المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الباب الثاني: في الأخبار - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٥

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌اللفظ المجمل إما أن يكون مجملًا

- ‌فوائد:

- ‌(الثانية: قالت الحنفية: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}(1)مجمل

- ‌(الثالثة: قيل: آية السرقة مجملة

- ‌(الفصل الثاني: في المبيَّن

- ‌تنبيهان:

- ‌ قد يكون بالقول وذلك بالاتفاق(4)، وقد يكون بالفعل

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌ تأخير البيان عن وقت الحاجة

- ‌فائدتان:

- ‌فائدة

- ‌(الفصل الثالث: في المبيَّن له

- ‌(الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: أنه واقع وأحالته اليهود

- ‌(الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن

- ‌(الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافًا للمعتزلة)

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌(الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل

- ‌فائدة:

- ‌يجوز نسخ الحكم دون التلاوة

- ‌فرع:

- ‌(السادسة: يجوز نسخ الخبر المُسْتَقبل

- ‌(الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌ الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة

- ‌(الثانية: لا يُنسخ المتواتر بالآحاد

- ‌(الثالثة: الإجماع لا يُنسخ

- ‌(الرابعة: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى

- ‌(الخامسة: زيادة صلاة ليس بنسخ

- ‌ زيادة العبادة المستقلة. أما زيادة غير(2)المستقلة، كزيادة ركعة أو ركوع

- ‌(الكتاب الثاني: في السنة

- ‌(الأولى: في عصمة الأنبياء(2)عليهم الصلاة والسلام)

- ‌(الثانية: فِعْله المجرد يدل على الإباحة عند مالك

- ‌ بيان الطرق التي تُعرف(1)بها الجهةُ

- ‌(الرابعة: الفعلان لا يتعارضان

- ‌(الخامسة: أنه عليه السلام قبل النبوة تُعُبِّد(1)(2)بشرع، وقيل: لا)

- ‌الأول: فيما كان صلى الله عليه وسلم عليه قبل أن يبعثه الله تعالى برسالته

- ‌البحث الثاني: في أنه صلى الله عليه وسلم هل تُعُبِّد بعد النبوة بشرعِ مَنْ قبله:

- ‌فروع:

- ‌فائدة:

- ‌(الباب الثاني: في الأخبار

- ‌(الفصل الثاني: فيما عُلِم كذبه

- ‌(الفصل الثالث: فيما ظُنَّ صدقه

- ‌أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد

- ‌(الطرف(1)الثاني: في شرائط(2)العمل به

- ‌فائدة:

- ‌ أحكام التزكية

- ‌(الأولى: شُرِط العدد في الرواية والشهادة

- ‌فائدة

- ‌ الثاني: فأن لا يخالفه قاطع

- ‌ الثالث مِنْ شرائط العمل بخبر الواحد: وهو الكلام في الخبر

- ‌الأولى: في بيان ألفاظ الصحابي ومراتِبها

- ‌(الثانية: لغير الصحابي أن يروي إذا سمع الشيخ أو قرأ عليه

- ‌الأولى: أن يسمع من لفظ الشيخ

- ‌الثانية: أن يقرأ عليه

- ‌الثالثة: أن يقرأ على الشيخ

- ‌الرابعة: أن يقرأ على الشيخ ويقول له: هل سمعته؟ فيسكت الشيخ

- ‌الخامسة: أن(4)يكتب الشيخ إلى شخص:

- ‌السادسة: أن يشير الشيخ

- ‌السابعة: الإجازة

- ‌(الثالثة: لا يقبل المُرْسل خلافًا لأبي حنيفة ومالك)

- ‌(الرابعة: يجوز نَقْل الحديث بالمعنى خلافًا لابن سيرين

- ‌فائدة:

- ‌(الخامسة: إن زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قُبِلت

- ‌(الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌ الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الأولى: قيل: محال كاجتماع الناس في وقتٍ واحد على مأكولٍ واحد

- ‌ الإجماع حجةٌ شرعية يجب العمل به

- ‌(الثالثة: قال مالك: إجماع أهل المدينة حجة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌(الخامسة: قال القاضي أبو خازم: إجماع الخلفاء الأربعة حجة

- ‌الإجماع وإن كان حجة لكن لا يستدل به على جميع الأحكام

- ‌(الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الأولى: إذا اختلفوا على قولين فهل لمَنْ بعدهم إحداث ثالث

- ‌(الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمَنْ بعدهم التفصيل

- ‌فائدة:

- ‌(الثالثة: يجوز الاتفاق بعد الاختلاف خلافًا للصيرفيّ

- ‌(الرابعة: الاتفاق على أحدِ قولي الأولين

- ‌(الخامسة: (إذا اختلفت الأمة)(3)على قولين فماتت إحدى الطائفتين - يصير قول الباقين حجة؛ لأنهم كل الأمة)

- ‌(السادسة: إذا قال البعض وسكت الباقون - فليس بإجماعٍ ولا حجة

- ‌(الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الأولى: أن يكون فيه قول كلِّ عالمي ذلك الفن

- ‌(الثانية: لا بد له من سند؛ لأن الفتوى بدونه خطأ

- ‌(الثالثة: لا يُشترط انقراض المُجْمِعين

- ‌(الرابعة: لا يُشترط التواتر في نقله كالسنة)

- ‌(الخامسة: إذا عارضه(8)نصٌّ أُوِّل القابلُ له(9)، وإلا تساقطا

الفصل: ‌(الباب الثاني: في الأخبار

قال: ‌

‌(الباب الثاني: في الأخبار

. وفيه فصول:

الأول: فيما علم صدقه. وهو سبعةٌ:

الأول: ما عُلم وجود مُخْبَرِه بالضرورة، أو الاستدلال.

الثاني: خبر الله تعالى، وإلا لكنا في بعض الأوقات (أكمل منه تعالى وتنزه)

(1)

.

الثالث: خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعتمد دعواه الصدق، وظهور المعجزة على وَفْقه

(2)

.

الرابع: خبر كلِّ الأمة؛ لأن الإجماع حجة.

الخامس: خبر جمع عظيم عن أحوالهم.

السادس: الخبر المحفوف بالقرائن).

الخبر قسم من أقسام الكلام، والقول في أنه حقيقة في اللساني، أو النفساني، أو مشترك - على الخلاف السابق. وقد يستعمل الخبر في غير القول، كقوله: تخبرني العينانِ ما القلبُ كاتمُ. لكنه مجاز؛ لعدم تبادره إلى الذهن، وقد سبق الكلام على حد الخبر في باب تقسيم الألفاظ.

(1)

في (ت): "أكمل منه وينزه".

ولفظة: "وتنزه" غر موجودة في نهاية السول 3/ 54، ومناهج العقول 2/ 213، ومعراج المنهاج 2/ 21.

(2)

أي: على وفق ما ادعاه.

ص: 1807

واعلم أن الخبر وإن كان من حيث هو يحتمل الصدق والكذب، لكنه قد يُقطع بصدقه أو بكذبه لأمورٍ خارجة، أو لا يقطع بواحدٍ منهما، لفقدان ما يوجب القطع، وحينئذٍ فقد يُظَنُّ الصدق، وقد يظن الكذب، وقد يستوي الأمران. والمصنف تكلم في فصولٍ:

الأول: فيما يُقطع بصدقه.

والثاني: فيما يُقطع بكذبه.

والثالث: فيما يُظن بصدقه

(1)

.

واقتصر على هذه الفصول، وقد علمتَ مما ذكرناه أن الخبر منحصرٌ في الصدق والكذب؛ لأنه إما مطابق للواقع - وهو الصدق، أوْ لا - وهو الكذب.

وجعل الجاحظ بينهما واسطة فقال الصادق: هو المطابِق للواقع، مع اعتقاد كونه مطابقًا والكاذب: غير المطابق، مع اعتقاد كونه غير مطابق.

قال: وأما الذي لا اعتقاد يصحبه - فليس بصدقٍ ولا كذب، سواء طابَق الواقع أم لم

(2)

يطابقه. وهذا قولٌ مُزَيَّف عند الجماهير

(3)

.

(1)

في (غ): "صدقه".

(2)

في (ت)، و (ص):"لا".

(3)

وقال جماعة منهم بأن الخلاف لفظي، وهم: الإمام وأتباعه، والقرافي، والآمدي، وابن الحاجب. انظر: المحصول 2/ ق 1/ 319، الحاصل 2/ 736، التحصيل 2/ 94، نهاية الوصول 7/ 2707، شرح التنقيح ص 348، الإحكام 2/ 12، منتهى السول ص 67، العضد على ابن الحاجب 2/ 50.

ص: 1808

الفصل الأول: فيما يُقطع بصدقه.

وهو سبعة أقسام:

الأول: الخبر الذي عُلم وجود مُخْبَرِه، أي: المُخْبَر به، وهو بفتح الباء. وحصول العلم به قد يكون بالضرورة، كقولنا: الواحد نصف الاثنين. وقد يكون بالاستدلال، كقولنا: العالم حادث

(1)

.

الثاني: خبر الله تعالى؛ لأنه لو جاز الكذب عليه لكنا في بعض الأوقات وهو وقت صدقنا وكذبه - أكمل منه مِنْ جهة الصدق والكذب؛ إذ الصدق صفة كمال، والكذب صفة نقص، وتنزه الله تعالى، وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا

(2)

.

الثالث: خبر الرسول، والدليل على إفادته العلم: أنه ادعى الصدق، وظهرت المعجزات على وَفْقه، وذلك دليل على صدقه، لامتناع ظهور المعجزة على يد الكافر. وإذا ثبتت نبوته فكل ما يخبر به صحيح قطعًا؛ لامتناع الكذب على الأنبياء: أما إنْ كان فيما يتعلق بالتبليغ والتشريع - فبإجماع الأمة، وأما إذا لم يكن متعلِّقًا بالتبليغ - (فلأنه معصيةٌ، وكل معصيةٍ عندنا)

(3)

من صغيرة أو

(1)

وكقولنا: الواحد سدس عشر الستين. انظر: شرح التنقيح ص 354.

(2)

قال الإسنوي رحمه الله: "وهذا القسم وما بعده علمنا فيه أولًا صدق الخبر، ثم استدللنا بصدقه على وقوع المخبر عنه. بخلاف الأول، فإنا علمنا أولًا وقوع المخبر عنه، ثم استدللنا بوقوعه على صدق الخبر" نهاية السول 3/ 57 - 58.

