المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر رضي الله عنهما، قَالَ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر رضي الله عنهما، قَالَ:

‌الحديث الثاني

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر رضي الله عنهما، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِلنَّاسِ:"مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ من شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ، وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ". وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ مِنَ النَّاسِ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1606)، كتاب: الحج، باب: من ساق البدن معه، ومسلم (1227)، كتاب: الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع، =

ص: 276

(عن) أبي عبدِ الرّحمنِ (عبدِ اللَّه بنِ) أميرِ المؤمنين (عمرَ) بنِ الخطّاب (رضي الله عنهما، قال: تمتع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ)، التّمتُّع بلغةِ القرآنِ الكريم، وعُرفِ الصّحابة أعمُّ من القِران، كما ذكر غيرُ واحد.

وإذا كان أعمَّ منه، احتمل أن يُراد به: الفردُ المسمَّى بالقِران في الاصطلاح الحادث، وأن يراد به: المخصوصُ باسم التّمتُّع في ذلك الاصطلاح.

لكن يبقى النظر في أنَّه أعمُّ في عُرْفِ الصّحابة [أم لا](1).

قال في "مختصر الفتاوى المصرية": من روى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه تمتَّعَ؛ فإنه فَسَّرَ التَّمتُّع بأنّه قرنَ بينَ الحجّ والعُمرة، وهو تمتُّع يجبُ فيه هَدْيُ التَّمتُّع.

ومن روى: أنَّه صلى الله عليه وسلم أفردَ الحجَّ، فإنّه فسّره بأنّه لم يعملْ غيرَ أعمالِ الحجّ، ولم يحلَّ من إحرامِه كما يحلُّ المتمتّعُ (2).

= وأبو داود (1805)، كتاب: المناسك، باب: في الإقران، والنسائي (2732)، كتاب: الحج، باب: التمتع.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 302)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 352)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 208)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 52)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1016)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 539)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 31)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 214)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 42).

(1)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 214).

(2)

وانظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 492).

ص: 277

وقال في "الفروع ": أمّا حجّةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاختُلف فيها بحسب المذاهب، حتّى اختلف كلام القاضي وغيره -يعني: من علمائنا- هل حلّ من عمرته؟

وفيه وجهان؛ والأظهر: قولُ سيدِنا الإمامِ أحمدَ رضي الله عنه: لا أشكُّ أنَّه صلى الله عليه وسلم كان قارِنًا، والمتعةُ أحبُّ إليَّ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعليهِ متقدّمو أصحابه، وهو باتفاق علماء الحديث (1).

وفي "الصّحيحين": عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع عليٌّ، وعثمانُ رضي الله عنهما بعُسفانَ، فكان عثمانُ ينهى عن المتعة، فقال عليٌّ رضي الله عنه: ما تريدُ إلى أمر فعلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟! فقال عثمان: دَعْنا منكَ، فقال: إنّي لا أستطيعُ أن أدعَكَ، فلمّا رأى عليٌّ ذلك، أَهَلَّ بهما جميعًا (2).

فهذا ممّا يبيِّنُ أنَّه صلى الله عليه وسلم كان قارِنًا.

ويفيد أيضًا: أنَّ الجمعَ بينَهما تمتُّع؛ فإنّ عثمانَ رضي الله عنه كان ينهى عن المتعة، وقصدَ عليٌّ رضي الله عنه إظهارَ مخالفتِه؛ تقريرًا لما فعلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقرنَ، وإنّما تكون مخالفة إذا كانت المتعة التي نهى عنها عثمان.

وتضمَّنَ قولُ عليٍّ وعثمان على اتّفاقهما أنَّ القران من مُسمَّى التّمتّع،

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 224).

(2)

رواه البخاري (1494)، كتاب: الحج، باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، ومسلم (1223)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع، واللفظ له.

ص: 278

وحينئذ، فيُحمل قولُ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: تمتَّعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: على التَّمتُّع الذي نُسميه قِرانًا؛ بدليل ما في مسلم: عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّه قرنَ الحجَّ مع العُمرة، فطاف لهما طوافًا واحدًا، ثمّ قال: هكذا فعلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (1).

فظهر أنَّ مرادَه بلفظ المتعة في هذا الحديث: القِرانُ (2).

(وأهدى) صلى الله عليه وسلم للبيت تعظيمًا له، (فساق معه الهديَ)، وكان أربعًا وستين بَدَنَةً (من ذي الحُلَيْفَة) ميقاتِ أهلِ المدينة، (وبدأ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأهلَّ)؛ أي: رفع صوته في أثناء الإحرام (بالعُمرة) أوّلًا، (ثمّ أهلّ)؛ أي: لَبَّى (بالحجِّ)، وهذا نصٌّ في الإهلال بهما.

وقدّم لفظ الإهلال بالعمرة على لفظ الإحرام بالحج.

(فتمتع النّاس) في آخر الأمر (مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعُمرة إلى الحجّ).

قال ابن دقيق العيد: حمل على التَّمتُّعِ اللغويِّ، فإنّهم لم يكونوا متمتِّعين بمعنى التَّمتُّع المشهور؛ فإنهم لم يُحرِموا بالعُمرة ابتداء، وإنما تمتَّعوا بفسخ الحجّ إلى العمرة، على ما جاء في الأحاديث، (3). كما يأتي تقريره -إن شاء اللَّه تعالى-.

(فكان من النّاس من أهدى، فساق معه الهديَ من ذي الحليفة، ومنهم من لم يُهْدِ، فلمّا قدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم) مكّةَ المشرفةَ، (قال للناس).

وفي رواية عائشة رضي الله عنها ما يقتضي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك بعدَ

(1) رواه مسلم (1230)، كتاب: الحج، باب: بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 214 - 215).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 54).

ص: 279

أن أهلُّوا بذي الحليفة، لكن الذي تدلّ عليه الأحاديث في "الصّحيحين"، وغيرِهما، من رواية عائشةَ وجابرٍ، وغيرِهما: أنَّه إنّما قال ذلك لهم في منتهى سفرِهم ودُنُوِّهم من مكّة، وهم بِسَرِف؛ كما في حديث عائشة (1).

أو بعد طوافه؛ كما في حديث جابر (2).

