/ 2318، الوصول إلى الأصول 2/ 63، العضد على ابن الحاجب 2/ 195، منتهى السول والأمل ص 160، نهاية السول 2/ 577. لكن قد حكى أبو إسحاق الشيرازي، وابن السمعاني: أن أبا بكر الدقاق رحمه الله من الشافعية منع نسخ الأمر بلفظ الخبر؛ اعتبارًا بلفظه. انظر: اللمع ص 57، شرح اللمع 1/ 489، القواطع 3/ 90. وقد ورد في البحر المحيط (5/ 247) أن القائل به أبو بكر القفال، ولعل هذا التحريف من الناسخ، فإن الزركشي رحمه الله نقل ذلك عن الشيرازي وابن السمعاني، وسليم في "التقريب".
(3)
يعني: استعمل الخبر وأريد به الأمر، فقوله:{يَتَرَبَّصْنَ} أي: ليتربصن. وقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} نفي بمعنى النهي.
(4)
انظر: نهاية الوصول 6/ 2318.
واستدل المانع: بأن نسخه يُوهم الكذب؛ إذ المتبادر منه إلى الفهم ليس إلا استيعاب المدةِ المُخْبَر بها، وإيهام الكذب قبيح.
أجاب: بأن نسخ الأمر أيضًا يقتضي أن يظن الظانُّ ظهورَ الشيء بعد خفائه، أي: فلو امتنع نسخ الخبر للإيهام - لامتنع نسخ الأمر، (ولا قائل به من المنازعين في هذه المسألة)
(1)
. هذا ما في الكتاب.
والحق في المسألة ما ذكره القاضي في "مختصر التقريب": مِنْ أن
(2)
بناء المسألة على أنَّ النسخ بيانٌ أو رفع، فمَنْ قال بالأول - جَوَّز ذلك فقال: إذا أخبر الله سبحانه عن ثبوت شريعةٍ - فيجوز أن يُخْبر بعدها فيقول: أردتُ ثبوتَها بإخباري الأول إلى هذا الوقت، ولم أُرِد أوَّلًا إلا ذلك. وهذا لا يُفضي إلى تجويز خُلْف، ولا وقوع خَبَرٍ بخلاف مُخْبَر.
وأما مَنْ قال بالثاني كالقاضي - فلا يُجَوِّز ذلك، كيف ونسخ الخبر حينئذ يستلزم الكذب قطعًا؛ لأن الخبر إنْ كان صادقًا كان الناسخ الذي رفع بعض مدلوله كاذبًا؛ ضرورةَ أنه صِدْق، وإلا فهو كاذب
(3)
.
وبهذا يظهر لك أنَّ مَنْ وافق القاضي على أنَّ النسخ رَفْعٌ - لا يحسن منه الذهاب إلى تجويز نسخ الأخبار
(4)
.
(1)
في (ت): "ولا قائل من النازعين في هذه المسألة به".
(2)
سقطت من (ص).
(3)
انظر: التلخيص 2/ 475، 476، نهاية الوصول 6/ 2319.
(4)
انظر المسألة السادسة في: المحصول 1/ ق 3/ 486، الحاصل 2/ 653، التحصيل 2/ 19، نهاية الوصول 6/ 2317، نهاية السول 2/ 574، السراج الوهاج 2/ 661، مناهج العقول 2/ 176، وانظر المراجع السابقة المذكورة في ثنايا المسألة.
الفصل الثاني: الناسخ والمنسوخ