(3)

في (ص): "فلأنه معصية عندنا، وكل معصية". وهو خطأ؛ لأن الكذب معصية عند الجميع، وسواء في حق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أو غيرهم.

ص: 1809

كبيرة

(1)

فهي ممتنعة على الأنبياء عليهم السلام.

الرابع: خبر كلِّ الأمة؛ لأن الإجماع حجة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وهذا إنما يتم عند مَنْ يقول: إن الإجماع قطعيٌّ. وأما مَنْ يقول: إنه ظني - فهو ينازع في إفادته العلم.

الخامس: خبر العدد العظيم والجم الغفير عن الصفات القائمة بقلوبهم من الشهوة والنفرة، والجوع، والعطش. كقول زيد: أنا جائع. وعمرٌو: أنا ظام. وخالد: أنا شاكر. وبكر: أنا داع. وهلم جَرَّا؛ فإنا نقطع بأنه لا بد فيه من الصدق، وأنه ليس كله كذبًا

(2)

، ولكنا نجهل الصحيح منه، كما أنا لا نشك في أنَّ بعض المرويِّ (عن الرسول)

(3)

صلى الله عليه وسلم صِدْقٌ وإنْ جَهِلنا

(4)

عينه. ولا يتوهمن المتوهمُ أن هذا هو التواتر المعنوي الآتي إن شاء الله تعالى في آخر الفصل؛ وذلك لأن الجمع الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب إذا أخبروا:

فتارةً يتفقون في اللفظ والمعنى وهو المتواتر.

وتارة يختلفون في اللفظ والمعنى مع وجود معنى كلي فيما أخبروا به وقع عليه الاتفاق، كما إذا أخبر واحدٌ عن حاتمٍ: أنه أعطى دينارًا، وآخرُ:

(1)

في (ت)، و (غ):"وكبيرة".

(2)

لأنه يستحيل تواطؤ هذا الجمع الكثير على الكذب كلهم، فلا بد أن يكون مِنْ بينهم مَنْ هو صادق، انظر: نفائس الأصول: 7/ 2871.

(3)

في (ص): "عنه".

(4)

في (ص): "جُهل".

ص: 1810

أنه أعطي جملًا، وآخرُ: فرسًا، وهلم جَرَّا - فإن المخبرِين وإن اختلفوا في اللفظ والمعنى فقد اتفقوا على معنى كلي: وهو الإعطاء، وهذا هو التواتر

(1)

المعنوي.

وتارة تتغاير الألفاظ والمعاني، ولا يقع الاتفاق على معنى كلي ولا جزئي، بل كل واحد

(2)

يُخبِر عن شأن نفسِه بخبرٍ يغاير ما أخبر به الآخر، وهم جمع عظيم تقتضي

(3)

العادة بأنه لا بد فيهم مِنْ صادق في مقاله وهذا هو القسم الذي نتكلم

(4)

فيه.

فالثابت في المتواتر ذلك الشيء الواحد

(5)

الذي أخبر به أهل التواتر، وفي المعنوي القَدْرُ المشترك:(وهو أمرٌ كلي)

(6)

وقع الاتفاق عليه ضمنًا. وفي هذا القسم أمر جزئي لم يتفقوا عليه.

السادس: الخبر المحفوف بالقرائن. ذهب النَّظَّام

(7)

، وإمام الحرمين،

(1)

في (ت): "المتواتر".

(2)

في (ص): "أحد".

(3)

في (ت)، و (غ):"تقضي".

(4)

في (ص): "يتكلم".

(5)

سقطت من (ص).

(6)

في (ص): "وهو كل أمر". وهو خطأ.

(7)

هو إبراهيم بن سَيَّار بن هاني النَّظَّام أبو إسحاق البصريّ، من رؤوس المعتزلة متهمٌ بالزندقة، وهو شيخ الجاحظ. كان ينظم الخرز في سوق البصرة ولأجل ذلك قيل له "النَّظَّام". ذكر عبد القاهر الإسفراييني عقائده الكفرية التي منها إنكاره إعجاز القرآن في نَظْمه، وإنكار ما روي من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من انشقاق القمر وتسبيح =

ص: 1811

والغزالي، والإمام وأتباعه منهم المصنف، والآمدي، وابن الحاجب

(1)

: إلى أنه يفيد العلم، وهو المختار

(2)

. وذهب الباقون إلى أنه لا يفيد

(3)

.

واحتج الأولون: بأن الإنسان إذا سمع أن السلطان غضب على وزيره وأهانه، ثم إنه

(4)

رأى الوزيرَ خارجًا من باب داره على وجه الذِّلة والانكسار، والخوفُ بادٍ على أعطافه

(5)

، والوَجَل يلوح مِنْ حركاته

= الحصا في يده، ونبوع الماء من بين أصابعه. وطعن في فتاوي أعلام الصحابة رضي الله عنهم. قال عبد القاهر رحمه الله:"وجميع فِرَق الأمة مِن فريقَي الرأي والحديث - مع الخوارج، والشيعة، والنجارية، وأكثر المعتزلة - متفقون على تكفير النظام. . . . ولشيخنا أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله في تكفير النظام ثلاثة كتب". مات وهو سكران سنة بضع وعشرين ومائتين. انظر: سير 10/ 541، الفَرْق بين الفِرَق ص 131، لسان الميزان 1/ 67.

(1)

انظر: البرهان 1/ 576، المستصفى 2/ 142 (1/ 135)، المحصول 2 / ق 1/ 400، 402، الحاصل 2/ 760، التحصيل 2/ 108، نهاية الوصول 7/ 2763، الإحكام 2/ 32، منتهى السول ص 71، العضد على ابن الحاجب 2/ 55. وبه قال القرافي، وابن برهان، وابن قدامة، وابن تيمية، والطوفي، وابن الهمام، والزركشي، رحمهم الله جميعًا. انظر: شرح التنقيح ص 354 - 355، نفائس الأصول 7/ 2920، نزهة الخاطر 1/ 251 - 252، الوصول إلى الأصول 2/ 150 - 152، الفتاوى 18/ 40، مختصر الطوفي ص 51، تيسير التحرير 3/ 76، البحر المحيط 6/ 116.

(2)

وكذا صَرَّح باختياره في جمع الجوامع. انظر: شرح المحلي على الجمع 2/ 130.

(3)

انظر: فواتح الرحموت 2/ 121، شرح الكوكب 2/ 348، والمراجع السابقة.

(4)

سقطت من (ص).

(5)

أي: جوانبه. وفي اللسان 9/ 250، مادة (عطف): "والعِطف: المَنْكب. قال =

ص: 1812

وسكناته، وحَوَالَيْه الأعوان كالمرسَّمين عليه، وكلامهم له كلام النظير للنظير، بعد أن كانوا خدمًا بين يديه، وهم ذاهبون به نحو حبس السلطان، وعدوُّه يتصرف فيما كان يتصرف فيه - فإنه يَقْطَع بصدق ما سمعه، لا يداخله في ذلك شكٌّ ولا ريب، بل لو أظهر مع قيام هذه القرائن شَكًّا - لَعُدَّ أحمق، وَرَشَقَتْه سهام الملام.

وكذلك إذا وجدنا رجلًا مرموقًا، عظيم الشأن، معروفًا بالمحافظة على رعاية المروءات حاسرًا رأسَه، شاقًا جيبَه، حافيًا، وهو يصيح بالويل والثبور، ويذكر أنه أصيب بولده أو والده، وشُهدت الجنازة، ورؤي الغسَّال

(1)

مُشَمِّرًا يَدْخل ويخرج - فهذه القرائن وأمثالها تفيد العلم بصدق المُخْبِر وإن كان واحدًا.

واعلم أن هذه العلوم الحاصلة على حكم العادات وجدناها مترتبةً على قرائن الأحوال، وهي لا تنضبط انضباط المحدودات بحدودها

(2)

، وقد قلنا: إنه لا سبيل إلى جَحْدِها إذا وقعت، وهذا كالعلم بخَجَل الخَجِل، ووجَلِ الوِجل، وبَسْطِ الثَّمِل

(3)

، وغضب الغضبان، ونحوها مما لا يُعَدُّ ولا يحصى.

= الأزهري: مَنكِب الرجل عِطْفه، وإبْطُه عِطْفُه. والعُطوف: الآباط. وعِطْفا الرجل والدابة: جانباه عن يمين وشمال، وشِقَّا من لَدُنْ رأسه إلى وَرِكه، والجَمع أعْطاف وعِطَاف وعُطُوف". وانظر: المصباح المنير 2/ 66.

(1)

في (ت): "الغاسل". والمثبت موافق لما في البرهان 1/ 576، والشارح رحمه الله ناقلٌ منه.

(2)

لأنها تختلف باختلاف الأشخاص، والأزمان، والأحوال. انظر: نهاية الوصول 7/ 2764.

(3)

الثَّمِل: الذي قد أَخَذ منه الشرابُ والسُّكْر، والمعنى: ونشوة الثمل. انظر: لسان =

ص: 1813

فإذا ثبتت هذه القرائن ترتبت عليها علومٌ بديهيةٌ

(1)

لا يأباها إلا جاحد، ولَوْ رَامَ امرؤٌ العلمَ بضبط القرائن ووضعِها

(2)

بما يميِّزها عن غيرها لم يجد إلى ذلك سبيلًا، وكأنها تَدِقُّ عن العبارات، وتأبى على مَنْ يحاول ضبطَها بها. وقد قال الشافعي رضي الله عنه: "مَنْ شاهد رضيعًا قد التقم ثديًا من مُرضع ورأى فيه آثار الامتصاص، وحركاتِ الغَلْصمة

(3)

، وجَرْجَرةَ المتجرِّع - لم يسترب في وصول اللبن إلى جوف الصبي، وحَلَّ له أن يشهد له شهادةً باتةً بالرضاع. ولو أنه لم يبت شهادتَه في ثبوت

(4)

الرضاع، ولكنه شهد على ما رأى من القرائن في وصفها، واستعان بالواصفين مُعَرِّفين، فبلغ ذِكْرُ القرائن مجلسَ القضاء لم يثبت

(5)

الرضاع بذلك، وذلك أن ما يسمعه

(6)

القاضي وصفٌ لا يبلغ مبلغ العيان، والذي يقضي بالمعايِن إلى دَرَكِ

(7)

(8)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= العرب 11/ 92، مادة (ثمل).

(1)

في (غ): "بدهية".

(2)

في (غ): "ووصفها".

