الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: (وأما
الثاني: فأن لا يخالفه قاطع
، ولا يقبل التأويل، ولا يضره مخالفة القياس ما لم يكن قطعي المقدمات، بل يُقَدَّم لقلة مقدماته وعمل الأكثر والراوي).
انقضت شروط المخبِر بكسر الباء، والكلام الآن في شرط المخبَر عنه، وشَرْطُه: أن لا يخالفه دليل قاطعٌ؛ لقيام الإجماع على تقديم المقطوع على
(1)
المظنون.
فإنْ خالفه دليل قاطع فذلك القاطع إما عقلي، أو سمعي.
فإنْ كان عقليًا: نُظِر فإنْ كان ذلك الخبر قابلًا للتأويل القريب الذي إذا طَرَق أُذُن مَنْ هو مِنْ
(2)
أهل اللسان سَمِعه ولم يَنْبُ عنه طَبْعُه - وَجَب تأويلُه؛ جمعًا بين الدليلين، وإلا قَطَعْنا بأنه لم يصدر من الشارع؛ لأن الدليل القطعي
(3)
لا يحتمل الصَّرْف عما دل عليه بوجه من الوجوه، لا بالتخصيص، ولا بالتأويل، ولا بغيرهما، فيجب القطع بأنه مكذوب على الشارع؛ ضرورةَ أن
(4)
الشارع لا يصدر عنه الكذب، ولو صدر عنه هذا للزم صدور الكذب وهو محال.
= 1/ 84 - 86، في المقدمة، باب مَن بلَّغ علمًا، رقم 230 - 232، 236. وفي كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، رقم 3056. وابن حبان في صحيحه 1/ 236 - 239، كتاب العلم، رقم 66 - 69. وانظر: مجمع الزوائد 1/ 137 - 139.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (غ): "العقلي".
(4)
في (ت): "ضرورةً؛ لأن".
وإنْ كان سمعيًا: فإن لم يمكن الجمع بينهما فالحكم كما سبق. هذا إذا عُلم تأخير المظنون عن المقطوع، أو جُهل التاريخ؛ إذ لا يجوز الحمل على النسخ، فإنَّ نسخ المقطوع بالمظنون غير جائز شرعًا.
فإنْ علم تأخيرُ المقطوع عنه حُمل على أنه منسوخ، ولا يُقْطع بكذبه، وإنْ كان الجمع غير ممكن؛ لِتَحَقُّق شرط النسخ. وبهذا يفارق ما نحن فيه الصورة التي يُجْهل التاريخ فيها، فإنه وإن أمكن في تلك الصورة أن يحمل على أن المظنون منسوخ بالمقطوع، و
(1)
لكن لم يتحقق شَرْط النسخ، فلا يقطع به بمجرد الاحتمال، فإنَّ الآفات العارضة للراوي مِنْ كذبٍ أو نسيان
(2)
وغيرهما محتملة، بل ربما يكون الحمل عليها أهون من الحمل على النسخ مع عدم تحقق شرطه. هذا شَرْط خبر الواحد.
وأما ما ظُنَّ أنه شرط له وليس كذلك:
فمنه: إذا عارض خبرَ الواحد القياسُ:
فإما أن يقتضِي أحدُهما تخصيصَ الآخر - فيُخَصِّص
(3)
؛ لأن تخصيص العلة وخبر الواحد بالقياس جائز.
وإنْ تباينا مِنْ كل وجه، وفيه كلام المصنف - فينظر في مقدِّمات القياس: فإنْ ثبتت
(4)
بدليل قطعي قدمنا القياس على خبر الواحد، وذلك واضح.
(1)
سقطت الواو من (ص).
(2)
في (ص): "ونسيان".
(3)
في (ت): "فنخصِّص".
(4)
في "ص": "ثبت".
وإن لم تكن مقدمات القياس قطعية: فإن كانت كلها ظنية قُدِّم الخبر؛ لقلة مقدماته. ولا يتجه أن يكون هذا محل خلاف، وإنْ كان كلام بعضهم وهو طريقة الآمدي يقتضي أنه من صور الخلاف
(1)
، لكنه بعيد.