ويحتمل تكرارُ الأمر بذلك في الموضعين، وأنّ العزيمة كانت أخيرًا حينَ أمرَهم بفسخ الحجّ إلى العمرة (3).

(مَنْ كان منكُم أَهدى، فإنّه لا يحلُّ من شيء)، وفي لفظ:"لشيء"(4) باللام بدل "من".

(حَرُمَ منهُ)؛ أي: من أفعاله، وهو -بفتح الحاء المهملة وضمّ الرّاء-؛ أي: امتنعَ منه بإحرامه (حتّى يقضيَ حَجَّهُ) إن كان حاجًّا، فإن كان معتمرًا، فكذلك، ويُدخِلُ الحجَّ على العمرة، لما في الحديث:"ومن أحرمَ بعمرةٍ، وأَهْدَى، فلا يحلّ حتّى ينحرَ هَدْيَه"(5)، (ومن لم يكنْ منكم أهدَى، فلْيَطُفْ بالبيتِ) سبعًا، (و) لْيَسعَ (بالصّفا)؛ أي: ما بين الصفا (والمروة) سبعًا، (وليقصّر) من جميع شعر رأسه.

وإنّما لم يقلْ: وليحلقْ -وإن كانَ أفضل-، لأنّ التّقصيرَ هنا أفضلُ؛ ليوفِّرَ شعرَهُ، فيحلقَه في الحجّ؛ فإنَّ الحلقَ في التحلُّل من الحجّ

(1) رواه البخاري (1485)، كتاب: الحج، باب: قول اللَّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، ومسلم (1211)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.

(2)

سيأتي تخريجه في أول باب: فسخ الحج إلى العمرة.

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 215).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1606).

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1211) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 280

أفضلُ (1)، (ولْيَحْلِلْ) -بتسكين اللام الأولى والثالثة وكسر ما قبل الأخيرة وفتح التحتيّة-: أمر معناه الخبرُ؛ أي: صار حلالًا، فله فعلُ ما كان محظورًا عليه في الإحرام.

ويحتمل أن يكون إذنًا؛ كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، والمراد: فسخُ الحجّ عمرةً، وإتمامُها حتّى يحلّ منها.

وفيه دليل: على أن الحلقَ أو التقصيرَ نسكٌ، وهو الصحيح (2).

(ثُمَّ لْيُهِلَّ بالحجِّ)؛ أي: وقتَ خروجه إلى عرفات، لا أنَّه يهلُّ عقبَ تحليلِ العمرة، ولذا قال:"ثمّ ليهلّ"، فعبّر بـ"ثمّ" المقتضية للتّراخي والمُهْلَة (3).

(وَلْيُهْدِ) هَدْيًا، وهو دم المتعة، وهو دم نسك عند الإمام أحمد رضي الله عنه.

ومن ثمّ سمّاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هَدْيًا، وهو ممّا وَسَّعَ اللَّهُ به على المسلمين، فأباح لهم التحلُّلَ في أثناء الإحرام والهدي؛ لما في استمرار الإحرامِ من المشقة، فهو بمنزلة القَصْرِ في السفر، والفطر، والمسح، فهو أفضل.

ولأجل ذلك سُنَّ له الأكلُ منه -كما يأتي-.

(فَمَنْ لم يجدْ هَدْيًا) بأنْ عدم وجوده، أو ثمنه، أو زاد على ثمن المثل، أو كان صاحبه لا يريد بيعَه (4)، (فليصمْ ثلاثةَ أيامٍ في الحجّ)، والأَوْلى: بعدَ

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 54).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 215).

(3)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 281

الإحرام به، وأن يكون آخرُها يومَ عرفة؛ وفاقًا لأبي حنيفة.

وعنه: يوم التّروية؛ وفاقًا لمالكٍ، والشافعيِّ (1).

وله تقديمُ الصّيام قبلَ إحرامه بالحجّ بعدَ أن يُحرم بالعمرة، لا قبلَه، فإن لم يصم الثلاثة أيام قبل يوم النحر، صام أيامَ مِنًى، ولا دمَ عليه، فإن لم يصمها فيها -ولو لعذر-، صامَ بعدَ ذلك عشرةَ أيام، وعليه دمٌ.

وكذا إن أَخَّرَ الهديَ عن أيام النحر لغير عذر؛ كما في "الإقناع"(2)، وغيره.

(وسبعةً إذا رجعَ إلى أهله)؛ يعني: إذا فَرَغَ من أعمال الحجّ، فلا يصحُّ صومُها بعد إحرامه بالحج قبلَ فراغه، ولا في أيام مِنًى؛ لبقاء أعمالٍ من الحجّ، ولا بعدَها قبلَ طوافِ الزيارة، فأمّا بعده، فيصح؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك.

لكن الاختيار: إذا رجعَ إلى أهله ببلده، أو بمكانٍ يستوطنه.

وعند الشّافعية: لا يصحُّ صومُها قبلَ رجوعه إلى بلده، أو مكانٍ يستوطن به؛ كمكّة، فلا يجوز صومُها في توجُّهه إلى أهله.

قالوا: لأنه أداء للعبادة البدنية على وقتها (3).

ولا يجب تتابعٌ، ولا تفريق في صوم الثلاثة، ولا السبعة، ولا بين ذلك (4).

(وطاف رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم) طوافَ القدوم (حين قَدِمَ مكّةَ) المشرفةَ،

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 236 - 237).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 592 - 593).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 238).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 593).

ص: 282

(واستلمَ)، أي: مسح (الركنَ) الأسودَ حالَ كونه (أولَ شيء)؛ أي: مبدوءًا به.

(ثمّ) بعد استلامه للحجر الأسود (خَبّ) -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحّدة-، أي: رَمَلَ (ثلاثةَ أطوافٍ من السَّبْعِ، ومشى أربعةً).

وفي لفظ: أربعًا؛ أي: من الطّوفات (1).

(وركع) صلى الله عليه وسلم؛ أي: صلّى (حينَ قضى)؛ أي: بعدَ أن فرغَ من تأدية (طوافه بالبيت) العتيق سبعًا (عندَ المقام) متعلّق بـ"ركع"؛ يعني: مقام إبراهيم عليه السلام (ركعتين) للطَّواف.

قال الإمام الحافظ ابن الجوزيّ: إذا قضى الطّائفُ طوافَه، صَلَّى ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، والثانية بعدها بالإخلاص، والأفضلُ أن تكون خلفَ المقام.