(3)

الغَلْصمة: رأس الحلقوم، وهو الموضع الناتئ في الحلق، والجمع غلاصم. لسان العرب 12/ 441، المصباح المنير 2/ 103 مادة (غلصم).

(4)

في (ص): "بيان".

(5)

في (ت): "يبت". والمثبت موافق لما في "البرهان".

(6)

في (ص): "ما سمعه".

(7)

في (غ): "إدراك".

(8)

بفتح الدال، وسكون الراء لغة: اسمٌ منْ أدركتُ الشيء، انظر: المصباح 1/ 206، اللسان 10/ 419، مادة (درك).

ص: 1814

اليقين يَدِق مُدْرَكُه

(1)

عن عبارة الواصفين"

(2)

.

قال إمام الحرمين: "ولو قيل لأذكى خلق الله قريحةً وأحدِّهم ذهنًا: افصل بين حُمْرةِ وجه الغضبان، وبين حمرة المرعوب - لم تساعده عبارة في محاولة الفصل، فإن القرائن لا تبلغها غايات العبارات. وبهذا يتمهد ما قلناه مِنْ أن حصول العلم بصدق المخبِر لن يتوقف على حدٍّ محدود، ولا عددٍ معدود"

(3)

(4)

والله أعلم

(5)

.

قال: (السابع: المتواتر: وهو خبر بلغت رواته في الكثرة مبلغًا

(1)

بضم الميم، وهو مصدر ميمي، أي: إدراكه. قال في المصباح 1/ 106: "والمُدْرك، بضم الميم: يكون مصدرًا، واسم زمان ومكان، تقول: أدركته مُدْركًا، أي: أي إدراكًا. وهذا مُدْركه، أي: موضع إدراكه، وزمن إدراكه. ومَدَارك الشرع: مواضع طلب الأحكام، وهي حيث يُستدل بالنصوص والاجتهاد من مدارك الشرع، والفقهاء يقولون في الواحد مَدْرَك، بفتح الميم، وليس لتخريجه وجه".

(2)

انظر: البرهان 1/ 575.

(3)

لأن العلم بصدق المخبِر متوقف على أمور، منها القرائن، والقرائن لا حد لها.

(4)

انظر: البرهان 1/ 575 - 576، مع بعض التصرف من الشارح رحمه الله تعالى.

(5)

انظر الفصل الأول في: المحصول 1/ ق 3/ 387، الحاصل 2/ 756، التحصيل 2/ 106، نهاية الوصول 7/ 2753، نهاية السول 3/ 57، السراج الوهاج 2/ 715، مناهج العقول 2/ 212، الإحكام 2/ 12، 32، البرهان 1/ 574، 583، المستصفى 2/ 162 (1/ 140)، المحلي على الجمع 2/ 124، البحر المحيط 6/ 93، شرح اللمع 2/ 578، شرح التنقيح ص 354، إحكام الفصول ص 329، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، 55، تيسير التحرير 3/ 76، فواتح الرحموت 2/ 121، شرح الكوكب 2/ 348، المسودة ص 240.

ص: 1815

أحالت العادةُ تواطُؤَهم على الكذب. وفيه مسائل: الأولى: أنه يفيد العلم مطلقًا خلافًا للسُّمَنية. وقيل: يفيد عن الموجود لا عن الماضي. لنا: أنا نعلم بالضرورة وجود البلاد النائية، والأشخاص الماضية. قيل: نجد التفاوت بينه وبين قولنا: الواحد نصف الاثنين. قلنا: للاستئناس).

التواتر لغةً: هو التتابع. وتَوَاتَر مجيءُ القوم، أي: جاؤوا واحدًا بعد واحدٍ بفترة بينهما

(1)

. ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}

(2)

أي: واحدًا بعد واحد بفترة بينهما

(3)

.

وفي الاصطلاح: ما ذكره المصنف

(4)

. وفي الفصل مسائل:

إحداها: أكثر العقلاء على أنه إذا تواتر الخبر أفاد العلم اليقيني، سواء كان خبرًا عن أمور موجودة في زماننا، كالإخبار عن البلدان البعيدة. أو عن أمورٍ ماضية، كالإخبار عن وجود الأنبياء عليهم السلام وغيرِهم في القرون الماضية.

(1)

في لسان العرب 5/ 275، مادة (وتر):"والتواتر: التتابع. وقيل: هو تتابع الأشياء وبينها فَجَوَات وفَتَرات". وانظر: المصباح 2/ 321.

(2)

سورة المؤمنون: الآية 44.

(3)

انظر: زاد المسير 5/ 473، فتح القدير 3/ 484.

(4)

انظر تعريف المتواتر اصطلاحًا في: المحصول 2/ ق 1/ 323، الحاصل 2/ 737، التحصيل 2/ 95، نهاية الوصول 7/ 2715، الإحكام 2/ 14، منتهى السول ص 68، شرح التنقيح ص 349، تيسير التحرير 3/ 30، فواتح الرحموت 2/ 110، شرح الكوكب 2/ 325.

ص: 1816

وقالت السُّمَّنِيَّة بضم السين المهملة، وفتح الميم المشددة

(1)

، بعدها نون، ثم ياء

(2)

آخر الحروف، وهم قومٌ مِنْ عبدة الأوثان

(3)

: إنه لا يفيد العلم

(4)

.

قال القاضي في "مختصر التقريب": "وهؤلاء قومٌ من الأوائل

(5)

، ولا فَرْق عندهم بين المتواتر والمستفيض والآحاد"

(6)

.

وفَصَّل قوم

(7)

فقالوا: إنْ كان خبرًا عن موجود

(8)

أفاد العلم، وإن

(1)

الصواب: المخففة، كما في القاموس المحيط 4/ 236، واللسان 13/ 220، والمصباح المنير 1/ 310، والصحاح 5/ 2138، والمعجم الوسيط 1/ 452.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

ويقولون بتناسخ الأرواح، وينكرون وقوع العلم بالأخبار، زاعمين أن لا طريق للعلم سوى الحس، وهم فرقة بالهند، قيل: نسبةً إلى "سُومَنَات" بلدة بالهند. انظر: الفرق بين الفرق ص 270، والمراجع السابقة. وفي مُسَلَّم الثبوت مع الفواتح 2/ 113:(هم عبدة سومنات) اسم لصنمٍ كسَّره السلطان محمود بن سبكتكين، والسمنية قوم من الهند منكرو النبوة. اهـ. وليس هناك تعارض، فقد تسمى البلدة باسم الصنم أو العكس.

(4)

أي: يفيد الظن. انظر: البحر المحيط 6/ 103 - 104.

(5)

أي: من الفرق القديمة التي ظهرت قبل دولة الإسلام. انظر: الفرق بين الفرق ص 270.

(6)

انظر: التلخيص 2/ 281 - 282.

(7)

أي: من السمنية. انظر: المحصول 2/ ق 1/ 324، شرح التنقيح ص 350، نهاية الوصول 7/ 2716.

(8)

كالأخبار عن البلدان النائية، والحوادث الموجودة في زماننا. انظر: نهاية الوصول 7/ 2716.

ص: 1817

كان عن ماضٍ فلا يفيده

(1)

.

لنا: أنا بالضرورة نعلم وجودَ البلاد النائية، كنيسابور وخوارزم. والأشخاصَ الماضية، كالشافعي، وأبي حنيفة. ونجزم بذلك جزمًا يجري مَجْرى جزمِنا بالمشاهدات، فيكون المنكِر لها كالمنكر للمشاهدات، ومن أنكر ذلك فقد سقطت مكالمته، ووضحت مجاحدته.

قال القاضي: "فإن قالوا المحسوسات لما كانت معلومة ضروريةً لم نجحدها، وإنما جحدنا ما تواترت عنه الأخبار.

قلنا: وقد جحد المحسوسات السفسطائية

(2)

، وزعموا أن كل ما يسمى محسوسًا فلا حقيقة له، وإنما رؤيتنا له تخيل

(3)

كحكم

(4)

النائم.

(1)

في (ت): "فلا يفيد".

(2)

هم ثلاثة أصناف: فصنف منهم نفى ثبوت الحقائق للأشياء، وصنفٌ منهم شكُّوا فيها (أي: ينكرون العلم بثبوت شيء، ولا ثبوته، فهم شاكُّون، وشاكُّون أنهم شاكون، وهلمّ جرّا)، وصنف منهم قالوا: هي حقٌّ عند مَنْ هي عنده حق، وهي باطل عند من هي عنده باطل. وعمدة ما ذكر من اعتراضهم فهو اختلاف الحواس في المحسوسات، كإدراك البصر مَنْ بَعُد عنه صغيرًا، وَمَنْ قَرُب منه كبيرًا. وكوجود من به حمى صفراء حلوَ المطاعم مرًا، وما يرى في الرؤيا مما لا يشك فيه رائيه أنه حق مِنْ أنه في البلاد البعيدة. قال أمير بادشاه:"والحق أنهم لا يستحقون الجواب، بل يُقتلون ويُضربون، ويقال لهم: لا تجزعوا فإنه لا ثبوت لشيء. وسوفسطا: اسم للحكمة المموّهة والعلم المزخرف. ويقال: سَفْسَط في الكلام - إذ هذى". تيسير التحرير 3/ 32. وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل 1/ 8، تلبيس إبليس ص 53.

(3)

في (ص): "تخييل".

(4)

في "التلخيص": "كحلم".

ص: 1818

فإن قيل: هذا المذهب يؤثر عنهم، (ولم نر منهم طائفة)

(1)

تقوم بهم حجة.

قال القاضي: فنقول كذلك (لا نزال)

(2)

ننقل

(3)

مذهب السُّمَنية ولم نر حِزْبًا وفئة يكترث بهم"

(4)

.

واعترض الخصم: بأنا نجد التفاوت بين خبر التواتر وغيره من المحسوسات والبديهيات، كقولنا: الواحد نصف الاثنين. وقيام التفاوت دليلُ احتمالٍ بطريق النقيض، ومع الاحتمال يخرج عن كونه يقينيا.

والجواب: أن سببَ التفاوت الحاصل كثرةُ استعمال بعض القضايا، وتصورُ طرفيها، بخلاف غيرها؛ فلهذا يستأنس

(5)

العقل ببعضها دون بعض

(6)

.

وهذا الجواب مبني على أن العلوم لا تتفاوت، والذي اختاره كثيرون

(1)

في (ص): "ولم تر طائفة منهم".

(2)

في (ت): "لا يزال".

(3)

في (ت): "ينقل".

(4)

انظر: التلخيص 2/ 283 - 284.

