المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثالثة: الإجماع لا ينسخ - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٥

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملًا

- ‌فوائد:

- ‌(الثانية: قالت الحنفية: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}(1)مجمل

- ‌(الثالثة: قيل: آية السرقة مجملة

- ‌(الفصل الثاني: في المبيَّن

- ‌تنبيهان:

- ‌ قد يكون بالقول وذلك بالاتفاق(4)، وقد يكون بالفعل

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌ تأخير البيان عن وقت الحاجة

- ‌فائدتان:

- ‌فائدة

- ‌(الفصل الثالث: في المبيَّن له

- ‌(الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: أنه واقع وأحالته اليهود

- ‌(الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن

- ‌(الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافًا للمعتزلة)

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل

- ‌فائدة:

- ‌يجوز نسخ الحكم دون التلاوة

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: يجوز نسخ الخبر المُسْتَقبل

- ‌(الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة

- ‌(الثانية: لا يُنسخ المتواتر بالآحاد

- ‌(الثالثة: الإجماع لا يُنسخ

- ‌(الرابعة: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌(الخامسة: زيادة صلاة ليس بنسخ

- ‌ زيادة العبادة المستقلة. أما زيادة غير(2)المستقلة، كزيادة ركعة أو ركوع

- ‌(الكتاب الثاني: في السنة

- ‌(الأولى: في عصمة الأنبياء(2)عليهم الصلاة والسلام)

- ‌(الثانية: فِعْله المجرد يدل على الإباحة عند مالك

- ‌ بيان الطرق التي تُعرف(1)بها الجهةُ

- ‌(الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌(الخامسة: أنه عليه السلام قبل النبوة تُعُبِّد(1)(2)بشرع، وقيل: لا)

- ‌الأول: فيما كان صلى الله عليه وسلم عليه قبل أن يبعثه الله تعالى برسالته

- ‌البحث الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم هل تُعُبِّد بعد النبوة بشرعِ مَنْ قبله:

- ‌فروع:

- ‌فائدة:

- ‌(الباب الثاني: في الأخبار

- ‌(الفصل الثاني: فيما عُلِم كذبه

- ‌(الفصل الثالث: فيما ظُنَّ صدقه

- ‌أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌(الطرف(1)الثاني: في شرائط(2)العمل به

- ‌فائدة:

- ‌ أحكام التزكية

- ‌(الأولى: شُرِط العدد في الرواية والشهادة

- ‌فائدة

- ‌ الثاني: فأن لا يخالفه قاطع

- ‌ الثالث مِنْ شرائط العمل بخبر الواحد: وهو الكلام في الخبر

- ‌الأولى: في بيان ألفاظ الصحابي ومراتِبها

- ‌(الثانية: لغير الصحابي أن يروي إذا سمع الشيخ أو قرأ عليه

- ‌الأولى: أن يسمع من لفظ الشيخ

- ‌الثانية: أن يقرأ عليه

- ‌الثالثة: أن يقرأ على الشيخ

- ‌الرابعة: أن يقرأ على الشيخ ويقول له: هل سمعته؟ فيسكت الشيخ

- ‌الخامسة: أن(4)يكتب الشيخ إلى شخص:

- ‌السادسة: أن يشير الشيخ

- ‌السابعة: الإجازة

- ‌(الثالثة: لا يقبل المُرْسل خلافًا لأبي حنيفة ومالك)

- ‌(الرابعة: يجوز نَقْل الحديث بالمعنى خلافًا لابن سيرين

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: إن زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قُبِلت

- ‌(الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌ الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الأولى: قيل: محال كاجتماع الناس في وقتٍ واحد على مأكولٍ واحد

- ‌ الإجماع حجةٌ شرعية يجب العمل به

- ‌(الثالثة: قال مالك: إجماع أهل المدينة حجة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌(الخامسة: قال القاضي أبو خازم: إجماع الخلفاء الأربعة حجة

- ‌الإجماع وإن كان حجة لكن لا يستدل به على جميع الأحكام

- ‌(الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمَنْ بعدهم إحداث ثالث

- ‌(الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمَنْ بعدهم التفصيل

- ‌فائدة:

- ‌(الثالثة: يجوز الاتفاق بعد الاختلاف خلافًا للصيرفيّ

- ‌(الرابعة: الاتفاق على أحدِ قولي الأولين

- ‌(الخامسة: (إذا اختلفت الأمة)(3)على قولين فماتت إحدى الطائفتين - يصير قول الباقين حجة؛ لأنهم كل الأمة)

- ‌(السادسة: إذا قال البعض وسكت الباقون - فليس بإجماعٍ ولا حجة

- ‌(الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الأولى: أن يكون فيه قول كلِّ عالمي ذلك الفن

- ‌(الثانية: لا بد له من سند؛ لأن الفتوى بدونه خطأ

- ‌(الثالثة: لا يُشترط انقراض المُجْمِعين

- ‌(الرابعة: لا يُشترط التواتر في نقله كالسنة)

- ‌(الخامسة: إذا عارضه(8)نصٌّ أُوِّل القابلُ له(9)، وإلا تساقطا

الفصل: ‌(الثالثة: الإجماع لا ينسخ

الأربعة؛ بناءً على أنَّ للمفهوم عمومًا، وحينئذ فهو مخصِّص لا ناسخ

(1)

(2)

.

قال: ‌

‌(الثالثة: الإجماع لا يُنسخ

؛ لأن النصَّ يتقدمه، ولا ينعقد الإجماع بخلافه، ولا القياس بخلاف الإجماع. ولا (ينسخ به)

(3)

: أما النص والإجماع فظاهران، وأما القياس فلزواله بزوال شرطه).

هذه المسألة تشتمل على بحثين:

الأول: في أن الحكم الثابت بالإجماع لا يُنسخ، وأن الحكم الثابت بإجماعٍ أو غيره من الأدلة لا ينسخ بالإجماع: هذا هو رأي الجماهير، أعني: أن الإجماع لا يُنسخ، ولا يُنسخ به

(4)

. وبه جَزَم في الكتاب.

(1)

انظر: البحر المحيط 5/ 270.

(2)

انظر المسألة الثانية في: المحصول 1/ ق 3/ 498، الحاصل 2/ 655، التحصيل 2/ 21، نهاية الوصول 6/ 2327، نهاية السول 2/ 586، السراج الوهاج 2/ 669، الإحكام 3/ 146، المعتمد 1/ 398، البرهان 2/ 1311، المستصفى 2/ 105 (1/ 126)، شرح اللمع 1/ 501، 507، المحلي على الجمع 2/ 78، البحر المحيط 5/ 259، شرح التنقيح ص 311، العضد على ابن الحاجب 2/ 195، إحكام الفصول ص 426، تيسير التحرير 3/ 201، فواتح الرحموت 2/ 76، شرح الكوكب 3/ 561، التمهيد للكلوذاني 2/ 382، المسودة ص 206.

(3)

في (ص): "به يُنسخ".

(4)

أما أن الإجماع لا يُنسخ فقد خالف فيه البعض، ولم أقف على تسميتهم. وأما أن الإجماع لا يُنسخ به فقد خالف فيه بعض المعتزلة وعيسى بن أبان. انظر: الإحكام 3/ 160، المحصول 1/ ق 3/ 534، الوصول إلى الأصول 2/ 51، أصول السرخسي 2/ 66، فواتح الرحموت 2/ 81، تيسير التحرير 3/ 208.

ص: 1717

ودليله: أنه لو انتسخ - لكان انتساخه إما بالكتاب، أو بالسنة، أو الإجماع، أو القياس. والكل باطل.

أما بطلانه بالأوَّلَيْن: فلأن نص الكتاب والسنة متقدم على الإجماع

(1)

؛ لأن جميع النصوص متلقاة من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينعقد الإجماع في زمنه؛ لأنهم إن أجمعوا دونه - لم يصح. وإن كان معهم، أو علم بهم وسكت - فالعبرة بقوله، أو تقريره.