قال سعيد بن جبير: مقام إبراهيم: الحجر (2).

وفي سبب وقوفه عليه قولان:

أحدهما: أنَّه جاء يطلب ابنَه إسماعيلَ، فلم يجدْه، فقالت له زوجتُه: انزل، فأبى، فقالت: فدعني أغسل رأسَكَ، فأتته بحَجَر، فوضع رِجْلَه عليه وهو راكبٌ، فغسلَتْ شِقَّهُ، ثمّ رفعته وقد غابتْ رجلُه فيه، فوضعته تحت الشّق الآخرِ، وغسلته، فغابت رجلُه فيه، فجعله اللَّه تعالى من الشّعائر.

هذا مرويٌّ عن ابن مسعود، وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم (3).

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 215).

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 226).

(3)

وانظر: "تفسير الطبري"(1/ 537).

ص: 283

والثّاني: أنَّه أقامَ على ذلك الحجر لبناء البيت، وكان إسماعيلُ يُناوله الحجارةَ، قاله سعيد بن جبير.

وفي "الصحيحين" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّه قال: قلتُ: يا رسول اللَّه! لو اتَّخَذْنا من مقامِ إبراهيم مُصَلًّى، فنزلَتْ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1)[البقرة: 125].

قال ابن الجوزي -رحمه اللَّه تعالى-: قال محمدُ بنُ سعد عن أشياخ له: إن عمرَ بنَ الخطاب أَخَّر المَقامَ إلى موضعِه اليوم، وكان مُلْصَقًا بالبيت.

وقال بعضُ سَدَنةِ البيت: ذهبنا نرفعُ المقام في خلافة المهديّ، فانثلم، وهو من حجر رخو، فخشينا أن يتفتَّتَ، فكتبنا في ذلك إلى المهديّ، فبعث إلينا بألفِ دينار، فضَبَّبْنا بها المقامَ أسفلَه وأعلاه، ثمّ أمر المتوكّلُ أن يجعل عليه ذهب، أحسن من ذلك العمل، ففعلوا ذلك (2).

وقدرُ المقام ذراعٌ، والقدمانِ داخلان فيه سبعَ أصابعَ (3).

فائدة: ذكر الحافظ ابنُ الجوزي في "مثير العزم السّاكن" عن عبد العزيز بن أبي رواد: أنَّه كان خلفَ المقام جالسًا، فسمع داعيًا دعا بأربع كلمات؛ فعجبَ منهنَّ، وحَفِظَهنَّ، فالتفت، فما رأى أحدًا: اللهمَّ

(1) رواه البخاري (393)، كتاب: القبلة، باب: ما جاء في القبلة، من حديث أنس بن مالك، عن عمر رضي الله عنهما، واللفظ له. ورواه مسلم (2399)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، من حديث ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما.

(2)

انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (2/ 36).

(3)

انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 172 - 173).

ص: 284

فَرِّغْني لما خَلَقْتني له، ولا تَشْغَلْني بما تكفَّلْتَ لي به، ولا تحرِمْني وأنا أسألُكَ، ولا تعذّبني وأنا أَستغفرُك (1).

(ثمَّ سلَّمَ) رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من الرّكعتين، (وانصرف) من هنالك، (فأتى) عقبَ ذلك (الصّفا) -بالقصر-، وهو في الأصل: الحجارةُ الصُّلبة، واحدتُها صَفاةٌ؛ كحَصاة وحَصًى (2)، وهو هنا اسمُ المكان المعروف عند باب المسجد الحرام.

وذكر الحافظ ابن الجوزي في "مثير العزم السّاكن" عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أن رجلًا سأله عن الصفا والمروة: لم سُمِّيَا بذلك؟ فقال: لأن آدمَ لمّا حجَّ، رقِيَ على الصَّفا رافعًا يديه إلى اللَّه تعالى ليقبلَ توبتَه، وقد أصفاها، وقامت امرأتُه حوّاءُ على المروة ليقبلَ توبتها (3).

(فطاف) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ أي: سعى مبتدئًا (بالصَّفا، و) خاتمًا بـ (المروةِ)، وهي بالأصل: الحجارةُ الليِّنَة (4).

قال الجوهري: المَرْوَةُ: الحجارةُ البيضُ البرّاقةُ، تُقدح منها النار، وبها سميّت المروة بمكّة (5)، وهي المكان الذي في طواف المسعى.

وقال أبو عبيد البكريّ: المروةُ: جبل لمكّةَ معروف، والصّفا: جبلٌ آخرُ بإزائه، وبينهما قديد ينحرف عنهما شيئًا، والمُشَكَّل: هو الجبل الذي

(1) رواه ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن"(ص: 173)، من طريق ابن أبي الدنيا في "الهواتف" (ص: 55).

(2)

انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 174).

(3)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه، و"غريب الحديث" لابن الجوزي أيضًا (2/ 353).

(5)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2491)، (مادة: مرا).

ص: 285

ينحدر منه إلى قُديد، وعلى المُشكَّل كانت [مناة](1).

وفي "النّهاية": مروةُ: المسعى التي تُذْكَر مع الصّفا، وهي أحد رأسيه اللذين ينتهي السّعي إليهما (2).

(سبعةَ أطواف) يحتسب بالذّهاب سعيةً، وبالرّجوع سعيةً، فإن بدأ بالمروة، لم يحتسب بذلك الشوط.

ولابدّ من استيعاب ما بينهما، وذلك إذا ألصقَ عقبَ رِجْليه بأسفلِ الصَّفا، وأصابعَهما بأسفلِ المروة (3).

(ثمّ لم يَحْلِلْ) صلى الله عليه وسلم (من شيء حَرُم منه حتّى قضى حجّه) بالوقوف بعرفاتٍ ورَمْيِ الجمرات.

وإنّما لم يقل: وعمرتَه؛ لأنها اندرجت في الحجّ، فدخلت أفعالها مندرجة في أفعاله؛ كالطهارة الصغرى مع الطهارة الكبرى.

(و) حتى (نحرَ هديَه) الذي ساقه معه من المدينة (يومَ النَّحْر، وأفاض)؛ أي: دفع نفسَه أو راحلته بعد الإتيان بما ذُكر إلى المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].