(5)

في (ت)، و (غ):"استأنس".

(6)

المعنى: أن المحسوسات والبديهيات كثيرة الاستعمال فيستأنس العقل بها ويألفها ويحكم عليها سريعًا، بخلاف المتواترات فهي قليلة الاستعمال، فلا يستأنس العقل بها، فسبب التفاوت بينهما هو الكثرة والقلة في الاستعمال، وهذا لا يؤثر على القطعية. انظر: نهاية السول 3/ 70.

ص: 1819

خلافه

(1)

(2)

.

قال: (الثانية: إذا تواتر الخبر أفاد العلم ولا حاجة إلى نظر، خلافًا لإمام الحرمين، والحجة، والكعبي، والبصري. وتوقف المرتضى.

لنا

(3)

: لو كان نظريًا لم يحصل لمن لا

(4)

يتأتى له، كالبُلْه والصبيان. قيل: يتوقف على العلم بامتناع تواطئهم على الكذب، وأن لا داعي لهم إلى الكذب. قلنا: حاصلٌ بقوةٍ قريبة من الفِعل فلا حاجة إلى نظر).

الجمهور على أنه إذا تواتر الخبر أفاد العلم، ولا حاجة معه إلى كسب، وهو رأي الإمام وأتباعه منهم المصنف، واختاره ابن الحاجب

(5)

.

وذهب أبو القاسم الكعبي من المعتزلة، وقال الشيخ

(6)

أبو إسحاق

(1)

انظر: نهاية السول 3/ 70، نفائس الأصول 6/ 2812، شرح الكوكب 2/ 336.

(2)

انظر المسألة الأولى في: المحصول 2/ ق 1/ 323، الحاصل 2/ 737، التحصيل 2/ 95، نهاية الوصول 7/ 2716، نهاية السول 3/ 69، السراج الوهاج 2/ 719، الإحكام 2/ 15، المستصفى 2/ 132 (1/ 132)، البحر المحيط 1036 /، شرح التنقيح ص 350، إحكام الفصول ص 319، العضد على ابن الحاجب 2/ 52، تيسير التحرير 3/ 31، فواتح الرحموت 2/ 113، شرح الكوكب 2/ 326، المسودة ص 233.

(3)

في (ص): "أما". وهو خطأ.

(4)

سقطت من (ت).

(5)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 328، الحاصل 2/ 738، التحصيل 2/ 97، نهاية الوصول 7/ 2727، منتهى السول ص 68، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، الإحكام 2/ 18.

(6)

سقطت من (ت).

ص: 1820

الشيرازي هنا: إنه البلخي وكَنَاه

(1)

أبا مسلم

(2)

- إلى أنه كسبي، ووافقه أبو بكر الدقاق وأبو الحسين

(3)

، ونقله المصنف تبعًا للإمام

(4)

عن حجة الإسلام الغزالي. وفيه نظر، فالذي نَصَّ عليه في "المستصفى": أن تحقيق القول فيه أنه ضروري، بمعنى: أنه لا يُحتاج في حصوله إلى الشعور بتوسط واسطةٍ مفضية إليه، مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريًا، بمعنى: أنه حاصل من غير واسطة، كقولنا: القديم لا يكون مُحْدَثًا، والوجود لا يكون معدومًا؛ فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين في النفس: عدم اجتماع هذا الجمع على الكذب، واتفاقهم على الإخبار عن هذه الواقعة

(5)

.

(1)

في اللسان 15/ 234، مادة (كني):"يقال: كَنَيْتُه، وَكَنَوْتُه، وَأكْنَيْتُه، وكَنَيَّتُه".

(2)

عبارة أبي إسحاق في شرح اللمع 2/ 575: "وقال أبو مسلم البلخي، ويعرف بالكعبي، وهو من المعتزلة البغداديين. . .".

(3)

وابن القطان، وأبو الخطاب الكلوذاني. انظر: شرح اللمع 2/ 575، المعتمد 2/ 81، البحر المحيط 6/ 105، التمهيد 3/ 22 - 28، شرح الكوكب 2/ 327.

(4)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 329.

(5)

انظر: المستصفى 2/ 133 - 135 (1/ 132 - 133)، وقد اعتبر ابن الحاجب رحمه الله هذا القول اصطلاحًا خاصًا للغزالي، حيث قال في منتهى السول ص 68:"وميل الغزالي إلى إثبات قسم ثالث". وقد أشار الغزالي رحمه الله إلى ذلك حيث قال (2/ 135): "العلم بصدق خبر التواتر يحصل بواسطة هذه المقدمات، وما هو كذلك ليس بأولي، وما ليس بأولي هل يسمى ضروريًا؟ هذا ربما يختلف فيه الاصطلاح. والضروري عند الأكثرين عبارة عن الأوَّليّ، لا عما نجد أنفسنا مضطرين إليه، فإن العلوم الحسابية كلها ضرورية، وهي نظرية، ومعنى كونها نظرية: أنها ليست =

ص: 1821

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بأولية، وكذلك العلم بصدق خبر التواتر". فخبر التواتر عند الغزالي ضروري ليس بأولي، ضروري لأننا مضطرون إلى تصديقه، وليس بأولي؛ لأنه حاصل بالواسطة. فالضروري عند الغزالي هو ما نجد أنفسنا مضطرين إليه سواء كان أوليًا أو ليس بأولي، ولذلك قال التفتازاني في حاشيته على العضد 2/ 53: "حاصل كلامه أنه ليس أوليًا ولا كسبيًا، بل من القضايا التي قياساتها معها، مثل: قولنا: العشرة نصف العشرين. . ."، وهذا هو عين كلام الغزالي؛ إذ إنه لا يعني بالضروري الأولي، وليس هو كسبيًا يحتاج إلى تأمل الوسائط، بل تضطر النفس إليه مع حضور الوسائط في الذهن. فتكون الأقسام - كما هو مقتضى كلام الغزالي - ثلاثة: ضروري أولي، ضروري ليس بأولي، كسبي. وينبغي أن يلاحظ أن رأي الغزالي رحمه الله هو رأي الجمهور، لكن الذي يخالف فيه الغزالي غيرَه من الجمهور هو أمرٌ اصطلاحي، لا علاقة له بمحل النزاع في المسألة، إذ يقول: بأن الضروري يطلق على الأوَّلي الذي لا وسائط فيه أصلًا، وهذا لا ينطبق على المتواتر. ويطلق الضروري على ما نضطر إليه بغير استدلال، وهذا ينطبق على المتواتر. ومحل النزاع في هذه المسألة هو هل هذا العلم حاصل بالاستدلال أو لا؟ وعليه فخلاف الغزالي للجمهور إنما من جهة الاصطلاح في معنى الضروري، لا من جهة أن العلم الحاصل بالمتواتر حاصل بالاستدلال أوْ لا. وقد أقر صاحب فواتح الرحموت (2/ 144) بأن الضروري قسمان، وأن الظاهر أن الجمهور أرادوا بالضروري مطلق الضروري، وقد تابعه على هذا التقسيم المطيعي فقال في سلم الوصول 3/ 72: "اعلم أن الضروري قسمان: قسم من قبيل القضايا التي قياساتها معها، مثل: قولنا: العشرة نصف العشرين، ومع ذلك لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أنها حاضرة في الذهن، فيحصل أولًا ثم يلتفت الذهن إلى تلك الواسطة، وقد لا يلتفت إليها. ومن هذا القسم العلم الناشئ من المتواتر. وقسم لا واسطة له أصلًا، كقولنا: الموجود لا يكون معدومًا. وإنما كان المتواتر من الأول؛ لأنه لا بد فيه من حصول مقدمتين. . . . والحاصل أن العلم فيه حاصل بخلق الله تعالى بطريق العادة، لا بتوسط المقدمتين وإن كانتا موجودتين"، ثم جزم بعد هذا بأن مراد الجمهور بالضروري مطلق الضروري.

ص: 1822

وهذا الذي ذكره الغزالي هو الحق، وهو الذي اختاره الإمام وأتباعه. وأما إمام الحرمين فقد نقل المصنف عنه أيضًا أنه نظري، وهو قد صرح في "البرهان" بموافقة الكعبي، كما نقل المصنف، لكنه نَزَّل مذهب الكعبي على محمل يقارب ما ذكره الغزالي، وهذه عبارته: ذهب الكعبي إلى أن العلمَ بصدق المخبِرين تواترًا نظري، وقد كثرت المطاعن عليه من أصحابه ومن عُصْبَة الحق، والذي أراه تنزيلَ مذهبِه عند كثرة المخبِرين على النظر في ثبوت إيالة

(1)

جامعة وانتفائها، فلم يَعْنِ الرجلُ نظرًا عقليًا، وفكرًا سَبْرِيًّا على مقدمات ونتائج، فليس ما ذكره إلا الحق

(2)

. انتهى.

وإذا اتحد رأي إمام الحرمين والغزالي، وكان هو رأي الإمام والجمهور، ونُزِّل مذهب الكعبي عليه كما صنع إمام الحرمين - لم يكن بينهم اختلاف. وهذا التنزيل هو الذي ينبغي أن يكون، ولا يُجْعل في المسألة نزاع

(3)

.

وتوقف الشريف المرتضى

(4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

الإيالة: هي الحالة. انظر: تاج العروس 14/ 35.

(2)

انظر: البرهان 1/ 579.

(3)

انظر: شرح المحلي على الجمع 2/ 122، شرح مختصر الروضة 2/ 79 - 81، شرح الكوكب 2/ 327، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90، غاية الوصول ص 96.

(4)

هو علي بن حسين بن موسى القرشيُّ الحسينيُّ المرتضى المتكلم الرافضيُّ المعتزليّ. ولد سنة 355 هـ. قال الذهبيُّ رحمه الله: "وهو المتهم بوَضْع كتاب "نهج البلاغة"، وله مشاركة قوية في العلوم، ومَنْ طالع كتابه نهج البلاغة جَزَم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه، ففيه السبُّ الصُّرَاح والحطُّ على السيِّدَيْن: أبي بكر وعمر =

ص: 1823

والآمدي

(1)

.

واحتج الجمهور: بأنه لو كان نظريًا - لما حصل لمَنْ ليس هو من أهل النظر، كالبُلْه والصبيان. (قال الإمام)

(2)

: "ولما حَصَل عَلِمْنا أنه ليس بنظري"

(3)

.

