الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد عرفتَ أنه محل النزاع.
وأما بعد خروج الوقت - قال الآمدي: "فقد اتفق القائلون بجواز النسخ على تجويزه"
(1)
.
وأما وقوع النسخ في الوقت ولكن بعد التمكن من فعله - فقد عرفتَ أنه داخل تحت صور النزاع بما حكاه الهندي عن الكرخي. ولكن صَرَّح ابن بَرْهان في "الوجيز" في أواخِر المسألة: "بأن النزاع لم يقع في جواز النسخ بعد التمكن من الفعل، وإنما وقع في النسخ قبل التمكن من الفعل"
(2)
، وكذلك الآمدي في أثناء الاستدلال، فإنه قال:"والخلاف إنما هو فيما قبل التمكن لا بعده"
(3)
.
تنبيه:
ذكره الهندي: "اعلم أنَّ كل
(4)
مَنْ قال: إنَّ المأمور لا يَعْلم كونه مأمورًا قبل التمكن من الامتثال
(5)
- يلزمه أن يقول بعدم جواز النسخ قبل
= بالشروع في الصوم، ثم قيل له قبل انقضاء اليوم: لا تصم. وكلام الشارح رحمه الله يقتضي هذا؛ إذ كلامه مطلق غير مقيَّد بالشروع أو عدمه.
(1)
انظر: الإحكام 3/ 126. وانظر: المعتمد 1/ 375، البحر المحيط 5/ 232، نهاية السول 2/ 564.
(2)
انظر: الوصول إلى الأصول 2/ 41.
(3)
انظر: الإحكام 3/ 129.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
لأن شَرْط تَوَجُّه الأمر إليه تمكُّنُه من الامتثال (أي: بعد أن يمضي زمان الإمكان)، وقبل التمكن يكون غير مأمور، فلا يتحقق علمُه بكونه مأمورًا إلا بعد التمكن. =
التمكن من الامتثال؛ إذ النسخ قبله على هذا التقدير يُبَيِّن (أن لا أمر)
(1)
في نفس الأمر، وإن كنا نتوهم وجوده والنسخ يستدعي تَحَقُّقَ الأمر السابق، فيستحيل النسخ عند عدمه.
وأما مَنْ لم يقل بذلك
(2)
- فجاز أن يقول بجوازه، وأن لا يقول بذلك؛ لما يظهر له مِنْ دليل يخصه.
ويتضح عند هذا أن هذه المسألة ليست فرعَ تلك المسألة على الإطلاق، أعني: في الجواز وعدم الجواز، كما وقعت إليه الإشارة في كلام الغزالي
(3)
، بل في عدم الجواز فقط"
(4)
.
قال: (لنا: أن إبراهيم عليه السلام أُمر بذبح ولده بدليل: {افْعَلْ مَا
= وهذا هو رأى المعتزلة، قال إمام الحرمين رحمه الله:"ومتعلَّقُهم فيه أنه غير عالم ببقاء الإمكان له إلى وقت انقراض زمانٍ يسع الفعلَ المأمور به، والإمكان شرط التكليف، والجاهل بوقوع الشرط جاهل بالمشروط لا محالة". البرهان 1/ 280، وانظر: المستصفى 2/ 54.
(1)
في (ت)، و (غ):"أن الأمر". وهو خطأ. وهذا الخطأ موجود أيضًا في "نهاية الوصول" المحقَّق 6/ 2273.
(2)
أي: مَنْ قال بأن المكلف يعلم كونه مأمورًا قبل التمكن من الامتثال، أي: يعلم كونه مأمورًا في حالة اتصال الخطاب به وهو مستجمعٌ لشرائط التكليف، وإن لم يمض رمن يمكن فيه الامتثال لأنه مأمور بأمرٍ مقيَّد بشرط وهو الإمكان، والأمر المقيَّد بالشرط ثابت في الحال، وُجد الشرط أو لم يُوجد. وهذا هو رأي الجمهور. أما المعتزلة فهم يقولون: إذا لم يُوجد الشرط علمنا انتفاء الأمر مِنْ أصله، وأنا كنا نتوهم وجوبَه، فبان أنه لم يكن. انظر: البرهان 1/ 280، المستصفى 2/ 54، البحر المحيط 5/ 235.
