الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عز وجل، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ (1).
وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ، جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1922)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، ومسلم (1172/ 5)، كتاب: الاعتكاف، باب: اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وأبو داود (2462)، كتاب: الصوم، باب: الاعتكاف، والترمذي (790)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الاعتكاف.
(2)
رواه البخاري (1936)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في شوال.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 138)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 2)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 150)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 248)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 67)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 254)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 922)، و"طرح التثريب" للعراقي (4/ 165)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 272)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 143)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 446)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 174)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 354).
(عن) أُمِّ المؤمنين (عائشةَ) الصدِّيقةِ (رضي الله عنها)، قالت:(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ حتى تَوَفَّاه اللَّهُ عز وجل).
في هذا الحديث: دليلٌ على استحباب الاعتكاف، وأنه لم يُنسخ، ولا سيما في رمضان، وخصوصًا في العشر الأواخر.
وفيه: تأكيدُ الاستحباب بما أشعر به اللفظُ من المداومة، وبما صرَّحَ به في الرواية الأخرى من قولها: في كل رمضان. وبما دل عليه من عمل أزواجه من بعده: قولها: (ثم اعتكف أزواجُه) صلى الله عليه وسلم (من بعده)(1).
وقد روى أَبو الشيخُ بنُ حيان من حديث الحسينِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما مرفوعًا: "اعتكافُ عشرٍ في رمضانَ بحجتين وعُمرتين"، وهو ضعيف (2).
وكان صلى الله عليه وسلم قد أَذِنَ لأزواجه في الاعتكاف، وأما إنكارُه عليهنَّ الاعتكاف بعدَ الإذن؛ كما في الصحيح (3)، فلمعنى آخر؛ قيل: خاف أن يَكُنَّ غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردنَ القربَ منه؛ لغيرتهنَّ عليه، أو ذهابَ المقصود من الاعتكاف بكونهنَّ معه في المعتَكَف، أو لتضييقهنَّ المسجدَ بأبنيتهنَّ.
وعند الإمام أبي حنيفة: إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها (4).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 254).
(2)
وتقدم تخريجه عند البيهقي قريبًا.
(3)
رواه البخاري (1928)، كتاب: الاعتكاف، باب: اعتكاف النساء، عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 439).
(وفي لفظ) من حديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين": (كانَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعتكفُ في كلِّ) شهر (رمضانٍ) -بالتنوين-؛ لأنه نكرة قد زالت العلمية منه، فصرف (1)، (فإذا)، وفي لفظ:"وإذا" -بالواو- (2)(صلَّى الغداةَ)؛ أي: الصبح، (جاء)، وفي لفظ: دخل، وفي آخر: حَلَّ (مكانه) من الحلول (الذي اعتكف فيه)، وهو موضع خيمته (3).
وتمام الحديث: فاستأذنتهُ عائشة رضي الله عنها أن تعتكفَ، فأَذِنَ لها، فضربَتْ فيه -أي: في المسجد- قبة؛ فسمعت بها حفصةُ، فضربت قبةً -أي: بعد أن استأذنته- كما في رواية في الصحيح، وسمعت زينبُ بهما، فضربت قبة أخرى، فلما انصرفَ صلى الله عليه وسلم من الغد، أبصر أربعَ قِبابٍ، فقال:"ما هذا؟ "، فأُخبر خبرَهُنَّ، فقال:"ما حملَهُنَّ على هذا البِرُّ، انزِعوها فلا أراها"، فنزعت، فلم يعتكف صلى الله عليه وسلم في رمضان؛ أي: تلاه السنة حتى اعتكف في آخر العشر من شوال (4).
وفي رواية هي رواية عند مسلم وأبي داود: اعتكف في الأول من شوال (5)، وفي رواية: عشرًا من شوال (6).
وفي "البخاري" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان
(1) المرجع السابق، (3/ 446).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(4)
تقدم تخريجه قريبًا عند البخاري برقم (1936).
(5)
رواه مسلم (1173)، كتاب: الاعتكاف، باب: متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، وأبو داود (2464)، كتاب: الصوم، باب: الاعتكاف.
(6)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1928).
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعتكف في كلِّ رمضان عشرةَ أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يومًا (1).
ففي هذا الحديث استواءُ الرجل والمرأة في الاعتكاف.
وفي قول عائشة: فإذا صلى الغداة، جاء مكانه، الجمهور على أنه إذا أراد الإنسان الاعتكاف العشر، دخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة أوله.
وهذا الحديث قد يقتضي الدخولَ في أول النهار (2).
قال في "الفروع": وإن نذر اعتكافَ شهر بعينِه، دخلَ معتكفَه قبلَ غروب الشمس من أول ليلة منه، وخرج بعدَ غروبِ الشمسِ من آخره.
نص عليه الإمام أحمد؛ وفاقًا، وعنه: أن يدخل قبل فجرها الثاني. روي عن الليث، وأبي يوسف، وزفر.
وإن نذر عشرًا متعينًا، دخل قبل ليلته الأولى؛ وفاقًا، وعنه: أو قبل فجرها الثاني، وعنه: أو بعد صلاته.
قال: ومن أراد أن يعتكف العشرَ الأخير تطوُّعًا، دخل قبل ليلته الأولى؛ نص عليه -يعني: الإمام أحمد-؛ لرؤياه صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلةَ إحدى وعشرين في حديث أبي سعيد (3)، وحض أصحابه رضي الله عنهم على اعتكاف العشر، وليلته الأولى كغيرها، وهو عدد مؤنث.
وعنه: بعد صلاة الفجر أولَ يوم منه.
(1) رواه البخاري (1939)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان.
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 254).
(3)
وقد تقدم تخريجه.
وقاله الأوزاعي، والليث، وإسحاق، وابن المنذر؛ لحديث عائشة هذا.
وحمله صاحب "المحرر" على الجواز.
وقال القاضي: يحتمل أنه كان يفعل ذلك في يوم العشرين؛ ليستظهر ببياض يوم زيادةً قبل دخول العشر، قال: ونقل هذا عنه؛ يعني: عن الإمام أحمد رضي الله عنه، ثم ذكره من حديث عمرةَ عن عائشة رضي الله عنها.
قال في "الفروع": ولم أجده في الكتب المشهورة (1).
وأُوِّلَ حديثُ عائشة رضي الله عنها بأن الاعتكاف كان موجودًا، وأن دخوله في هذا الوقت لمعتكفه للانفراد عن الناس بعد الاجتماع بهم في الصلاة، لا أنه كان ابتداء دخول المعتكف.
والمراد بالمُعْتَكَفِ هنا: الموضعُ الذي خصَّه بهذا، أو أَعَدَّه له؛ كما جاء أنه اعتكفَ في قُبة، وأن أزواجه ضرَبْنَ أَخْبيَةً، ويشعر بذلك رواية: دخل مكانهَ الذي اعتكفَ فيه، بلفظ الماضي، واللَّه أعلم (2).
* * *
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 126 - 127).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 255).