وفي الدليلين نَظَرٌ، أما الأول فقال النقشواني: نمنع حصول العلم بالمتواتر

(4)

للصبيان حال طفوليتهم، وعدم حصول النظر والتمييز لهم حال كونهم مراهقين. قال: وكذلك نقول في البله باعتبار الحالتين

(5)

.

= رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي مَن له معرفة بنَفَس القرشيين الصحابة وبنَفَس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل". وقال أيضًا:"وكان من الأذكياء الأولياء، المتبحرين في الكلام والاعتزال، والأدب والشعر، لكنه إماميٌّ جَلْد. نسأل الله العفو. قال ابن حزم: الإمامية كلُّهم على أن القرآن مبدَّل، وفيه زيادة ونقص سوى المرتضى، فإنه كفَّر مَنْ قال ذلك، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسيُّ، وأبو القاسم الرازيّ". من مصنفاته: أخبار الزمان، الأوسط، المروج، وغيرها. توفي سنة 436 هـ. انظر: سير 17/ 588، ميزان 3/ 124، لسان الميزان 4/ 223.

(1)

انظر: الإحكام 2/ 19، 23.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 331.

(4)

سقطت من (ت).

(5)

يعني: وكذلك البله تارة يكونون مميزين، وتارة غير مميزين، فحكمهم كحكم الأطفال في الحالتين. والمعنى: أن الصبيان والبله غير المميزين لا يحصل لهم العلم بالمتواتر، ولو كان ضروريًا - كما تزعمون - لحصل. وإنما يحصل العلم بالمتواتر =

ص: 1824

وأما الثاني: فلا يلزم مِنْ كونه ضروريًا العلمُ بأنه ضروري ضرورةً؛ إذ العلم بالشيء لا يستلزم العلم بصفته

(1)

.

واحتج القائل بأنه نظري: بأن العلم بمقتضاه متوقف على العلم بامتناع تواطؤ المخبِرين على الكذب عادةً، وأنه لا داعي لهم

(2)

إليه

(3)

مِنْ غرض ديني أو دنيوي. وإذا كان متوقفًا على حصول الغير - كان نظريًا لا سيما وهذه المقدمات نظرية، والمتوقف على النظري أولى أن يكون نظريًا.

والجواب: أن هذه المقدمات حاصلةٌ بقوة قريبة من الفعل

(4)

، أعني: أنه إذا حصل طرفا المطلوب

(5)

في الذهن - فمِنْ غير نظرٍ تحصل الضرورة

= للصبيان المراهقين؛ لكونهم مميزين، وكذا يحصل للبله المميزين، فبطل دعوى أن العلم بالمتواتر ضروري.

انظر كلام النقشواني في: نفائس الأصول 6/ 2816.

(1)

هذا اعتراض على ما يُفهمه دليل الجمهور من لزوم حصول العلم بكونه ضروريًا؛ لأنه جعل للعلم الضروري علامةً وهي حصوله للبله والصبيان. فيعترض على هذا بأنه ليس من لازم حصول العلم الضروري العلم بكونه ضروريًا؛ إذ العلم بالشيء لا يلزم منه العلم بصفته.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

أي: إلى الكذب.

(4)

أي: هذه المقدمات ليست نظرية، بل هي ضرورية من حيث إنها لا تحتاج بحثًا ونظرًا، فهي حاضرة في الذهن.

انظر: سلم الوصول 3/ 74.

(5)

المطلوب: هو النتيجة، وطرفا المطلوب هما: المقدمة الصغرى، والمقدمة الكبرى.

ص: 1825

عَقِيبه

(1)

(2)

.

قال: (الثالثة: ضابطه إفادةُ العلم. وشَرْطه أن لا يعلمه السامع ضرورةً، وأن لا يعتقد خلافَه لشبهةِ دليلٍ أو تقليدٍ، وأن يكون سند المخبرين إحساسًا به).

ضابط الخبر المتواتر: إفادة العلم. فمتى أخبر هذا الجمع، وأفاد خبرُهم العلمَ - عَلِمْنا أنه متواتر، ومتى لم يُفده

(3)

تبيَّن لنا أنه غير متواتر، إما لفقدان شرطٍ من شروط المتواتر، أو لوجود مانع.

وعند هذا يظهر أنه يتعذر الاستدلال (بالتواتر على مَنْ لم يعترف بحصول العلم له

(4)

، ضرورةَ أنه لا مرجع في حصول شرائطه إلا حصولُ

(1)

ترتيب طرفا المطلوب مع النتيجة هنا كالتالي: الخبر المتواتر خبرٌ رواه جماعة يُؤمَن تواطؤهم على الكذب في العادة، ولا داعي لهم إلى الكذب مِنْ حصول منفعة، أو دفع مضرة. وكل خبر هو كذلك يفيد العلم الضروري. فالخبر المتواتر يفيد العلم الضروري. وهذه المقدمات حاضرة في الذهن لا تحتاج إلى نظر وتأمل، فيكون العلم بالمتواتر ضروريًا وإن توقف عليها. انظر: سلم الوصول 3/ 74 - 75.

(2)

انظر المسألة الثانية في: المحصول 2 / ق 1/ 328، الحاصل 2/ 738، التحصيل 2/ 97، نهاية الوصول 7/ 2727، نهاية السول 3/ 70، السراج الوهاج 2/ 720، الإحكام 2/ 18، المستصفى 2/ 133 (1/ 132)، القواطع 2/ 248، المحلي على الجمع 2/ 122، البحر المحيط 6/ 105، التلخيص 2/ 284، شرح التنقيح ص 351، إحكام الفصول ص 320، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، أصول السرخسي 1/ 291، تيسير التحرير 3/ 29، 32، فواتح الرحموت 2/ 114، شرح الكوكب 2/ 166، التمهيد 3/ 22، العدة 3/ 847.

(3)

في (ص): "لم يفد".

(4)

يعني: من لم يُفده الخبرُ العلمَ - فهو عنده غير متواتر، وإن كان متوترًا عند غيره، لأن ضابط التواتر إفادةُ العلم، وهو لم يستفد العلمَ من الخبر.

ص: 1826

العلم به، فمن لم يحصل له العلمُ لا يمكن الاستدلال)

(1)

به عليه. ومن قال: لم يحصل لي العلم - لا يقال له: بلى حصل لك العلم.

وشروط المتواتر أربعة:

أحدها: أن يكون السامع له غير عالمٍ بمدلوله ضرورةً؛ لأن تحصيل الحاصل مُنَزَّل في الاستحالة منزلة تحصيل الممتنع. ونحن نضرب لذلك مثلًا قائلين: ذو العلم بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان، لو أُخبر بذلك - لم يزدد علمًا، ولم يستفد يقينًا.

الثاني: أن لا يكون السامع معتقِدًا خلافَه إما لشبهةِ دليلٍ

(2)

، أو تقليد إمامٍ إنْ كان عاميًا

(3)

. وهذا الشرط اعتبره الشريف المرتضى واختاره المصنف.

واحتج الشريف على اشتراطه: بأن حصول العلم عقيب التواتر إنما هو بالعادة

(4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

سقطت من (ت).

(2)

إن كان من العلماء.

(3)

لأن ارتسامَ ذلك في ذهنه واعتقادَه له مانعٌ من قبول غيره والإصغاء إليه، ومن هذا ما ورد في الحديث:"حُبُّك الشيءَ يُعْمي ويُصِم". والحديث حَسَّنه الحافظان العراقي وابن حجر، وأخرجه أبو داود رحمه الله وسكت عليه. انظر: نهاية السول 3/ 82، المقاصد الحسنة ص 181، كشف الخفاء 1/ 410.

(4)

أي: العلم الحاصل عقيب التواتر إنما يحصل بالعادة، أي: بما جرى من العادة في خلق الله تعالى ذلك العلم عند وجود التواتر، وعليه فيجوز تخلُّفُ هذا العلم مع وجود التواتر إذا شاء المولى تعالى تخلُّفَه؛ لأن العلمَ وسببَه مخلوقان لله تعالى، والعلم =

ص: 1827

لا بطريق التوليد

(1)

(2)

، فإنه ربما يتوهم حينئذ أنه لا مدخل لما ذكر من الشرط حتى يختلف فِعْلُه بحسب اختلافه، فجاز أن يختلف ذلك باختلاف أحوال السامعين، فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد (نقيض ذلك الحكم قبل ذلك، ولا يحصل له إذا اعتقد)

(3)

نقيضَه.

ثم أورد على نفسه: بأنه يلزمكم على هذا أن تجوِّزوا صِدْق مَنْ أخبركم بأنه لَمْ يَعْلم وجودَ البلدان الكبيرة، والحوادثَ العظام - بالأخبار المتواترة، لأجل تقليدٍ أو شبهةٍ اعتقدها في نفي تلك الأشياء.

= يحصل عند التواتر لا به. انظر: إيضاح المبهم ص 18، شرح جوهرة التوحيد ص 225، بيت رقم (49).

(1)

في (ت)، و (ص):"التقليد". وهو خطأ، والمثبت من نهاية الوصول (7/ 2750) فإن الشارح رحمه الله ناقل عنه.

(2)

أي: ليس العلم بالتواتر متولِّدًا عن التواتر ذاته من غير خَلْق الله تعالى لذلك العلم. والقائلون بالتوليد هم المعتزلة البانون له على أصلهم الفاسد وهو أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، فالتواتر عندهم فعل العباد ومخلوقهم، وما ينتج عنه وهو العلم به مخلوق لهم أيضًا، ولذلك قال شيخ الإسلام الباجوري رحمه الله في حاشيته على السلم ص 78:"وضابط التولد عند القائلين به، وهم المعتزلة قبحهم الله تعالى: أن يُوجب الفعلُ لفاعله فعلًا آخر، كما في حركة الأصبع مع حركة الخاتم. وعلى هذا فالعلم بالدليل مخلوق للشخص، ويتولد عنه العلم بالنتيجة، وهذا كما ترى مبني على مذهبهم الفاسد، وهو أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية". وانظر: إيضاح المبهم ص 18، البحر المحيط 6/ 107، منتهى السول ص 69، العدة 3/ 850، المسودة ص 235.

(3)

سقطت من (ت).

ص: 1828

وأجاب عنه: بأنه لا داعي يدعو العقلاء إلى سَبْق اعتقادِ نفي هذه الأمور، ولا شبهة في نفي تلك الأشياء، والتقليد لا بد وأن ينتهي إلى ما ليس بتقليد دفعًا للتسلسل والدور

(1)

، فلا يُتصور فيه اعتقاد نفي موجِب الخبر

(2)

، فلا جرم أنه لا يجوز صِدْقه.