(فطاف) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (بالبيت، ثمّ حل) صلى الله عليه وسلم (من كل شيء حَرمَ منه)؛ أي: حصلَ له الحِلُّ.

قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: (وفعل مثلما فعلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم)؛

(1) في الأصل: "نائلة". وانظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (4/ 1217).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 343).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 15).

ص: 286

أي: مثلَ ما فعلَه، فـ"ما" مصدريّة، وفاعل فعلَ قولُه:(مَنْ أَهْدَى)؛ أي: ممن كان معه صلى الله عليه وسلم.

(فساقَ الهديَ مِنَ النّاسِ)، و"من" للتبعيض؛ لأنّ مَنْ كان معه الهديُ بعضُهم، لا كلُّهم (1).

وفي "البخاري": وعن عروة -يعني: ابنَ الزّبير-: أنّ عائشةَ رضي الله عنها أخبرته عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في تمتُّعه بالعمرة إلى الحجّ لتمتُّع النّاس معه، بمثل الذي أخبرني سالم؛ يعني: ابنَ عبدِ اللَّه بنِ عمر، عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهم، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2).

تنبيهات:

الأول: اختلف العلماء في إحرام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، هل كان مفردًا، أو قارنًا، أو متمتّعًا، أو أحرم مطلقًا؟ واضطربت عليهم الأحاديث:

قال في "مختصر الفتاوى المصريّة": وهي -يعني: الأحاديث- بحمد اللَّه تعالى متّفقة لمن فهم مرادهم.

قال: والمنصوصُ عن الإمام أحمد رضي الله عنه: أنّه كان صلى الله عليه وسلم قارِنًا -كما قدّمنا-، وهو قول إسحاقَ بنِ راهويه وغيرِه من حُذَّاقِ أئمةِ الحديث.

قال ابن تيمية -قدس اللَّه روحه-: وهو الصواب.

قال: وأوّلُ منِ ادّعى أنَّه كان متمتّعًا التَّمتُّعَ الخاصَّ: القاضي أبو يعلى، وهو أحد أركان علماء مذهب الإمام أحمد.

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 216).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1606). وكذا هو عند مسلم برقم (1228/ 175)، كتاب: الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع.

ص: 287

قال ابن تيمية: ثمّ الذين قالوا: إنّه كان متمتّعًا، على قولين:

أضعفهما: أنّه حلَّ من إحرامه مع سَوْقه الهديَ، وحملوا أن المتعة كانت لهم خاصة؛ لأنّهم حلّوا من الإحرام مع سوقهم الهديَ، وهذه طريقة القاضي.

قال: وهي منكرة عند الجماهير.

والقول الثاني: أنّ تمتَّع؛ بمعنى: أحرمَ بالعمرة، ولم يحلَّ؛ لسوقه الهدي، وأحرم بالحجّ بعد أن طاف وسعى للعمرة، وهي طريقة الشيخ أبي محمّد -يعني: الإمام الموفّق-، وقد يسمون هذا: قارنًا.

وأمّا الإمام الشّافعي رضي الله عنه، فقال تارة: إنَّه أفردَ، وتارةً: تمتّع، وأخرى: إنَّه أحرم مطلقًا، وأخذ بقول من نوى الإفراد، كعائشة؛ لكونها أحفظَ، وجابر، هكذا قال، وظن أن الأحاديث فيها ما يخالف بعضها بعضًا.

قال الشّافعي: فإن قال قائل: فمن أين أثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر دون ما قررت؟

قيل: لتقدُّم صحبة جابرٍ، وحسنِ سياقه، ولفضلِ حفظِ عائشة، ولقربِ ابنِ عمرَ منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قلت: والصوابُ: أن الأحاديث متّفقة إلا شيئًا يسيرًا يقع مثلُه في غير ذلك، فقد كان عثمانُ ينهى عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها، فقال عليّ: لقد علمتَ أننا تمتَّعنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: أجل، ولكنّا كنّا خائفين (1).

(1) تقدم تخريجه عند البخاري، ومسلم، وهذا لفظ مسلم.

ص: 288

فقد اتفق عثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهما على أنّهم تمتَّعوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو في "الصّحيح"، وقول عثمان: كنّا خائفين، فإنما كانوا خائفين في عُمرة القضية، وكانوا قد اعتمروا في أشهر الحجّ مطلقًا؛ ففي "الصّحيح": أن سيّدنا سعدَ بنَ أبي وقاص، لمّا بلغه أنَّ معاويةَ نهى عن المتعة، فقال: فعلناها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهذا كافرٌ بالعرش -يعني: معاوية-، (1) ومعلوم أنَّ معاويةَ كان مسلمًا في حجة الوداع، بل وفي عمرة الجعرانةِ عامَ الفتح، ولكن في عمرة القضيّة كان كافرًا بعرش مكّة، فقد سمّى سعدٌ عمرةَ القضيّة عمرةَ الجعرانة، وكانوا خائفين أيضًا عامَ الفتح، أمّا عامَ حجّة الوداع، فكانوا آمِنين؛ ولهذا قالوا: صلّينا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمنًى آمنَ ما كان النّاس ركعتين (2)، فلعلّه قد اشتبهَ حالُهم هذا العام، فاشتبه على مَنْ روى بأنه نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع، وإنّما كان النّهيُ في عام الفتح، وكما يظنّ بعضُهم أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبةَ في حجّة أو عمرة، وإنّما دخلَ عامَ الفتح، ولم ينقل أحدٌ أنّه دخلَها في حجّةٍ ولا عمرةٍ.

أو يكون مرادُ عثمان: أنّ غالبَ الأرض كانوا كفارًا مخالفين لنا، والآنَ قد فُتحت الأرض، فيتمكّن الإنسانُ أن يذهبَ إلى مِصرِه ثمّ يرجعَ بعمرة، وهذا لم يكن هكذا في حجّة الوداع لمن كان بها مجاورَ العدو بالشام والعراق ومصر.

وفي "الصّحيحين": عن مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّير، قال: قال عِمرانُ بنُ

(1) رواه مسلم (1225)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(2)

رواه البخاري (1033)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: الصلاة بمنى، ومسلم (696)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: قصر الصلاة بمنى، عن حارثهَ بن وهب رضي الله عنه.

