المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع عَنْ صَفِيَّةَ بنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها، قَاَلتْ: كانَ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع عَنْ صَفِيَّةَ بنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها، قَاَلتْ: كانَ

‌الحديث الرابع

عَنْ صَفِيَّةَ بنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها، قَاَلتْ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتكِفًا، فَأتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَان مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَىَ رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ"، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا"، أَوْ قَالَ:"شَيْئًا"(1).

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهَا جَاءَتْ تَزُورُهُ فِي اعْتِكافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ مَعَهَا يَقْلِبُهَا،

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (3107)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، واللفظ له، ومسلم (2175/ 24)، كتاب: السلام، باب: بيان أنه يستحب لمن رئي خاليًا بامرأة، وكانت زوجة أو محرمًا له، أن يقول: هذه فلانة؛ ليدفع ظن السوء به، وأبو داود (2470)، كتاب: الصوم، باب: المعتكف يدخل البيت لحاجته، و (4994)، كتاب: الأدب، باب: في حسن الظن، وابن ماجه (1779)، كتاب: الصيام، باب: في المعتكف يزوره أهله في المسجد، من طريق معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن صفية رضي الله عنها، به.

ص: 69

حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ (1).

* * *

(عن) أُمِّ المؤمنينَ (صَفِيَّةَ بنتِ حُيَيٍّ) -بضم الحاء وفتح المثناة تحت بعد مثلها مشددة- تصغير حَيٍّ، ويجوز -كسرُ الحاء- أيضًا، بنِ أَخْطَبَ -بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة- بنِ سَعْيَة -بفتح السين وسكون العين المهملتين وفتح المثناة تحت- من بني إسرائيل، من سبط هارون بنِ عمرانَ -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-.

كانت صفية (رضي الله عنها) عند سلامِ بنِ مِشْكَم، وكان شاعرًا، فقُتل يومَ خيبر، كذا نقله البرماوي، والذي في "السيرة": أنها كانت عند سلامٍ المذكورِ، ثم عندَ كِنانةَ بنِ الربيع، فقتلَ يومَ خيبر، وأُمُّها بَرَّةُ بنتُ سموأل أختُ رفاعة بنِ سموأل القرظيِّ، فتزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد أن

(1) رواه البخاري (1930)، كتاب: الاعتكاف، باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ و (5865)، كتاب: الأدب، باب: التكبير والتسبيح عند التعجب، ومسلم (2175/ 25)، كتاب: السلام، باب: بيان أنه يستحب لمن رئي خاليًا بامرأة، وكانت زوجة أو محرمًا له أن يقول: هذه فلانة؛ ليدفع ظن السوء به، وأبو داود (2471)، كتاب: الصوم، باب: المعتكف يدخل البيت لحاجته، من طريق شعيب، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن صفية رضي الله عنها، به.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 141)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (7/ 63)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 503)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 156)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 260)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 929)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 194)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 278)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 154)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 442).

ص: 70

أعتقها، وجعل عتقها صداقها، وذلك سنةَ سبعٍ من الهجرة.

وفي "سنن الترمذي" عنها رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد بلغني كلامٌ عن حفصةَ وعائشةَ، فذكرتُ ذلك له، فقال:"أَلا قلتِ: كيفَ تكونانِ خيرًا مني، وزوجي محمدٌ، وأبي هارونُ، وعمي موسى؟! "(1).

وكان الذي قالتا: نحن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أكرمُ منها، وقالوا: نحن أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبناتُ عمه.

وفي أخرى: دخل عليَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، وكانت حفصةُ قالت: يا بنتَ يهود! فأخبرتُهُ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ألا تتقين اللَّهَ يا حفصةُ؟! إنها لابنةُ نَبِيٍّ، وإن عَمَّها لنبيٌّ، وإنها لتحتَ نبيٍّ، فبم تفتخر عليك؟ "(2).

وفي الترمذي، والنسائي: بلغ صفيةَ أن حفصةَ قالت: يا بنتَ يهودي! فبكت، الحديث، وفيه:"إنَّكِ لابنةُ نبيٍّ، وإن عَمَّكِ لنبيٌّ، وإنك لتحتَ نبيٍّ، فبمَ تفتخر عليك؟ "، ثم قال:"اتَّقي اللَّهَ يا حفصة". قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (3).

وكانت رضي الله عنها حليمةً عاقلةً فاضلةً.

(1) رواه الترمذي (3892)، كتاب: المناقب، باب: فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: غريب، والطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 75)، وفي "المعجم الأوسط"(8503)، والحاكم في "المستدرك"(6790).

(2)

انظر: تخريج الحديث الآتي.

(3)

رواه الترمذي (3894)، كتاب: المناقب، باب: فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي في "السنن الكبرى"(8919).