وهذا باطل: بأنا قد نجد أنفسنا جازمةً بما أخبر به أهل

(3)

التواتر وإن سبق لنا اعتقادُ نَفْي موجِبِه.

واعلم أن الشريف رَامَ بهذا الاشتراط مرامًا بعيدًا، فإنه اتخذ ذلك ذريعة إلى معتقده فقال: وهذا كما أنَّ النص الدال على إمامة علي رضي الله عنه متواتر، ثم لم يحصل العلم به لبعض السامعين؛ لاعتقادهم نَفْيَ النص لشبهةٍ أو تقليد.

ولقد رَمَى الغرض مِنْ أمدٍ بعيد، وأوقع اللبيبَ في أمر عُجاب، ما أدري أيتعجب المرء مِنْ ذي علمٍ يميل إلى معتقده

(4)

فَيُدْخِلُ في الدين أمورًا شامخةً، وقواعد كليةً، يَتَوَصَّلُ إلى إثبات ذلك

(5)

المعتقد الجزئي بها، ولا داعي له إلى ذلك سوى غرضه الجزئي! أو يدعي التواتر في أمر إذا عرضه على أهل الخبرة بالحديث والأثر، وذوي المعرفة بفنون السير - لم

(1)

ولمزيد من التفصيل انظر: حاشية الباجوري على السلم ص 70.

(2)

في (ت): "للخبر".

(3)

سقطت من (ت).

(4)

في (ص)، و (غ):"معتقد".

(5)

سقطت من (ت).

ص: 1829

يَلْفَ منهم قائلًا: (إن ذلك)

(1)

خبرٌ يُعَدُّ في الآحاد فضلًا عن إلحاقه

(2)

بالمتواترات. وهذا من بَهْت الروافض؛ فإنه لو كان لما خفي على أهل بيعة السقيفة

(3)

، ولتحدثت به امرأة على مِغْزلها، ولأبداه مخالِف أو مُوَالِف، ولخَرَّجه مِنْ رواةِ الحديث ولو حافظٌ واحد.

الثالث: أن يكون مستند المخبِرين في الإخبار هو الإحساس بالمخبَرِ عنه بإحدى الحواس الخمس؛ لأن ما لا يكون كذلك يجوز دخول الغلط والالتباس فيه، فلا جرم أنه لا يحصل العلم به.

وقال إمام الحرمين: "لا معنى لاشتراط الحس، فإنَّ المطلوب صدورُ الخبر عن العلمِ الضروري، ثم قد يترتب على الحواس ودَرْكها، وقد يحصل عن

(4)

قرائن الأحوال، ولا أثر للحس فيها على الاختصاص فإن الحس لا يُميِّز احمرار الخجل والغضبان عن اصفرار المَخُوف والمرعوب، وإنما العقل يُدرك تميز هذه الأحوال"، قال: "فالوجه اشتراط صدور الأخبار عن البديهة والاضطرار"

(5)

. هذا كلام إمام الحرمين وتبعه الإمام

(6)

(1)

سقطت من (ت).

(2)

في (ص)، و (غ):"لحاقه".

(3)

سقطت من (ت).

(4)

في (ت): "من".

(5)

انظر: البرهان 1/ 568.

(6)

وكذا تاج الدين وسراج الدين الأرمويان رحمهما الله تعالى. انظر: الحاصل 2/ 748، التحصيل 2/ 103.

ص: 1830

وفيه نظر؛ لأن ما ذكره راجع إلى الحس أيضًا؛ لأن القرائن التي تفيد العلم الضروري مستندةٌ إلى الحس؛ ضرورةَ أنها لا تخلو عن أن تكون حالية أو مقاليةً، وهما محسوسان. وأما القرائن العقلية فهي نظرية لا محالة، فلا يتصور التواتر فيها ولا تفيد إلا عِلْمًا نظريًا، فلو أخبر الزائدون على عدد أهل التواتر بما لا يُحصى عددًا عما علموه نظرًا لم يُفِد خبرُهم عِلْمًا، وكانت طَلَبات العقل قائمةً إلى قيام البرهان

(1)

. قال إمام الحرمين: "والسبب في ذلك أن النظر مُضْطَرَبُ العقول، ولهذا يُتصور الاختلاف فيه نفيًا وإثباتًا، فلا يستقل بجميع وجوه النظر عاقلٌ. والعقلاء ينقسمون إلى راكن في الدَّعة والهُوَيْنا مِنْ بُرَحاء

(2)

كَدِّ النظر، وإلى ناظر. ثم النظار ينقسمون ويتحزبون أحزابًا لا تنضبط على أقدار

(3)

القرائح في

(4)

ذكائها واتقادها، وبلادتها واقتصادها. ومن أعظم أسباب اختلافهم اعتراضُ القواطع والموانع قبل استكمال النظر، فلا يتضمن إخبارُ المخبرِين في

(1)

يعني: كانت مطالبة العمل قائمة إلى أن يأتي البرهان: وهو الدليل المفيد لليقين؛ لأن البرهان عند المناطقة: هو القياس المؤلف من اليقينيات. انظر: شرح القطبي على الشمسية ص 354، إيضاح المبهم ص 18. وهذا الاعتراض الذي ذكره الشارح رحمه الله على كلام إمام الحرمين رحمه الله منقولٌ من نهاية الوصول 7/ 2739، وكذا ذكره الإسنوي في نهاية السول 3/ 84.

(2)

البُرَحاءُ: الشدة والمشقة. انظر: لسان العرب 2/ 410، مادة (برح).

(3)

في (ص): "أقدام".

(4)

سقطت من (ت).

ص: 1831

مجاري

(1)

النظر صِدقًا ولا كذبًا"

(2)

.

قال: (وعددهم مبلغًا يمتنع تواطؤهم على الكذب. وقال القاضي: لا يكفي الأربعة، وإلا لأفاد قولُ كلِّ أربعةٍ، فلا يجب تزكية شهود الزنا؛ لحصول العلم بالصدق أو الكذب. وتوقف في الخمسة. ورُدَّ: بأن حصول العلم بفعل الله تعالى، فلا يجب الاطراد، وبالفرق بين الرواية والشهادة. وشُرِط

(3)

اثنا عشر، كنقباء موسى. وعشرون؛ لقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ}

(4)

. وأربعون؛ لقوله تعالى: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(5)

وكانوا أربعين. وسبعون؛ لقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا}

(6)

. وثلاثمائةٍ وبضعةَ عشرَ عَدَدُ أهل بَدْر. والكل ضعيف).

الشرط الرابع: أن يبلغ عدد المخبِرين إلى مبلغٍ يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، وذلك يختلف باختلاف الوقائع، والقرائن، والمخبِرين. ولا يتقيد ذلك بعددٍ معيَّن، بل هذا القدر كافٍ عند الجماهير

(7)

؛ لأنه لا عدد

(1)

في (ت)، و (ص)، و (غ):"صحاري". وهو تحريف، والمثبت من "البرهان".

(2)

انظر: البرهان 1/ 567 - 568.

(3)

في (ت): "وقيل شرطه".

(4)

سورة الأنفال: الآية 65.

(5)

سورة الأنفال: الآية 64.

(6)

سورة الأعراف: الآية 155.

(7)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 377، نهاية الوصول 7/ 2741، البحر المحيط 6/ 96، الإحكام 2/ 26، شرح التنقيح ص 351، تيسير التحرير 3/ 34.

ص: 1832

يُفرض مِنْ ألفٍ أو ألفين إلا والكذب منهم غيرُ مستبعد لذي العقل، بل المرجع في حصول هذا الشرط وغيرِه إلى الوُجْدان، فإن وَجَدَ السامع نفسه عالمًا بما أُخبر به على التواتر - عَلِمَ وجود هذا الشرط وغيرَه، وإلا عَلِم اختلالَه، أو اختلال غيره من الشرائط. وهذا قد تقدم ذِكْرُه، لكن من هؤلاء الجماهير مَنْ قطع في جانب النفي ولم يقطع في جانب الإثبات، فقال بعدم إفادة عددٍ مُعَيَّن له، وتوقف في بعضه

(1)

. وهو القاضي رضي الله عنه، حيث قال:"أقطع بأن قول الأربعة لا يفيد العلم، وأتوقف في الخمسة"

(2)

.

واحتج على ذلك: بأنه لو حصل العلم بخبر أربعة صادقين - لحصل بخبر كلِّ أربعةٍ صادقين؛ لأنه لو لم يكن كذلك، مع تساوي الأحوال والقائلين والسامعين في جميع الشروط - لزم الترجيح من غير مرجِّح؛ ولأنه لو جاز ذلك لجاز أن يحصل العلم بأحد الخبرين الصادِرَيْن عن جمعٍ لا يمكن تواطؤهم على الكذب دون الآخر.

ولو حصَل العلم بخبر كل أربعة صادقين لوجب أن يستغني الحاكم فيما إذا شهد عنده أربعة: أن فلانًا زنا بفلانة - عن تزكيتهم؛ لأنهم إن

(1)

يعني: مع كونه نفى أن يكون عدد الأربع فما دونه يفيد التواتر - توقف في الخمسة فما فوق.

انظر: التلخيص 2/ 288، 306.

(2)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 370، نهاية الوصول 7/ 2741، البرهان 1/ 570، 573، الإحكام 2/ 25.

ص: 1833

كانوا صادقين وجب حصولُ العلم بقولهم؛ فاستغنى عن التزكية. وإن لم يحصل القطع بصدقهم وجب أن يحصل العلم بكونهم كاذبين؛ لأن الفَرْضَ أنَّ حصول العلم بالصدق من لوازم قول كلِّ أربعة صادقين، فمتى لم يحصل العلم بالصدق - فقد انتفى اللازم، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، ولا يمكن انتفاء حصول العلم؛ لانتفاء كونهم شهدوا، (ولا لكونهم)

(1)

أربعة؛ إذ هو خلاف الفَرْض، فتعين أن يكون لانتفاء الصدق، ومتى انتفى الصدق تعيَّن الكذب؛ إذ لا واسطة بينهما، وحينئذ لا يجب تزكيتهم أيضًا للعلم بكذبهم، فتخلوا عن الفائدة.

فوضح أنه لو أفادت الأربعة العلم - لم تجب تزكية شهود الزنا، وطَلَبُ تزكيتهم واجبٌ بإجماع الأمة، فبطل الأول.