ص: 289

حُصين: أُحدثك حديثًا لعلَّ اللَّهَ أن ينفعكَ به: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جمع بين حجه وعمرته، ثمّ إنّه لم ينهَ عنه حتّى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرِّمه (1).

وفي رواية: تمتَّعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وتمتَّعنا معه (2).

فهذا عمرانُ من أَجَلِّ السّابقين الأوّلين، أخبرَ أنّه تمتَّع، وأنّه جمع.

وفي "مسلم" عن [غنيم](3) بن قيس، قال: سألتُ سعدَ بنَ أبي وقاص عن المتعة في الحجّ، فقال: فعلناها، وهذا كافر بالعرش -يعني: معاوية- (4)، وهو إنّما كان كافرًا في عُمرة القضية.

وكان الشّاميون ينهَوْنَ عن الاعتمار في أشهر الحجّ، فصار الصَّحابة يروون السّنة في ذلك ردًّا على مَنْ نهى عن ذلك، فالقارِنُ عندهم مُتمتّعٌ؛ ولهذا وجبَ عليه الهديُ، ودخل في قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196].

وفي "البخاري"، وغيرِه: عن عمرَ بنِ الخطاب، قال: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقولُ: "أتاني الليلةَ آتٍ من ربّي عز وجل، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارَكِ، وقُلْ: عُمْرَة في حَجَّةٍ"(5)، وفي رواية:"وقل: عُمرةٌ وحَجَّةٌ"(6).

(1) رواه البخاري (4246)، كتاب: التفسير، باب:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، ومسلم (1226/ 167)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(2)

رواه مسلم (1226/ 171)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(3)

في الأصل: "عثمان"، والصواب ما أثبت.

(4)

تقدم تخريجه قريبًا.

(5)

رواه البخاري (1461)، كتاب: الحج، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العقيق واد مبارك".

(6)

رواه البخاري (6911)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر =

ص: 290

وفي "الصّحيحين": عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بالحجِّ والعمرةِ.

قال بكر: فحدّثتُ ابنَ عمر، فقال: لَبَّى بالحجِّ وحدَه، فلقيتُ أنسًا، فحدّثُته، فقال أنس: ما يَعُدُّونا إلّا صِبيانًا، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلبّي بالحجّ والعمرةِ جميعًا (1).

وقد روى سالم، وهو من أوثق الناس، وثقاتِ أصحابِ ابن عمر: أن ابن عمر قال: تمتّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالعمرة والحجِّ، وهم أثبتُ عن ابنِ عمرَ من بكرٍ، وغلطُ بكرٍ أولى من غلطِ سالمٍ ابنهِ عنه.

قال ابن تيمية عن حديث ابنِ عمر الذي تقدّم: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم تمتَّع في حجَّةِ الوداع بالعمرة إلى الحجّ: هذا من أصحِّ حديث على وجه الأرض.

وثبت عن عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين"، وغيرهما: أنّه صلى الله عليه وسلم اعتمرَ أربَع عُمَرٍ: عمرةَ الحديبية، وعمرةَ القضَّية، وعمرة الجعرانة، [و] الرّابعة مع حجّه (2). ولم يعتمرْ بعدَ حجّه باتّفاق المسلمين؛ فتعيّن أن يكون تمتُّعَ قِرانٍ.

وأمّا الذين نقلوا أنّه أفردَ، فثلاثةٌ: عائشةُ، وابنُ عمر، وجابر رضي الله عنهم، والثّلاثة نُقل عنهم التّمتُّع.

= النبي صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم.

(1)

رواه مسلم (1232)، كتاب: الحج، باب: في الإفراد والقران بالحج والعمرة. والحديث من أفراد مسلم عن البخاري.

(2)

رواه البخاري (1685)، كتاب: العمرة، باب: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومسلم (1255)، كتاب: الحج، باب: بيان عدد عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن.

ص: 291

وحديث عائشةَ، وابنِ عمر: أنه تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أصحُّ من حديثهما: أنَّه أفردَ، وما صحَّ من ذلك عنهما، فمعناه: إفرادُ أعمالِ الحجّ.

وفي "الصّحيحين": أنَّه صلى الله عليه وسلم أمرَ أزواجَه أن يَحْلِلْنَ عامَ حجةِ الوداع.

قالت حفصة: فما يمنعُكَ أن تحلّ؟ قال: "إنّي لَبَّدْتُ رَأْسي، وَقلَّدْت هَدْيي، فَلا أَحِلُّ حَتَى أَنْحَرَ"(1).

وفي حديث عائشةَ وابن عمرَ المتقدّمِ: فطافَ بالصّفا والمروة، ثمّ لم يَحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه حتّى قَضَى حَجَّهُ، ونَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْر، وأفاضَ فطافَ بالبيتِ، ثمّ حَلَّ من كلِّ شيء، فكلّ هذا يدلّ على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان معتمرًا، وليس فيه: أنَّه لم يكنْ مع العمرةِ حاجًّا.

فقد تبيّن أن الرواياتِ الكثيرةَ الثّابتةَ عن ابن عمرَ وعائشةَ توافق ما فعله سائر الصَّحابة رضي الله عنهم: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان متمتِّعًا التّمتُّعَ العام، وأما ما جاء: أنَّه صلى الله عليه وسلم أحرم مطلقًا، فاحتجّ بحديث مرسَل، فلا يعارِضُ هذه الأحاديثَ الثّابتةَ، فظهر؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن من قال: أفرد الحجّ، وأراد أنَّه اعتمر بعدَ حجّه؛ كما يظنّ بعض المتفقهة، فهو مخطىء، وأما [من] (2) قال: أفرد الحجَّ بمعنى: أنه لم يأتِ مع حجة بعمرة، فقد اعتقده بعض العلماء، وهو غلط؛ لاتفاقهم أنَّه اعتمر أربعَ عمر، الرابعة مع حجّه.

ومن قال: إنَّه تمتّع؛ بمعنى: أنَّه لم يحرم بالحج حتّى طافَ وسعَى، فقوله أيضًا غلطٌ.

(1) سيأتي تخريجه في حديث الباب هذا.

(2)

في الأصل: "إن"، والصواب ما أثبت.

ص: 292

ومن قال: تمتّع بأنه حلّ من إحرامه، فهو مخطىء باتفاق العلماء العارفين بالأحاديث.