وأما بالإجماع: فلاستحالة انعقاده على خلاف الإجماع؛ للزوم خطأ أحدِ الإجماعَيْن. وإلى هذا أشار بقوله: "ولا ينعقد الإجماع بخلافه".

وأما بالقياس: فلأن شرط صحته أن لا يخالف الإجماع، فإذا قام القياس على خلاف الإجماع - لم يكن معتبرًا لزوال شرطه.

وأما أن الإجماع لا يُنسخ به: فلأن المنسوخ به إما النص، أو الإجماع، أو القياس. والأولان باطلان؛ لما عرفت

(2)

. وكذا القياس؛ لزواله بزوال شرطه، كما عرفت أيضًا

(3)

.

واعلم أنَّ ما ذكرناه مِنْ أنَّ الإجماع لا ينعقد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما

(1)

أي: متقدم في زمن الورود، فكيف يَنسخ المتقدمُ المتأخِر! وما دام النصُّ متقدمًا فلا يُتصور إجماعهم على خلافه؛ لأنه يكون خطأ، والأمة معصومة من الخطأ. انظر: الإحكام 3/ 160.

(2)

أي: لكون الإجماع لا يجوز أن يخالف النص، ولا أن يخالف إجماعًا آخر للزوم خطأ أحدهما، وهو باطل.

(3)

فالقياس لا يكون منسوخًا بالإجماع؛ لأن شرط القياس عدم مخالفة الإجماع.

ص: 1718

ذكره الأصوليون على طبقاتهم، القاضي في "مختصر التقريب" فمن بعده

(1)

ولقائل أن يقول: إذا كانت الأمة لا تجتمع على خطأ انعقد الإجماع بقولها، ولا سيما إذا جَوَّزنا الاجتهاد في زمانه، وهو الصحيح. فلعلهم اجتهدوا في مسألة وأجمعوا عليها، ولم يعلم هو صلى الله عليه وسلم بهم

(2)

. والإمام وإن

(1)

انظر: التلخيص 2/ 532، اللمع ص 60، شرح اللمع 1/ 490، الوصول إلى الأصول 2/ 51، المحصول 1/ ق 3/ 531، نهاية الوصول 6/ 2366، المعتمد 1/ 400، القواطع 3/ 90 - 91، البحر المحيط 5/ 284، العدة 3/ 826، التمهيد للكلوذاني 2/ 388، شرح الكوكب 3/ 570، أصول السرخسي 2/ 66، تيسير التحرير 3/ 207، فتح الغفار 2/ 133. لكن نقل القرافي - رحمه الله تعالى - عن ابن بَرْهان في "الأوسط" بأن الإجماع ينعقد في زمانه عليه الصلاة والسلام. ونقل أيضًا عن أبي إسحاق جواز انعقاد الإجماع في زمانه صلى الله عليه وسلم. ونقل الزركشي عن القرافي هذين النقلين. انظر: شرح التنقيح ص 315، البحر المحيط 5/ 285. وفي نفائس الأصول (6/ 2503) نقل القرافي عن الشيخ أبي إسحاق عدم جواز انعقاد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام. وهذا النقل هو الصحيح الموافق لما في "اللمع" وشرحه، وأما ما ورد في "شرح التنقيح" فإما سهو من القرافي رحمه الله، أو من الناسخ. والعجيب كيف يفوت مِثْلُ هذا الزركشيَّ رحمه الله، وهو مَنْ هو في سعة الاطلاع ومراجعة المصادر الكثيرة في المسألة الواحدة، والخطأ لا يسلم منه أحد. ونقل أيضًا القرافي في "نفائس الأصول" عن ابن برهان بأن الإجماع لا ينعقد في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قصد ما في "الوجيز" - فهو صحيح، وقد سبق الإحالة إليه في "الوصول إلى الأصول" في المراجع السابقة، وهو كتاب "الوجيز" لابن برهان، وإن قصد "الأوسط" فما نقله في "شرح التنقيح" بخلافه، فالله أعلم بالصواب.