وإن كان البعض قطعيًا والبعض ظنيًا - فمفهوم كلام المصنف أن خبر الواحد مقدم أيضًا، وهو قول الشافعي رضي الله عنه، واختيار الإمام وجماعة
(2)
.
وقال مالك: القياس راجح
(3)
.
(1)
انظر: الإحكام 2/ 118 - 119.
(2)
وإليه صار أحمد وأبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم جميعًا - وأبو الحسن الكرخي رحمه الله، ومن تابعهم من الحنفية، انظر: نهاية الوصول 7/ 2935، الإحكام 2/ 118، تيسير التحرير 3/ 116، كشف الأسرار 2/ 377، المحلي على الجمع 2/ 136، العدة 3/ 888، شرح الكوكب 2/ 367، المسودة ص 239، المحصول 2/ ق 1/ 619 - 622، الحاصل 2/ 802 - 804.
(3)
قال القرافي في شرح التنقيح ص 387: "حكى القاضي عياض في "التنبيهات"، وابن رشد في "المقدمات" في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد قولين، وعند الحنفية قولان أيضًا". وانظر: نشر البنود 2/ 109، قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في نثر الورود 2/ 443 - 444:"قلت: التحقيق خلاف ما ذهب إليه المؤلف، والقرافي، والرواية الصحيحة عن مالك رواية المدنيين: أن خبر الواحد مقدم على القياس. وقال القاضي عياض: مشهور مذهبه أن الخبر مقدم، قاله المقَّري، وهو رواية المدنيين، ومسائل مذهبه تدل على ذلك. . ." وانظر: مذكرته فى أصول الفقه ص 174. قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات 3/ 24: "إذا جاء خبر الواحد معارضًا لقاعدة من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا =
وقال عيسى بن أبان: إنْ كان الراوي ضابطًا عالمًا قُدِّم خبره، وإلا كان في محل الاجتهاد
(1)
. وتوقف قوم
(2)
.
والمختار عندنا ما ذهب إليه أبو الحسين: وهو أنه يَجْتهد فإن كانت أمارة القياس أقوى
(3)
وجب المصير إليها، وإلا فبالعكس
(4)
. وإن استويا في
= يجوز العمل به. وقال الشافعي: يجوز. وتردد مالك في المسألة. قال: ومشهور قوله والذي عليه المعوَّل أنَّ الحديث إنْ عضدته قاعدة أخرى قال به، وإن كان وحده تركه". قال الباجي في إحكام الفصول ص 666:"قال أكثر أصحابنا: القياس مقدم على أخبار الآحاد". وانظر: المقدمة في الأصول ص 110، لابن القصار رحمه الله، البحر المحيط 6/ 251.
(1)
قد سبق نقل مذهب عيسى بن أبان، وأبي زيد الدبوسي، والبزدوي، وأكثر المتأخرين من الحنفية: وهو أنهم يرون أن خبر الواحد إذا كان راويه عدلًا ضابطًا فقيهًا - فإنه يقدم على القياس مطلقًا. أما رواية العدل غير الفقيه: فإنه يقدم على القياس إذا لم ينسد باب الرأي، أما إذا انسد باب الرأي قُدِّم القياس عليه.
انظر: كشف الأسرار 2/ 377، تيسير التحرير 3/ 52.
(2)
وهو القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله، وعلل توقفه بقوله:"القياس والحديث في مرتبة واحدة، فإن العمل بالحديث والقياس مقطوع به، وكل واحد منهما ظني في نفسه، ففي كل واحد منهم ظن وقطع، فوقفا موقفًا سواءً وتعارضا، ووجب الرجوع إلى طريق آخر". انظر: الوصول إلى الأصول 2/ 207، إحكام الفصول ص 666 - 667، وقال فيه:"والذي عندي أن الخبر مقدم على القياس. وأنه لا يقف الاحتجاج بالخبر إذا عُورض بالقياس. فإن عُورض القياس بالخبر بطل الاحتجاج به، وقد نص على هذا القول أيضًا القاضي أبو بكر رحمه الله في كتبه". وانظر: المحصول 2/ ق 1/ 621، الإحكام 1/ 118، نهاية الوصول 7/ 2936.