قال: وأما الخمسة فأتوقف فيها، إذ لا يخفى عدم تأتي هذه الدلالة فيها؛ لأنه إن لم يضطر إلى العلم بصدقهم قَطعَ بعدم صدقهم، ولا يلزم من القطع بعدم صدقهم عدمُ صدق الأربعة منهم؛ لجواز أن يكون الأربعة منهم شاهدوا الزنا دون الخامس، فجاز أن تطلب تزكيتهم؛ لبقاء النصاب. وهذا بخلاف الأربعة؛ لأن كذب أحدهم مُسْقِطٌ للحجة. هذا تقرير حجة القاضي.

ونحن نقول له: إن عَنَيْتَ بقولك: "أتوقف في الخمسة" التوقُّفَ في حصول العلم بقولهم وعدم حصوله - فهو صحيح، لكن لا اختصاص لهذه

(2)

الوقفة بالخمسة، بل يتأتى ذلك في الألف والألفين؛ إذ لا

(1)

في (ص)، و (غ):"ولا كونهم".

(2)

سقطت من (ص).

ص: 1834

نقطع

(1)

بحصول العلم بصدقهم، ولا بعدمه، فكان يجب أن تتوقف

(2)

في الكل بهذا المعنى

(3)

.

وإنْ عنيتَ به التوقفَ في جواز حصول العلم بقولهم، كما في سائر الأعداد، وعدم جوازه كما في الأربعة - فهو غير صحيح؛ لأنه إذا لم يتأت فيهم الدليل الدال على عدم جواز حصول العلم بقولهم - يجب إلحاقهم بسائر الأعداد التي يجوز أن يحصل العلم بقولهم.

قوله

(4)

: "وردَّ"

(5)

أي: رُدَّ قَوْلُ القاضي بوجهين:

أحدهما: مَنْع الملازمة. وأما قوله: يلزم الترجيح من غير مرجِّح - فممنوعٌ؛ لأنه منسوب إلى الفاعل المختار على مذهبنا ومذهبه، فالعلم الحاصل بخبر التواتر إنما هو بخَلْق الله تعالى، لا بطريق التوليد، حتى يكون الترجيح من غير مرجِّح ممتنعًا.

(1)

في (ت): "لا يقطع".

(2)

في (ت): "يتوقف".

(3)

قلت: هذا هو الذي صَرَّح به القاضي في "التلخيص"، إذ قال:"ما ارتضاه أهل الحق: أن أقل عدد التواتر مما لا سبيل لنا إلى معرفته وضبطه، وإنما الذي نضبطه ما قدمنا ذِكْره أن الأربع فما دونه ليسوا عدد التوتر، فأما فوق الأربع - فلا نشير إلى عدد ننفي عنه كونه أقل التواتر، وكذلك لا نشير إلى عددٍ محصور فزعم أنه الأقل" التلخيص 2/ 306، وتأمل قوله:"فأما فوق الأربع" وهو شامل للخمسة فما فوق، وراجع تتمة كلامه في "التلخيص" فهو يشير إلى أنه لا يتوقف في الخمسة بخصوصها، بل يتوقف فيما فوق الأربع. والله أعلم.

(4)

سقطت من (ت).

(5)

في (ص): "وذاد". وكلها تحريف.

ص: 1835

وأما قوله: لجاز مِثْلُه في أحد الخبرين عن الجمع الكثير دون الآخر - فممنوع؛ لأنه يجوز أن تختلف في ذلك عادة الله تعالى، فاطرد عادته بخلق العلم الضروري عقيب إخبار الجمع الكثير، ولم يطرد ذلك

(1)

عقيب إخبار الجمع القليل، بل تختلف فيه عادته، فتارةً يخلق وتارةً لا يخلق، كما أن عادته مطردةٌ بخلق الحفظ عقيب التكرار على البيت الواحد من الشعر ألف مرة، ولم تطرد عادته بخلقه عقيب التكرار عليه مرةً أو مرتين.

وثانيهما: الفَرْق بين الرواية والشهادة، وذلك أن الشهادة تقتضي شرعًا خاصًا، فتواطؤ الشهود على الكذب في المشهود عليه غير مستبعد، بخلاف الرواية ولذلك يُشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية

(2)

.

قوله: "وشُرِط"، علمتَ مذهب الجماهير، وقد ذهب مَنْ سواهم من الخائضين في هذا الفن إلى اشتراط العدد، ثم تضايقت مذاهبهم فيه، فلم يغادروا على اختلاف الآراء عددًا في

(3)

الشرع هو مُرْتَبَط حكمٍ أو جارٍ وفاقًا في حكاية حالٍ، إلا مال إليه منهم مائل.

فذهب ذاهبون إلى اشتراط اثني عشر، كعدد نقباء موسى عليه السلام؛ لأن موسى عليه السلام نصبهم ليعرِّفوه أحوال بني إسرائيل، قال الله تعالى:{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}

(4)

، وإنما خَصَّهم بذلك العدد

(1)

سقطت من (ت).

(2)

انظر: الفروق 1/ 4.

(3)

في (ص): "من".

(4)

سورة المائدة: الآية 12.

ص: 1836

لحصول العلم بقولهم.

وبعضهم شرط عشرين؛ لقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}

(1)

، وعلى هذا المذهب العَلَّاف

(2)

، وهشام بن عمرو الفُوَطي

(3)

، لكنهما كما ذكر القاضي في "مختصر التقريب" شرطا مع ذلك أن يكونوا من المؤمنين الذين هم أولياء الله

(4)

. ونقل الإمام اشتراط العشرين عن أبي الهذيل

(5)

.

(1)

سورة الأنفال: الآية 65.

(2)

هو أبو الهُذَيْل محمد بن الهُذَيْل البصرىُّ العلَّاف، رأس المعتزلة، وصاحب التصانيف. من مقالاته الكفرية قوله بفَنَاء مقدورات الله عز وجل حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادرًا على شيء، ولأجل هذا زعم أن نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار يفنيان ويبقى حينئذٍ أهل الجنة وأهل النار خامدين لا يقدرون على شيء، ولا يقدر الله عز وجل في تلك الحال على إحياء ميت، ولا على إماتة حي، ولا على تحريك ساكن، ولا على تسكين متحرك، ولا على إحداث شيء، ولا على إفناء شيء، مع صحة عقول الأحياء في ذلك الوقت. وأنكر الصفات المقدسة حتى العلم والقدرة وقال: هما الله. تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا. توفي سنة 227 هـ.

انظر: سير 10/ 542، الفرق بين الفرق ص 121.

(3)

هو هشام بن عمرو الفُوَطيُّ - بضم الفاء وسكون الواو أو فتحها - أبو محمد المعتزليُّ الكوفيّ، مولى بني شيبان. من فضائحه قوله بتكفير مَنْ قال إن الجنة والنار مخلوقتان، وحَرَّم على الناس أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ لزعمه أن "الوكيل" يقتضي موكِّلًا فوقه. وهذا من الجهل باللغة؛ لأن الوكيل في اللغة بمعنى الكافي؛ لأنه يكفي موكِّله أمر ما وكَّله فيه. من مصنفاته: خَلْق القرآن، التوحيد، الأصول الخمس. انظر: سير 10/ 547، الفرق بن الفرق ص 159، الفهرست ص 214.

(4)

انظر: التلخيص 2/ 300.

(5)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 378.

ص: 1837

وبعضهم شرط أربعين مصيرًا إلى عدد الجمعة، و

(1)

ذهابًا إلى أن هذا

(2)

العدد هو الذي نزل فيه قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(3)

، فنزلت هذه الآية لما آمن أربعون من الرجال.

وشرط آخرون سبعين تمسكًا بقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا}

(4)

.

وقال قومٌ: ثلثمائةٍ وبضعةَ عشرَ، عددَ أهلِ بدر

(5)

. والبِضْعُ بكسر الباء: هو ما بين الثلاث إلى التسع. والذي في "مختصر التقريب" للقاضي، و"البرهان" لإمام الحرمين، و"الوجيز" لابن بَرْهان، و"الإحكام" للآمدي - تقييدُ هذا العدد بثلاثمائة وثلاثةَ عشرَ

(6)

، وهو لا يباين ما نقل المصنف. ولعل الناظر في كتب المحدثين يجد أنهم كانوا ثلاثمائةِ رجلٍ وخمسة رجال، وهو أيضًا غير مباين؛ وذلك لأن الذين خرجوا مع

(1)

هذه الواو غير واردة في (ت)، و (ص)، و (غ)، ولكن لا بد منها. والجملة مقتبسة من البرهان 1/ 569، وفيه إثبات الواو.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

سورة الأنفال: الآية 64.

(4)

سورة الأعراف: 155.

(5)

انظر: صحيح البخاري 4/ 1457، كتاب المغازي، باب عدة أصحاب بدر، رقم 3740 - 3742.

(6)

انظر: التلخيص 2/ 301، البرهان 1/ 570، الوصول إلى الأصول 2/ 147، الإحكام 2/ 26، وكذا في القواطع 2/ 239، وشرح اللمع 2/ 574.

ص: 1838

النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر للمقاتلة ثلثمائةِ رجلٍ وخمسةُ رجال، ولم يحضر الغزوة ثمانيةٌ من المؤمنين، أدخلهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكم عِدَاد

(1)

الحاضرين، وأجرى عليهم حكمهم، فكانت الجملة ثلثمائةٍ وثلاثةَ عشرَ، فاستفِدْ هذا، فإن جماعةً من المحدثين ذهلوا عنه، حتى حكاه بعضهم خلافًا، فقال: قيل: ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر، وقيل: ثَلاثُمائةٍ وخمسُ رجال، كالحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره، والجمع بين القولين ما أشرنا إليه

(2)

.

قال المصنف تبعًا للجماهير: "والكل ضعيف". وهو كذلك؛ لأنا نعارض بعض هذه المذاهب ببعض، ولا يتجه عند تعارضها ترجيح بعض على بعض. قال إمام الحرمين: "وإنْ عَنَّ ترجيحٌ فليس ذلك من مدلول الحق المقطوع به، فإن الترجيحات ثمراتُها غَلَباتُ الظنون في مُطَّرِد العادة. وأيضًا فإنه لا تعلق لشيء من هذه الأعداد بالأخبار، وإنما هي في قضايا غايات جرت في حكايةِ أحوالٍ، وليس في العقل ما يَقْضِي

(3)

بمناسبة شيءٍ منها لاقتضاء العلم، فلا وجه لاعتبار شيءٍ منها. وأيضًا فما مِنْ عددٍ مما ذكروه إلا ويمكن فرض تواطؤهم على الكذب. وبالجملة

(1)

في (ت): "عدد".