(2)

وكذا اعترض بمثل هذا الاعتراض الزركشي في البحر 5/ 285. قال القرافي في شرح التنقيح ص 314: وجود النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع وجود الإجماع؛ لأنه عليه الصلاة =

ص: 1719

جَرَى هنا على ما ذكره الأصوليون من أن

(1)

الإجماع لا ينعقد في زمانه صلى الله عليه وسلم فقد ذكر ما يناقضه

(2)

بعد ذلك

(3)

.

قال: (والقياس إنما يُنسخ بقياسٍ أَجْلَى منه).

البحث الثاني: في نسخ القياس، والنسخ به: وقد اختلفوا في ذلك، والذي ذهب إليه المصنف أن القياس إنما يُنسخ بقياسٍ أجلى من القياس الأول وأظهر

(4)

، ويُعْرف قوة أحد القياسَيْن بما سيأتي إن شاء الله في ترجيح الأقيسة. وإنما حَصَر الذي يَنسخ في القياس الأجلى دون غيره؛ لأن

= والسلام شهد لأمته بالعصمة، فقال:"لا تجتمع أمتي على الخطأ"، وصفة المضاف غير المضاف إليه. وهو عليه الصلاة والسلام لو شهد لواحد في زمانه عليه الصلاة والسلام بالعصمة - لم يتوقف ذاك على أن يكون بعده عليه الصلاة والسلام، فالأمة أولى. اهـ. وانظر: نفائس الأصول 6/ 2500.

(1)

سقطت من (ت).

(2)

في (غ): "ينقضه".

(3)

وهو قوله في كون القياس يُنسخ: "فإن كان (أي: نسخ القياس) حالَ حياته - فلا يمتنع رفعُه بالنص، أو بالإجماع، أو بالقياس". المحصول 1/ ق 3/ 536. وقد ذكر هذه المناقضة القرافي في شرح التنقيح ص 314، ونفائس الأصول 6/ 2500.

(4)

قال الإسنوي رحمه الله تعالى ممتثِّلًا لهذا القول: ". . كما إذا نَصَّ الشارع مثلًا على تحريم بيع البر بالبر متفاضلًا، فعدَّيناه إلى السفرجل مثلًا لمعنى، ثم نَصَّ أيضًا على إباحة التفاضل في الموز، وكان مشتملًا على معنى أقوى من المعنى الأول، يقتضي إلحاق السفرجل به - فإن القياس الثاني يكون ناسخًا للقياس الأول". نهاية السول 2/ 592. وقال أيضًا عن مذهب المصنف هذا: "والذي قاله هو الصواب". نهاية السول 2/ 594.

ص: 1720

غيره: إما نَصٌّ، أو إجماع. ويمتنع النسخ بهما؛ لزوال شرطه حينئذ، كما تقدم.

وإما قياسٌ مساوٍ للأول، ويمتنع، للترجيح من غير مرجِّح.

وإما قياسٌ أخفى، ويمتنع؛ لتقديم المرجوح على الراجح. فقد تحرر من كلام المصنف هذا: أنَّ القياس قد يكون منسوخًا، وقد يكون ناسخًا؛ لأن في نسخ القياس بالقياس ذلك

(1)

.

ومنهم مَنْ مَنَعَ نسخه والنسخ به مطلقًا

(2)

.

ومنهم مَنْ جَوَّز نسخَه بسائر الأدلة، ونَسْخَ جميع الأدلة به

(3)

(4)

.

وقال الإمام: "نسخ القياس إما أن يكون في زمان حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بعد وفاته:

فإن كان حال حياته: فلا يمتنع رفعه بالنص، والإجماع، والقياس.

(1)

أي: القول بنسخ القياس بالقياس - يفيد أنَّ القياس قد يكون منسوخًا، وقد يكون ناسخًا. لكنه لا يُنسخ به - كما قال المصنف - إلا قياس آخر أخفى منه، كما لا يَنسخه إلا قياسٌ أجلى. انظر: نهاية السول 2/ 593.