ومن قال: إنَّه قَرَنَ؛ بمعنى: أنَّه طافَ طَوافين، وسعى سَعْيين، فقد غلط، ولم ينقل ذلك أحدٌ من الصَّحابة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكأنّ هذا وقع ممّن دون الصّحابة ممّن لم يفهم كلامَهم، وأمّا الصَّحابةُ، فَنُقولُهم متفقة (1).

الثاني: اختلف الفقهاء في القارن، هل يطوفُ طوافين، ويسعى سَعْيين، أم يكفيه طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحد؟

فمذهب الثلاثة: يكفيه طوافٌ واحد وسعيٌ واحد، وعملُ العمرة دخل في الحجّ كما يدخل الوضوء في الغسل.

ومذهب أبي حنيفة: أنَّه يطوف طوافين، ويسعى سعيين، يطوف ويسعى للعمرة أولًا، ثمّ يطوف ويسعى للحج ثانيًا، وإذا فعل محظورًا، فعليه فديتان.

وقد روي مثل هذا عن علي، وابن مسعود رضي الله عنهما.

والأحاديثُ الصّحيحة تبيّن أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يطف ولم يسعَ إلّا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا، كما في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْي، فَلْيُهِلَّ بالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثمّ لا يحلُّ [حتى يحلَّ] مِنْهُما جَميعًا".

وقالت فيه: فطاف الذين كانوا أَهَلُّوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، [ثم حلُّوا]، ثمّ طافوا طوافًا آخر بعدَ أن رجعوا من مِنًى لحجّهم،

(1) وانظر: فيما نقله الشارح رحمه الله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مجموع الفتاوى"(26/ 62 - 75).

ص: 293

وأمّا الذين جمعوا الحجَّ والعمرةَ، فإنما طافوا طوافًا واحدًا (1).

وفي "مسلم" عنها: أنَّه قال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَسَعُكِ طَوافُك لحجّكِ وعُمْرَتكِ"، فأبت، فبعثها مع عبد الرحمن -يعني: أخاها- إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحجّ (2).

وفي "الصّحيحين"، و"السّنن": أنَّه قال صلى الله عليه وسلم لها: "يَسَعُكِ لَحِجِّكِ وعُمْرَتِكِ"، (3)"يَكفيكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ"، (4) و"قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وعُمْرَتكِ جَميعًا"، قالت: يا رسول اللَّه! إنّي أجدُ في نفسي أنّي لم أطف بالبيت حين حججتُ، قال:"فاذهبْ بها يا عبدَ الرَّحْمَنِ فأَعْمِرْها مِنَ التَّنْعِيمِ"(5).

فقد أخبرت أنَّ الذين قَرَنوا لم يطوفوا بالبيت وبين الصّفا والمروة إلّا الطوافَ الأوّلَ الذي طافَه المتمتِّعون أولًا، وقال لها:"يسعكِ طوافُكِ لحجّكِ وعُمْرَتِكِ"، فدلّ أنها كانت قارنة، وأنه يجزئها طواف واحدٌ وسعيٌ واحد؛ كالمفرِد، لاسيما وهي لم تطفْ أوّلًا طوافَ قدوم، بل لم تطفْ إلّا بعد التعريف، وسعت مع ذلك.

(1) رواه البخاري (1481)، كتاب: الحج، باب: كيف تهل الحائض والنفساء؟ ومسلم (1211/ 111)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.

(2)

رواه مسلم (1211/ 132)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.

(3)

رواه أبو داود (1897)، كتاب: المناسك، باب: طواف القارن.

(4)

رواه البخاري (1446)، كتاب: الحج، باب: الحج على الرحل، ومسلم (1213)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، وأبو داود (1785)، كتاب: المناسك، باب: في إفراد الحج.

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ:"دخلت العمرة في الحج" مرتين "لا، بل لأبد أبد".

ص: 294

فإذا كان طوافُ الإفاضة والسّعيُ بعدَه يكفي القارنَ، فلا يكفيه طوافُ القدوم مع طواف الإفاضة، وسعى واحدٌ مع أحدهما بالأولى.

وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إِلى يومِ القيامَةِ"، فإذا دخلت، لم تحتج إلى عملٍ زائد (1).

الثّالث: يلزم المتمتعَ دم بالإجماع، وهو دم نُسك لا جُبرانٍ.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: إذا دخلَ بعمرة، يكون قد جمع اللَّه له عمرةً وحجةً ودمًا.

قال في "الفروع": هو دمُ نسكٍ لا جُبرانٍ، وإلا، لَما أُبيح له التّمتُّع بلا عذر؛ لعدمِ جواز إحرامٍ ناقصٍ يحتاج أن يجبره بدم.

فإن قيل: لو كان دمَ نسك، لم يدخله الصّومُ؛ كالهدي والأضحية، ولاستوى فيه جميعُ المناسك؟

قيل: دخول الصّوم لا يخرجه عن كونه نسكًا، ولأن الصّوم بدلٌ، والقُرَبُ يدخلُها الإبدال، واختصاصه لا يمنع من كونه نسكًا؛ كالقِران نسك، ويقتصر على طوافٍ وسعي، ولأن سبب التّمتّع من جهته كمن نذر حجة يُهدي فيها هديًا، ثمّ إنما اختصّ؛ لوجود سببه، وهو الترفُّهُ بأحد السفرين.

فإن قيل: نسكٌ لا دمَ فيه أفضلُ، كالإفراد لا دم فيه.

فالجواب: يردُّ عليك: تمتُّعُ المكّيِّ لا دمَ فيه، وتمتُّع غيره الذي فيه الدَّم سواء عندك، وإنّما يفضل ما لا دمَ فيه على ما فيه دم إذا كان سببُ الدمِ

(1) انظر ما ذكره الشارح رحمه الله في التنبيه الثاني: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (26/ 76 - 78).

ص: 295

الجنايةَ، ولهذا إفرادٌ فيه دمُ تطُوّعٍ أفضلُ من إفرادٍ لا دمَ فيه.

فإن قيل: القِرانُ مسارَعَةٌ إلى فعلِ العبادتين، فكانَ ينبغي أن يكون أفضلَ من التّمتُّع؛ للآية، وكالصّلاة أوّل وقتها.