(3)
انظر: المستصفى 2/ 53 - 54.
(4)
انظر: نهاية الوصول 6/ 2273.
تُؤْمَرُ} {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
(1)
، فنسخ قَبْله. قيل: تلك بناء على ظنه. قلنا: لا يخطئ ظنه. قيل: امتثل: فإنه قطع فَأَوْصَلَ
(2)
. قلنا: لو كان كذلك لم يحتج إلى الفداء. قيل: الواحد بالواحد في الواحد لا يُؤمر ويُنهى. قلنا: يجوز للابتلاء).
استدل أصحابنا على الجواز بالوقوع في قصة الذبيح عليه السلام، قالوا: وذلك أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، ثم نَسَخ ذلك قبل الفعل.
أما أنه أَمَره بالذبح - فلثلاثة أوجه:
أحدها: قول ولده: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}
(3)
، جوابًا لقوله:{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}
(4)
، فإن قوله؛ {مَا تُؤْمَرُ} لا بد وأن يعود إلى شيء، وليس ثَمَّ غير {أَنِّي أَذْبَحُكَ} ؛ فوجب صَرْفه إليه.
والثاني: قوله تعالى حكايةً عن إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} - يدل
(5)
على أن المأمور به هو الذبح؛ لأن مقدِّمات الذبح لا تُوصف بذلك.
(1)
سورة الصافات: الآيتان 106، 107. وفي (غ):{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} .
(2)
في نهاية السول 2/ 562، والسراج الوهاج 2/ 654، ومناهج العقول 2/ 173:"فوصل".
(3)
سورة الصافات: الآية 102.
(4)
سورة الصافات: الآية 102.
(5)
في (غ): "فدل".
فإنْ قلتَ: متى لا تُوصف بذلك: مع العلم بعدم وجوب الذبح، أو مطلقًا؟ والأول مسلَّم، والثاني ممنوع؛ وهذا لأن الأمرَ بإضجاع الولد، وأَخْذَ المُدْية المستفادَ من الأمر بالذبح، مع غَلَبة الظن بأن الذبح سيؤمر به - بلاءٌ
(1)
مبين.
قلت: متى غلب على ظنه شيءٌ فهو الواقع في نفس الأمر؛ إذ هو نبي فلا يخطئ ظنه.
والثالث: قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
(2)
، ولو لم يُؤمر بالذَّبح لما احتاج إلى الفداء.
وأما كونه نُسخ قبل الفعل - فلأنه لو لم يُنسخ لذَبَح؛ ضرورةَ أنه عليه السلام لا يُخِلُّ بأمر رَبِّه، لكنه لم يَذْبَح فدل على أنه نُسِخ. ولم يستدل المصنف على هذا؛ لظهوره.
واعترض الخصم أوَّلًا: بأنا لا نسلِّم أنه كان مأمورًا الذبح، وإنما كان مأمورًا بالمقدِّمات، فظَنَّ أنه أُمر به. والدلائل التي تمسكتم بها إنما هي بناءًا على ظنِّه.
وأجاب في الكتاب: بأن ظنون الأنبياء مطابقة، يستحيل فيها الخطأ.
واعترض ثانيًا: بأنا سلمنا أنه أُمر بالذبح، لكن لا نسلم أنه نُسِخ قبل
(1)
قوله: "بلاءٌ" خبر "أن" في قوله: "لأن الأمر".
(2)
سورة الصافات: الآية 107.
العمل. وبيانه: أن إبراهيم عليه السلام كان كلما قطع موضعًا من الحلق، وتعداه إلى غيره - أوصل الله تعالى ما تقدم قَطْعُه.
وأجاب: بأنه لو كان كذلك لم يحتج إلى الفداء؛ لأن الفداء بدلٌ، والبدل لا يُحتاج إليه مع وجود المُبْدل.
ولقائل أن يقول: لعل
(1)
الفداء إنما كان للحياة التي مَنَّ الله تعالى عليه بها مع حصول الذبح، لا لنفس الذبح.