(2)

أما منع نسخ القياس - فهو قول بعض الحنابلة، وعبد الجبار في قول. انظر: شرح الكوكب 3/ 571، المسودة ص 225، العدة 3/ 827، المعتمد 1/ 402، الإحكام 3/ 163. وأما منع النسخ به - فهو مذهب الجمهور، انظر: البحر المحيط 5/ 289، المستصفى 2/ 109 (1/ 126)، إحكام الفصول ص 429، كشف الأسرار 3/ 174، أصول السرخسي 2/ 66، شرح الكوكب 3/ 572.

(3)

سقطت من (ت).

(4)

انظر: الإحكام 3/ 163، 164، نهاية الوصول 6/ 2376، البحر المحيط 5/ 290.

ص: 1721

أما بالنص: فبأن ينص الرسول عليه السلام في الفرع على خلاف الحكم الذي يقتضيه القياس، بعد استقرار التعبد بالقياس.

وأما بالإجماع: فلأنه إذا اختلفت الأمة على قولين قياسًا، ثم أجمعوا على أحد القولين - كان إجماعهم على أحد القولين رافعًا لحكم القياس الذي اقتضى القول.

وأما بالقياس: فبأن ينص في صورةٍ بخلاف ذلك الحكم، ويجعله معلَّلًا بعلةٍ موجودة في ذلك الفرع، وتكون

(1)

أمارة عِلِّيَّتها أقوى من أمارة علية الوصف للحكم الأول في الأصل الأول، ويكون كل ذلك بعد التعبد بالقياس الأول.

وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: فإنه يجوز نسخه في المعنى، وإن كان ذلك لا يسمى نسخًا في اللفظ. أما بالنص: إذا

(2)

اجتهد إنسان في طلب النصوص، ثم لم يظفر بشيء أصلًا، ثم اجتهد فحرَّم

(3)

شيئًا بالقياس، ثم ظفر بعد ذلك بنصٍّ أو إجماع أو قياس أقوى من القياس الأول - على خلافه.

فإن قلنا: كل مجتهد مصيب - كان هذا الوِجْدان ناسخًا (لحكم

(4)

الأول من القياس)

(5)

، لكنه لا يُسمى ناسخًا؛ لأن القياس إنما يكون

(1)

في (ص): "ويكون".

(2)

عبارة المحصول 1/ ق 3/ 538: "فكما إذا".

(3)

في (ص): "فخرج". وهو خطأ.

(4)

في (غ): "للحكم".

(5)

عبارة المحصول 1/ ق 3/ 538: "لحكم القياس الأول".

ص: 1722

معمولًا به بشرط أن لا يعارضه شيء من ذلك

(1)

.

وإنْ

(2)

قلنا: المصيب واحدٌ - لم يكن القياس الأول متعبَّدًا به

(3)

، فلم يكن النص الذي وجدَه آخِرًا ناسخًا لذلك القياس.

وأما كون القياس ناسخًا - فهو إما أن يَنسخ كتابًا، أو سنة، أو إجماعًا، أو قياسًا. والأقسام الثلاثة الأُول باطلة بالإجماع. وأما الرابع وهو كونه ناسخًا لقياسٍ آخر - فقد تقدم الكلام فيه"

(4)

. هذا كلام الإمام.

قال صاحب "التحصيل": ولقائل أن يقول: في هذه الأقسام نظر، فليتأمله الناظر

(5)

.

وما ذكره صاحب "التحصيل" صحيح، فإن النظر فيه مِنْ أوجه:

أحدها: قولُه: يجوز نسخ القياس حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالإجماع - يناقض قولَه قبل ذلك: إن الإجماع لا ينعقد في زمنه صلى الله عليه وسلم، وأنه يمتنع نسخ

(6)

القياس به أيضًا.

(1)

يعني: فالتعارض الذي هو شرط النسخ غير متحقِّق.

(2)

في (غ): "فإن".

(3)

في (ص): "معتدًا به". والمعنى وإن كان صحيحًا، لكنه مخالف لما في "المحصول". وفي التحصيل 2/ 27:"معتدًا به".