(2)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح 7/ 292: "وعند ابن جرير من حديث ابن عباس: "أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة ستة رجال"، وقد بين ذلك ابن سعد فقال: "إنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة"، وكأنه لم يَعُدَّ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبَيَّن وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عُدُّو في أهل بدر ولم يشهدوها، وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم؛ لكونهم تخلفوا لضرورات لهم. . .".

(3)

في (ص): "ما يقتضي".

ص: 1839

فالأعداد التي تمسكوا بها منقسمة إلى واقعٍ في أقاصيصَ وحكاياتِ أحوالٍ جَرَت وِفاقًا وكان

(1)

لا يمتنع أن يقع أقل من تلك المبالغ أو أكثر، وهي واردة في أحكام لا تعلق لها بالصدق والكذب، فلا معنى للتمسك بها"

(2)

. ويلتحق بهذه المذاهب قول بعضهم باشتراط عدد أهل

(3)

بيعةِ الرضوان

(4)

. قال إمام الحرمين: وهم ألف وسبعمائة

(5)

. وقال ضرار بن عمرو

(6)

: لا بد مِنْ خبر كُلِّ الأمة وهو الإجماع، حكاه القاضي في "مختصر

(1)

في (ص): "فكان".

(2)

انظر: البرهان 1/ 571 - 572، مع تصرف من الشارح واختصار.

(3)

سقطت من (ص).

(4)

انظر: المحصول 2/ ق 1/ 380، نهاية الوصول 7/ 2746.

(5)

انظر: البرهان 1/ 570. وهذا الذي قاله إمام الحرمين أخرجه ابن أبي شيبة في "التاريخ" من حديث سلمة بن الأكوع، لكن سند الحديث ضعيف جدًا. انظر: مرويات غزوة الحديبية ص 50، د/ حافظ الحكمي، وقد اختلفت الروايات في عدد الصحابة في غزوة الحديبية وهم أهل بيعة الرضوان، رضوان الله عليهم أجمعين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:"والجمع بين هذا الاختلاف: أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر. ومَنْ قال ألفًا وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء: "ألفًا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي. . ." فتح الباري 7/ 440.

(6)

هو ضِرار بن عمرو القاضي، شيخ فرقة الضِّرَارية من المعتزلة. له مقالات خبيثة منها قوله: يمكن أن يكون جميع مَنْ يُظهر الإسلام كفارًا في الباطن؛ لجواز ذلك على كل فردٍ منهم في نفسه. قال ابن حزم: كان ضِرار يُنكر عذابَ القبر. من مصنفاته: كتاب التوحيد، كتاب الرد على جميع الملحدين، كتاب تناقض الحديث. انظر: سير 10/ 544، الفرق بين الفرق ص 213، ميزان 2/ 328، الفهرست ص 214.

ص: 1840

التقريب"

(1)

وحكى عن صاحب أبي الهذيل المعروف بأبي عبد الرحمن أنه اشترط خمسةً من المؤمنين الذين هم أولياء الله، بشرط عصمتهم عن الكذب. قال

(2)

: ولا بد معهم من سادسٍ ليس من الأولياء؛ لتلتبس

(3)

أعيانهم فلا نشير

(4)

إلى واحدٍ منهم إلا ويجوز أن يكون هو السادس. قال القاضي: "وهو مذهبٌ خالف فيه سائر المذاهب"

(5)

.

ومنهم مَنْ شرط خمسةً وأطلق، حكاه الآمدي وابن برهان في "وجيزه"

(6)

.

وقال طوائف من الفقهاء: ينبغي أن يبلغوا مبلغًا لا يحويهم

(7)

بلد، ولا يحصرهم عدد

(8)

. قال إمام الحرمين: "وهو سَرَفٌ، ومجاوزةُ حدٍ، وذهولٌ عن مَدْرك الحق"

(9)

.

(1)

انظر: التلخيص 2/ 301.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

في (ت): "ليلتبس".

(4)

في (ت)، و (غ):"فلا يشير". وفي (ص): "فلا يشر". والمثبت من "التلخيص".

(5)

انظر: التلخيص 2/ 302.

(6)

انظر: الإحكام 2/ 25، الوصول إلى الأصول 2/ 147، وكذا حكاه ابن الحاجب في منتهى السول ص 70، وأبو يعلى الفراء في العدة 3/ 856، والبخاري في كشف الأسرار 2/ 360.

(7)

في (ص): "تحويهم".

(8)

انظر: الإحكام 2/ 27، منتهى السول ص 70، نهاية الوصول 7/ 2746.

(9)

انظر: البرهان 1/ 570.

ص: 1841

قال: (ثم إنْ أخبروا عن عَيانٍ فذاك، وإلا فيُشترط ذلك في كل الطبقات).

عدد التواتر إنْ أخبروا عن معاينة - (فذاك، وإن لم يخبروا عن معاينة)

(1)

- اشتُرِط وجود هذا العدد، أعني: الجمع الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب في

(2)

كل الطبقات، وهو مَعْنى قول الأصوليين لا بد فيه من استواء الطرفين والواسطة. وبهذا يتبين أن المتواتر قد ينقلب آحادًا، وربما اندرس دهرًا. فالمتواتر من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اطردت الشرائط

(3)

فيه عصرًا بعد عصر حتى انتهى إلينا، وهذا لا خفاء به. قال إمام الحرمين:"ولكنه ليس مِنْ شرط التواتر"، قال:"بل حاصل ذلك أن المتواتر قد ينقلب آحادًا، وليس من شرائط وقوع التواتر، فلا يصح تعبيرهم باشتراط استواء الطرفين والواسطة"

(4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1)

سقطت من (ت).

(2)

في (ت)، و (غ):"من".

(3)

في (ت)، و (ص):"الشرائع". وهو خطأ، والتصحيح من البرهان 1/ 581، والجملة مقتبسة منه.

(4)

المعنى: أن اشتراط العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب في كل طبقة لحصول التواتر - غير صحيح؛ لأن هذا شرط بقاء التواتر أو وصوله، أما حصول التواتر فلا يشترط له هذا، بل يكفي هذا العدد في الطبقة الأولى التي تخبر عن معاينة، لكن بقاء التواتر بعد ذلك إلى الأجيال اللاحقة لا بد فيه من هذا العدد في كل طبعة، فإن انقطع هذا العدد في طبقة من الطبقات انقلب التواتر آحادًا، أي: أحادًا بالنسبة إلى مَن انقطع عندهم. وهذا الذي قاله إمام الحرمين رحمه الله ليس محل خلاف، بل هو تصحيح للتعبير فقط، لكن وضوح المراد هو الذي أغنى الأصوليين عن التقييد؛ إذ =

ص: 1842

(1)

(2)

.

قال: (الرابعة: مثلا لو أخبر واحدٌ بأن حاتمًا أعطى دينارًا، وآخر أنه أعطى فرسًا، وآخر أنه أعطى جملًا، وهلم جَرَّا - تواتر القدر المشترك؛ لوجوده في الكل).

التواتر قد يكون لفظيًا وهو ما سبق، وقد يكون معنويًا: وهو أن يجتمع مَنْ يمتنع تواطؤهم على الكذب على الإخبار عن شيء، وتتباين أقوالُهم فيما يُخبرون به، ولكن يكون بينها قدر مشترك، فيحصل له التواتر؛ لوجوده في خبر كلِّ واحدٍ، ووقوع الاتفاق عليه ضمنًا؛ إذ الكل مخبرون عن ذلك المعنى المشترك، ضرورة إخباراتهم عن جزئياته. ومثال ذلك: ما إذا قال زيد: أعطى حاتمٌ دينارًا. وقال عمرو: أعطى فرسًا. وقال خالد: أعطى جملًا. وهلم جَرَّا، حتى بلغ

(3)

عدد التواتر، فإنه يثبت بهذه

= شَرْط استواء الطرفين والواسطة هو في حق مَنْ نُقل إليه لا عن معاينة، وأما مَنْ نُقل إليه عن معاينة فليس هذا شرطًا في حقه. على أن اشتراط البعض كالبيضاوي رحمه الله لهذا الشرط مقيَّد، كما هو واضح. وانظر: شرح التنقيح ص 353.

(1)

انظر: البرهان 1/ 581.

(2)

انظر المسألة الثالثة في: المحصول 2/ ق 1/ 367، الحاصل 2/ 747، التحصيل 2/ 103، نهاية الوصول 7/ 2739، نهاية السول 3/ 76، السراج الوهاج 2/ 723، الإحكام 2/ 25، المعتمد 2/ 86، المستصفى 2/ 138 (1/ 134)، القواطع 2/ 236، المحلي على الجمع 2/ 120، البحر المحيط 6/ 94، التلخيص 2/ 287، شرح التنقيح ص 351، إحكام الفصول ص 322، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرر 3/ 34، فواتح الرحموت 2/ 115، المسودة ص 233، العدة 3/ 855.

(3)

في (ص): "يبلغ".

ص: 1843

الإخبارات القدر المشترك: وهو صدور الإعطاء منه. ولو أن زيدًا ذَكَرَ أنه أعطى وتصدق ووهب مرارًا

(1)

، وعمرو قال: أضاف وَوَقَف وأنْعم بالمال مرارًا

(2)

وهلم جرَّا - لتواتر في نحو هذه الصورة شيئان: مجرد الإعطاء، والكرم

(3)

.

(1)

قوله "مرارًا" حالٌ من حاتم المتكلَّم عن، لا من زيد ولا من عمرو المتكلِّمان؛ لأن المعنى: أن الإعطاء والتصدق والهبة. . . تكررت من حاتم، لا أن قول ذلك تكرر من زيد وعمرو.

(2)

قوله "مرارًا" حالٌ من حاتم المتكلَّم عن، لا من زيد ولا من عمرو المتكلِّمان؛ لأن المعنى: أن الإعطاء والتصدق والهبة. . . تكررت من حاتم، لا أن قول ذلك تكرر من زيد وعمرو.

(3)

انظر المسألة الرابعة في: المحصول 2/ ق 1/ 383، الحاصل 2/ 754، التحصيل 2/ 105، نهاية الوصول 7/ 2752، نهاية السول 873 /، السراج الوهاج 2/ 727، مناهج العقول 2/ 222.

ص: 1844

الفصل الثاني: فيما عُلِم كذبه من الأخبار

ص: 1845