واستدل الخصم: بأن قوله: "صَلِّ غدًا ركعتين" ليس موضوعًا إلا للأمر بالصلاة في ذلك الوقت لغةً وشرعًا. وقوله: "لا تصل غدًا ركعتين" ليس موضوعًا إلا للنهي عنها في ذلك الوقت لغة وشرعًا. فلو جاز أن يَرِد الأمر بشيءٍ، ثم النهي عن فعله في ذلك الوقت: لكان الشخص الواحد، بالفعل الواحد، في الوقت الواحد - مأمورًا ومنهيًا.
أجاب: بأن ذلك لا يستحيل، إلا إذا كان المقصود حصول الفعل. وأما إذا كان الغرض ابتلاء المأمور، أي: اختباره وامتحانه - فيجوز؛ فإن السيد قد يقول للعبد: اذهب غدًا إلى موضع كذا، ولا يريد الفعل، بل امتحان العبد ليتبين رياضته، ثم يقول: لا تذهب.
قلتُ: ولا يخفى أن هذه الشبهة إنما ترد إذا كان الوجوب قد نُسِخ بالتحريم، أما إذا نُسخ بالجواز - فليس الشيء مأمورًا به ومنهيًا عنه.
فإنْ قلت: الله تعالى يعلم مَنْ يمتثل ممن
(2)
لا يمتثل، والاختبار إنما يكون ممن يَسْتَدْعي خَبَرًا يستفيد منه ما لم يكن عالمًا به.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (غ): "ومن".
قلت: المراد إظهار ذلك للخلق، والتنويه
(1)
بذكر العبد الممتثِل بين العالَم. ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام صار له بذلك لسانُ صِدْق في الآخِرين، وربما أن بعض مَنْ كان لا يؤمن به رآه قد بادر إلى امتثال هذا الأمر المرير، فصَدَّق به وآمن، وعرف أنه على الحق المبين.
ومنهم مَنْ أجاب
(2)
عن هذه الشبهة: بأنه لم يجتمع الأمر والنهي في وقتٍ واحد، بل بورود النهي انقطع تعلق الأمر. وذكر القاضي في "مختصر التقريب" هذا، وطريقةً أخرى وهي أنا نقول: "كأن الرب تعالى قال: افعل الفعل الفلاني تقربًا منك إليَّ ما دام الأمر متصلًا بك، فإذا نهيتك عنه فلا تفعله تقربًا إليَّ
(3)
، ولا تقربًا إلى غيري؛ ليتبين للعبد أنه
(1)
أي: رفع الذكر والتعظيم. وفي المصباح 2/ 304: "نوَّه به تنويهًا: رفع ذِكْره وعَظَّمه، وفي حديث عمر: "أنا أول مَنْ نَوَّه بالعرب" أي: رفع ذكرهم بالديوان والأعطاء". وانظر: لسان العرب 13/ 550، مادة (نوه).
(2)
وهو ابن الحاجب رحمه الله. انظر: منتهى السول والأمل ص 157، العضد على ابن الحاجب 2/ 191، 192.
(3)
قوله: كأن الرب تعالى قال. . . إلخ، يقصد به أن أمر المولى تعالى وإن كان ظاهره الإطلاق إلا أنه في حكم المقيَّد بالشرط، فإذا قال المولى سبحانه وتعالى: افعل الفعل الفلاني - فمعناه: أنك لا تزال مأمورًا به ما دام الأمر متصلًا بك، أي: تعلُّق الأمر بك مشروط ببقاء الأمر عليك ودوامه، فإذا ورد النهي عن الفعل المأمور به فلا تكون مأمورًا به لكون شَرْط تعلقه بك - وهو بقاء الأمر ودوامه - قد زال، وعلى هذا فليس هناك تناقض في النهي عن الفعل المأمور به؛ إذ شرط التعلق - وهو دوام الأمر - قد زال. والفرق بين هذا الجواب والذي قَبْله: هو أن الذي قَبْله لا يرى لهذا الشرط المذكور فائدة؛ إذ قولنا: فلان مأمور. يعني: أنه مأمور ما دام الأمر باقٍ عليه. فلو قلنا: فلان مأمور ما دام الأمر باقٍ عليه - فكأننا قلنا: فلان مأمور ما دام مأمورًا. =