فالجواب: العبرة بمسارَعَةٍ شرعية، ولهذا تختلف الصّلاةُ أوّلَ وقتِها وآخرَه، وتؤخَّرُ لطلب الماء، ولجماعةٍ.

وقد نقل المروذيُّ عن الإمام أحمد رضي الله عنه: أنَّ [الحجي](1) إن ساقَ الهديَ، فالقِرانُ أفضلُ، ثمّ التّمتُّعُ، اختاره شيخُ الإسلام ابنُ تيمية، قال: وإن اعتمرَ وحجَّ في سفرتين، أو اعتمرَ قبلَ أشهرِ الحجّ، فالإفرادُ أفضلُ باتّفاقِ الأئمةِ الأربعة، (2) نصّ عليه الإمامُ أحمد في الصّورة الأولى، وذكره في "الخلاف" وغيره، وهي أفضل من الثّانية (3).

وإنّما يلزم المتمتّعَ الدَّمُ بشروط سبعة:

* أحدها: أَلَّا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ إجماعًا، وهم أهلُ مكّة والحرَمِ، ومَنْ كان من الحرم دونَ مسافة قَصْر.

فمَنْ له منزلان متأهّلٌ بهما، أحدُهما دونَ مسافة قصر، والآخرُ فوقَها، أو مثلها، لم يلزمه دمٌ (4).

وكونُ مَنْ منزلُه دونَ مسافةِ قصرٍ من الحرمِ لم يلزمْهُ دمٌ، هو مذهبُ أحمدَ، والشافعيِّ.

وقال مالك: هم أهلُ مكّة.

(1) كذا في الأصل، وليست في شيء من نسخ "الفروع" التي وقفت عليها.

(2)

انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 466).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 223 - 224).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 561).

ص: 296

وقال أبو حنيفة: هم أهلُ المواقيت ومَنْ دونَهم إلى مكّة (1).

وإن استوطن مَكَّةَ أفقيٌّ، فحاضِر، لا دمَ عليه، فإن دخلَها متمتِّعًا ناويًا الإقامةَ بها بعدَ فراغ نسكه، أو نواها بعدَ فراغِه منه، أو استوطن مكّيّ بلدًا بعيدًا، ثمّ عادَ إلى مكّة مُقيمًا متمتّعًا، لزمه دمٌ؛ اتفاقًا.

* الثّاني: أن يعتمرَ في أشهر الحجّ، والاعتبارُ بالشّهر الذي أحرمَ فيه، لا بالذي حَلَّ فيه؛ فلو أحرم بالعمرة في رمضان، ثمّ حلّ في شوال، لم يكن متمتّعًا.

وإن أحرمَ الأفقيُّ بعمرةٍ في غير أشهر الحجّ، ثمّ أقام بمكةَ، واعتمرَ من التّنعيم في أشهُرِ الحجّ، وحجَّ من عامه، فمتمتِّعٌ، نصًا، وعليه دم (2).

* الثّالث: أن يحجَّ من عامِه؛ وفاقًا للمالكية، والشّافعية؛ لأنّ ظاهر الآية الموالاةُ، [و] لأنه أولى بعدم وجوبِ الدم عليه ممّن يعتمرُ في غير أشهُرِه، ثمّ يحجُّ من عامِه؛ لكثرة التّباعُد.

* الرّابع: أَلَّا يسافر بينَ الحجّ والعمرة مسافةَ قَصْر فأكثر، فإن فعل، فأحرم، فلا دمَ، نصّ عليه الإمام أحمد.

روي عن عمر رضي الله عنه: من رجعَ، فليس بمتمتّعٍ، (3) وهو عامٌّ، ولأنه بالسّفر لم يترفَّهْ بتركِ أحدِ السَّفرين كمحلِّ الوفاق، ولا يلزم المفرد.

وفي "الفصول"، و"المذهب"، و"المحررّ": إن أحرمَ به من الميقات، فلا دمَ.

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 232).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 561).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(13006).

ص: 297

ونصّ عليه الإمام أحمدُ؛ وفاقًا للشّافعي.

وحمله القاضي على أنَّ بينه وبين مكّة مسافَةَ قصر.

وقال ابن عقيل: بل هو رواية كمذهب الشّافعي.

وقال أبو حينفة: إن رجع إلى أهله، فلا دم. وروي عن ابن عمر.

وقال مالك: إن رجعَ إلى بلده، أو بقدره، فلا دمَ (1).

* الخامس: أن يحلّ من العمرة قبلَ إحرامه بالحجّ، فإن أحرمَ به قبل حلّه منها، صار قارنًا.

* السادس: أن يُحرم بالعمرة من الميقات، أو من مسافة قصر فأكثرَ من مكّة.

ونصُّ الإمام أحمد، واختاره الموفّقُ وغيرُه:[أنَّ] هذا ليس بشرط، وهو الصّحيح؛ لأنَّا نسمّي المكّي متمتّعًا، ولو لم يسافر (2).

وقال ابن المنذر، وابن عبد البرّ: أجمع العلماءُ على أن مَنْ أحرم بعمرة في أشهُره، وحلّ منها، وليس من حاضري المسجد الحرام، ثمّ أقام بمكة حلالًا، ثمّ حجّ من عامه: أنّه متمتّعٌ عليه دمٌ.

* السابع: أن ينوي التّمتُّعَ في ابتداء العمرة، أو أثنائِها. ذكره القاضي، وتبعه الأكثر.

واختار الموفّق: عدمَ اعتبار ذلك، وهو الأصحُّ للشّافعية؛ لظاهر الآية، وحصول التَّرفُّه (3).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 232).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 562).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 233).

ص: 298

ولا يعتبر وقوع النُّسكين عن واحد؛ فلو اعتمر لنفسه، وحجَّ عن غيره، أو عكسه، أو فعل ذلك عن اثنين، كان عليه دمُ المتمتّعِ.

ولا تُعتبر هذه الشروط في كونه متمتّعًا؛ لأنَّ المتعة تصحُّ من المكّيِّ كغيره، واللَّه أعلم (1).

الرابع: يلزم القارنَ أيضًا دمُ نسكٍ إذا لم يكنْ من حاضري المسجد الحرام.

ويلزم دمُ تمتُّع وقِرانٍ بطلوعِ فجرِ يومِ النحر، ولا يسقطان بفسادِ نسكِهما؛ وفاقًا لمالك، والشافعي، ولا بفواتِه.