(4)

انظر: المحصول 1/ ق 3/ 536 - 538. وقد ذهب إلى أن القياس يُنسخ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دون ما بعده ابن برهان، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وأبو الحسين البصري، رحمهم الله جميعًا. انظر: الوصول إلى الأصول 2/ 54، التمهيد 2/ 390، المعتمد 1/ 402، شرح الكوكب 3/ 571.

(5)

انظر: التحصيل 2/ 28. ونحوه قال صاحب الحاصل 2/ 664.

(6)

سقطت من (ت).

ص: 1723

والثاني: بناءُ ذلك على أن كل مجتهدٍ مصيب - غير سديد؛ فإن ذلك النص الذي يطلع عليه المجتهد بعد ذلك لا بد وأن يكون كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ضرورةَ أن النصوص لا تُنْشأ بعده، ولكنه كان قد خفي عليه. فإذا بان له يتبيَّن إذ ذاك أن حكم القياس مرتفعٌ مِنْ أصله، وليس هو من النسخ في شيء لا في اللفظ ولا في المعنى، سواء قيل: كل مجتهد مصيب، أم لم يُقل بذلك

(1)

.

(1)

يعني: فلا علاقة لنسخ القياس بعد وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم بالقول بأن كل مجتهد مصيب. وهذا الاعتراض فيه نظر عندي؛ إذ من الظاهر أن كلام الإمام - رحمه الله تعالى - إنما يقصد به أن الحكم يرتفع عن المجتهد بخصوص نفسه، لا بالنظر إلى غيره من المجتهدين ممن علم بالنص فإن حكم القياس مرتفع عنهم، لكن المجتهد مأمورٌ باتباع اجتهاده شرعًا، فلما تبين له نص مخالف لقياسه - تغيَّر حكم الشرع في حقِّه، فأصبح الحكم الأول في حقه منسوخًا، وهذا لا ينافي كون الحكم مرتفعًا في حق غيره أصلًا؛ لأن هذا الرفع الطارئ إنما هو بالنظر إلى خصوص حكم المجتهد. وأما بناء الإمام للنسخ بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم على القول بأن كل مجتهد مصيب - فإنما هو بناءً على أنَّ من يقول بهذا القول يَعُدُّ أن المجتهد متعبَّد بقياسه الأول، مأمور به في الواقع ونفس الأمر، فقياسه بناءً على ذلك صحيح قطعًا، فتحوله مِنْ حكم هذا القياس إلى حكم النص المخالف للقياس إنما هو من قبيل التحول مِنَ المنسوخ إلى الناسخ. وإنما لم يُسم هذا التحول في حق المجتهد نسخًا لأن شرط النسخ الاصطلاحي غير متوفر، وهو وجود التعارض؛ لأن القياس لا يعارِض النص، بل يَبْطل به، فلما كان رفع حكم القياس لا عن تعارض - لم يكن نسخًا اصطلاحيًا، وإن كان رفعًا لغويًا. وهذا بخلاف مَنْ يقول: بأنَّ المصيب واحد، فإنه لا يعد المخطئ متعبَّدًا بقياسه في الواقع ونفس الأمر، وإن كان معذورًا في فعله، ومأجورًا في اجتهاده. فقياسه بناءً على هذا القول خطأ، وتحوله عنه تحول من خطأ إلى صواب، فليس هناك رفع للحكم بالنظر إلى الواقع ونفس الأمر، بخلاف مَنْ يقول بتصويب كل مجتهد، فهو مصيب في الواقع ونفس الأمر في كلا الحكمين.

ص: 1724

والثالث: أنَّ بناءً ذلك على أنَّ

(1)

كل مجتهدٍ مصيب إنْ صح - لم يختص بما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

(2)

.

والرابع: أنه نَقَل الإجماع على بطلان الأقسام الثلاثة الأُول، وليس بجيد؛ لما نقله جماعةٌ منهنْ تجويز نسخ الكتاب والسنة بالقياس عن طائفة.