ص: 71

روي: أن جاريةً لها أتت عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه، فقالت له: إن صفيةَ تحبُّ السبتَ، وتَصِلُ اليهودَ، فبعث إليها عمرُ، فسألها، فقالت: أما السبتُ، فإني لم أُحِبَّهُ منذُ أبدلني اللَّه يومَ الجمعة، وأما اليهودُ، فإن لي منهم رحمًا، فأنا أَصِلُها، ثم قالت للجارية: ما حَمَلَكِ على ما صنعت؟ قالت: الشيطانُ، قالت: اذهبي فأنتِ حرةٌ.

توفيت رضي الله عنها في رمضان في زمن معاويةَ سنة خمسين، وقيل: اثنتين وخمسين، واتفقوا على أنها دُفنت بالبقيع.

رُوي لها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرةُ أحاديث، اتفقا على حديث واحد، وهو الذي نحن بصدد شرحه رضي الله عنها (1).

(قالت) أُم المؤمنين صفيةُ بنتُ حُيَيِّ بنِ أخطبَ: (كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا) في مسجده الشريف، (فأتيته أَزورُه ليلًا)، زاد في رواية صحيحة: وأزواجُه صلى الله عليه وسلم عنده، فرحن إلى منازلهن، فقال صلى الله عليه وسلم لصفية بنت حُيي:"لا تَعْجَلي حتى أَنصرفَ معكِ"(2).

قالت: (فحدَّثْتُه). وفي لفظ: فتحدثت عنده ساعة (3).

(1) وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 120)، و"الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم (5/ 440)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 197)، و"المستدرك" للحاكم (4/ 30)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1871)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 51)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 168)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 614)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 210)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 231)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 738).

(2)

رواه البخاري (1933)، كتاب: الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

(3)

تقدم تخريجه آنفًا عند البخاري برقم (1933)، وعند مسلم برقم (2175/ 25).

ص: 72

زاد البخاري في "الأدب": من العشاء (1)، وكان مجيئها تأخَّر عن رفقتها، فأمرها بالتأخُّر ليحصلَ التساوي في مدة جلوسهنَّ عنده، أو أن بيوتَ رفقتها كانت أقربَ، فخشيَ عليها، وكان مشغولًا، فأمرها بالتأخير؛ ليفرغ، ويشيعها (2).

(ثم قمتُ لأنقلبَ). وفي لفظ: ثم قامت -أي: صفية- تنقلب (3)؛ أي: ترد إلى منزلها.

(فقام) صلى الله عليه وسلم (معي ليقلبني)؛ أي: يردني إلى مسكني، (وكان مسكنُها في دار أسامة)؛ أي: الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة (بنِ زيدٍ) رضي الله عنهما؛ لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكنُ فيها صفية.

وتأتي ترجمته في باب: فسخ الحج إلى العمرة -إن شاء اللَّه تعالى- (4).

(فمرَّ رجلانِ من الأنصار).

قال البرماوي: قال ابنُ العطار في "شرح العمدة": هما أُسيد بن حُضير، وعباد بن بشر (5)، وأنكر بعضهم عليه ذلك (6).

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5865) من كتاب: الأدب في "صحيحه".

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 278).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1930، 2934، 5865)، وعند مسلم برقم (2175/ 25).

(4)

انظر ترجمته (ص: 395) من هذا الجزء، الحديث الرابع من باب فسخ الحج إلى العمرة.

(5)

انظر: "العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 931)، وقال عنهما: صاحبا المصباحين.

(6)

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 279): ولم يذكرا لذلك مستندًا.

ص: 73

وقال: إنما هذا من حديث أنس: خرج رجلان من عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين، الحديث (1).

قال ابن بشكوال (2): هما أُسيد بن حضير، وعباد بن بشر، كذا في النسائي، و"مسند الطيالسي"(3)، وغيرهما، فهذا هو المعروف.

وأما أن يفسر بهما الرجلان في حديث صفية، فلا يساعد عليه نقل.

وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ -بضم أولهما-، وعَبَّادٌ -بفتح العين والتشديد-، (فلما رأيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أسرعا) في مشيهما، وفي رواية: فنظرا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم أجازا (4).

وفي رواية: فنظر، فلما رأياه، استحييا، فرجعا (5).

وفي رواية: فسلَّما على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (6)، (فقال) لهما (النبي صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِكِما) -بكسر الراء وسكون السين المهملة-؛ أي: على هينتكما، فليس شيء تكرهانه (7).

(إنها)، وفي لفظ: إنما هي (8)(صفيةُ بنتُ حُيي) بنِ أخطبَ، (فقالا)؛ أي: الرجلان: (سبحان اللَّه يا رسول اللَّه!)؛ أي: تنزه اللَّه عن أن يكون

(1) رواه البخاري (453)، كتاب: القبلة، باب: إدخال البعير في المسجد للعلة.

(2)

انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 74).