وإذا قضى القارن قارنًا، لزمه دَمَان؛ دمٌ لقِرانِه الأوّلِ، ودمٌ للثّاني.

وإن قضى مفردًا، لم يلزمه شيء.

وجزم غير واحد: بل يلزمه دمٌ لقرانه الأول؛ وفاقًا للشافعي.

فإذا فرغ، أحرمَ بالعمرة من الأبعد من الميقاتين اللذين أحرمَ من أحدهما بالقِران، ومن الآخرِ بالحج؛ كمن أفسدَ حجَّه، وإلّا لزمَه دمٌ.

وإن قضى متمتِّعًا، فإن تحلّلَ من العمرة، أحرمَ بالحج من أبعدِ الموضعين: الميقات الأصل، والموضع الذي أحرم منه الإحرامَ الأوّل، واللَّه أعلم (2).

الخامس: الطّوافُ بالبيت أحدُ أركانِ الحجّ، بل هو المقصودُ بالذّات.

ثمّ إن الطّواف المؤقت أربعة:

طواف القدوم، وهو سنّة.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 562).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 234)، و"الإقناع" للحجاوي (1/ 562 - 563).

ص: 299

وطواف الوداع: وهو واجب.

وطواف الإفاضة، ويسمى: طواف الصَّدَر، وطواف الزيّارة، وهو ركنُ الحجّ الأعظمُ.

وطواف العمرة: وهو ركنها الأعظم.

قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في "مثير العزم السّاكن": الأصل في الطّواف من حيث النّقل ما سُئل عنه عليُّ بنُ الحسين عن ابتدائه، فقال: لما قال اللَّه تعالى للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ، و {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} ، و {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، ظنّت الملائكة أنَّ ما قالوا ردٌّ على ربهم، فلاذُوا بالعرش، وطافوا به؛ إشفاقًا من الغضب عليهم، فوضع لهم البيت المعمور، فطافوا به، ثمّ بعث ملائكة، فقال: ابنوا لي بيتًا في الأرض بمثاله، وأمر اللَّه تعالى خلقَه أن يطوفوا به كما [يطوف](1) أهلُ السماء بالبيت المعمور.

وأمّا من حيث المعنى: فهو لياذ بالمخدوم، وخدمة له (2).

السادس: السعيُ أحدُ أركانِ الحجّ، وسببُ مشروعيته سعيُ هاجرَ أُمِّ إسماعيلَ بين الصّفا والمروة، ويأتي الكلام عليه في الحديث العاشر من باب: فسخ الحجّ إلى العمرة -إن شاء اللَّه تعالى-.

فأركانُ الحجّ: الإحرامُ، والوقوف، والطّواف، والسّعي.

وواجباته سبعة: الإحرامُ من الميقات، والجمعُ بين الليل والنَّهار في الوقوف بعرفة لمن وقفَ نهارًا، والمبيتُ بمزدلفة إلى ما بعدَ نصف اللّيل،

(1) في الأصل: "يطوفوا" والصواب ما أثبت.

(2)

انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 155).

ص: 300

والمبيتُ بمنًى، والرَّميُ مرتَّبًا، والحلقُ أو التقصير، وطواف الوداع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: طوافُ الوداع ليسَ من الحجّ، وإنّما هو لكلِّ من أرادَ الخروج من مكّة (1).

وأركانُ العمرة ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسّعي.

وواجباتها: الإحرام من الحلّ، والحلقُ أو التّقصير.

وما عدا ذلك، فسنن.

فمن ترك ركنًا، لم يتمَّ نسكُه؛ للآية، لكن لا ينعقدُ نسكُه بلا إحرام.

ومن ترك واجبًا، ولو سهوًا، فعليه دمٌ، وإن عدمه، فكصوم المتعة ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع، والإطعام عنه -على ما تقدّم-.

ومن ترك سنة، فلا شيء عليه (2).

السّابع: يُشترط لصحّة الطواف ثلاثةَ عشرَ شرطًا:

الإسلامُ، والعقلُ، والنيّةُ المعينةُ، وسترُ العورة، وطهارةُ الحدث -لا لطفل دون التّمييز-، وطهارةُ الخبث، وتكميلُ السّبع، وجعلُ البيت عن يساره، والطّوافُ بجميع البيت، وأن يطوفَ ماشيًا مع القدرة، وأن يوالي بينه، وأَلَّا يخرجَ من المسجد -يعني: بأن يطوف خارجَ المسجد-، وأن يبتدىء من الحجر الأسود فيحاذيه.

وسننه عشر:

استلامُ الرّكن، وتقبيلُه أو ما يقومُ مقامَه من الإشارة، واستلامُ الرُّكن

(1) انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 215).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 35).

ص: 301

اليماني، والاضطباعُ، والرَّمَلُ، والمشيُ في مواضعه، والذِّكرُ، والدّعاءُ، والدُّنُوُّ من البيت، وركعتا الطّواف.

وإذا فرغ من ركعتي الطّواف، وأراد السّعيَ، سُنَّ عوده إلى الحَجر، فيستلمه، ثمّ يخرج إلى الصّفا من بابه (1).

وشروط صحّة سعي تسع:

الإسلامُ، وعقلٌ، ونية معيّنةٌ، ومُوالاةٌ، ومشيٌ لقادر، وتكميلُ السَّبع، واستيعابُ ما بين الصّفا والمروة، وكونُه بعدَ طوافٍ صحيح -ولو مسنونًا-؛ يعني: بأن يكون طوافَ نسكٍ مثلَ طوافِ القدوم، وبدءُ أوتار من الصفا وأشفاعٍ من المروة.

وسننه:

طهارةُ حدثٍ وخبث، وسترُ عورة، وذِكْرٌ، ودعاءٌ، وإسراعٌ، ومشيٌ في مواضع كُلٍّ منهما، ورقي، وموالاة بينَه وبينَ طواف، فإن طاف بيوم، وسعى في آخر، فلا بأسَ، ولا يُسن عقبَ السعي صلاة، (2). واللَّه تعالى الموفق.

* * *

(1) المرجع السابق، (2/ 12 - 13).

(2)

انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي الحنبلي (2/ 408 - 409).

ص: 302