(3)
أي: أقوى من عدالة الراوي. انظر: المحصول 2/ ق 1/ 621.
(4)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 621، المعتمد 2/ 163.
إفادة الظن فالوجه ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه
(1)
.
ومنه: عملُ أكثرِ الأمة بخلاف خبر الواحد لا يضر خبرَ الواحد، أي: لا يُوجب رَدَّه؛ لأن أكثر الأمة بعض الأمة، وقول بعض الأمة ليس بحجة.
ومَنْ يقول اتفاق الأكثر إجماعٌ، ولا عبرةَ بالمخالف إذا نَدَرَ - فاللائق بمذهبه أن يَرُدَّ به الخبر، وأما عندنا فلا، لكن قول الأكثر من المرجِّحات، فيقدم عند التعارض، بمعنى: أنه إذا عارض خبرَ الواحدِ خبرٌ آخرُ مِثْلُه معتضِدٌ بعمل الأكثر - قُدِّم على الآخر الذي ليس معه عمل الأكثر
(2)
.
ومنه: عمل راوي الخبر بخلافه، أي: بخلاف ظاهر الخبر - لا يوجب رَدَّه، كما أشار إليه بقوله:"والراوي" عطفًا على "عمل الأكثر"، أي:
(1)
هذا الذي اختاره الشارح رحمه الله تعالى هنا - هو الذي اختاره في "جمع الجوامع"، وهو اختيار الآمدي، وابن الحاجب، واختاره الكمال بن الهمام من الحنفية، وبعض الحنابلة رحمهم الله جميعًا -: وهو أن العلة إن كانت ثابتة بنص راجح على الخبر، سواء كان ذلك النص قطعيًا أو ظنيًا، وكان وجود العلة في الفرع قطعيًا - فالقياس مقدم. وإن كان وجود العلة في الفرع ظنيًا فالتوقف. أما إذا لم تكن العلة ثابتة بنص راجح على الخبر فالخبر مقدم. انظر: الإحكام 2/ 118 - 119، بيان المختصر 1/ 752 - 753، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، شرح المحلي على الجمع 2/ 136، تيسير التحرير 3/ 116، شرح الكوكب 2/ 568.
(2)
انظر: المحصول 2/ ق 1/ 627، نهاية الوصول 7/ 2948، نهاية السول 3/ 166، السراج الوهاج 2/ 770، شرح الكوكب 2/ 563، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 73.
ولا يضره مخالفة الراوي
(1)
.
وهل المراد بالراوي الصحابي، أو أعمُّ مِنْ ذلك؟ فيه الكلام المتقدم في أثناء الخصوص
(2)
. وذهب أكثر الحنفية
(3)
إلى أن عمل
(1)
هذا هو مذهب جمهور العلماء، وهو اختيار الكرخي من الحنفية. انظر: نهاية الوصول 7/ 2955، المحصول 2/ ق 1/ 630، الإحكام 2/ 115، شرح التنقيح ص 371، المحلي على الجمع 2/ 146، ميزان الأصول ص 444، شرح الكوكب 2/ 560، العضد على ابن الحاجب 2/ 72.