(3)

رواه الطيالسي في "مسنده"(2035)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8245).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1933).

(5)

رواه أبو يعلى في "مسنده"(7121)، وابن حبان في "صحيحه"(4496).

(6)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1930، 2934، 5865).

(7)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 443).

(8)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1930، 5865، 6750).

ص: 74

[رسوله متهمًا بما لا ينبغي، أو كناية عن التعجب] من هذا القول، [وفي رواية]: وكبر عليهما (1)؛ أي: عظم وشق ما قال صلى الله عليه وسلم (2).

وفي رواية هشيم: فقالا: يا رسول اللَّه! وهل نظنُّ بكَ إلا خيرًا؟ (3)

(فقال) النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشيطانَ يجري من ابن آدمَ) من ذكرٍ وأنثى (مجرى الدم) من الجسد، ووجه الشبه: شدةُ الاتصال، وعدم المفارقة (4)، وهو كناية عن الوسوسة (5)، (وإني خشيت أن يقذف) الشيطانُ (في قلوبكما شرًّا).

كذا لمسلم، وأبي داود:(أو قال: شيئًا) كما في البخاري: ولم يقل: شرًا، ولم يكن صلى الله عليه وسلم نسبهما أنهما يظنان به سوءًا لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك، لأنهما غيرُ معصومين، فقد يُفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى إعلامهما؛ حسمًا للمادة، وتعليمًا لمن بعده إذا وقع له مثلُ ذلك (6).

وقد روى الحاكم: أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة، فسأل عن هذا الحديث، فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك؛ لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما، نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به (7).

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1930، 2934، 5865).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 443).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 279).

(4)

المرجع السابق، (4/ 280).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 443).

(6)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(7)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 280).

ص: 75

وفي "طبقات العبادي"(1): أن الشافعي سئل عن خبر صفية، فقال: إنه على التعليم، عَلَّمَنا إذا حدثنا محارمنا أو نساءنا على الطريق أن نقول: هي محرمي؛ حتى لا نتهم (2).

وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على التحرز مما يقع في الوهم نسبة الإنسان إليه مما لا ينبغي، وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يُقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب ظنَّ السوء بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم.

وقد قالوا: إنه ينبغي للحاكم أن يبين وجهَ الحكم للمحكوم عليه إذا خفي عنه، وهو من باب نفي التهمة بالنسبة إلى الجور في الحكم.

وفي الحديث: دليلٌ على هجوم خواطر الشيطان على النفس، وما كان من ذلك غيرَ مقدور على دفعه لا يؤاخذ به؛ لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

ولقوله عليه السلام في الوسوسة التي يتعاظم الإنسان أن يتكلم بها: "ذلك مَحْضُ الإيمان"(3).

(1) هو كتاب: "طبقات الشافعية" للإمام الكبير أبي عاصم محمد بن أحمد العبادي، المتوفى سنة (458 هـ)، أتى فيه بالغرائب والفوائد، إلا أنه اختصر في التراجم جدًا، وربما ذكر اسم الرجل أو موضع الشهرة منه، ولم يزد على ذلك. انظر:"كشف الظنون"(2/ 1099).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 443).

(3)

رواه مسلم (132 - 133)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها، عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما.

ص: 76

وقد فسروه بأن التعاظم لذلك محضُ الإيمان، لا الوسوسةُ، لكن كيفما كان، ففيه دليل على عدم المؤاخَذَة به (1).

(وفي رواية) في "الصحيحين": (أنها)؛ أي: صفيةُ بنتُ حُيي رضي الله عنها (جاءت تزوره) صلى الله عليه وسلم، وهو (في اعتكافه في المسجد) النبويِّ، وكان ذلك (في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة)، زاد البخاري في "الأدب": من العشاء (2)، (ثم قامت) صفيةُ (تنقلب)؛ أي: ترد وترجع من عنده إلى منزلها، (فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم معها يَقْلِبُها) -بفتح الياء وسكون القاف وكسر اللام-؛ أي: يردها إلى منزلها (حتى إذا بلغتْ)؛ يعني: صفية رضي الله عنها (بابَ المسجدِ عندَ بابِ أم سلمةَ) زوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، (وذكره بمعناه) الذي تقدم في الرواية التي ساقها المصنف رحمه الله.

وظاهره: أنه صلى الله عليه وسلم خرج من باب المسجد، وإلا، فلا فائدة في قوله لها:"لا تَعْجَلي حتى أنصرفَ معك"، ولا فائدة لقلبها لباب المسجد فقط؛ لأن قلبَها إنما كان لبعدِ بيتها، يؤيد ذلك ما في رواية عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلى: فذهبَ معها حتى أدخلها بيتها (3).

ومن ثم ذكره البخاري في باب: هل يخرج المعتكفُ لحوائجِه إلى باب المسجد؟ (4)

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 261).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5865)، في كتاب: الأدب من "صحيحه".