والخامس: في قوله: "إنْ قلنا: المصيب واحد - لم يكن القياس الأول مُتَعَبَّدًا به". قلنا: لا نسلِّم؛ فإنَّ المصيب وإن اتحد - فقد انعقد الإجماع على أنه يجب على كلِّ مجتهدٍ أن يعمل هو ومَنْ قلده بما أداه إليه اجتهاده من قياسٍ أو غيره، وإنْ كان قد أخطأ الحكم المقرر

(3)

في نفس الأمر، كما نقول فيمن اجتهد ثم أخطأ الكعبة: يجب أن يصلي إلى الجهة التي استقبلها وإنْ كانت خطأ في نفس الأمر

(4)

. واعلم أنَّ الإمام لم

(1)

سقطت من (ت).

(2)

لجواز الاجتهاد في عهده صلى الله عليه وآله وسلم.

(3)

في (ت)، و (غ):"المقدر". أي: المقدر عند الله تعالى.

(4)

الإمام رحمه الله تعالى يقصد أنه غير متعبَّد بالقياس في نفس الأمر والواقع، لا بالنظر إلى كون المكلف متعبَّدًا بمقتضى اجتهاده، أصاب أم أخطأ. وبالجملة فاعتراض الشارح اعتراض صحيح، إلا أنَّ رفع الحكم عن المجتهد بالنظر إلى الواقع وحقيقة الأمر - على قول المصوِّبة - أقرب إلى حقيقة النسخ مِنْ رفع الحكم بالنظر إلى التكليف بمقتضى الاجتهاد؛ لأن المجتهد - على قول المصوِّبة - لم ينتقل من الخطأ إلى الصواب مطلقًا، أي: لا بالنظر إلى التكليف بمقتضى الاجتهاد، ولا بالنظر إلى الواقع. وعلى قول المخطِّئة فإن المجتهد انتقل من الصواب إلى الصواب باعتبار تكليفه بمقتضى اجتهاده، ومن الخطأ إلى الصواب باعتبار الواقع وحقيقة الأمر، وهذا منافٍ لحقيقة النسخ من هذه الجهة.

ص: 1725

يخترع هذا التفصيل، بل سبقه إليه أبو الحسين في "المعتمد"

(1)

.

وقال الآمدي: "العلة الجامعة في القياس إن كانت منصوصة فهي في معنى النص، ويمكن نسخه بنصٍّ، أو قياس في معناه. ولو

(2)

ذهب إليه ذاهب بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعدم اطلاعه على ناسخه بعد البحث، فإنه وإن وجب عليه اتباع ما ظنَّه - فرفع

(3)

حكمه في حقه بعد اطلاعه على الناسخ لا يكون نسخًا متجددًا، بل يتبيَّن أنه كان منسوخًا.

وإن كانت مستنبطةً فحكمها في حقه غير ثابت بالخطاب، فرَفْعه في حقه عند الظفر بدليلٍ يعارضه ويترجح عليه - لا يكون نسخًا؛ لكونه ليس بخطاب؛ لأن النسخ هو الخطاب"

(4)

.

و

(5)

أما النسخ بالقياس: فاختار فيه أنه يصح إن كانت العلة منصوصة، وإلا فإن كان القياس قطعيًا، كقياس الأَمَةِ على العبد في السِّراية - فإنه وإن كان مقدمًا لكن ليس نسخًا، لكونه ليس بخطاب، والنسخ عنده هو الخطاب

(6)

. وإن كان ظنيًا بأن تكون

(1)

انظر: المعتمد 1/ 402، وسبقه أيضًا ابن الصباغ، كما قال الزركشي رحمه الله في البحر 5/ 294.

(2)

في (ت)، و (ص):"لو". وإثبات الواو من الإحكام 3/ 164.

(3)

في (ص): "فوقع". وهو تحريف.

(4)

انظر: الإحكام 3/ 163 - 164، والشارح قد تصرف في النقل واختصر.

(5)

سقطت الواو من (ص).

(6)

المعنى: أنه وإن لم تكن العلة منصوصةً، وكان القياس قطعيًا، كقياس الأمة على العبد في سراية العتق من البعض إلى الكل؛ لأن العلة هي الرق، وهي موجودة في الأمة =

ص: 1726