(2)
قال القرافي رحمه الله في شرح التنقيح ص 371: "هذه المسألة عندي ينبغي أن تُخَصَّص ببعض الرواة، فتحمل على الراوي المباشر للنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يحسن أن يُقال: هو أعلم بمراد المتكلِّم. أما مثل مالك ومخالفته لحديث بيع الخيار الذي رواه، وغيره من الأحاديث - فلا يندرج في هذه المسألة؛ لأنه لم يباشر المتكلم حتى يحسن أن يُقال فيه: لعله شَاهَد من القرائن الحالية أو المقالية ما يقتضي مخالفته، فلا تكون المسألة على عمومها". وكذا قال في نفائس الأصول 7/ 2998. والمسألة كما قال القرافي رحمه الله مفترضة في الصحابي؛ لأنه هو الذي يمكن أن يَعْلم من الشارع ما لا يعلمه سواه من قرائن مقالية أو حالية. وكلام الحنفية وهم المخالفون حول ذلك. انظر: أصول السرخسي 2/ 5 - 6، كشف الأسرار 3/ 18، تيسير التحرير 3/ 71، فواتح الرحموت 2/ 163، شرح الكوكب 2/ 560 الإحكام 2/ 115. لكن قال إمام الحرمين رحمه الله في البرهان 1/ 443:"وكل ما ذكرناه غيرُ مختص بالصحابي، فلو روى بعض الأئمة حديثًا، وعمله مخالف له - فالأمر على ما فصلناه" ولكن هذا الذي قاله إمام الحرمين رحمه الله خلاف ما عليه الأكثرون، وقد أشار الشارح رحمه الله إلى ضعف الخلاف في غير الصحابي في "جمع الجوامع". انظر: شرح المحلي 2/ 145 - 146، تشنيف المسامع 2/ 983.
(3)
وبعض المالكية، وحكي عن الإمام أحمد رضي الله عنه. انظر: أصول السرخسي 2/ 5 - 6، كشف الأسرار 3/ 18، فواتح الرحموت 2/ 163، تيسر التحرير 3/ 71، البحر =
الراوي بخلاف الخبر يقدح في الخبر، ولا يجوز الأخذ إلا بعمل الراوي
(1)
.
وقال عبد الجبار، وأبو الحسين: إن لم يكن لمذهبه وتأويله وجه إلا أنه عَلِم بالضرورة أنه عليه السلام أراد ذلك الذي ذهب إليه من ذلك الخبر - وجب المصير إليه. وإن لم يُعْلم ذلك بل جَوَّزنا أن يكون قد صار إليه لنصٍّ، أو قياس - وجب النظر في ذلك، فإن اقتضى ما ذهب إليه - وجب المصير إليه، وإن لم يقتض ذلك، ولم يُطَّلع على مأخذه - وجب المصير إلى ظاهر الخبر؛ وذلك لأن الحجة إنما هي في كلام (رسول الله)
(2)
صلى الله عليه وسلم، لا مذهب الراوي، وظاهر كلامه صلى الله عليه وسلم يدل على معنى غيرَ ما ذهب إليه الراوي، فوجب المصير إليه، وعدم الالتفات إلى مذهب الراوي
(3)
.
قال: (وأما الثالث: ففيه مسائل: الأولى: لألفاظ الصحابي سبع درجات: الأولى: حدثني. ونحوه. (ب)
(4)
= المحيط 6/ 255، شرح التنقيح ص 371، شرح الكوكب 2/ 561.
(1)
هذا مقيَّد عند الحنفية بما إذا عُلم أن عمله المخالِف كان بعد رواية الخبر. أما إذا عُلم أن عمله المخالف قبل الرواية، أو جهل التاريخ - فإنه لا يقدح في الخبر، ويُحمل على أنه كان ذلك مذهبه قبل أن يسمع الحديث، فلما سمع الحديث رجع إليه. انظر: أصول السرخسي 2/ 5 - 6، تيسير التحرير 3/ 72.
(2)
في (ت): "الرسول".
(3)
انظر: المعتمد 2/ 175، نهاية الوصول 7/ 2956، المحصول 2/ ق 1/ 631.
(4)
في نهاية السول 3/ 182، وشرح الأصفهاني 2/ 562، ومعراج المنهاج 2/ 57، ومناهج العقول 2/ 257، وشرح العِبْري 2/ 255:"الثانية". ويغلب على ظني أن أحد النساخ تصرَّف ووضع هذا الرمز (ب)، وكذا فيما بعده؛ إذ ليس من المناسب