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(8066). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 443).

(4)

وقد تقدم تخريجه برقم (1930).

ص: 77

وفي "الصحيحين" عن علي بن الحسين، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد، وعنده أزواجهُ، فَرُحْنَ، فقال لصفيةَ بنتِ حُيي:"لا تعجلي حتى أنصرفَ معكِ"(1).

وفي بعض ألفاظ البخاري: فأبصره رجلٌ من الأنصار (2)، وجعل القصةَ لواحد، كذا في "شرح البخاري" للقسطلاني، ويحمل حينئذ على الحاجة، وهي خوفه عليها (3).

وظاهر ما في "الصحيحين": أنه لم يخرج إلا قوله لها: "لا تعجلي حتى أنصرفَ معك"، فربما أشعر بذلك لبعد بيتها.

تنبيهات:

أحدها: المعتاد للمعتكف من الأعذار حاجةُ الإنسان إجماعًا، وطهارةُ الحدث إجماعًا، والطعامُ والشرابُ إجماعًا، والجمعةُ إذا اعتكف في مسجد لا يُجَمَّعُ فيه، فيخرج إليها، ويخرج لمرضٍ يتعذر معه القيامُ فيه، أو لا يمكنه إلا بمشقة شديدة؛ بأن يحتاج إلى خدمةٍ وفراش؛ وفاقًا.

وأما إن كان خفيفًا؛ كالصداع والحمَّى الخفيفة، لم يجز؛ وفاقًا، إلا أن يُباح به الفطر. وتخرج المرأة، وإلى نفاس.

فلا يجوز للمعتكف أن يخرج لشهادة إلا أن يتعين عليه أداؤها، فيلزمه الخروجُ؛ خلافًا لمالك؛ لظاهر الآيات، وكالخروج إلى الجمعة، ولا يبطل اعتكافه؛ خلافًا لمالك، ولو لم يتعين عليه التحمُّل؛ خلافًا للشافعي.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه البخاري (1934)، كتاب: الاعتكاف، باب: هل يدرأ المعتكف عن نفسه.

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 445).

ص: 78

ويلزم المرأةَ أن تخرجَ لعدَّة الوفاة في منزلها؛ خلافًا لمالك؛ لوجوبه شرعًا؛ كالجمعة، وهو حق للَّه ولآدمي، لا يُستدرك إذا تُرك، ولا يبطل الاعتكاف.

ويلزمه الخروجُ إن احتاج إليه لجهاد متعين، ولا يبطل به اعتكافه، وإنقاذِ غريق ونحوه، ولا يبطل اعتكافه؛ لأنه عذر في ترك الجمعة، فكذا هنا بالأولى (1).

الثاني: لا يصح الاعتكاف من رجل تلزمه الصلاةُ جماعة في مدة اعتكافه إلا في مسجد تُقام فيه الجماعة؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ولو من رجلين معتكفين، وإلا تلزمْه الجماعة، صحَّ منه في مسجد غيره.

ودليلُه: ما رواه سعيدُ بن منصور عن حذيفة: أنه قال لابن مسعود رضي الله عنهما: لقد علمت أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة"، أو قال:"إلا في مسجد جماعة" حديث صحيح (2).

وفي أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها: "ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ"، ورواه الدارقطني بإسناد جيد (3).

ولأن الجماعة واجبة، فيحرم تركُها، ويفسد الاعتكاف بتكرار الخروج، وعند مالك، والشافعي: يصح في كل مسجد (4).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 131 - 132).

(2)

ورواه عبد الرزاق في "المصنف"(8014)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(9669)، والطبراني في "المعجم الكبير"(9509 - 9510)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 316).

(3)

رواه أبو داود (2473)، كتاب: الصوم، باب: المعتكف يعود المريض، والدارقطني في "سننه"(2/ 201).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 113).

ص: 79

الثالث: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد، حكاه ابن عبد البر إجماعًا (1)، وجوزه بعضُ المالكية، وبعض الشافعية في مسجد بيته، وظَهْر المسجد، ورَحْبته المحوطة، والمنارة التي هي أو بابها فيه من المسجد، واللَّه أعلم (2).

الرابع: أقلُّ الاعتكاف ساعة، والمراد بها: ما يقع عليه الاسم إذا وجد، فلو نذر اعتكافًا، وأطلق، أجزأته، ولا يكفي عبورُه (3).

ويستحبُّ أَلَّا يَنْقُصَ عن يوم وليلة؛ للخروج من خلاف أبي حنيفة؛ فإن مذهبه: أقلُّ الاعتكاف يوم من أوله إلى منتهاه يمنعه (4).

وتقدم عدم اعتبار الصوم في الاعتكاف، واللَّه أعلم.

* * *

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 385).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 113 - 114).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 515).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 118).

ص: 80